الأربعاء، 12 يناير 2022

ذكر قتال الملحَمة مع الرّوم الذي آخره فتح القسطنطينيَّة الي سيرة الدجال ويأجوج ومأجوج وتخريب الكعبة شرفها اللّه على يدي ذي السويقتين الأفحج قبحه اللّه و خروج الدابة من الأرض تكلم الناس وطلوع الشمس من المغرب وطلوع الشمس من المغرب والدخان الذي يكون قبل يوم القيامة

النهاية في الفتن والملاحم
ج / 1 ص -86-  
 ذكر قتال الملحَمة مع الرّوم الذي آخره فتح القسطنطينيَّة
وعنده يخرج المسيح الدجال فينزل عيسى ابن مريم من السماء الدنيا إلى الأرض على المنارة البيضاء الشرقية بدمشق وقت صلاة الفجر، كما سيأتي بيان ذلك كله بالأحاديث الصحيحة.
وقال الإِمام أحمد: حدثنا محمد بن مصعب هو القرقساني، حدثنا الأوزاعي، عن حسان بن عطية، عن خالد بن معدان، عن جبير بن نفير، عن ذي مخمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم:
"تُصَالِحُونَ الرُّومَ صُلْحاً آمِناً وتَقْهَرُونَ أنْتُمْ وهُمْ عدواً من وَرائهم فتسلمون وتغنمون ثم تنزلون بمرج ذي تلول، فيقوم الرجل من الروم فيرفَعُ الصليب ويقولُ الأغلبُ الصليبُ، فيقوم إليه رجل من المسلمين فيقتله فعند ذلك تغدر الرومُ وتكونُ الملاحمُ فيجمعون لكم فيأتونَكم في ثمانين غايةً مع كُلِّ غايةٍ عشرةُ آلاف1".
ثم رواه أحمد عن روح عن الأوزاعي به وقال فيه:
"فعند ذلك تغمر الروم ويجمعون الملحمة"
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث رواه أبو داود، كتاب الملاحم، باب ما يذكر من ملاحم الروم 2- 425.
ج / 1 ص -87- وهكذا رواه أبو داود، وابن ماجه من حديث الأوزاعي به. وقد تقدم في حديث عوف بن مالك في صحيح البخاري:
"فَيأاتُونكُمْ تحت ثمانين غايةً كل غايةٍ اثْنَا عَشَرألفاً".
وهكذا في حديث شداد أبي عمار عن معاذ:
"يسيرون إليكم بثمانين بنداً تحت كل بند إثنا عشر ألفاً".
وقال الإِمام أحمد: حدثنا إسماعيل، حدثنا أيوب، عن حميد بن هلال، عن أبي قتادة، عن أسير بن جابر قال: هاجت ريح حمراء بالكوفة فجاء رجل ليس له هجيري1 إلا يا عبد الله بن مسعود جاءت الساعة، وكان عبد الله متكئاً فجلس فقال: إن الساعة لا تقوم حتى لا يقسم ميراث ولا يفرح بغنيمة، قال: ثم قال بيده2 هكذا ونحاها نحو الشام، وقال عدو يجمعون لأهل الإِسلام ويجمع لهم أهل الإِسلام قلت:
"الرومَ تعْني? قال: نعم ويكون عند ذاكُم القتال ردةٌ شديدةٌ".
قال: فيشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة، فيقتتلون حتى يحجز بينهم الليل فيبقى هؤلاء كل غير غالب تفنى الشرطة، 
=ثم يشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة فيقتتلون ثم يبقى هؤلاء وهؤلاء كل غير غالب وتفنى الشرطة، 
=ثم يشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة فيقتتلون حتى يحجز بينهم الليل فيفيء هؤلاء وهؤلاء كل غير غالب وتفنى الشرطة، فإذا كان اليوم الرابع نهد3 إليهم بقية أهل الإسلام فيجعل الله الدائرة عليهم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1لهجير: بهاء مكسورة وجيم مكسورة مشددة وراء مقصورة الدأب والشأن: أي إنه مشغول بنداء عبد الله بن مسعود وقوله له جاءت الساعة.
2 أي أشار بيده إلى جهة الشام.
3 نهد إليه: نهض و تصدى.ج / 1 ص -88- فيقتتلون مقتلة إما قال لا ندري مثلها، وإما قال لا يرى مثلها حتى إن الطائر ليمر بجنباتهم فما يخلفهم حتى يخر ميتاً فيعاد بنو الأرب كانوا مائْة فلا يجدونه بقي منهم إلا الرجل الواحد، فبأي غنيمة يفرح أو أي ميراث يقاسم. قال: فبينما هم كذلك إذا سمعوا ببأس هو أكبر من ذلك قال فجاءهم الصريخ1 أن الدجال قد خلفهم في ذراريهم فيرفضون ما في أيديهم ويقبلون فيبعثون عشرة فوارس طليعة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إني لأعلم أسماءهم وأسماء آبَائِهم وألوانَ خيولهم هم خير فوارس على ظهر الأرض يومئذٍ".

 
 =تفرّد بإخراجه مسلم، فرواه عن أبي بكر بن أبي شيبة وعلي بن حجر كلاهما عن إسماعيل بن علية من حديث حماد بن زيد كلاهما عن أيوب، 
 
=ومن حديث سليمان بن المغيرة كلاهما عن حميد بن هلالي العدوي، عن أبي قتادة العدوي، وقد اختلف في اسمه والأشهر ما ذكره، ابن معين أنه يهم ابن نذير، وقال ابن منده وغيره كانت له صحبة فالله أعلم.
 
وتقدم من رواية جبير بن نفير، عن عوف بن مالك في تعداد الأشراط بين يدي الساعة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"والسادسة هُدْنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيسيرون إليكم في ثمانين غايةً تحت كل غايةٍ اثنا عَشر ألفاً، وفُسطاطُ المسلمين يومئذ في أرض يقال لها الغُوطةُ في مدينة يقال لها دِمَشقُ"
رواه أحمد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الصريخ: المستنجد المستصرخ.


ج / 1 ص -89- وروى أبو داود من حديث جبير بن نفير أيضاً، عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"إِن فسْطَاطَ المسلمين يومَ الْمَلحَمَةِ بالْغُوطةِ إلى جانب مدينة يقال لها دمشق من خير مدائن الشام1".
وتقدم حديث أبي خذم، عن عبد الله بن عمر في فتح القسطنطينية، وكذا حديث أبي قبيل عنه في فتح رومية بعدها أيضاً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1الحديث رواه أبو داود، كتاب الملاحم، في المعقل من الملاحم 2- 426
لا تقوم الساعة حتى يقتل المسيح عليه السلام الدجال عليه لعنة اللّه أو حتى ينتصر الخير ونوره على الباطل وظلامه
وقال مسلم بن الحجاج، حدثني زهير بن حرب، حدثنا يعلى بن منصور، حدثنا سليمان بن بلال، حدثنا سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"لا تقوم الساعة حتى ينزل الرومُ بالأعماق1 أو بدابِقَ، فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ فإذا تصافوا قالت الروم خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم فيقول المسلمون والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا، فيقاتلونهم فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبدا ويقتل ثلث هم أفضل الشهداء عند الله ويفتتح الثلث لا يفتنون أبدا فيفتحون قسطنطينية فبينما يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون إذ صاح فيهم الشيطان أن المسيح قد خلفكم في أهليكم فيخرجون وذاك باطل فإذا جاءوا الشام خرج فبينما يعدون للقتال ويسوون الصفوف إذ اقيمت الصلاة فنزل عيسى ابن مريم فأمهُم، فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملحُ في الماء فلو تركه لانْذَابَ حتى يَهْلِكَ ولكن يَقْتُلُه الله بِيدهِ فيريهم دَمَهُ في حَرْبَتِه".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الأعماق ودابق موضعان في بلاد سورية قرب حلب. 
 ===
ج / 1 ص -90- لا إله إلا اللّه واللّه أكبر بعزم شديد وايمان صادق تدك الحصون وتفتح المدائن
وقال مسلم: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا عبد العزيز يعني ابن محمد، عن ثور وهو ابن زيد الديلي، عن أبي المغيث، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"سمعتم بمدينة جانبٌ منها في البر وجانبٌ منها في البحر? قالوا نعمِ يا رسول الله قال: "لا تقوم الساعة حتى يغزوهَا سبعون ألفاً من بني إسحاق، فإذا جاءُوها نَزَلُوا فَلَمْ يُقاتِلُوا بسلاح ولم يرْمُوا بِسَهْم، وإنما قالوا لا إله إلا الله والله أكبر فيسْقَطُ أحدُ جانِبَيْها. قال ثَوْر: ولا أعْلَمُهُ إلا قال الذي في البحر، ثم يقولوا الثانية لا إله إلا الله والله أكبر فيسقط جانبها الآخر، ثم يقولوا الثالثة لا إله إلا الله والله أكبر فيُفَرِّجُ لهم فيدخلونها فيَغْنَمُون".
فبينما هم يقسمون الغنائم إذ جاءهم الصريخ1 فقال: إن الدجال قد خرج فيتركون كل شيء ويرجعون.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الصريخ: الاستنجاد والاستغاثة والمستنجد المستغيث.
إشارة نبوية إلى فتح المسلمين لبلاد الروم واستيلائهم على كثير من الغنائم
وقال ابن ماجه: حدثنا علي بن ميمون الرقي، حدثنا أبو يعقوب الحبيبي، عن الكثير بن عبد الله بن عمرو بن عون، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لا تقوم الساعة حتى يكون أدنى شُيُوخ المسلمين يَتَوَلَّى، ثم قال يا علي يا علي يا علي: قال بأبي أنت وأمي يا رسول الله، قال: إنّكم ستقاتلون بني الأصفر ويقاتلهم الذين من بَعْدِكم حتى يَخْرجَ إليهمُ رُوقَةُ الإِسلام أهل الحجاز الذين لا يخافون في الله لَومةَ لائم، فيفتحون القسطنطينية بالتسبيح والتكبير فيصيبون غنائم لم يصيبوا مثلها حتى يقتسموا بالأترِسةِ، ويأتي آت فيقولُ إن المسيح قد خرج في بلادكم ألا وهِيَ كِذْبَة فالآخذ نادم والتارك نادمٌ"1.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 حديث ضعيف:
- رواه ابن ماجه في سننه 36, كتاب الفتن, 35- باب الملاحم
وفيه: كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني المدني ضعيف من السابعة, منهم من نسبه إلى الكذب د.ت.ق. تقريب التهذيب 2-132.


ج / 1 ص -91- إشارة نبوية إلى ما سيكون من فتح المسلمين لبعض الجزر البحرية ولبلاد الروم وبلاد فارس ومن انتصار حقهم على باطل الدجال
وقال مسلم: حدثنا قتيبة، حدثنا جرير، عن عبد الملك بن. عمر، عن جابر بن سمرة، عن نافع بن عيينة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"تغزون جزيرة البحر فيفتحها الله، ثم فارس فيفتحها الله، ثم تغزون الرومَ فيفتحها الله، ثم تغزون الدجالَ فيفتحه الله".
بعض خصال الروم الحسنة
وقد روى مسلم من حديث الليث بن سعد، حدثني موسى بن علي، عن أبيه قال: قال المستورد القرشي عند عمرو بن العاص سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"تقوم الساعة والروم أكثرُ الناس" فقال له عمرو: أبْصِرْ ما تقولُ:


ج / 1 ص -92- قال: أقُولُ ما سمعتُ من رسوٍل الله صلى الله عليه وسلم. قال: لئنْ قلتَ ذَاك فإن فِيهِمْ لخِصالاً أرْبعاً: إنَّهم لأحكمُ الناس عند فتنةٍ، وأسرعُهم إفَاقَة. بعد مصية، وأوشكهم كرةً بعد فَرةٍ ، وخيرُهم لمِسْكين ويتيم وضعيف، وخامسة حسنة جميلة وأمنعهم من ظُلم الملوك1".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث رواه مسلم، 52- كتاب الفتن وإشراط الساعة، 10 – باب تقوم الساعة والروم أكثر الناس "ح 2898".
- وأحمد في مسنده 4- 230.
تقوم الساعة والروم أكثر الناس
ثم قال مسلم: حدثني حرملة بن يحيى، حدثنا عبد الله بن وهب، حدثني أبو شريح أن عبد الكريم بن الحارث حدثه أن المستورد القرشي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"تقوم الساعة والروم أكثر الناس" قال: فبلغ ذلك عمرو بن العاص فقال: ما هذه الأحاديثُ التي يُذْكَرُ عنك أنك تقُولها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم? فقال له المستورد: قلت الذي سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمرو: "إنْ قلتَ ذاكَ إنَّهم لأحكمُ الناس عند فتنةٍ ، وأجْبرُ الناس عند مصيبة، وخيرُ الناس لمساكينِهم وضعفائِهم".
وهذا يدل على أن الروم يسلمون في آخر الزمان، ولعل فتح القسطنطينية يكون على يدي طائفة منهم كما نطق به الحديث المتقدم أنه يغزوها سبعون ألفاً من بني إسحاق، والروم من سلالة العيص بن إسحاق بن إبراهيم الخليل، فمنهم أولاد


ج / 1 ص -93- عم بني إسرائيل وهو يعقوب بن إسحاق، فالروم يكونون في آخر الزمان خيراً من بني إسرائيل، فإن الدجال يتبعه سبُعون ألفاً من يهود أصبهان فهم أنصار الدجال، وهؤلاء أعني الروم قد مدحوا في هذا الحديث فلعلهم يسلمون على يدي المسيح ابن مريم والله أعلم.
وقال إسماعيل بن أبي أويس، حدثنا كثيرّ بن عبد الله بن عمرو بن عوف، عن أبيه، عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"ستقاتلون بني الأصفر ويقاتلهم من بَعْدكُم من المؤمنين أهْل الحجاز ِحتى يَفْتَح الله عليهم القسطنطينيةَ وروميةَ بالتسبيح والتكبير قيتهدّم حصنَها فيصيبون ما لم يصيبوا مثله قط حتىِ إنهم يقتسمون بالأترسة، ثم يصرخ صارخٌ يا أهل الإِسلام المسيحُ الدجال في بلادكم وذراريكم، فيَنْفَضُّ الناس عن المالِ منهم الآخذُ ومنهم التاركُ الآخذ نادم والتارك نادمٌ يقولون: مَن هذَا الصارخً? ولا يعلمون من هو، فيقولون ابعثوا طليعةً إلى إيلياءُ فإن يَكُنْ المسيحُ قد خرج يأتوكم بعلمه. فيأتون فينظرون ولا يَرَوْنَ شَيئاً ويَرَوْنَ الناس ساكِنين، ويقولون ما صرخَ الصارخُ إلا لنبأ عظيم فاعزموا ثم ارفضُّوا فيعزمون أن نخرج بأجمعنا إلى إيلياء1، فإن يكن الدجال خرج نقاتله حتى يحكم الله بيننا وبينه، وإن تكن الأخرى فإنها بلادكم وعشائركم إن رجعتم إليها2".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 إيلياء: هي بيت المقدس.
2 الحديث رواه ابن ماجه وقد سبق تخريجه وهو حديث ضعيف.


ج / 1 ص -94- إشارة إلى أن المدينة المنورة ستتعرض للضعف حين يعمر بيت المقدس
وقال الإِمام أحمد: حدثنا أبو النضر، حدثنا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، عن أبيه، عن مكحول، عن جبير بن نفير، عن مالك بن بحار، عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"عمرانُ بيتِ المقدِس خرابُ يثرب، وخروج الملحمة فتح القسطنطينية، وفتح القسطنطينية خروج الدجال قال ثم ضرب بيده على فخذ الذي حدثه أو منكبِه ثم قال: "إنَّ هَذَا لَحَق مِثْلُ مَا إِنَّكَ ها هُنَا أوْ كَمَا أَنَّكَ قاعد1".
وهكذا رواه أبو داود، عن عباس العنبري، عن أبي النضر هاشم بن القاسم به، وقال هذا إسناد جيد وحديث حسن وعليه نور الصدق وجلالة النبوة، وليس المراد أن المدينة تخرب بالكلية قبل خروج الدجال، وإنما ذلك في آخر الزمان كما سيأتي بيانه في الأحاديث الصحيحة، بل تكون عمارة بيت المقدس سبباً في خراب المدينة النبوية، فإنه قد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن الدجال لا يقدر على دخولها يمنع من ذلك بما على أبوابها من الملائكة القائمين بأيديهم السيوف المصلتة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو داود، كتاب الملاحم، باب في أمارات الملاحم 1-425.
عصمة المدينة المنورة من الطاعون ومن دخول الدجال
وفي صحيح البخاري من حديث مالك، عن نعيم المحمر، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"المدينة لا يدخلها الطاعونُ ولا الدجالُ".
وفي جامع الترمذي أن المسيح عيسى ابن مريم يدفن إذا مات في الحجرة النبوية.


ج / 1 ص -95- إشارة نبوية الى ما سيكون من امتداد عمران المدينة المنورة
وقد قال مسلم: حدثني عمرو بن الناقد، حدثنا الأسود بن عامر، حدثنا زهير، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"تَبلُغُ المساكنُ إهابَ1 أو يهَاب".
قال زهير، قلت لسهيل: وكم ذلك من المدينة? قلت: كذا وكذا مثلاً، فهذه العمارة إما أن تكون قبل عمارة بيت المقدس وقد تكون بعد ذلك بدهر، ثم تخرب بالكلية كما دلت على ذلك الأحاديث التي سنوردها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1إهاب بكسر الهمزة والهاء المفتوحة المخففة بعدها ألف فباء: اسم مكان قرب المدينة ويقول بعض رواة الحديث إن اسمه يهاب بكسر الياء والهاء المخففة المفتوحة بعدها ألف فباء أيضا.
إشارة نبوية إلى خروج أهل المدينة منها في بعض الأزمة المستقلة
وقد روى القرطبي من طريق الوليد بن مسلم، عن ابن لهيعة، عن أبي الزبير، عن جابر أنه سمع عمر بن الخطاب على المنبر يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم يقول:
"يخرج أهل المدينة منها ثم يعودون إليها فيَعْمُرُونَها حتى تمتلىء ثم يَخْرُجُونَ منها ثم لا يعودون إليها أبداً".
وفي حديث عن أبي سعيد مرفوعاً مثله وزاد الوليد عنها:
"وهي خير ما تكون مربعة".
قيل: فمن يأكلها؟1. قال: "الطير والسباع".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المراد أكل ما بها من الثمار.


ج / 1 ص -96- وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"يتركون المدينة على خير ما كانت لا يغشاها إلا العوافي1 يريد عوافي السباع والطير، ثم يخرج راعيان من مزينة يريدان المدينة ينعقان2 بغنمهما فيجدانها وحشى3، حتى إذا بلغا ثنية الوداع خرا على وجوههما".
وفي حديث حذيفة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء إلا أني لم أسأله ما يخرج أهل المدينة منها? وفي حديث آخر عن أبي هريرة:
"يخرجون منها ونصف ثمرها رطب". قال: ما يخرجهم منها يا أبا هريرة? قال: امرؤ السوء.
وقال أبو داود: حدثنا ابن مقيل، حدثنا عيسى بن يونس، عن أبي بكر بن أبي مريم، عن الوليد بن سفيان الغساني، عن يزيد بن قطيب السلواني، عن أبي بحر، عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"الملحمة الكبرى وفتحُ القسطنطينية وخروجُ الدجال في سبعة أشهر"4.
ورواه الترمذي، عن عبد الله بن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، عن الحكم بن أبان، عن الوليد بن مسلم به. وقال: حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وفي الباب عن مصعب بن حبابة، وعبد الله بن بسر، وعبد الله بن مسعود
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1عوافي الطير والسباع: هي التي تحوم وتتردد على الشيء تريد الوقوع عليه.
2 ينعقان: يصيحان.
3 يقال رجل وحشان مغتم مهموم ووحشي مؤنث وحشان والمراد كثيبة خاوية
4 الحديث رواه أبو داود، كتاب الملاحم، باب في تواتر الملاحم 2- 426. –وابن ماجه رقم 4092.


ج / 1 ص -97- وأبي سعيد الخدري، ورواه ابن ماجه، عن هشام بن عمار، عن الوليد بن مسلم وإسماعيل بن عياش عن أبي بكر بن أبي مريم به.
وقال الإِمام أحمد، وأبو داود واللفظ له، حدثنا حيوة بن شريح الحمصي، حدثنا بقية، عن بحر بن سعد، عن خالد هو ابن معدان، عن أبي بلال، عن عبد الله بن بسر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"بَيْنَ الملحمة وفتح المدينة ستّ سنين ويخرج الدجال في السابعة1".
وهكذا رواه ابن ماجه، عن سويد بن سعيد، عن بقية بن الوليد، وهذا مشكل مع الذي قبله اللهم إلا أن يكون بين أول الملحمة وآخرها ست سنين، ويكون بين آخرها وفتح المدينة وهي القسطَنطينية مدة قريبة بحيث يكون ذلك مع خروج الدجال في سبعة أشهر والله تعالى أعلم.
قال الترمذي: حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا أبو داود، عن شعبة، عن يحيى بن سعيد، عن أنس بن مالك قال:
"فتح القسطنطينية مع قيام الساعة".
قال محمود: هذا حديث غريب، والقسطيطينية مدينة الروم تفتح عند خروج الدجال، والقسطنطينية فتحت في زمان الصحابة بعد النبي صلى الله عليه وسلم هكذا قال إنها فتحت في زمن الصحابة وفي هذا نظر، فإن معاوية بعث إليها ابنه يزيد في جيش فيهم أبو أيوب الأنصاري ولكن لم يتفق أن فتحها وحاصرها مسلمة بن عبد الملك بن مروان في زمان دولتهم ولم تفتح أيضاً، ولكن صالحهم على بناء مسجد بها كما قدمنا ذلك مبسوطاً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو داود، كتاب الملاحم، باب في تواتر الملاحم 2-426
- ورواه ابن ماجه رقم 4093.
========
النهاية في الفتن والملاحم 
ج / 1 ص -98- مقدمة فيما ورد من ذكر الكذابين الدجالين وهم كالمقدمة بين يدي المسيح الدجال
خاتمتهم قبَّحه اللّه وإياهم وجعل نار الجحيم متقلبهم ومثواهم
إشارة نبوية إلى أنه سيكون بين يدي الساعة كذابون يدعون النبوة
روى مسلم من حديث شعبة وغيره، عن سماك، عن جابر بن سمرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"إنَّ بَيْنَ يَدي الساعة كذابين".
قال جابر: فاحذروهم.
وقال الإِمام أحمد، حدثنا موسى، حدثنا ابن لهيعة، عن أبي الزبير، عن جابر أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"إن بين يدي الساعة كذابين منهم صاحبُ اليمامةِ وصاحب صنعاء العَبْسِيّ، ومنهم صاحبُ حِمْيَر، ومنهم الدجالُ وهو أعظمهم فتنةً".
قال جابر: "وبعض أصحابي يقول قريباً من ثلاثين رجلاً" تفرّد به أحمد.
وثبت في صحيح البخاري، عن أبي اليمان، عن شعيب، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:


ج / 1 ص -99- "لا تقوم الساعة حتى يُبْعَثَ دجالون كذابون قريبٌ من ثلاثين كل يزْعُمُ أنَّه رسول الله1".
وذكر تمام الحديث وطوله.
وفي صحيح مسلم من حديث مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبيِ هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين كل يزعم أنه رسول الله".
حدثنا محمد بن زامع، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم غير أنه قال: "يَنْبَعِث".
وقال الإمام أحمد، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، سمعت العلاء بن عبد الرحمن يحدث، عن أبيه، عن أَبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"لا تقوم الساعة حتى يظهر دجالون ثلاثون كلهم يزعم أنه رسول الله ويَفِيضُ المالُ فيكثرُ وتظهرُ الفتن ويكثر الْهَرْجُ والْمَرْجُ" قال: قيل أيّ الهرْج.? قال: "القتلُ القتلُ القتلُ ثلاثاً".
تفرّد به أحمد من هذا الوجه وهو على شرط مسلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه مسلم، 52 – كتاب الفتن، 18 باب لا تقوم الساعة حتى يمر .... حديث رقم 157.
- ورواه البخاري 92، كتاب الفتن، حديث رقم 7121 – فتح الباري وروى ابن ماجه نحوه من حديث طويل.
- 36- كتاب الفتن 9- باب ما يكون في الفتن حديث رقم 2952، ورواه الترمذي وأبو داود وأحمد في مسنده.


ج / 1 ص -100- وقد رواه أبو داود عن القعنبي، عن الدراوردي، عن العلاء به. ومن حديث محمد بن عمرو، عن علقمة، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون دجالاً كذابون، كلهم يكذب على الله وعلى رسوله".
وقال أحمد، حدثنا يحيى بن عوف، حدثنا جلاس، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"بين يدي الساعة قريبٌ من ثلاثين دجالين كلهم يقول أنَا نَبِي".
وهذا إسناد جيد حسن تفرّد به أحمد أيضاً.
وقال أحمد، حدثنا حسن بن موسى، حدثنا ابن لهيعة، أخبرنا سلامان بن عامر، عن أبي عثمان الأصبحي قال: سمعت أبا هريرة يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"سيكون في أمتي دجالون كذابون يأتونكم بِبِدَع من الحديثِ بما لم تسمعوا أنْتُم ولا آباؤُكُم فإيَّاكم وإياهم لا يَغُشُّونَكم ".
وفي صحيح مسلم من حديث أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"وإِنَّه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون كلهم يزْعُمُ أنه نبي وأنا خاتم الأنبياء لا نَبِيّ بعدي" الحديث بتمامه.
ج / 1 ص -101- وقال الإِمام أحمد: حدثنا أبو الوليد، حدثنا عبدالله بن أياد بن لقيط، حدثنا أبار، عن عبد الرحمن بن أنعم أو نعيم الأعرجي مثله: أبو الوليد قال: سأل رجل ابن عمرعن المتعة وأن عنده متعة النساء? فقال: والله ما كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتابين ولا مسافحين1 ثم قال: والله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"ليكونَنَّ قَبْلَ يوم القيامة المسيحُ الدجال وكذابون ثلاثون أو أكثر".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المسافحون: الزناة.
اشارة نبوية إلى أنه سيكون في الأمة الاسلامية دعاة إلى النار
ورواه الطبراني من حديث مورق العجلي عن ابن عمر بنحوه.
تفرّد به أحمد.
قال الحافظ أبو يعلى، حدثنا واصل بن عبد الأعلى، حدثنا ابن فضيل، عن ليث، عن سعيد بن عامر، عن ابن عمرقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"إن في أمتي لنَيفاً1 وسبعينَ داعِياً كلُّهُم داع إلى النار لو أشاءُ لأنْبأتُكم بأسْمائهم وقبائلهم".
وهذا إسناد لا بأس به.
وقد روى ابن ماجه به حديثاً في الكرع والشرب باليد، وقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا أبو كريبط،حدثنا محمد بن الحسن الأسدي، حدثنا هارون بن صالح الهمداني، عن الحرص بن عبد الرحمن، عن أبي الجلاس قال:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 النيف بفتح النون وتشديد الياء مكسورة بعدها فاء ما بين الثلاثة إلى التسعة


ج / 1 ص -102- سمعت علياً يقول لعبد الله بن سبأ، ويلك والله ما أفضي إليَّ بشيء كتمته أحداً من الناس، ولقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"إن بين يدي الساعة ثلاثين كذاباً " وإنك لأحدهم.
ورواه أيضاً عن أبي بكر بن شيبة، عن محمد بن الحسين به.
وقال أبو يعلى: حدثنا زهرة، حدثنا جرير، عن ليث، عن بشر، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"يكون قبل الدجال نَيّفٌ وسبعون دجالاً".
فيه غرابة والذي في الصحاح أثبت والله أعلم.
وقال أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن طلحة بن عبدالله، عن عوف، عن أبي بكرقال: وافى مسيلمة قبل أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه شيئاً فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً فقال:
"أما بعد ففِي بيان هذا الرجل الذي قَد أكْثَرْتم فيه أنه كذابٌ من ثلاثينَ كذاباً يخرجون بين يدي الساعة وأنه ليس بلدٌ إلاَّ يبلغها رُعْب المسيح ".
وقد رواه أحمد أيضاً، عن حجاج، عن الليث بن سعد، عن عقيل، عن ابن شسهاب، عن طلحة، عن عبد الله بن عوف، عن عياض بن نافع، عن أبي بكرة فذكره وقال فيه:
"فإنه كذّاب من ثلاثين كذاباً يخرجون قبل الدجال، وإنه ليس بلد إلا سيدخله رعب المسيح". تفرّد به أحمد من الوجهين.

ج / 1 ص -103- وقال الإِمام أحمد: حدثنا أبو جعفر المدايني وهو محمد بن جعفر، أخبرنا عباد بن العرام، حدثنا محمد بن إسحاق، عن محمد بن المنمدر، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن أمَامَ الدجال سنين خِداعةً يَكْذبُ فيها الصادقُ ويُصدق فيها الكاذب، فيَخُون فيها الأمينُ ويُؤتَمَنُ فِيها الخائِنُ، ويتكلم فيها الرُّوَيْبِضةُ" قيل: وما الرُّوَيْبِضَةُ? قال: "الْفُوَيْسِق يتكلم في أمر العامة" وهذا إسناد جيد. تفرّد به أحمد من هذا الوجه. 
=============
النهاية في الفتن والملاحم 

الكلام على أحاديث الدجال
بعض ما ورد من الآثار في ابن صياد
قال مسلم: حدثني حرملة بن يحيى بن عبد الله بن حرملة بن عمران التجيبي، أخبرني ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب أن سلم بن عبد الله أخبره أن عبد الله بن عمر بن الخطاب انطلق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رهط قبل ابن صياد حتى وجده يلعب مع الصبيان عند أطم بني مغالة1، وقد قارب ابن صياد يومئذ الحلم فلم يشعر حتى ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهره بيده? ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن صياد: "أتشهد أني رسول الله?" فنظر ابن صياد فقال: أشهد أنك رسول الأميين: وقال ابن صياد لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أتشهد أني رسول الله? فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"آمنت باللة ورسله?" ثم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ماذا ترى?" قال ابن صياد: يأتيني صادق وكاذب? فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خلط عليك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أطم بني مغالة بميم مفتوحة فغين معجمة يقع على يمين الواقف بآخر البلاط مستقبلا مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام والأطم الحصن ج أطام.


ج / 1 ص -104- الأمر?" ثم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إني قد خبأت إليك خبأ"، فقال ابن صياد: هو الرخ1 فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اخْسَأ فَلَنْ تَعْدوَ وقَدَرك".
وقال عمر بن الخطاب: مرني يا رسول الله أضرب عنقه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن يكنه فلن تُسلَّطَ وإن لا يَكُنْه فلا خَيْرَ لك في قَتْلِهِ".
وقال سالم بن عبد الله: سمعت عبد الله بن عمر يقول: انطلق بعد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبيّ بن كعب إلى النخل التي فيها ابن صياد، حتى إذا دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم النخل طفق يتقي بجذع النخل وهو يختل أنه يسمع من ابن صياد شيئاً قبل أن يراه ابن صياد، فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع على فراش في قطيفة له فيها زمزمة فرأت أم ابن صياد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتقي بجذوع النخل فقالت لابن صياد: يا صاف وهو اسم ابن صياد هذا محمد فثار ابن صياد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو تركته بين" قال سالم، قال عبد الله بن عمر: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فأثنى على الله بما هو له أهل ثم ذكر الدجال فقال:
"إني لأنْذِركُمُوهُ ما من نَبِي إلاّ وقد أنْذَرْ قَوْمَهُ لقد أنذره نوحٌ قومِه ولكِنْ أقول لكم فيه قولاً لم يَقُلْه نبي لقومه تعلَمُوا أنه أعورُ وإنَّ الله ليس بأعْور".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الرخ: بضم الراء وتشديد الخاء نبات لين رخو هش رخاخ ورخخه وفي مسلم: قال "دخ" بالدال المضمومة والخاء المشددة والمراد به آية الدخان أن النبي عليه السلام أضمر له آية الدخان هي قوله تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ}.
والحق أن ابن صياد قال كلمة بتراء لا معنى لها على عادة الكهان، وأنه لم يكن يعني شيئا بكلمته فهو مشعوذ أفاك.


ج / 1 ص -105- قال ابن شهاب: وأخبرني عمر بن ثابت الأنصاري أنه أخبره بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوماً يحذر الناس الدجال:
"إنَّهُ مَكْتُوبٌ بين عينيه كافرٌ يَقرؤُهُ مَنْ كَرِهَ عَمَلَهُ أوْ يقرؤُه كل مؤمن، وقال تعلَّموا أنه لن يرى أحد منكم لربِّه حتى يموت1".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1الحديث رواه مسلم، حديث رقم 2930.
- وأحمد في مسنده 3610 مختصرا.
تحذير الرسول من الدجال وذكر بعض أوصافه
وأصل الحديث عند البخاري هو حديث الزهري عن سالم عن أبيه بنحوه، وروى مسلم أيضاً من حديث عبيد الله بن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الدجال بيْنَ ظهْراني اَلناس فقال:
"إن اللَّهَ ليسَ بأعورَ إلا إن المسيحَ الدجالَ أعورُ العين اليُمْنى كأنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طافِية1".
ولمسلم من حديث شعبة عن قتادة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"مَا مِنْ نبِيّ إلاَّ قَدْ أنذر أمتَه الأعورَ الكذابَ ألا2 إنَّهُ أعورُ وإن ربَّكم ليس بأعورَ مكتوبٌ بيْنَ عَيْنَيْه كافرٌ3".
رواه البخاري من حديث شعبة بنحوه.
قال مسلم، وحدثني زهير بن حرب، حدثنا عثمان، حدثنا عبد الوارث، عن سعيد بن الحجاب، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه مسلم رقم 169.
2 ألا: بفتح الهمزة واللام مخففة أداة تنبيه.
3 رواه مسلم رقم 2933.


ج / 1 ص -106- "الدجالُ ممسوخُ العين مكتوبٌ بين عينيه كافرٌ ثم تهجَّاها كافرٌ يقرؤُها كل مسلم".
ولمسلم من حديث الأعمش، عن سفيان، عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لأنَا أعْلَمُ بِمَا مَعَ الدّجالِ مِنْهُ، مَعَهُ نهران يجريان أحدهُما رَأيَ العين مَاء أبيضُ، والآخر رَأيَ العين نارٌ تَأجَّجُ فإمّا1 أدْرَكَنَّ أحدَكم فَلْيَأتِ الذي رآه ناراً وليُغْمض ثم ليُطاطِىءْ رأسَه فيشربَ فإنه ماءٌ بَارِد، وإِن الدجال ممسوحُ العين عَلَيْهَا ظَفَرة2 غَليظةٌ مكتوب بين عينيه كافرٌ يقرؤُه كل مؤمن كاتبٍ وغير كاتبٍ".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1إما: هي إن الشرطية مدغمة نونها في إما الزائدة والمراد إن أدرك الدجال أحدكم.
2 ظفرة بفتح الظاء المعجمة والقاء جلدة تغشى البصر.
نار الدجال جنة وجنته نار
ثم رواه من حديث شعبة، عن عبد الملك بن عمرو، عن ربعي، عن حذيفة، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه. قال ابن مسعود وأنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. ورواه البخاري من حديث شعبة بنحوه.
وروى البخاري ومسلم من حديث شيبان، عن عبد الرحمن، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ألا اخْبركم عن الدجال حديثاً ما حَدَّثَهُ نبيٌّ قومَه إنه أعورُ وإنه يجيءُ معه مِثْلُ الجنّةِ والنارِ فالتي يقول إنها الجنّةُ هي النارُ وإني أنذرتكم به كما انذر بهِ نوحٌ قومَه1".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه مسلم رقم 2936.

ج / 1 ص -107- تحذير الرسول صلى الله عليه وسلم أمته من أن تغتر بما مع الدجال من أسباب القوة والفتنة
وروى مسلم من حديث مسلم بن المنكدر قال: رأيت جابر عبد الله يحلف بالله أن ابن صياد هو الدجال، فقلت: تحلف بالله? فقال: إني سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم1.
وروي من حديث نافع أن ابن عمر لقي ابن صياد في بعض طرق المدينة، فقال له ابن عمر قولاً أغضبه فانتفخ حتى ملأ السكة، وفي رواية أن ابن صياد نخر كأشد نخير حمار يكون، وأن ابن عمر ضربه حتى تكسرت عصاه، ثم دخل على أخته أم المؤمنين حفصة فقالت: ما أردت من ابن صياد أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"إِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْ غَضْبَةٍ يغضبها"?.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1رواه مسلم رقم 2929.
ليس ابن صياد هو الدجال الأكبر وإنما هو أحد الدجالة الكبار الكثار
قال بعض العلماء: إن ابن صياد كان بعض الصحابة يظنه الدجال، وهو ليس به إنما كان رجلاً صغيراً.
وقد ثبت في الصحيح أنه صحب أبا سعيد فيما بين مكة والمدينة، وأنه تبرم إليه بما يقول الناس فيه إنه الدجال، ثم قال لأبي سعيد ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إنه لا يدخل المدينةَ" وقد ولدتُ بها، وإِنه لا يُولَدُ له وقد وُلدَ لي، وإِنه كافر وإِني قد أَسلمت1".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه مسلم رقم 2927.

ج / 1 ص -108- قال: ومع هذا فإني أعلم الناس به وأعلمهم بمكانه ولو عرض عليَّ أن أكون إياه لما كرهت ذلك.
وقال أحمد، حدثنا عبد المتعال بن عبد الوهاب، حدثنا يحيى بن سعيد الأموي، حدثنا المجالد عن أبي الوداك عن أبي سعيد قال:
ذكر ابن صياد عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال عمر: إنه يزعم أنه لا يمر بشيء إِلا كلمه والمقصود أن ابن صياد ليس بالدجال الذي يخرج في آخر الزمان قطعاً، وذلك لحديث فاطمة بنت قيس الفهرية فإنه فيصل في هذا المقام والله أعلم.
حديث فاطمة بنت قيس في الدجال
قال مسلم، حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث وحجاج بن الشاعر كلاهما
عن عبد الصمد، واللفظ لعبد الوارث بن عبد الصمد، حدثني أبي، عن جدي، عن الحسين ابن ذكوان، حدثنا ابن بريدة، حدثني عامر بن شراحيل الشعبي، سمعت حمدان يسأل فاطمة بنت قيس أخت الضحاك بن قيس وكانت من المهاجرات الأول فقال:
"حَدِّثِينِي حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تَسْتَنِدِينَ فيه إلى أحَدٍ غيرِهِ، فقالت: نَكَحْت المُغيرةَ وهو من خيار شباب قريش يَومئِذٍ ، فأصِيبَ في أوَلِ الجهادِ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلمَا ماتَ خَطَبَنِي عبدُ الرحمن بنُ عوفٍ في نَفَر من أصحابِ محمد صلى الله عليه وسلم وخَطَبَنِي رسول الله صلى الله عليه وسلم عَلَى مَوْلاَه أسَامَةَ، وقد كنتَ حُدِّثْتُ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ أحَبَّنِي فَلْيُحِبَّ أسَامَةَ"، فلما كًلّمَنِي رسول الله صلى الله عليه وسلم قلتُ: أمْرِي بِيدِكَ فأنكِحْني مَنْ شِئْتَ? فقال: "انْتَقلي إِلى أمِّ شَريك وأمُّ شَريك امرأة غنيةٌ من الأنصَار عظيمةُ النفَقةِ في سَبيل الله ينزل عليها الضيفَانُ" فقلت: سأفعَل.
فقال: "لا تفعلي إِنَّ أمَّ شَريك امرأةٌ كثيرةُ الضيفان وإِني أكْرَه أن =

ج / 1 ص -109- يَسْقُطَ عَنْكَ خِمَارُكِ أوْ يَنْكَشِفَ الثَوبُ عن سَاقَيْك فَيَرَى القَومُ منك بَعْضَ ما تكرهين، ولكن انتقلي إِلى ابن عمك عبد الله بن عمرو بن أم مكتوم" وهو رجل من بني فِهْر ِفِهْر ِقريش من البطن الذي هِيَ مِنهُ، فانتقلت إِليه فلما انقضَتْ عِدَّتي سمعت المناديَ مناديَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي الصلاةُ جامعةٌ فخرجتُ إِلى المسجد فصليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكنت في صف النساءِ التي تلي ظهور القوم.
ما روي عن تميم الداري من رؤية الجساسة والدجال
فلما قَضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صلاتَه جَلَسَ على المنبرِ وهو يَضْحَكُ فقالَ: "لِيَلْزَمْ كل إِنسانٍ مُصلاهُ" ثم قال: "أتدرُونَ لِم جَمَعْتًكُمْ?" قالوا: اللَّهُ ورسولهُ أعلمُ: قال: "إِني واللَّهِ ما جمعتكم لِرغبةٍ ولا لِرَهْبَة، ولكن لأن تميماً الدَّارِي كان رجلاً نَصرانياً فجاءَ فبايع وأسلم، وحدثني حديثاً وافق الذي كنت أحَدّثكم عن المسيح الدجالِ، حدثني أنه ركب البحر في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلاً من لَخْم وجُذَامَ، فلعب بهم الموج شهراً في البحر ثم أرْسَوا إِلى جزيرة في البحر حيث1 تَغْرُبُ الشمسُ فجلسوا في أقرب2 السفينة فدخلوا الجزيرة فَلَقيَهُمْ شَيْءُ أهْلَبُ3 كَثِيرُ الشَّعْرِ لاَ يدْرُونَ مَا قُبُلُه مِن دُبُرِهِ مِنْ كِثْرَةِ الشَّعْرِ، فَقَالُوا: وَيْلَكَ مَا أنْتَ? قال: أنا الجَسَّاسَةُ. قالوا: وما الجَسَّاسَةُ? قالت: أيها القوم انطلقوا إِلى هذا الرجل بالدَّيْر فإِنه إِلى خَبَرِكُم بِالأشواق4 قال: فلما سَمّتْ لَنَا رجلاً فَرقْنَا5

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1حيث تغرب الشمس أي في نظر العين وغروب الشمس في مكان معين في نظر معين إنما هو من خداع الحس كما هو معروف.
2 أدنى مكان منها إلى شاطئ الجزيرة، أو هو جمع فقارب.
3 الأهلب كثير الشعر غزيرة غليظة.
4 إلى خبركم بالأشواق أي شديد الشوق إلى خبركم.
5 رقه خفه


ج / 1 ص -110- منها أَن تكون شيطانة. قال: فانْطَلَقْنَا سِرَاعاً حتى دخلنا الديرَ، فإِذا فيه أعظمُ إِنسان رأيناه قط خَلْقاً وأشَدَّه وثاقاً مجموعةٌ يداه إِلى عُنُقِهِ ما بين ركبتيهِ إِلى كعبيه بالحديد. قلنا: وَيْلَكَ مَا أنْتَ? قالَ: قَدْ قدَرْتُمْ على خَبَرِي فأخبروني ما أَنتم? قالوا: نحن أناسٌ من العرب ركبنا في سفينة بحرية فصادفنا البحر حين اغتَلَمَ1، فلعب بنا الموج شهراً ثم أرْفأنا2 إِلى جزيرتك هذه، فجلسنا في أقربهَا فدخلنا الجزيرة فلقينا دابة أَهلب كثيرةَ الشَعر ِما ندري ما قبُلهُ من دُبُرِهِ من كثرة الشعرِ، فقلنا وَيْلَكَ ما أنت? فقالت: أنا الجَسَّاسَةُ، قالت: أَعمدوا إِلى هذَا الرجل في الدَّيْر ِفإِنه إِلى خَبَركُمْ بِالأشوَاق، فأقبلنا إليكم سراعاً وفَرَغنَا منها ولم نَأمَنْ أن تكون شيطانة، فقال: أخبروني عن نخل بَيْسَانِ فَقلنا عن أيّ شأنَها تَسْتَخْبِرُ? قال: أسألكم عن نَخْلها هل يُثْمَرُ? قلنا له: نَعَم. قال: أمَا إِنَّه يُوشِك أن لا يُثْمِرَ. قال: أخبروني عن بحيرة الطَّبَرَيَّةِ، قلنا: عن أي شَأنَها تستخبر؟ قال: هل فيهَا مَاءَ? قالوا: هي كثيرة الماءَ. قال: إِن ماءَها يوشك أن يذهب. قال: أخبروني عن عين زُغَرْ3 قالوا: عن أَي شأنها تستخبر? قال: هل في العين ماءُ؟ وهل يَزْرَعُ أهلها بماءٍ العين؟ قلنا له: نعم هي كثيرة الماءِ وأَهلها يزرعون من مائها. قال: أخبروني عن نبي الأمِيّينَ ما فعل? قالوا: قد خرج من مكة ونزل بِيَثْرِب4. قال: أقاتله العرب? قلنا: نعم. قال: كيف صنع بهم؟ فأخبرناه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1اغتلم البحر هاج واشتدت أمواجه وتجاوزت حركتها الحد المعتاد.
2 أرفأ: التجأ.
3 زغر: بضم الزي وفتح الغين المعجمة بعدها راء إحدى بلاد الشام.
4 يثرب: اسم مدينة الرسول عليه السلام.


ج / 1 ص -111- أنه قد ظَهَرَ على مَنْ يليهِ من العرب وأَطاعوه قال: قال لهم قد كان ذاكَ? قلنا: نعم. قال: أمَا إِنه خيرٌ لهم أنْ يطيعوه وإِني مخبركم عَنِّي، إِنِّي أنَا المسِيحُ، وإِني يُوشِكُ أنْ تُؤْذَن لِي في الخروج فَأخْرُجَ فأسيرُ في الأرض فلا أدَعَ قريةً إِلا هَبَطتُها في أربعين ليلةً غير مكة وطيبةَ فهما محرمتانِ عليَّ كِلّتَاهُمَا كُلما أرَدْتُ أن أدخل واحدة أو إِحداهما اسْتَقْبَلَني مَلك بِيَدِهِ السيفُ صَلْتا1 يَصُدَّني عَنْهَا، وإِنَّ عَلَى كلِّ نَقْبٍ منها ملائكة يحرسونها قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وطَعَنَ بِمِخْصَرتِهِ في المنبر هذه: طيبةُ يَعني المدينَةَ ألاَّ هَلْ كنت حدثتكم ذلك? فقال الناسُ: نَعَمْ. قال: إنَّهُ أعْجَبَني حديث تميم إنَّهُ وافق الذي كنتُ أحدثكم عنه وعن المدينة ومكة ألاَ إِنه في بحر الشام أو بحر اليمن لا بل من قبل المشرق" وَأوْمأ2 بيده إِلى المشرق. قالت: فحفظت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم3".
حديث فاطمة بنت قيس
رواه مسلم من حديث سيار، عن الشعبي، عن فاطمة قالت: فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يخطب فقال: "إِن بني عم لتميم الداري ركبوا في البحر وساق الحديث، ومن حديث غيلان بن جرير، عن الشعبي عنها فذكرته أن تميماً الداري ركب البحر فتاهت به السفينة فسقط إلى جزيرة فخرج إليها يلتمس الماء فلقي إنساناً يجر شعره" فاقتص الحديث، وفيه فأخرجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلى الناس يحدثهم فقال:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1السيف الصلت: الصقيل الماضي.
2 أزمأ: أشار.
3 رواه مسلم رقم 2942.
- ورواه أبو داود، كتاب الملاحم، باب في خبر الجساسة. 2- 432، 433.
- ورواه ابن ماجه، 36 – كتاب الفتن، 33 – فتنة الدجال رقم 4074.


ج / 1 ص -112- "هذه طيبة وذلك الدجال".
حدثني أبو بكر بن إسحاق، حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا المغيرة يحيى الحرامي، عن أبي الزناد، عن الشعبي، عن فاطمة بنت قيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قعد على المنبر فقال: "أيها الناس حدثني تميم الداري أن ناساً من قومه كانوا في البحر" وساق الحديث.

وقد رواه أبو داود، وابن ماجه من حديث إسماعيل بن أبي خالد، عن مجالد، عن الشعبي عنها بنحوه. ورواه الترمذي من حديث قتادة? عن الشعبي عنها وقال: حسن صحيح غريب من حديث قتادة عن الشعبي: وروراه النسائي من حديث حماد بن سلمة، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي عنها بنحوه، وكذلك رواه الإِمام أحمد عن عفان وعن يونس بن محمد المؤدب كل منهما.
وقال الإِمام أحمد، حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا مجالد عن عامر قال: قدمت المدينة فأتيت فاطمة بنت قيس فحدثتني:
أن زوجها طلقها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فقال أخوه: اخْرجي مِن الدار، فقلت له: إِن لي فيها نَفَقَةً وسَكنى حتى يَحِلَّ الأَجَلُ. قال: لا. قالت: فأَتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إِن فلاناً طلَّقَنِي وإِن أَخاه أَخرجني ومَنَعَني السُّكْنى والنفقةَ فأَرسلَ إِليه فقال: ما لك ولابنة آل قيس? قال: يا رسول الله: إِنَّ أَخي طلقها ثلاثاً جميعاً، فقال رسول الله: "انظُري يا ابنة قيس إِنَّما النفقةُ والسكْنَى للمرأة على زوجها ما كانت له عليها رَجعة، فإِذا لم يكن له عليها رجعةٌ فلا نفقةَ ولا سكنى اخرُجي فانزلي على فلانةَ"، ثم قال: "إِنه يتحدثُ إِليها إنزلي على ابن أمِّ مكثوم فإِنه أَعْمى لا يَرَاكِ، ثم لا تنكحي حَتى أكون


ج / 1 ص -113- أَنا أَنكحك"، قالت: فَخَطَبَنِي رجلٌ مِنْ قُرَيْش فأَتَيْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم اسْتأمُره، فقال: "أَلا تَنْكَحِينَ مَنْ هُو أَحَبُّ إِلَيّ منه"? فقلت: بلى يا رسول الله فأَنْكَحْنِي مَنْ أَحبَبَتَ. قَالت: فَأَنْكَحَنِي مِن أسَامَةَ بن زيد. قالت: فَلَمَّا أَردتُ أَنْ أخْرجَ قَالَتْ: اجْلِسْ حتى أَحَدِّثَكَ حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً من الأَيام فصلَّى صلاةَ الهاجرةِ ثم قَعَدَ فَفَرَغَ الناس، ثم قال: "اجلِسُوا أيُها الناسُ فَإِني لم أَقُمْ مقامي هذا لِفَزَع ولَكِنْ تَميم الداريُّ أَتاني فأَخبرني خبراً فمنعني من القيلولَةِ مِن الفَرَح وَقُرَةِ الْعَيْن، فأَحْبَبْتُ أَنْ أَنْشرَ عَلَيْكُم فَرَحَ نَبِيّكم، أَخبرني أَنَّ رَهْطاً من بني عمه ركبوا البحر فأَصَابتهم عواصفُ فأَلجأَتهم الريحُ إِلى جزيرة لا يعرفونها فقعدوا في قُوَيْرِبِ سفينة حتى إِذا خرجوا إِلى جزيرةٍ فإِذا هم بشيءٍ أَهْلَبَ كثيرِ الشَّعرِ لا يدرُون أَرَجلٌ هو أَم امرأَة، فسلَّموا عليه فَردَّ عَلَيهم السلامَ، فقالوا له: أَلا تخبرُنا. فقال: مَا أَنَا بمخْبِرِكُمْ ولا بِمُسْتَخْبِركُمْ، ولكِنْ هَذَا الدَيْرُ الذِي قَد رَأَيْتُمًوهُ فيهِ مَنْ هُوَ إِلى خَبَرِكُمْ بِالأَشْواق أَنْ يُخْبِرَكُمْ ويَسْتَخْبِرَكُمْ، قَالَ: قُلْنا: مَا أَنْتَ? قَال: الْجَسَّاسَةَ? فانطلقوا حتى أَتَوا الدير فإِذا هُمْ بِرَجْل مُوَثَّق شدِيدٍ الوثاق يًظْهرُ الحزنَ كثيرَ الشكر فسلّموا عَلَيْهِ فَرَدَّ عليهم قال: فَمَنْ أنْتُمْ? قالوا: نَحْن أنَاسُ مِنَ الْعَرَبِ. قال: ما فَعَلتِ العربُ أخرَجَ نَبيُّهُمْ? قالوا: نعم. قال: فما فَعَلوا? قَالوا: خيراً آمنوا به وصدَّقوهُ. قال: ذَاكَ خير لهم. قالوا: لَقَدْ كَانُوا له أعْدَاءَ فَأظْهَرَه1 الله عليهم. قال: فالعربُ اليوم إِلهُهُمْ واحِد ونبيُّهُم واحِدُ وكلمتهم واحدةُ? قالوا نعم: قال: فما عَمِلتْ عين زًغرَ? قالوا: صالحةٌ يَشْرَبُ مِنها أهلُها تَسْقِيهم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أظهره الله: نصره.


ج / 1 ص -114- ويَسْقونَ منها زَرْعَهُمُ. قال: فَمَا فَعَلَ نَخْلٌ بَيْنَ عَمّانَ وبَيْسَانَ. قالوا: صالح مُطْعِمٌ جَنَاهُ كُلَّ عَام. قال: ما فعلت بحيرة الطَّبَريةِ? قالوا: مَلأى. قال: فَزَفَر َثم حَلَفَ لو خَرَجتً مِن مكاني هذا ما تركت أرضاً من الله إِلا وَطِئْتًهَا1 غَيْرَ طيبةَ ومًكّةَ ليس لي عليهما سلطانً". قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لا يدخل الدجال طيبة.

إِلى هنا إِنتهى فرحي إِن طيبة المدينةُ إِن الله حرمها على الدجال أنْ يدخلَها" ثم حلف رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والله الذي لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ مَا لَهَا طَريق ضَيقٌ ولاَ واسعُ وَلاَ سَهْلُ وَلاَ جَبَلٌ إِلاَّ عَلَيْه مًلكٌ شَاهِرٌ السَّيْفَ2 إِلى يَوْم الْقِيَامةِ مَا يَسْتَطِيعُ الدَّجالُ أنْ يدخلَها على أهلِها".
قَالَ عامر: فلقيت المحرز بن أبي هريرة فحدثته بحديت فاطمة بنت قيس فقال: أشهد على أبي أنه حدثني كما حدثتك فاطمة غير أنه قال قال صلى الله عليه وسلم:
"إِنه في بَحْر الشَّرْق".
قال: ثم لقيت القاسم بن محمد فذكرت له حديث فاطمة فقال: أشهد على عائشة أنها حدثتني كما حدثتك فاطمة غير أنها قالت:
"الحرمَانِ عليه حرام مكةُ والمدينةُ".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وطئتها "دخلتها
2 شهر السيف: سله

ج / 1 ص -115- وقد رواه أبو داود وابن ماجه من حديث إسماعيل أبي خالد، عن مجالد عن عامر الشعبي، عن فاطمة بنت قيس بسطه ابن ماجه وأحاله أبو داود على الحديث الذي رواه قبله ولم يذكر متابعة أبي هريرة وعائشة كما ذكر ذلك الإِمام أحمد.
وقال أبو داود، حدثنا النفيلي، حدثنا عثمان بن عبد الرحمن، حدثنا ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن فاطمة بنت قيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخّر العشاء الآخرة ذات ليلة ثم خرج فقال:
"إِنَّهُ حَبَسَني حديث كان يُحدثُنِيهِ تميمُ الداري عن رجل في جَزيرة من جزائر البحر، فإِذا أَنا بإِمرأة تجر شَعْرَهَا فقال: ما أنْتِ? فقالت: أنا الجسَّاسة اذهب إِلى ذلك القصْرِ فأتَيتهُ فإِذا رجل يجرُّ شَعْرَهُ مُوَثَّقٌ بالأغلالِ يَنْزُو فيها بين السماءِ والأرض فقلت من أنت? قال: أَنا الدجال. قال: ما فعلت العرب? أخرج نبيهم? قلت: نعم. قال: أطَاعُوه أَمْ عَصَوْهُ? قلت: بلَ أطَاعُوه. قال: ذلك خير لهم".
فهذه رواية لعامر بن شراحيل الشعبي عن فاطمة بنت قيس بطوله كنحو ما تقدم.
ثم قال أبو داود، حدثنا ابن فضيل، عن الوليد بن عبد الله بن جميع، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم على المنبر:
"إِنَّه بَيْنَمَا أنَاس يسَيرُونَ في البحر فَنَفَدَ طعامُهم فرُفِعَتْ لهم جزيرةً فخرجوا يريدون الْخُبْزَ فلقيتهم الجساسة قلت لأبي سلمة: وما الجسَّاسة? قال: امرأة تجر شعرها شعر جلدِها ورأسِها".


ج / 1 ص -116- وقال في هذا القصر وذكر هذا الحديث، وسأل عن نخل بيسان، وعن زغر قال هو المسيح فقال لي ابن سلمة: أن في الحديث شيئاً ما حفظته. قال: شهد جابر أنه ابن صياد. قلت: فإنه قد مات قلت: فإنه أسلم. قلت: وإن أسلم قلت: فإنه قد دخل المدينة. قال: وإن دخل المدينة تفرّد به أبو داود وهو غريب جداً.
وقال الحافظ أبو يعلى، حدثنا محمد بن أبي بكر، حدثنا أبو عاصم سعد بن زياد، حدثني نافع مولاي، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استوى على المنبر، فقال: "حدثني تميم" فرأى تميماً في ناحية المسجد، فقال: "يا تميم! حدِّث الناس ما حدثني" قال:
"كنا في جزيرة فإِذا نحن بدابة لا ندْرِي ما قُبُلُها من دُبُرِها فقالت: تَعْجَبُون مِنْ خَلْقِي وفي الدَّيْر مَن يشتهي كَلاَمَكُمْ? فدخلنا الديْرَ فإِذا نحن برجل مُوَثقٌ في الحَديدِ من كَعْبِهِ إِلى أذُنِهِ، وإِذا أحد مِنْخَرَيْهِ مسدود وإِحدى عَينيه مطموسةٌ قال: فمن أنتم? فأخبرناه، فقال: ما فعلت بُحيرة طَبَريَّة? قلنا: كعهدها. قال: فما تفعل نَخْل بَيْسَانَ? قلنَا: كعهده. قال: لأَطأَن الأرض بقدمي هاتين إِلا بلدة إِبراهيم وطيبة1.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"طيبةُ هِيَ الْمَدِينَةُ".
وهذا حديث غريب جداً، وقد قال أَبو حاتم ليس هذا بالمتين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 بلدة إبراهيم عليه السلام: هي مكة المكرمة وطيبة هي المدينة المنورة
ابن صياد من يهود المدينة
وقال أحمد، حدثنا محمد بن سابق، حدثنا إبراهيم بن طهمان، عن أبي الزبير، عنِ جابر بن عبد الله أنه قال:


ج / 1 ص -117- "إِن إِمرأَة من اليهود بالمدينة ولدت غلاماً ممسوحةٌ عينُه طالعةً نابُه، فأَشْفق رسول الله صلى الله عليه وسلم أَن يكون الدجالَ فوجَدَه تحت قطيفة يهَمْهِم، فأدنَتْهُ أمه فقالت يا عبد الله: هذا أَبو القاسم قد جاءَ فاخْرُجْ إِليه من القطِيفةِ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ما لها. قَاتَلَها اللَّهُ لو تَرَكَتْه لَبَيّنَ" ثم قال: "يا ابنَ صَيّادٍ مَا تَرَى?" قال: أَرَى حقاً وأرى باطلاً وأرى عرشاً على الماءَ. قال: "فليس"1، فقال: "أَتشهد أَني رسول اللهّ؟،" فقال هو: أتشهد إِني رسول الله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"آمنت باللَّهِ ورسله"، ثم خرج وتركهُ، ثم أَتاه مرةً أخرى في نَخْل لَهم فأدْنته أمُّهُ فقالت: يا عبد الله: هذا أَبو القاسم قد جاءَ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا لَهَا قَاتَلَهَا اللَّهُ لو تَرَكَتْهُ لبيّن2".
قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطمع أن يسمع من كلامه شيئاً ليعلم أهو هو أم لا. قال: "يا ابن صياد ما ترى?" قال: أرى حقاً وأرى باطلاً وأرى عرشاً على الماء. قال: "أتشهد إني رسول الله?" قال هو: أتشهد أي رسول الله? قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"آمنت بالله ورسله3" فلبس عليه، ثم خرج فتركه، ثم جاء في الثالثة والرابعة ومعه أبو بكر وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما في نفر من المهاجرين والأنصار وأنا معه، قال: فبادر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أيدينا ورجا أن يسمع من كلامه شيئاً فسبقته أمه إليه فقالت: يا عبد الله, هذا أبو القاسم قد جاء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما لها قاتلها الله لو تركته لبيّن?" فقال: "يا ابن صياد ما ترى؟"
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1فليس: أي فليس هذا الذي أسألك عنه.
2 لبين: لكشف بحديثه العفوي غير المتحرز فيه عن حقيقة طويته أو بعض الحقيقة.
3 فلبس الأمر: غماه وغطاه وخلطه بغيره ليخفى.


ج / 1 ص -118- قال: أرى حقاً وأرى باطلاً أرى عرشاً على الماء. قال: تشهد أني رسول الله؟. فقال رسول الله: "آمنت بالله ورسوله? يا ابن صياد إِنا قد خبأنا لك خبأ،" قال: فما هو? قال: "الدخ"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أخسأ أخسأ". قال عمر بن الخطاب: ائذن لي فأقتله يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن يَكنْه فلست بصاحبه إِنما صاحبه عيسى ابن مريم، وإِلاَّ يكُنْه فليس لك أن تقتل رجلاً من أهل العهد". قال: يعني جابر فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مشفقاً أنه1 الدجال وهذا سياق غريب جداً.
وقال الإِمام أحمد، حدثنا يونس حدثنا المعتمر، عن أبيه عن سليمان الأعمش، عن شفيق بن سلمة، عن عبد الله بن مسعود قال: بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ مرّ بصبيان يلعبون فيهم ابن صياد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ترِبَتْ2 يداك أتَشْهَدُ أَني رسول الله?" فقال هو: أتَشْهَد أني رسول الله? فقال عمر: دَعْنِي فَلأضْرِب عُنُقَه، فقال رسول الله: "إِنْ يَكُن الذي يُخَافُ فَلَنْ تَسْتَطِيعَه".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كيف يشفق الرسول من طفل معجون بالأكاذيب على افتراض أنه وجد حقيقة؟
2 تربت يداك: دعاء عليه بالغقر الملصق ليديه بالتراب.
مرويات مرفوضة لأنها لا تصدق عقلاً وليس بمعقول صدورها عن الرسول عليه السلام
والأحاديث الواردة في ابن صياد كثيرة، وفي بعضها التوقف في أمره على هو الدجال أم لا. فالله أعلم، ويحتمل أن يكون هذا قبل أن يوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن الدجال وتعيينه، وقد تقدم حديث تميم الداري في ذلك وهو فاصل في هذا القام، وسنورد من الأحاديث ما يدل على أنه ليس بابن صياد والله تعالى أعلم وأحكم.


ج / 1 ص -119- فقال البخاري: حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"بَيْنَا أنَا قائِمُ أطوفُ بالكعبةِ فإِذا رجل آدَمُ1 سَبْطُ2 الشَّعْرِ يَنْطِفُ3 أَو يُهْرَاقُ4 رَأسُهُ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذا? فقيل: ابنُ مَرْيَمَ ثم التَفتْ فإِذَا رجُلٌ جسِيمٌ أحْمَرُ أجَذُّ الرّأس5 أعْوَرُ الْعَيْن أقْرَبُ الناس بِه شبَهاً ابن قَطُن رَجُل من خَزاعةُ"6.
وقال الإِمام أحمد، حدثنا محمد بن سابق، أخبرنا إبراهيم بن طهمان، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"يخرج الدّجالُ في خِفَّةٍ7 مِنَ الدِّين وإِدْبَارٍ8 من العِلم وله أربعون ليلَةً يَسْبَحُهَا في الأرض اليومُ منها كالسنةِ، واليوم منها كالشهر. واليوم منها كالجُمُعَةِ، ثم سائر أيامه كأيامكم هذِهِ وله حمار يركبه عرض ما بين أذنيه أربعون ذِراعاً، فيقول للناس: أنا ربّكم وهو أعورُ وإِن ربكم ليس بأعْوَرَ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَفَرَ بِهَجَاءٍ يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِن كاتب أوْ غير كاتب يَرد كلَّ ماءٍ ومنهل إلا المدينةَ ومكّةَ حًرّمهمَا الله عليه وقامَت الملائكةُ بِأبْوابِهما، ومعه جبال من خبز والناس في جهد الأمن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1الآدم من به أدمه وهي المسمرة
2 سبط الشعر: شعره مسترسل غير جعد.
3 يقطر.
4 يسيل
5 أجذ الرأس حليق الشعر.
6 الحديث رواه البخاري 9- 60 كتاب الفتن، باب ذكر الدجال، ط- العثمانية
7 في خفة من الدين: أي في فترة يضعفه فيها الدين
8 الإديار: الذهاب وإلا العلم كفاية عن ذهابه والمراد علم الدين.


ج / 1 ص -120- اتبعه، ومعه نهران أنا أعلم بهما منهما نهر يقول له الجنة ونهر يقول له النار، فمن أدخل الذي يسميه الجنة فهي النار، ومن أدخل الذي يسميه النار فهي الجنة قال: وسمعت معه شياطين تكلم الناس ومعه فتنة عظيمة يأمر السماءَ فتمطر فيما يَرَى الناسُ ويقتل نفساً ثم يُحييها فيما يرى الناس، ويقول للناس: هل يفعل مثلَ هذا إلا الرّبُّ? قال فيفِدُ المسلمون إلى جبل الدخان بالشام فيأتيهم فيحاصرُهُم فَيُشثدُ حِصَارهم ويُجْهِدُهم جُهداً شديداً، ثم ينزل عيسى ابن مريم فينا من السًحَر ِفيقول: يا أيّها الناس ما يمنعكم أن تخرجوا إلى الكذاب الخبيث? فيقولون: هذا رجل حي فينطلقون فإذا هم بعيسى ابن مريَم فتقام الصلاة، فيقال له تقدم يا روحَ الله، فيقول: لِيَتَقَدَّمْ إِمَامُكُمْ لِيُصَلِّ بِكُمْ فإذا صلّوا صلاة الصبح خرجوا إليه، قال فحين يراه الكذابُ يَنْماثُ1 كَمَا يَنْمَاثُ المِلْحُ في الماء، فيمشي إليه فيقتلُه حتى إن الشجرةَ والحجرَ ينادي يا روحَ الله هذا يهوديٌّ فلا يَتْرُكَ مِمَّنْ كَانَ يَتبعُه أحداً إِلاَّ قَتَلَه" تفرّد به أحمد أيضاً2.
وقد رواه غير واحد عن إبراهيم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ينماث: يختلط ويذوب.
2 الحديث رواه أحمد في المسند 3- 367، 368 ط الحلي
حديث النواس بن سمعان الكلابي في معناه وأبسط منه
قال مسلم: حدثني أبو خيثمة زهير بن حرب، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثني ابن جبير، عن أبيه ابن نفير الحضرمي أنه سمع النواس بن  -ج / 1 ص -121- سمعان الكلابي، وحدثني محمد بن مهران الرازي واللفظ له، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن جابر الطائي، عن يحيى بن جابر الطائي، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه جبير بن نفير، عن النواس بن سمعان قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذَات غداةٍ فخَفَّض1 فيه ورَفَّع يتى ظنناه في طائفة النَّخْل، فلما رُحنا إليه عَرَفَ ذَلِكَ فينا فقالَ: "مَا شَأنُكُمْ?" قُلنا: يا رسول الله ذكرت الدَّجَّال غداةً فخفَّضْتَ فيه ورَفَّعْتَ حتى ظَننَّاه في طَائِفَةِ النَّخْل, فقال:
"غَيْرَ الدجالِ أخْوَفُنِي2 عَلَيْكم إِنْ يَخْرجْ وأَنَا فِيكمْ فأَنَا حَجِيجُه دُونكُمْ، وإِن يَخْرج ولَستُ فِيكم فكل امرىء حَجِيجُ نفسِهِ واللَّهُ خَليفتي على كُلِّ امرىءٍ مسلم. إنه شابٌّ قَطط3 عَيْنُهُ طَافِيَةٌ إني أشبهه بعبد العُزَّى ابن قَطُن مَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكم فليقرأ عليْهِ فَوَاتِحَ سورة الكهف إنه خارج في خلَّة4 بين الشام والعراق فَعَائِث يميناً وعَائِثٌ شِمَالاً يا عبادَ الله فاثبُتُوا" قلنا: يا رسول الله وَمَا لَبْثُهُ في الأرْض؟ قال: "أربعون يوماً? يومٌ كسَنَةٍ، ويوم كشَهْرٍ ، ويومٌ كَجُمْعَةٍ، وسَائِرُ أيّامه كأَيّامكم". قلنا: يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أَتكْفِينَا فيه صلاةُ يَوْم? قال: "لا: اقدرُوا5 لهُ قدْرَهُ" قلنا: يا رسول الله, وما إِسْرَاعُهُ في الأرض؟ قال: "كالْغَيْثُ اسْتَدْبَرَتْهُ الريحُ? فيأتي عَلَى الْقوم فَيَدْعُوهُم فيُؤْمِنُونَ بهِ ويَسْتَجِيبُونَ لَهُ فَيأمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِر والأَرْضَ فَتنْبِت فَتَرُوحُ عَليهم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 خفض ورفع: حقر من شأن فتنة والفتنة به.
2أشد خوفي عليكم من غير الرجال.
3 القطط: هو شديدة جعودة الشعر إلى درجة مستكرهة.
4 الخلة: بفتح الخاء المعجمة واللام المشددة المفتوحة مابين البلدين.
5 صلوا الوقت إذا مضى بينه وبين سابقه الزمن الكافي لحلوله في الأيام العادية.


ج / 1 ص -122- سَارِحَتُهُمْ أَطْوَلَ ما كَانَتْ ذرا وأَسْبَغهُ ضُرُوعاً وأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ، ثمّ يَأتِي القَوْمَ فيدعوهم فيرُدُّونَ قَوْلَهُ فَيَنْصرِفُ عَنْهُم فيُصْبِحُون مُمْحِلينَ لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ مِن أَمْوَالِهِمْ شَيءٌ، ويَمُرُّ بالخَرِبَةِ فيقول: أَخرِجي كنوزَكِ فَتَتبَعُه كنوزُها كَيَعَاسِيبِ1 النَّحْل، ثم يَدْعُو رجُلاً مُمْتَلِئاً شَبَاباً فَيَضْربُهُ بالسَّيْفِ فَيَقطعهُ جَزلَتَيْن2 رَمْيَةَ الغَرَض? ثم يدعوَه فيقْبِلُ يَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ وهو يَضْحَكُ? فَبَيْنَما هُو كذلك إِذ بَعَث اللَّهُ المسيحَ ابن مريمُ فينزلُ عند المنارةِ البيضاء شرقي دِمَشْقَ في مهروذتين3 واضعاً كفّيْه على أَجْنِحَة مَلَكَيْن إذا طأطأَ رأسَه قَطَرَ وإِذا رَفَعه تَحَدَّرَ مِنْه جُمَانٌ كاللُّؤْلُؤُ، ولا يَحِلُّ4 لكافر يَجِد رِيحَ نفسِه إلاَّ ماتَ، ونَفَسُهُ يَنْتهي حيْثُ يَنْتَهِي طرْفه، فيطلُبه حتى يدركه بباب لدّ5 فيقتله، ثم يَأْتي عيسى ابن مريم قوماً قد عصمهم الله منه فيمسحَ عن وجوهِهِم ويحدثُهم عن دَرَجاتِهم في الجنة، فبينما هو كذلك إذْ أَوْحى الله تعالى إلى عيسى إني قد أخرجت عباداً لي لا يَدان6. لأحَدٍ بقتالهم فَحَرز7 عبادي إلى الطُّورِ، ويبعث اللّه يأجوجَ ومأجوجَ وهم من كل حَدَب يَنْسِلُونَ، فَيَمُرُّ أوائلهُم على بُحيرة الطبرية فيشربون ما فيها، ويمرّ آخرهم فيقولون لقد كان بهذه مرةً ماءُ، ويحضر نبي الله عيسى وأصحابُهُ
ــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1اليعسوب أمير جماعة النحل إذا طار تبعته والمراد هنا جماعات النحل.
2 قطعتين يكون بينهما مقدار رمية.
3 المهروزتان: بالذال والدال شقتا الملاءة أو هما ثوبان مصبوغان بورس وزعفران.
4 لا يحل: لا يمكن.
5 المراد باب مدينة اللد قرب القدس.
6 لا يدان: لا قدرة.
7 حرز عبادي إلى الطور: ضمهم إليه ليكون حرزا لهم.


ج / 1 ص -123- حتى يكون رأسُ الثورِ لأحَدِهم خيراً من مائة دينارٍ لأحدكُم اليومَ فيرغَبُ نبي الله عيسى وأَصحابه إلى اللَّهِ فيرسلُ الله إليهم النغْفَ1 في رقَابِهم فيصبحونَ فَرْسى2 كَمَوتِ نَفْس واحِدَة، ثم يَهْبط نبي الله عيسَى وأَصحابُه إلى الأَرض فلا يجدونَ موضعَ شبرٍ إلا ملأه زَهَمِهِمْ3 ونَتَنُهُمْ فَيَرْغَبُ نبيًّ الله عيسى وأصحابُهُ إلى اللَّهِ فَيُرْسِل اللَّهُ طَيْراً كَأعْنَاق الْبُخْتِ فَتَطَرحهمْ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ يرسل الله مطراً لاَ يُكِنُّ4 منه بَيْتٌ ولا وَبَر، فيَغْسِل الله الأرض حتى يتركها كالزَّلفَةِ5، ثم يقال للأَرض أنبتي ثمرَتِكَ ورُدِّي بَرَكَتَكِ? فيومئذ تأْكل العِصابَةُ6 من الرُّمَّانَةِ ويَسْتَظِلّونَ بِقِحْفِهَا7 ويُبَارَكُ في الرِّسْل8، حتى إِنَّ اللِّقْحَةَ من الإِبل لتكفي الفِئامَ9 من الناس، واللِّقْحَةَ مِن البَقَر لتكفي القبيلةَ من الناس، واللَقْحَةَ من الغنم لتكفي الفَخِذَ من الناس، فبينما هم كذلك إِذ بعث الله ريحاً طيبة فتأخذهم تحت آبَاطِهم، فَتَقْبِضُ روح كل مُؤمن وكلِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1النغف: دود يكون في أنوف الإبل والغنم واحدة نغفة.
2 فرسى ج فريس وهو قتيل.
3 الزهم النتن والرائحة الكريهة.
4 لا يكن: لا يمتنع منه.
5 الزلفة المرآة بفتح الزاء والغاء.
6 العصابة: الجماعة.
7 القحف: مقعر قشر الرمانة.
8 الرسل: بكسر الزاء وسكون السين اللين.
9 الفئام: الجماعة الكثيرة.


ج / 1 ص -124- مسلم، ويبقى شرار الناس يتهارَجًون1 فيها تَهَارُجَ الحُمْرِ فعليهم تقوم الساعة2".
حدثني علي بن حجر السعدي، حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر والوليد بن مسلم قال ابن حجر: دخل حديث أحدهما في حديث الآخر عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر بهذا الإِسناد نحو ما ذكرناه وزاد بعد قوله: "لقد كان بِهَذِه مَرَّةً ماء"
"ثم يسيرون حتى يَنْتهوا إلى جَبَل الخَمر3 وهو جبلُ بَيْتِ المَقْدِس فيقولون لقد قتلنا من في الأرض هَلمّ4 فَلْنَقْتُلْ من في السماء فيرمون بِنُشَّابِهِمْ5 لى السماء فيرد الله عليهم نُشَابَهُمْ مَخْضُوبَةَ دماء".
وفي رواية ابن حجر:
"فإني قد أنزلت عباداً لي لا يد لأحد بقتالهم" انتهى.
رواه مسلم إسناداً ومتناً، وقد تفرّد به عن البخاري، ورواه الإِمام أحمد بن حنبل في مسنده عن الوليد بن مسلم بإسناده نحوه، وزاد في سياقه بعد قوله: "فيطرحهم الله حيث شاء". قال ابن حجر: فحدثني عطاء بن يزيد السكسكي عن كعب أو غيره قال: "فيطرحهم بالمهبل" قال ابن جابر وأين المهبل؟ قال: "مطلع الشمس".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 يتهارجون تهارج الحمر: يرتكبون الفاحشة على ملأ من الناس بلا استحياء فعل الحمر.
2 الحديث رواه مسلم رقم 2137.
- وابن ماجه رقم 4075.
3 الخمر: بفتح الخاء المعجمة والميم: الشجر الملتف الذي يستر مافيه.
4 هلم: اسم فعل أمر مبني على الفتح معناه تعالوا.
5 النشاب: النبل مفردها تشابة بضم النون وتشريد الشين المفتوحة بعدها ألف.


ج / 1 ص -125- ورواه أبو داود، عن صفوان بن عمرو المؤذن، عن الوليد بن مسلم ببعضه. ورواه الترمذي، عن علي بن حجر وساقه بطوله وقال غريب حسن صحيح لا نعرفه إلا من حديث ابن جابر، ورواه النسائي في فضائل القرآن عن علي بن حجر مختصر، ورواه ابن ماجه عن هشام بن عمار عن يحيى بن حمزة عن عبد الرحمِن عن زيد بن جابر بإسناده قال:
"سيوقد الناس مِن قِسِيّ يأجوج ومأجوج ونُشَّابِهم وتُرُوسِهِمْ سَبْعَ سِنِين".
وذكره قبل ذلك بتمامه عن هشام بن عماد ولم يذكر فيه هذه القصة، ولا ذكر في إسناده عن جابر الطائي حديث عن أبي أمامة الباهلي صدى بن عجلان في معنى حديث النواس بن سمعان.
قال أبو عبد الله بن ماجه، حدثنا علي بن محمد بن ماجه، حدثنا عبد الرحمن المحاربي، عن إسماعيل بن رافع أبي رافع، عن أبي زرعة الشيباني يحيى بن أبي عمرو، عن أبي أمامة الباهلي قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: فكان أكثرُ خُطْبَتِه حديثاً حَدَّثنَاهُ عن الدجال وحَذَّرْنَاهُ فكانَ من قوله أنْ قَالَ:
"إِنَّهُ لم تكن فِتْنَةٌ في الأَرض مُنْذُ ذَرَأ1 اللَّهُ ذُرِّيَّة آدَمَ أعْظَمَ من فتنة الدجال، وإِن الله لَمْ يَبْعَثْ نبيّاً إلا حَذَّرَ من الدجال، وأنا آخر الأنبياء وأَنتم آخرُ الأمَم، وهو خارج فيكم لاَ مَحَالَةَ، فإِن يخرج وأنا بين أظْهرِكُم فأنا حَجِيجٌ لكل مسلم، وإِن يخرج من بعدي فكل حَجِيجُ نَفْسِهِ، والله خَلِيفتي على كل مسلم، وإِنه يخرج من خَلَّة بين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذرأ: خلق وبث.


ج / 1 ص -126- الشام والعراق فيَعِيثُ يميناً وشِمالاً،. يا عباد الله أيها الناس فاثبُتُوا، وإِني سَأصِفُه لكم صِفَةَ لم يَصِفْها إِيَّاه نبيٌّ قَبْلي، إِنَّهُ يَبْدأ فَيَقولُ: أنا نَبي ولا نَبِيَّ بَعْدِي، ثُمّ يُثنِّي فيقول: أنا ربّكم، وَلاَ تَرَوْنَ ربكم حتى تَمُوتوا، وإِنَّه أَعورُ وإِن ربكم عزَّ وجل ليس بأعورَ، وإنه مَكتُوبٌ بين عينيه كافرٌ يقرؤُه كل مؤمن كاتبٍ وغير كاتبٍ، وإِن من فتنته أن معه جنَّةً وناراً. فنارُه جَنّةٌ وَجَنَّتُهُ نار، فمن ابْتُلِيَ بِنَارِهِ فَلْيَسْتَغثْ بِاللَّهِ وليقرأْ فَوَاتِحَ الكهْفَ فَتَكُونَ عَلَيْهِ بَرْداً وَسَلاماً كما كانت النارُ على إِبراهِيمَ، وإِن مِن فتنته أن يقول لأعرابِيّ أَرأَيت إِن بَعَثث لك أَبَاكَ وأمَّكَ أتشهد أنِّي ربُّك؟ فيقول له: نَعَمْ، فَيَتَمًثّلْ لَهُ شيطانان في صورة أبيه وأمه فيقولان: يا بُنَيّ اتَّبِعْهُ فإنه ربُّك، وإن من فتنته أن يُسًلّطَ على نَفس واحدة فيقتلها يَنْشُرُها بالمِنْشَارِ ثم يُلْقِيها شقَّتين1، ثم يقول: انظروا إلى عَبْدِي فإني أبتَعِثُهُ الآن، ثم يزعم أن له رباً غيري، فيَبْعَثُهُ الله فيقول له الخبيث: من ربك؟ فيقول: ربِّي اللَّهُ، وأنت عدوّ اللَّهِ الدجالُ واللَّهِ ما كنتُ بَعْدُ أشدَّ بَصِيرَةً بِكَ منِّي اليومَ".
قال أبو الحسن يعني علي بن محمد، فحدثنا المحاربيّ حدثنا عبيد الله بن الوليد الوصالي، عن عطية، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ذاك الرجلُ أرفعُ أمَّتي درجةً في الجنّةِ".
قال: قال أبو سعيد ما كنا نرى ذلك الرجل إلا عمر بن الخطاب حتى مضى لسبيله. قال المحاربي ثم رجعنا إلى حديث أبي رافع قال:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الشقة: بضم الشين وتشديد القاف المفتوحة بعدها هاء- نصف الشيء.


ج / 1 ص -127- "من فتنته أن يأمر السماءَ أنْ تُمْطِرَ فتمطرَ، ويأمرَ الأرض أن تُنْبِتَ فتُنبت، وإِن من فتنته أن يمر بالحي فيكذبونه فلا تبقى لهم سَائِمةٌ إلا هلكت، وإن من فتنته أن يمر بالحي فيصدقونه فيأمر السماءَ أن تُمْطِرَ فتمطر ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت، حتى تروح عليهم مواشِيهِم من يومهم ذلك أسمنَ ما كانَتْ وأعظمه، وأمَدَّه خَوَاصِرَ، وأدَرَّهُ ضُرُوعاً وإِنه لا يبقى من الأرض شيئاً إلا وَطِئَه وظَهَر عليه إلا مكّةَ والمدينة، فإنه لا يَأتيهما مِن نَقب من نِقَابِهِما إِلاّ لقيته الملائكة بالسيوف صَلْتَةً حتى ينزل عند الطريب الأحمر عند منقطع السبْخَةِ فَتَرْجُفُ1 المدينة بأهلها ثلاث رجَفَاتٍ فلا يبقى منافق ولا منافقة إلا خَرَج إليه فَيُنقًّى الخَبَث2 منها كما يُنقَّى الكيرُ3 خَبَثَ الحديد وَيُدْعَى ذَلِكَ الْيومُ يَوْمَ الخلاص"، فقالت أمّ شَريكٍ ابنةُ أبي الْعَسْكَر: يا رسول الله فأيْنَ العربُ يَومَئِذٍ؟ قال: "هُمْ قَلِيلٌ وجُلًّهُمْ4 ببيت المقدِس وإِمَامُهُمْ رجلٌ صالحٌ ، فبينما إِمَامُهُمْ قدْ تَقَدَّمَ فَصًلّى5 الصُبحَ إذ نزل عليهم عِيسى ابنُ مَرْيَمَ، فَرَجَعَ ذلك الإِمَامُ يمشي القَهْقَرى6 ليتقدّمَ بهم عيسى يُصلّي، فيضعُ عيسى عليه الصلاة والسلام يده بين كتفيه فيقول له: تَقَدَّمْ فَصَلِّ فإنها لك أقيمَتْ، فيصلي بهم إمامهم فإذا انصرفَ قال عيسى: أقِيمُوا البابَ فَيُفْتَحُ وَوَرَاءَه الدجالُ مَعَهُ سبعون ألف يهوديٌّ كُلُّهُم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ترجف: تضطرب اضطرابا شديد.
2 الخبث: العناصر الفاسدة غير الصالحة.
3 الكير تنفاخ الحداد.
4 جلهم: أكثرهم.
5 تقدم فصلى الصبح: أي شرع في أداء صلاة الصبح.
6 القهقري: الرجوع إلى الوراء دون تحويل الوجه عن الجهة الأمامية.


ج / 1 ص -128- ذو سيْف مُحَلَّى وساج1، فإذا نظر إليه الدجال ذَاب كما يذوبُ المِلحُ في الماء وينطلق هارِباً ويقول عيسى: إن لي فيك ضَرْبَةً لَنْ تَسْبقَني بِها؟ فيدْرِكُه عندَ بابِ الدارِ الشرقي فيقتله فَيَهزِمُ اللَّهُ اليهودَ فَلاَ يَبْقى شَيء بِهَا خَلَقَ اللَّهُ يَتَوَارى بِهِ يَهوديٌّ إلا أنطَقَ اللَّهُ الشيء، لاَ حَجَرَ وَلاَ شَجَرَ وَلاَ حَائِطَ وَلاَ دابَّةَ إلا الغَرْقَدَة فإِنها من شَجَرِهِمْ لاَ تَنْطِقُ إلا قال: يا عبد الله المسلم هذا يهوديٌّ فَتَعَالَ فاقْتُلْهُ"، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"وإِن أيامِه أربعون سنةً السنةُ كنصف السنةِ، والسنةُ كالشهر، والشهر ُكالجمعةِ، وآخر أيامِهِ قصيرةٌ يصبح أحدكم على باب المدينة فما يصل إلى بابها الآخر حتى يُمْسي، فقيل له يا رسول الله: كيف نصلي في تلكَ الأيّام القِصارِ؟ قال: تَقدُرُونَ2 فيها للصَلاةِ كما تقدرونه في هذه الأيام الطوال ثم صلّوا".
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لِيَكونَنَّ عيسى ابنُ مريمَ في أمَّتي حَكَماً عَدْلاً وإِماماً قِسْطاً يدُق الصليبَ ويَقْتلُ الخنزيرَ ويَضَعُ الجزيةَ ويترك الصَّدقةَ فلا تسعى على شاةٍ ولا بعيرٍ، ويرفَع الشحناء والتباغضَ وينزع جُمَّةِ كل ذي جُمَّة حتى يدخل الوليد يده في فَم الحيّة فلا تَضُرُّه، وينفر الوليد الأسد فلا يَضرُّه ويكون الذئب في الغنم كأنَّهُ كَلبها، وتملأ الأرْضُ من السّلْم كما يملأ الاناء من الماءِ؟ وتكون الكلمَةُ واحدةً فلا يعبدُ إِلا اللَّهُ، وتَضعُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1الساج ضرب من الملاحف. واحدها ساجة.
2 تقدرون: بمعنى اقدروا: أي قيسوا الزمن بين الأوقات على ضوء الأيام العادية وصلوا وهذا هو الذي يتبع في الصوم أيضا حين يطول بقاء الشمس أياما وشهورا وحين يطول غيابها أياما أو شهورا.


ج / 1 ص -129- الْحَرب أوزَارها، وتَسْلَبُ قريشٌ فلْكَهَا وتكونُ الأرض كَعَاثُور1 الفِضّةَ يَنْبُتُ نَبَاتها كعهد آدمَ حتى يجتمِع النَّفَرُ على القِطْفِ2 من العِنَبِ فَلْيُشْبِعُهُمْ ويجتمع النَّفَرُ على الرًّمَانةِ فَتُشْبعهمْ، ويكونَ الثَّور بكذا وكذا من المال، ويكون الفرَسُ بالدريهمات" قيل يا رسول الله: وَمَا يُرْخصُ الفرسَ؟ قال: "لا يركب لحرب أبداً" قيل له: فما يُغْلي الثور؟ قال: "لحرث الأرض كلّها: وإن قبل خروج الدجال ثلاث سنوات شدادٍ يصيب الناس فيها جوعٌ شديدٌ يأمر اللَّهُ السماء أن تَحْبِسَ ثلثَ مطرِها، ويأمرَ الأرضَ أن تَحْبِسَ ثلثَ نباتِها، ثم يأمر السماء في السنةِ الثانية فتحبسُ ثلثي مَطَرِها ويأمر الأرضَ فتحبسُ ثلث نبَاتِها، ثم يأمر السماءَ في السنةِ الثالثةِ فتحبسُ مطرها كلَّهُ فَلاَ تَقْطر قطرةً، ويأمر الأرض فتحبسُ نَداتَها كلَّها فلا تُنْبِتَ خضراءَ، فلا تبقى ذاتُ ظلْفٍ إلا هلكت إلا ما شاء الله، فقيل: ما يُعيش الناس في ذلك الزمان؟ قال: التهليلُ والتكبير والتسبيحُ والتحميدُ ويجري ذلك عليهم مُجْرى3 الطعام4".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1العاثور: المهلكة من الأرض: ولعل المراد أن الأرض تتشابه وتختفي صورها ومعالمها فلا يهتدي بها السائر فيها.
2 القطف: بكسر القاف وسكون الطاء المهملة بعدها فاء: العنقود.
3 هذا يتنافى وطبيعة الأحياء وهو الأمر الذي يجعلنا ننفي نسبة الحديث للرسول عليه السلام، وإلا فكيف يعيش الناس بدون طعام ولا شراب؟
4 رواه ابن ماجه، 36- كتاب الفتن، 32- باب فتنة الدجال وخروج عيسى رقم 4077.
بعض العجائب الغرائب التي وردت نسبة قولها إلى الرسول عليه السلام
قال ابن ماجه: سمعت أبا الحسن الطنافسي يقول: سمعت عبد الرحمن المحاربي يقول ينبغي أن يدفع هذا الحديث إلى المؤدب حتى يعلمه الصبيان في--ج / 1 ص -130- الكتّاب1 انتهى سياق ابن ماجه، 
=وقد وقع تخبيط في إسناده لهذا الحديث، فكما وجدته في نسخة كتبت إسناده، وقد سقط التابعي منه وهو عمرو بن عبد الله الحضرمي أبو عبد الله الجبار الشامي المرادي عن أبي أمامة قال شيخنا الحافظ المزي، ورواه ابن ماجه في الفتن عن علي بن محمد، عن عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن أبي رافع إسماعيل بن رافع، عن أبي عمرو الشيباني زرعة. عن أبي أمامة بتمامه كذا قال، وكذا رواه سهل بن عثمان عن المحاربي، وهو وهم فاحش. قلت: وقد جرد إسناده أبو داود فرواه عن عيسى بن محمد، عن ضمرة، عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني، عن عمرو بن عبد الله، عن أبي أمامة نحو حديث النواس بن سمعان.
وقد روى الإِمام أحمد بهذا الإِسناد حديثاً واحداً في مسنده فقال أبو عبد الرحمن عبد الله ابن الإِمام أحمد: وجدت في كتاب أبي بخط يده حدثني مهدي بن جعفر الرملي، حدثنا ضمرة، عن الشيباني واسمه يحيى بن أبي عمر، وعن عمرو بن عبد الله الحضرمي عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لا تزال طائفة من أمّتي ظاهرين2 على عَدوَهِم قاهرين لا يضرهم من خالفهم ولا ما أصابهم من لأواء حتى يأتي أمر3 الله وهم كذلك". قالوا يا رسول الله وأين هم؟ قال: "في بيت المقدس وأكْتَافِ4 بَيْتِ المقدِس".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1كيف يعلم صبيان المسلمين مثل هذا القول الذي لا يمكن تصديقه وهو منسوب زورا إلى الرسول عليه السلام؟
2 ظاهرين: منتصرين.
3 أمر الله: قيام الساعة: قال تعالى: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ} [النحل:1]
4 الأكناف: جمع كنف وهو الجانب والظل.


ج / 1 ص -131- حديث يجب صرفه عن ظاهره الى التأويل
وقال مسلم: حدثنا عمرو بن الناقد والحسن الحلواني وعبيد بن حميد وألفاظهم متقاربة والسياق بعيد قال حدثني وقال الآخران: حدثنا يعقوب هو ابن إبراهيم بن سعد، حدثنا أبي عن صالح، عن ابن شهاب، أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن أبا سعيد الخدري قال، حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً حدثنا طويلاً عن الدجال فكان فيما حدثنا قال:
"يأتي وهو محرَّم عليه أن يدخلَ نِقَابَ المدينةِ فينتهي إلى بعض السباخ1 التي تلي المدينة فيَخرجُ إليه يومئذٍ رجل هو خيرُ الناس أو مِنْ خير الناس فيقول له: أشهد أَنَّك الدجالُ الذي حدّثَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه فيقول الدجال: أرَايْتُمْ إِن قتلتُ هذا ثم أحْيَيْتُه أتَشكُّون في الأمرِ؟ فيقولون: لا. قال: فَيَقْتُلُهُ ثم يُحْيِيه فيقول حين يُحييه: والله ما كنتُ فيك قَطُّ أشَدّ بصيرةً مني الآن. قال: فيريدُ الدجال أن يقتلَه فلا يُسلّطَ عليه".
قال أبو إسحاق: "يُقَالُ إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ هو الخِضْرُ".
قال مسلم: وحدثني عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، حدثنا أبو اليمان، حدثنا شعيب، عن الزهري في هذا الإِسناد بمثله.
وقال مسلم: حدثني محمد بن عبد الله بن فهران من أهل مرو، حدثنا عبد الله بن عثمان، عن أبي حمزة، عن قيس بن وهب، عن أبي الوداك، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 السباخ جمع سبخة: وهي أرض ذات ملح ونز لا تكاد تنبت


ج / 1 ص -132- "يخرج الدجال فَيَتَوَجَّهُ قِبَلَهُ رجل من المؤمنين فتلقاه الْمَسَالحُ مَسالحُ1 الدجالِ فيقولون له أين تَعْمَدُ2 فيقول: أَعْمَدُ إلى هذا الذي خرج. قال: فيقولون له أو ما تُؤْمن بربنا؟ فيقول: ما بربنا خَفَاءُ، فيقولون: اقتلوه، فيقول بعضهم لبعض: أليس قد نهاكم ربُّكم أن تقتلوا أحداً دونه؟ قال: فينطلقون إلى الدجالِ فإِذا رآه المؤمنُ قال يا أيها الناس: هذا الدجالُ الذي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فيأمر الدجال به فَيُشَجُّ3 فيقول خذوه وشُجوه فَيُوسَعُ ظَهْرَهُ وبَطْنَهُ4 ضَرْباً قال فيقول: أما تؤمن بي؟ قال فيقول: أنت المسيح الكذاب. قال: فيؤمر به فَيُنْشَرُ بالمنشارِ من مَفْرِقِهِ حتى يَفْرِقَ بينَ رِجْلَيْه قال: ثم يَمشي الدجال بينَ الْقِطْعَتَيْن ثم يقول له: قُم فَيَسْتَوِي قَائِماً. قال: ثم يقول له أَتؤمِنُ بي؟ فيقول: مَا ازْدَدْتُ فيك إِلاَّ بصِيرَةً قال: ثم يقول يا أَيها الناس إِنه لا يفعل بعدي بأَحد من الناس مِثْلَ الذي فَعَلَ بي. قال: فيأخذه الدجال ليذبحه فَيَحُول مَا بَيْنَ رقبتِه إِلى تَرْقُوتِهِ5 نُحاس فلا يستطيع إِليه سبيلاً، قال فيأخذ بيديه ورجليه لِيَقْذِفَ به فَيَحْسِبُ الناس أَنَّما قَذَفَه إِلى النَّارِ وإِنَّمَا ألقِيَ في الجنةِ" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"هَذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1المسالح المخافر قوم معهم سلاح يرقبون في المراكز.
2 تعمد: تقصد.
3 الشج: الجرح في الوجه والرأس.
4 يضرب ضربا كثيرا شديدا.
5 الترقوة: هي العظم الذي بين ثغره النحر والعاتق.
=========
النهاية في الفتن والملاحم 

ج / 1 ص -133- ذكر أحاديث منثورة عن الدجال
حديث عن أبي بكر الصديق رضي اللّه تعالى عنه
قال أحمد: حدثنا روح، حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن أبي التياح، عن المغيرة بن سبيع، عن عمرو بن حريب أن أبا بكر الصديق أفاق من مرض له فخرج إلى الناس فاعتذر بشيء وقال: ما أردنا إلا الخير، ثم قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أن الدجالَ يخرجُ في أرض بِالمشرِق يقال لها خًرَاسَانُ يَتْبَعه أقوامٌ كأَن وجوهَهم المجانُّ المُطْرَقَةُ1".
ورواه الترمذي، وابن ماجه من حديث روح بن عبادة به، وقال الترمذي: حسن صحيح. قلت: وقد رواه عبيد الله بن موسى العبسي، عن الحسن بن دينار، عن أبي التياح فلم ينفرد به روح كما زعمه بعضهم ولا سعيد بن عروبة، فإن يعقوب بن شعبة قال: لم يسمعه ابن أبي عروبة من أبي التياح إنما سمعه من ابن شوذب عنه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أحمد في مسنده رقم 12.
- والترمذي في الفتن 6- 495 وقال: "لا يعرف إلا من حديث أبي التياح".
- وفي الباب عن أبي هريرة وعائشة رضي الله عنها.
- وأخرجه بن ماجه في الفتن 2- 1353 وفي ابن ماجه وأبي داود عن النواس بن سمعان ..."1.هـ.
اللغة:
"المجان المطرقة": صوت وقوع الحديد بعضه على بعض.


ج / 1 ص -134- حديث علي بن أبي طالب كرم اللّه تعالى وجهه
قال أحمد: حدثنا أبو النضر، حدثنا الأشجعي، عن سفيان، عن جابر بن عبد الله بن عبد الله بن يحيى، عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ذكرنا الدجال عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم فاستيقظ محمر اللون فقال:
"غير ذلك أخوف لي عليكم". وذكر كلمة.
تفرّد به أحمد1.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1رواه أحمد في مسنده رقم 1765 تحقيق أحمد شاكر، وقال أحمد شاكر في تعليقه على هذا الحديث "إسناده ضعيف جدا. جابر: هو ابن يزيد الجعفي ضعيف جدا، والحديث في مجمع الزوائد7: 334 وضعفه. قوله "ذكر كلمة" هكذا هو في المسند والزوائد"!. هـ.
ووقع في الأصل كلمة "غير الدجال" بدلا من غير ذلك وهذا تحريف وقد حذفته.
حديث سعد بن أبي وقاص رضي اللّه تعالى عنه
قال أحمد: حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا محمد بن إسحاق، عن داود بن عامر، عن سعد، عن مالك، عن أبيه أن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إِنَّهُ لم يكنْ نَبِيٌ إلا وَصَفَ الدجالَ لأمَّتِهِ ولأَصِفَنَّهُ صِفَةً لم يَصِفْهَا أَحدٌ كانَ قَبْلِي، إِنَّهُ أعورُ واللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَيس بأَعورَ".
تفرّد به أحمد.
حديث أبي عبيدة بن الجراح رضي اللّه تعالى عنه
قال الترمذي1: حدثنا عبد الله بن معاوية الجمحي، حدثنا حماد بن سلمة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث رواه الترمذي، 34- كتاب الفتن، 55- باب ما جاء في الدجال حديث رقم 2234 ولفظه.
"إنه لم يكن نبي إلا قد أنذر الدجال قومه وإني أنذركموه فوصفه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لعله سيدركه بعض من رآني أو سمع كلامي قالوا: يا رسول الله فكيف قلوبنا يومئذ؟ قال: "مثلها يعني اليوم أو خير". !.هـ.
- وهو مخالف للأصل في بعض الألفاظ، والصواب ما أثبته هنا في لفظ الحديث للترمذي


ج / 1 ص -135- عن خالد بن الحذاء، عن عبد الله بن شفيق، عن عبد الله بن سراقة، عن أبي عبيدة بن الجراح قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"إنَّهُ لم يكن نبيّ إلاّ أنْذَرَ قَومَه الدجالَ وأنا أنْذِرُكُمُوهُ" فوصفَه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "لَعَلَّهُ سَيدْرِكُهُ بَعْضُ مَنْ رَأى وَسَمعَ كلامي؟" قالوا: يا رسول الله: "كيف قُلُوبُنَا يَوْمَئِذ؟" قال: "مِثْلُها. يَعْني اليوْمَ أوْ خَيْرٌ".
ثم قال الترمذي: وفي الباب عن عبد الله بن بسر وعبد الله بن معقل وأبي هريرة وهذا حديث حسن لا نعرفه إلا من حديث الحذاء، وقد روى أحمد بن عفان وعبد الصمد، وأخرجه أبو داود، عن موسى بن إسماعيل كلهم عن جمال بن سلمة له، وروى أحمد عن غندر، عن شعبة، عن خالد الحذاء ببعضه.
حديث عن أبيّ بن كعب رضي اللّه تعالى عنه
روى أحمد عن غندر وروح وسليمان بن داود ووهب بن جرير كلهم عن شعبة عن حبيب بن الزبير، سمعت عبد الله بن أبي الهذيل، سمع عبد الرحمن بن ابزى، سمع عبد الله بن خباب، سمع أبيّ بن كعب يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ذكر عنده الدجال فقال:
"إِحْدَى عَيْنَيْه كأنَّهَا زُجَاجَةٌ، وتَعَوَّذُوا بالله من عَذَاب الْقَبْر".
تفرّد به أحمد
حديث عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه تعالى عنه
قال عبد الله ابن الإِمام أحمد: وجدت هذا الحديث في كتاب أبي بخط يده، حدثني عبد المتعال بن عبد الوهاب، حدثنا يحيى بن سعيد الأموي، حدثنا


ج / 1 ص -136- مجالد عن أبي الوداك قال: قال أبو سعيد: هل يلتقي الخوارج بالدجال؟ قلت: لا. فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إِني خَاتَمُ ألف أَوْ أَكْثَرَ، وَمَا بعث نبيٌّ يُتْبَعُ إِلاَّ وَقَدْ حذَّرَ أمّتَه الدَّجَّالَ، وإني قَدْ بينَ لي مِن أمْرِهِ مَا لَمْ يُبَيَّنْ لأحَدٍ، إِنَّهُ أعْوَرُ وإِنَّ ربَّكُمْ لَيْسَ بأعْوَرَ، وَعَيْنه الْيُمْنى عَوْراءُ جَاحِظَةٌ لا تُخْفَى كأنَّهَا نَخَامَةٌ عَلَى حَائِط مجُصّص، وعَيْنُهُ الْيُسْرَى كَأنَّهَا كَوْكَب دُرِّي، مَعَهُ من كُلِّ لِسان ومعه صورةُ الجنّةِ خَضراءَ يَجْرِي فيها الماءُ وصورة النارِ سَوْدَاءَ تُدَخِّن".
تفرّد به أحمد، وقد روى عبد بن حميد في مسنده، عن حماد بن سلمة، عن الحجاج، عن عطية، عن أبي سعيد مرفوعاً نحوه.
حديث عن أنس بن مالك رضي اللّه تعالى عنه
قال أحمد: حدثنا بهز وعفان قالا: حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا إسحاق بن عبد الله عن ابن أبي طلحة، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"يجِيءُ الدجال فيطا الأَرض إِلاّ َمَكَّةَ والمدينةَ فيأتِي المدينةَ فيجدُ بكل نقْبٍ من أنقابها صًفوفاً من الملائِكةِ فيأتي سِبخةِ الجَرْفِ فَيَضْرِبُ رَوَاقَة فتَرْجُص المدينة ثلاث رَجَفَاتٍ فيخرجُ إليه كلُّ منافق ومنَافِقة".
رواه مسلم، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن يونس بن محمد المؤدب، عن حماد بن سلمة بنحوه.
طريق أخرى عن أنس
قال أحمد: حدثنا يحيى، عن حميد عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:


ج / 1 ص -137- "أن الدجال أعور العين الشمال عليها ظَفَرةٌ1 غَلِيظة مكتوبٌ بين عينيه كَفَر َأو كَافِر".
هذا حديث ثلاثي الإسناد وهو على شرط الصحيحين.
طريق أخرى عن أنس
قال أحمد: حدثنا محمد بن مصعب، حدثنا الأوزاعي، عن ربيعة، عن أبي عبد الرحمن، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"يخرج الدجال من يهودية أصبهان معه سبعون ألفاً من اليهود عليهم التيجان".
تفرّد به أحمد.
قال أحمد: حدثنا عبد الصمد، حدثنيِ أبي، حدثنا شعيب هو ابن الحجاب، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"الدجالُ مَمْسُوحُ العين، بَيْن عَيْنَيْه مكتوب كافر، ثم تهجاها كَ فَ رَ يقرؤه كل مسلم".
حدثنا يونس، حدثنا حماد يعني ابن سلمة، عن حميد وشعيب بن الحجاب، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"الدجالُ أعورُ وإِنَّ ربّكم ليس بأعورَ مكتوبٌ بين عينيه كافِر يقرؤُه كل مُؤْمن كاتبٍ وغيرِ كاتب".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 جلدة سميكة: أي إن قبح مرآه بد للعيان، وكذب مدعاه لا يخفى على عاقل من بني الإنسان


ج / 1 ص -138- ورواه مسلم، عن زهير بن عفان، عن شعيب به بنحوه.
طريق أخرى عن أنس
قال أحمد: حدثنا عمرو بن الهيثم، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ما بُعِثَ نبي إلا أنْذَرَ أمّتَه الأعْوَرَ الكذابَ إلا أنَّه أعورُ وإنَّ رَبَّكمْ لَيْسَ بِأعْوَرَ مكتوب بَيْنَ عَيْنَيْه كافرٌ".
ورواه البخاري ومسلم من حديث شعبة به.
حديث عن سفينة رضي اللّه تعالى عنه
قال أحمد: حدثنا أبو النضر قال: حدثنا سعيد بن جهمان، عن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
"ألا إنَّهُ لم يكن نبيّ قَبْلِي إِلا وَقَدْ حَذَّرَ أمّتَهُ الدجالَ، هو أعورُ عينِه اليُمْنَى بِعَيْنِهِ اليمْنَى ظَفَرة غَلِظَةٌ مكتوب بين عَينيه كافِرٌ، يَخرجُ مَعَه واديان أحدهُما جنَّتُهُ والآخَرُ نَارُهُ فنارُهُ جَنّةٌ وَجَنَّتُهُ نَارٌ. معه مَلَكان من الملائكة يُشْبِهَانِ نَبِيّيْن مِنْ الأَنْبِياءِ، ولو شِئْتُ أن أسَمِّيهُمَا بِأسْمَائِهِمَا وأسماء آبَائِهما لَفَعَلْتُ، واحِدُهما عن يمينه والآخرَ عَن شِماله وتلك فتنةٌ. يقُولُ الدجالُ: ألستُ بِربِّكُم؟ ألست أحيي وأمِيتُ؟ فيقول له أحَدُ الملكين: كَذَبْتَ فلا يسمعه أحَدٌ مِنَ الناس إلاَّ صَاحِبُهُ فيقول لَهُ صَدَقْت فيسمعه الناس فيظنون أنما يصدق الدجال وذلك فتنة ثم يسير حتى يدخل المدسنة فلا يؤذن له بدخولها فيقول: هذه قرية ذاك 

ج / 1 ص -139- الرجل: ثم يسير حتى يأتي الشام فيهلكه الله عند عقبة أفيق"1.
تفرد به أحمد وإسناده لا بأس به ولكن في متنه غرابة ونكاره والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أفيق بفتح الهمزة وكسر الفاء قرية من قرى حوران وتسميها العامة فيق بكسر الفاء وهي في طريق الغور في أول العقبة.
حديث عن معاذ بن جبل رضي اللّه تعالى عنه
قال يعقوب بن سليمان الفسوي في مسنده، حدثنا يحيى بن بكير، حدثني خنيس بن عامر بن يحيى المعافري، عن أبي ليلى جبارة بن أبي أمية أن قوماً دخلوا على معاذ بن جبل وهو مريض فقالوا له: حدثنا حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تنسه؟ فقال: أجلسوني فأخذ بعض القوم بيده، فجلس بعضهم خلفه فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"ما مِن نبِيّ وقد حذَّر أمّتَه الدجالَ وإني أحذِّرُكُمْ أمْرَهُ إِنَّهُ أعورً وإِن ربي عَزَّ وجَلَّ ليس بأعوَرَ مكتوبٌ بين عينيه كافرٌ يقرؤُه الكاتبُ وغير الكاتِب معه جنَّةٌ ونارٌ فنارُه جنّةٌ وجَنَّتُهُ نار".

قال شيخنا الحافظ الذهبي: تفرّد به خنيس، وما علمنا به جرحاً وإسناده صحيح.
وقال شيخنا الذهبي من كتابه- في الدجال-: عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة مرفوعاً:
"الدجال أعور العين الشمال عليها ظفرة غليظة".
قلت: وليس هذا الحديث من هذا الوجه في المسند ولا في شيء من الكتب الستة، وكان الأولى لشيخاً أن يسنده أو يعزوه إلى كتاب مشهور والله الموفق.


ج / 1 ص -140- حديث عن سمرة بن جنادة بن جندب رضي اللّه تعالى عنه
قال الإِمام أحمد: حدثنا أبو كامل، حدثنا زهير عن الأسود بن قيس، حدثني ثعلبة بن عباد العبدي من أهل البصرة، قال: شهدت يوماً خطبة سمرة فذكر في خطبته حديثاً في صلاة الكسوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب بعد صلاة الكسوف خطبة قال فيها:
"والله لا تقوم الساعةُ حتى يخرجَ ثلاثُونَ آخِرُهُمْ الأعوَرُ الدّجالُ مَمْسُوحُ العين الْيُسْرَى كأنَّهَا عَيْنُ أبي يحيَى. وأنه مَتى يَخْرُجْ أوْ قَالَ متى ما يخرج فإِنه سوف يزعمُ أنه الله، فمن آمن به وصدَّقه واتبعه لم ينفعْه صالحٌ من عمله سَلَفَ، ومن كفَرَ بِهِ وكذبه لم يعاقَبْ بشيءٍ من عمله، وقال الحسن بشيء من عمله سلف، وإنه سوف يظهر على الأرض كلِّها إلا الحرمَ وبيتَ المقدس وإِنه يُحْصَرُ المؤمنون في بيت المقدس ويُزَلْزَلُون زِلزالاً شديداً ثم يُهْلِكُهُ اللَّهُ حتى إِنَّ هِدْمَ الحائِط وأصلَ الشجَرة لينادي: يا مؤمِن هذا يهودي، وقال هذا كافرٌ فقال فاقْتُلْه ولكن لا يكون ذلك كذلك حتى تَرَوْا أموراً يتفاقَمَ شَأنَهَا في أنفسكم، فَتَسْألُونَ بَيْنَكم هَلْ كانَ نبيكم ذَكَرَ لَكُمْ منها؟ ذِكْراً وحتى تزولَ جِبَالُ عن مَراتِبِها".
ثم شهد خطبة سمرة مرة أخرى فما قدم كلمة ولا أخرها عن موضعها، وأصل هذا الحديث في صلاة الكسوف عند أصحاب السنن الأربعة، وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم في مستدركه أيضاً.
حديث آخر عن سمرة
قال أحمد: حدثنا روح، حدثنا سعيد وعبد الوهاب، أخبرنا سعيد عن قتادة عن الحسن عن
سمرة بن جنادة بن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول:


ج / 1 ص -141- "إن الدجال خارج وهو أعور العين الشمالِ عليها ظَفرةٌ غَلِظة وإِنه يُبْرىءُ الأكْمَه1 والأبْرَص، ويحيي الموتى، ويقول أنا رَبُّكم فَمَنْ قال أنْتَ رَبَي فقد فتِنَ، ومن قال ربي الله حتى يموت فقد عُصِمَ مِنْ فتنته ولا فِتْنَةَ عليه ولا عذابَ، فيلبث في الأرض ما شاء الله ثم يجيءُ عيسى ابنُ مريمَ من قِبَل المغربِ مُصَدِّقاً بمحمد وعلى مِلّتِهِ فيقتل الدجالَ ثمَّ إِنمَا هُو قِيَامُ السَّاعَةِ".
وقال الطبراني: حدثنا موسى بن هارون، حدثنا مروان بن جعفر السهري، حدثنا محمد بن إبراهيم بن حبيب بن سليمان، عن جعفر بن سعد بن سمرة، عن حبيب، عن أبيه، عن جدة سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول:
"إِنّ المسيحَ الدَّجَّالَ أعورُ العَيْن الشمالِ عليها ظَفَرة غَلِيظةٌ وإِنَّه يُبْرىءُ الأكمَه والأْرَص ويُحيي الموتَى ويقول أنا رَبّكم، فمن اعْتَصم بالله فقال ربي الله ثم أبَى ذَلِك حتى يموتَ فلا عذابَ عليه ولا فِتْنَةَ ومن قال أنت ربي فقد فُتِنَ وإِنَّهُ يَلْبَثُ في الأرض ما شَاءَ اللَّهُ أن يَلْبَثَ ثم يجيءُ عيسى ابنُ مرْيَمَ من المشرق مُصدقاً بمحمد وعلى مِلَّتِهِ ثم يَقْتُلُ الدَّجَّالَ".
حديث غريب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الأكمه: من ولد أعمى.
حديث عن جابر رضي اللّه تعالى عنه
قال الإِمام أحمد بن حنبل: حدثنا عبد الملك بن عمرو بن دينار، حدثنا زهير، عن زيد يعني ابن أسلم، عن جابر بن عبد الله قال: أشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم


ج / 1 ص -142- على فلق1 من أفلاق الحرة2 ونحن معه فقال:
"نِعْمَت الأرضُ المدِينةُ إذا خرج الدّجالُ، على كل نَقْبٍ من أنْقَابِها مَلَكٌ لاَ يَدْخُلُهَا فإِذا كان ذاكَ رَجَفَتِ المدينةُ بأهلها ثَلاثَ رَجَفاتٍ فلا يَبْقَى منافق ولا منافقةٌ إلا خَرَجَ إليه وأكثرُ يعني من يَخْرُجُ إليه من النساءِ وذلكَ يوم التخْلِيص يوم تَنْفِي المدينةُ الْخَبَثَ كما يَنْفي الكيرُ خَبثَ الحديدِ يكون معه سبعون ألفاً من اليهودِ على كل رجل ساجٌ وَسَيْفٌ مَحَلَى، فيضربُ رِوَاقُه بهذا الطَّرَفِ الذي عند مُجْتمع السُّلُولِ" ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما كانت فتنةٌ ولا تكونُ حتى تقومَ الساعةُ أكْبَر من فِتنةِ الدجال، وما من نبي إلا وقد حذَّرَهُ أمّتَهُ لأخْبرنَّكُمْ بشيء ما أخْبَرَة نبي أمَّتَهُ" ثم وضع يده على عَيْنيه ثم قال:
"أشهد أن الله ليس بأعوَر".
تفرّد به أحمد وإسناده جيد وصححه الحاكم.
طريق أخرى عن جابر
قال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا عمرو بن علي، حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا مجالد، عن الشعبي، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إني لخاتم ألفِ نبيّ أو أكثرَ وإِنَّه ليس منهم نبِي إلا وقد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1الفلق: الطريق المطمئن بين الربوتين.
2 الحرة: حجارة سود كأنها أحرقت، وحرة المدينة مكان معروف.


ج / 1 ص -143- أنذرَ قَومَه الدّجَال، وإنَّهُ قد تَبَينَ لي مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لأحدٍ منهم وإنه أعورٌ وإن ربكم ليس بأعور".
وتفرَّد به البزار وإسناده حسن ولفظه غريب جداً.
وروى عبد الله بن أحمد في السنة من طريق مجالد، عن الشعبي، عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الدجال فقال:
"إنه أعورُ وإن ربّكُم ليس بأعْوَرَ".
ورواه ابن أبي شيبة عن علي بن مسهر عن مجالد به أطول من هذا.
طريق أخرى عن جابر
قال أحمد: حدثنا روح، أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"الدّجالُ أعْوَرُ وهو أشد الكذَّابِين".
وروى مسلم من حديث ابن جريح، عن أبي الزبير، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"لا تزال طائفة من أمتي ظَاهِرين على الحق حتى ينزلَ عيسى ابنُ مَرْيَم".
وتقدمت الطريق الأخرى عن أبي الزبير عنه، عن أبي سلمة عنه في الدجال.


ج / 1 ص -144- حديث عن ابن عباس رضي اللّه تعالى عنه
قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال فى الدجال:
"أعْوَرُ هَجِين أزهَر كأنَّ رأاسَه أصَلَةٌ أشْبَهُ النَّاس بعبد العُزَّى ابن قَطَن وإن ربَّكم ليس بأعور1".
قال شعبة: فحدثت به قتادة فحدثني بنحو من هذا تفرد به أحمد من هذا الوجه.
وروى أحمد والحارث أبي أسامة وابن معلى من طريق هلال عن عكرمة عن ابن عباس في حديث الإِسراء قال:
"ورأى الدّجالَ في صورتِهِ رأيَ عَيْن لاَ رُؤْيَا مَنَام وعيسى وإِبراهيم فَسئِلَ عَن الدَّجَّالِ فقال: "رأيْتُهُ إِحْدَى عينيه قائمةٌ كأنَّها كَوْكَبٌ دُرِّي كأن شعرَه أغصَانُ شجرةٍ".
ليس في الدنيا فتنة أعظم من فتنة الدجال
وذكر تمام الحديث حديث عن هشام بن عامر.
قال أحمد: حدثنا حسين بن محمد، حدثنا سليمان بن المغيرة، حدثنا حميد يعني ابن هلال، عن هشام بن عامر الأنصاري سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1رواه أحمد في مسنده رقم 3546 وقال أحمد شاكر في تعليقه على الحديث.
"إسناده صحيح" ثابت أبو زيد الأحول كنيته أبو زيد. والحديث في تفسير ابن كثير 5- 127 عن هذا الموضوع. وقال "ورواه النسائي من حديث أبي زيد بن ثابت ابن يزيد عن هلال وهو ابن خباب به وهو إسناد صحيح" وهو في مجمع الزوائد 1- 66 -67 انتهى.


ج / 1 ص -145- "مَا بَيْنَ خَلْق آدَمَ إِلى أنْ تقومَ الساعةُ فِتنَةٌ أكبرُ مِنَ الدجالِ".
وقال أحمد: حدثنا إسماعيل، حدثنا أيوب، عن حميد بن هلال، عن بعض أشياخهم قال: قال هشام بن عامر لجيرانه: إنكم تتخطوني إلى رجال ما كانوا بأحضر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أوعى لحديثه مني وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"مَا بَيْنَ خَلْق آدمَ إلى أن تقوم الساعة فِتْنَةٌ أكبرُمن الدّجالِ1".
ورواه الإمام أحمد أيضاً، عن أحمد بن عبد الملك، عن حماد، عن زيد، عن أيوب، عن حميد بن هلال، عن أبي الدهماء، عن هشام بن عامر أنه قال: إنكم لتجاوزوني2 إلى رهط من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كانوا أحضر ولا أحفظ لحديثه مني وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة أمْرٌ أكبرُ من الدّجالِ".
وقد رواه مسلم من حديث أيوب، عن حميد بن هلال، عن رهط منهم أبو الدهماء وأبو قتادة عن هشام بن عامر فذكر نحوه.
وقال أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن هشام بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إنَّ رأسَ الدّجالِ من وَرَائِهِ حُبك حُبُكٌ فمن قال أنت ربي افْتُتِنَ وَمَنْ قالَ: كذبتَ. ربي اللَّهُ عليه توكلتُ، فلا يَضُرهُ أو قال فلا فتنةَ عليه3".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1رواه أحمد في مسنده 6- 455، 456.
2 جاوزه تعداه وتركه إلى غيره.
3 رواه أحمد في مسنده 6- 453.


ج / 1 ص -146- حديث عن ابن عمر رضي الله عنهما
قال أحمد: حدثنا أحمد بن عبد الملك، حدثنا محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن طلحة، عن سالم، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"منزل الدجال في هذه السَّبِخَةِ فيكون أكثرَمن يَخْرُجُ إليه النساءُ حَتّى إنَّ الرجل ليَرجعُ إلى زوجته وإلى أمه وابنته واختِهِ وعمتِه فيُوثقُها رِبَاطاً مَخَافَةَ أن تَخْرُجُ إليه فَيُسَلّطُ اللَّهُ المسلمين عليه فَيَقتلونه ويقتلون شِيعَتُهُ حتى إنَّ اليهوديَّ ليَخْتَبِىءُ تحت الشجرةِ والحجر، فيقول الحجرُ والشجرةُ للمسلمين هذا يهودي تحتي فاقْتُلْهُ".
طريق أخرى عن سالم
قال أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فأثنى على الله بما هو أهله ثم ذكر الدجال فقال:
"إِني لأنْذِرُكُمُوهُ وما من نبي إلا وقد أنْذَرَهُ قَوْمَهُ لقد أنْذَرَهُ نوح قومَه ولكن سأقول لكم فيه قولاً لم يَقُلْهُ نبي لقومه تَعْلَمُونَ أنَّهُ أعْوَرُ وأن الله ليس بأعورَ".
إشارة نبوية إلى أن المسلمين سيقاتلون اليهود وينتصرون عليهم حتى أن اليهودي لا يجد له مخبأ يحميه من سيف المسلم
وقد تقدم هذا في الصحيح مع حديث ابن صياد وبهذا الإِسناد إلى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:


ج / 1 ص -147- "تقاتلكم اليهودُ فَتُسَلَّطُونَ عليهم حتى يقول الحجرُ يا مُسْلِمُ هذا يهودي ورائي فاقْتُلْهُ".
وأصله في الصحيحين من حديث الزهري بنحوه.
طريق أخرى عن ابن عمر
قال أحمد: حدثنا يعقوب، حدثنا عاصم ابن أخيه، عن عمر بن محمد، عن محمد بن زيد يعني أبا عمر بن محمد قال: قال عبد الله بن عمر: كنا نتحدث بحجة الوداع ولا ندري أنه الوداع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان في حجة الوداع خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر المسيح الدجال فأطنب في ذكره قال:
"ما بعث الله من نبي إلا قد أنْذَرَهُ أمتَه لقد أنْذَرَهُ نُوح أمّتَه وأنْذَرَهُ النبيون من بعده أمَمَهُمْ. ألا إنَّ ما خفي عليهم من شأنه فلَنْ يخفين عليكم إنَّه أعور وإِن ربكم ليس بأعور".

تفرّد به أحمد من هذا الوجه.
طريق أخرى
قال أحمد: حدثنا يزيد، أخبرنا محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"إِنَّه لم يكن نبيّ إلاَّ وَصَفَهُ لأمَّتِهِ ولأصفَنَهُ صِفَةً لَم يَصِفْهَا من كان قبلي، إنه أعورُ وإِن الله ليس بأعورَ عينُه الْيُمْنى كأنها عِنَبَة طَافِيَةٌ"
وهذا إسناد جيد حسن.


ج / 1 ص -148- وقال الترمذي: حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، حدثنا المعتمر بن سليمان، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الدجال فقال:
"ألاَ إِنَّ ربكم عزَّ وجلَّ ليس بأعورَ وإن الدجالَ أعور عينه اليمنى كأنها عِنَبَةٌ طافيةٌ".

قال: هذا حديث حسن صحيح، وفي الباب عن سعد وحذيفة وأبي هريرة وجابر بن عبد الله وأبي بكرة وعائشة وأنس بن مالك وابن عباس والتلبان بن عاصم.
حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما
قال أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن قتادة، عن شهر بن حوشب قال: لما جاءتنا بيعة يزيد بن معاوية قدمت الشام فأخبرت بمقام يقومه عوف البكالي فجئته فجاء رجل فأسدل الناس عليه خميصة1، وإذا هو عبد الله بن عمرو بن العاص فلما رآه عوف أمسك عن الكلام فقال عبد الله: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"إِنّها ستكونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ يَنْحازُ النّاسُ إِلى مُهَاجَرِ إبراهِيمَ لا يبقى في الأرض إِلاَّ شرارُ الناس تَلْفِظَهم أَرضُوهُمْ تحشرهم النَّارُ مع المردَةِ والخنازيرِ وتَبِيتُ مَعَهًمْ إذا باتوا وتقيل معهم إذا قَالوا وتأكُلُ من تَخَلَّفَ".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الخميصة: ثوب أسود أو أحمر له أعلام.

ج / 1 ص -149-
قال: وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "سَيَخْرُجُ نَاسٌ مِنْ أمَّتِي مِنْ قِبَل الشَّرْق يَقْرَءُونَ القُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ1 كُلَّمَا خَرَجَ مِنْهُمْ قَرْنٌ قُطِعَ حَتّى عَدّ زِيَادَةً عَلى عَشْرِ مَرَّاتٍ كُلّما خرجَ منهم قَرَن قُطِعَ حتّى يَخرُج الدّجالُ من بَقِيَّتِهِمْ".
ورواه أبو داود من حديث قتادة عن شهر من طريق أخرى عنه.
حديث غريب السند والمتن
قال أبو القاسم الطبراني: حدثنا جعفر بن أحمد الثنائي، حدثنا أبو كريب، حدثنا فردوس الأشعري، عن مسعود بن سليمان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الدجال:
"إِنّه أعْوَرُ وإِن اللَّهَ لَيْسَ بِأعْوَرَ، يخرُجُ فيكونُ فِي الأرض أرْبَعِينَ صَبَاحاً يَرِدُ كُلَّ مَنْهَل إِلاَّ الكعبةَ وبيتَ الْمَقْدِس والمدينةَ الشهرُ كَالجُمْعَةُ والْجُمْعَةُ كاليوم ومعَهُ جنّةٌ ونار فنارُهُ جنّةٌ وجنتهُ نار مَعَهُ جبل من خُبْز ونَهْرٌ من ماءٍ ة يَدْعُو بِرَجُل لا يُسَلِّطُهُ اللَّهُ عَلَى أحَدٍ إلا عليه فيقول: ما تقول في فيقول: أنت عدوُّ اللَّهِ، وأنت الدّجالُ الكذابُ فيدعو بمنشار فَيَضَعُهُ فَيَشُقُّه ثم يحْيِيه فيقولُ له: ما تقولُ؟ فَيقولُ: واللَّهِ ما كنتُ أشدّ بصيرةً مِنِّي فيك الآنَ، أنتَ عَدُوُّ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ الدَّجَّالُ الذِي أخبَرَنا عَنْكَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيَهْوِي إِلَيْهِ بِسَيْفِهِ فَلا يَسْتَطِيعُهُ فيقول أخروه عني".

قال شيخنا الذهبي: هذا حديث غريب فردوس ومسعود لا يعرفان وسيأتي حديث يعقوب بن عاصم عنه في مكث الدجال في الأرض ونزول عيسى ابن مريم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الترقوة: عظمة مشرفة بين ثغرة النحر والعاتق وهما ترقوتان والجمع تراقي وفي القرآن الكريم {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ} [القيامة:26]


ج / 1 ص -150- حديث عن أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية
قال الإِمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن قتادة، عن شهر بن حوشب، عن أسماء
بنت يزيد الأنصارية قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي فذكر الدجال فقال:
"إنّ بينَ يديه ثلاثَ سِنينَ سنةً تمسكُ السماءُ ثلثَ مطرِها والأرضَ ثُلُثَ نَباتِها، والثَّانِيَةً تُمْسِكُ السماءُ ثُلُثَيْ مطرها والأرضُ ثلثي نباتِهَا، والثالثةُ تُمْسِكُ السماءُ مَطَرَها كًلَّه والأرض نباتَها كُلّه، ولا تبقى ذات ضِرس ولا ذات خُف من البَهَائِم إلا هَلَكَتْ، وإن مِنْ أشد فتنته أن يأتي الأعرابي فيقولَ: أرَأيْتَ إِن أحييتُ لكَ أبَاكَ وأحْيَيْتُ أخَاكَ ألَسْتَ تَعْلَمْ أني رَبُّكَ؟ فيقولَ: بَلى، فَيَتَمَثَّلُ لَهُ الشّيطان نَحْوَ أبِيهِ وَنَحْوَ أخِيه" قالت: ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته ثم رجع والقومُ في اهْتِمَام وغَمّ مِمَّا حَدَثَهُمْ قالت: فَأخَذَ بِحَلْقَتي الباب وقال: "مَهْ مَهْ أسْماءُ"، قالت: قّلت يا رسول الله وسلم خَلَعْتَ أفئِدَتِنا بذكرِ الدّجالِ قال: "فإِن يَخْرُجُ وأنا حي فأنا حَجِيجُهُ وَإِلاَّ فَإن رَبي خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مؤمِن" قَالَت أسماءُ: يَا رسول الله واللَّهِ انا لنَعْجِنَنَّ عَجِينَنَا فَمَا نَخْتَبِزُه حتى نجوعَ فكيف بالمؤمنين يَوْمَئِذ. قَال: "يَجزِيهِمْ ما يَجْزِي أهْلَ السماءِ من التَّسْبِيح والتقديس".


ج / 1 ص -151- وكذلك رواه أحمد أيضاً، عن يزيد بن هارون، عن جرير بن حازم، عن عبادة، عن شهر عنها بنحوه وهذا إسناد لا بأس به، وقد تفرد به أحمد وتقدم له شاهد في حديث أبي أمامة الطويل، وفي حديث عائشة بعده شاهد له من وجه أيضاً والله أعلم.
وقال أحمد: حدثنا هاشم، حدثنا عبد الحميد، حدثنا شهر، حدثني أسماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حديث:
"فمن حَضَرَ مَجْلِسِي وَسَمِعَ قَوْلي فَلْيُبْلِغُ الشاهدُ منكُمُ الغائبَ واعْلَمُو، أن الله صَحِيحٌ ليس بِأعْوَرُ ممسوحُ العَيْن مكتوب بين عينيه كافر يقرؤُه كل مؤمن كاتب وغير ِكاتبٍ".
وسيأتي عن أسماء بنت عميس نحوه والمحفوظ هذا، والله أعلم.
حديث عائشة رضي الله عنها
قال الإِمام أحمد: حدثنا عبد الصمد، حدثنا حماد، حدثنا علي بن زيد، عن الحسن، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر جهداً بين يدي الدجال فقالوا: أي المال خير يومئذ؟ قال: "غلام أسود يسقي أهله الماء وأما الطعام فليس". قالوا: فما طعام المؤمنين يومئذ؟ قال: "التسبيح والتكبير والتحميد والتهليل" قالت عائشة: فأين العرب يومئذ؟ قال: "قليل1".
تفرّد به أحمد وإسناده فيه غرابة وتقدم في حديث أسماء وأبي أمامة شاهد له والله تعالى أعلم.
طريق أخرى عنها
قال أحمد: حدثنا سليمان بن داود، حدثنا حرب بن شداد، عن يحيى بن أبي كثير، حدثني الحضرمي بن لاحق أن ذكوان أبا صالح أخبره أن عائشة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أحمد في مسنده 6- 75 – 76.


ج / 1 ص -152- أخبرته قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي فقال:
"ما يُبْكيكِ؟" قلت: يا رسول الله ذكرتُ الدجال فَبَكَيْتُ".
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إِنْ يَخْرُجْ الدّجالُ وأنا حي كَفَيْتُكمُوهُ وإِنْ يَخْرُجْ بَعْدِي فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ إِنَّهُ يخرُجُ من يهوديةِ أصْبَهَان حتى يأتي المدينة فينزل ناحِيَتَها ولها يومئذ سَبْعةُ أبوابٍ على كل نَقْبٍ منها مَلَكَان، فيخرج إليه شرارُ أهلِها حتى يأتِيَ الشامَ بمدينةِ فلسْطِينَ باب لدّ، فينزلُ عيسى ابنُ مريم فيقتلُه ثم يَمْكُثُ عيسى في الأرض أربعين سنة إماماً عادِلاً وحَكَماً مُقْسطاً" تفرّد به أحمد.
لا يدخل الدجال مكة المكرمة ولا المدينة المنورة
وقال أحمد: حدثنا ابن أبي عدي؟ عن داود بن عامر، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"لا يدخل الدجالُ مكةَ ولا المدينةَ".
ورواه النسائْي، عن قتيبة، عن محمد بن عبد الله بن أبي عدي، والمحفوظ رواية عامر الشعبي عن فاطمة بنت قيس كما تقدم.
وثبت في الصحيح من حديث هشام بن عروة، عن زوجته فاطمة بنت المنذر، عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت في حديث صلاة الكسوف: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يومئذ:


ج / 1 ص -153- "وإنّه قد أوحِيَ إليّ أنَّكُمْ تُفْتَنُون قرِيباً أوْ قَبْلَ فتنةِ المسيح الدّجالِ لا أدْرِي أيّ ذلك قَالَ".
قالت أسماء الحديث بطوله.
وثبت في صحيح مسلم من حديث ابن جريح، عن أبي الزبير، عن جابر، عن أم شريك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"ليَنْفِرَنَّ النَّاسُ مِنَ الدجالِ حتى يَلْحَقُوا بُرؤوس الجبال" قلت: يا رسول الله: أيْنَ العربُ يَوْمَئِذٍ؟ قال: "هم قَلِيلٌ".
حديث عن أم سلمة رضي الله عنها
قال ابن وهب أخبرني مخرمة بن بكير، عن أبيه، عن عروة قالت أم سلمة ذكرت المسيح الدجال ليلة فلم يأتني نوم، فلما أصبحت دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال:
"لا تَفْعَلِي فإِنَّهُ إِنْ يخْرُجْ وأنا فيكُمْ يَكْفِيكُمُ اللَّهُ بِي وإِنْ يَخْرُجْ بَعْدَ أنْ أموتَ يَكْفِهِ الله الصَّالِحِينَ" ثم قام فقال: "ما من نبي إلا قد حًذّرَ أمَّتَهُ يعني مِنه وإني احذرُكُمُوهُ إِنَّهُ أعْوَرُ وإِن اللَّهَ تَعَالَى لَيْس بِأعْوَر".
قال الذهبي: إسناده قوي.
حديث ابن خديج، رواه الطبراني، من رواية عطية بن عطية بن عطاء بن أبي رباح، عن عمر بن شعيب، عن سعيد بن المسيب، عن رافع بن خديج، عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذم القدرية وأنهم زنادقة هذه الأمة، وفي زمانهم يكون ظلم السلطان، وحيفه، وكبره، ثم يبعث الله طاعوناً، فيفنى


ج / 1 ص -154- عامتهم، ثم يكون الخسف. فما أقل من ينجو منهم، المؤمن يومئذ قليل فرحه، شديد غمه، ثم يكون المسيح فيمسخ الله عامتهم، قردة، وخنازير، ثم يخرج الدجال على إثر ذلك قريباً، ثم بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى بكينا لبكائه، وقلنا: ما يبكيك؟ قال: "رحمة لأولئك القوم، لأن فيهم المقتصد، وفيهم المجتهد"، الحديث بتمامه.
حديث عن عثمان بن أبي وقاص رضي الله عنه
قال أحمد: حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أبي نضرة قال: أتينا عثمان بن أبي العاص في يوم جمعة، لنعرض عليه مصحفاً لنا على مصحفه، فلما حضرت الجمعة أمرنا فاغتسلنا، ثم أتينا بطيب فتطيبنا، ثم جئنا المسجد فجلسنا إلى رجل يحدثنا عن الدجال، ثم جاء عثمان بن أبي العاص فقمنا فجلس فجلسنا فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"يكون للمسلمين ثلاَثَةُ أمْصَارٍ مِصْرٍ بِمُلْتَقَى البَحْرَيْن ومِصْرٍ بالجزيرَةِ ومصرٍ بالشام فَيَفْزَعُ الناسُ ثلاث فَزَعات فيخرج الدَّجالُ في أَعْراض الناس فَيَهْزِمُ مِنْ قِبَل المشرِق، فأوَّل مِصرٍ يَرُدُّه المِصرُ الذي بِمُلْتقى الْبَحْرَيْن فَيَصيرُ أهْلُهُ ثَلاَثَ فرق: فِرْقَةٌ تُقِيمُ بالشَّام وتَنْظرُ ما هُو وفرقَةٌ تَلْحَقُ بالأعرابِ، وفرقةٌ تلحق بالْمِصْر الذي يَلِيهم، ومع الدجال سبعون ألفاً عليهم التيجانُ وأكثرَ مَنْ مَعَهُ اليَهودُ والنِّساءُ، ثم يأتي المصرَ الذي يَليهم فيصير أهله ثلاثَ فرق فرقة تقيم بالشام وتنظر ما هو وفرقة تلحق بالأعراب، وفرقة تلحق بالمصر الذي يليهم بغربيّ الشام، وينحاز المسلمون إلى عَقَبَةِ أفيق فيبعَثون سَرحاً لهم فيصاب سَرْحُهُمْ فيشتد ذلك عليهِم وتَصيبهُم مجاعةٌ شَديدةٌ وجَهْدٌ شديدٌ حتى إن أحدَهم لَيَحْرِقُ وَتَرَ قَوْسه فَيأكلهُ، فبينما هم كذلك إذ نادى مُنَاد من السَّحَرِ


ج / 1 ص -155- يا أيها الناس: أَتَاكُم الْغَوْث ثلاثاً فيقول بعضهم لبعض: إن هذا الصوت صوتُ رجل شبعانَ وينزل عيسى ابن مريَمَ عليه السلام عند صلاةِ الفجرِ فيقول له أميرُهم: يا رُوحَ اللَّهِ تَقَدَّم فَصَل، فيقولُ هَذِهِ الأمَّةُ أمَرَاءُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْض فيتَقَدّمُ أميرُهم فَيُصَلِّي، فإِذا قَضَى صَلاَتَه أخذ عيسى حَرْبَتَهُ فَذَهَبَ نحو الدجَّالِ فإِذا رآه الدجالُ ذَابَ كما يذوبَ الرصاصُ فَيَضَعُ حَرْبَتَهُ تحت ثَنْدَوتهِ فيقتلهُ ويَنْهَزِمُ أصحابُهُ فليس يومئذ شيء يُوَاري مِنْهم أحَداً حتى إن الشجرةَ لتقولُ يا مؤمنُ هَذا كافر ويقول الحجرُ يا مؤمن هذا كافرٌ".
تفرّد به أحمد، ولعلّ هذين المصرين هما البصرة والكوفة بدليل ما رواه الإِمام أحمد.
حدثنا أبو النضر هاشم بن القاسم، حدثنا الحشرح بن نباته القيس الكوفي، حدثني سعيد بن جهمان، حدثنا عبد الله بن أبي بكرة، حدثنا أبي في هذا المسجد يعني مسجد البصرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ليَنْزِلَنَّ طائفة من أمتي أرضاً يقال لها الْبَصْرَةُ يَكثُرُ بها عَددُهُمْ ويَكْثُرُ بِهَا نَخْلهُمْ ثم يجيءُ بنو قَنْطُوراً صغارُ العيونِ حتى ينزلوا على جِسْرٍ لَهُمْ يقال له دِجْلَةُ فَيُفْرَقُ المسلمون ثلاثَ فرَق، فأما فِرقةٌ فَيأخذون بأذْنابِ الإِبِل يَلْحَقُونَ بالْبَادِيَةِ وَهَلَكَتْ وأما فرقةُ فَتَتَأخَّرُ خَائِفَةً عَلَى أنْفُسِهَا وهذِهِ وَتلْكَ سَوَاءُ وأمَّا فِرْقَةٌ فَيَجْعَلُونَ عِيَالَهُمْ خَلْفَ ظُهُورِهِمْ وهؤلاءَ يَكُونُ فُضلاوهُمْ شُهَدَاءَ وَيَفْتَح اللَّهُ عَلَى بَقِيَتِهَا".
ثم رواه أحمد، عن يزيد بن هارون وغيره عن العوام بن حوشب، عن سعيد بن جهمان، عن ابن أبي بكرة عن أبيه فذكره بنو قنطورا هم الترك، ورواه


ج / 1 ص -156- أبو داود1، عن محمد بن يحيى بن فارس، عن عبد الصمد بن عبد الوارث، عن أبيه، عن سعيد بن جهمان، عن مسلم بن أبي بكرة عن أبيه فذكره نحوه.
وروى أبو داود من حديث بشر بن المهاجر، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث:
"يَلُونَكمْ صِغَارُ الأعْيُن" يَعْنِي التُّرْكَ قال: "لَيَسُوقُنَّهُمْ ثَلاَث مِرَارٍ حَتى يَلْحَقُوا بِهِمْ بِجَزِيرةِ العَرَبِ، فَأما في السيَاقَةِ الأولى فَيَنْجُو مَنْ هَرَبَ مِنْهُمْ، وَأمَّا في الثانِيَةِ فَيَنْجُو بَعْضٌ ويَهْلِكُ بَعْضُ، وأمَّا في الثالِثَةِ فَيُصْطَلَمُونَ2"
أو كما قال لفظ أبي داود3.
وروى الثوري، عن سلمة بن كفيل، عن الزهر، عن ابن مسعود قال:
"يَفْتَرِق الناسُ عند خروج الدجال ثلاث فِرق: فرقة تتبعه، وفرقة تلحق بأرْض بِهَا مَنَابِتُ الشيح، وفرقة تأخذ بِشَطِ العِراق يقاتلُهم ويقاتلُونَه حتى يجتَمع المؤمنونَ بِقُرى الشام وَيَبْعَثونَ طَليعةً فيهم فارسٌ فَرَسُه أشقرُ4 أوْ أبْلَقُ فَيُقتَلونَ فلا يرجع منهم بَشَرُ".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1الحديث رواه أبي داود "6 -168 – مختصر المنذري".
2 يصطلحون: يؤتى عليهم فلا يبقى منهم أحد.
3 الحديث رواه أبي داود "6- 176 – مختصر المنذري".
4 الشقرة: بياض مشرب بحمرة والبلق بياض وسواد,


ج / 1 ص -157- حديث عن عبد اللّه بن بسر
قال حنبل بن إسحاق: حدثنا رحيم، حدثنا عبد الله بن يحيى المعافري هو المريسي أحد الثقات، عن معاوية بن صالح، حدثني أبو الزارع أنه سمع عبد الله بن يسر يقول سمعت صلى الله عليه وسلم يقول:
"ليدْرِكَنَّ الدجالَ مَن رَأى".
أو قال ليكونن قريباً من قولي قال شيخنا الذهبي أبو الزارع لا يعرف والحديث منكر. قلت: وقد تقدم في حديث أبي عبيدة شاهد له.
حديث عن سلمة بن الأكوع
قال الطبراني: حدثنا العباس بن الفضل الأسفاطي، حدثنا يزيد بن الحريش، حدثنا أبو همام محمد بن الزبرقان، حدثنا موسى بن عبيدة.، حدثني يزيد بن عبد الرحمن، عن سلمة بن الأكوع قال: أقبلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل العَقِيق حتى إذا كنا مع الثنِيَّةِ قال:
"إني لأنظر إلى مواقع عدو الله المَسِيح إنهُ يقْبل حتى ينزل مِنْ كذا حَتى يَتَرَسل1 يخرج إليه الْغَوْغَاءُ2 مَا مِنْ نَقْبٍ من أنْقَاب المدنةِ إلاَّ عَلَيه مَلَكٌ أو ملكانِ يَحْرسَانِهِ، مَعَه صُورتانِ صورةُ الجنةِ وصورة النار وشياطينُ يَتَشَبَّهُونَ بِالأَبَوين يقول أحدهم للحي: أتَعْرفُنِي؟ أنا أبْوكَ أنَا أخُوك أنا ذُو قِرَابةٍ مِنْكَ ألسْتُ قَدْ مِت هذا رَبنَا فاتَّبِعْهُ، فَيَقْضِي الله مَا شاَء مِنْه ويبعث اللَّهُ له رَجُلاً من المسلِمِين فَيسْكِتُهُ ويبكتُهُ، ويقول هَذَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 يترسل: يمهل.
2 الغوغاء في الأصل الضجة والجلبة وتطلق هذه الكلمة على الدهماء والرعارع.


ج / 1 ص -158- الكًذّابُ ياأيهَا الناسُ: لا يَغُرنَكُم فَإنه كذَّابٌ ويقولَ باطِلاً وإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْس بِأعْورَ، ويقول الدجَّالُ لَهُ: هَلاَّ1 أنْتَ مُتَّبِعِي؟ فَيأتي فَيَشُقُّهُ شُقَّتَيْن وَيَفْصِلُ ذَلِكَ ويقولُ أعِيدُهُ لَكُمْ فَيَبْعَثُهُ الله أشَدَّ مَا كانَ تكذيباً وأشدَّ شَتْماً فيقولُ: أيُّهَا الناسُ إنَّمَا رَأيْتُم بَلاَءَ ابْتُلِيتُمْ بِهِ وفتْنَةً افْتُتِنْتُمْ بِهَا ألاَ إنْ كانَ صَادِقاً فَلْيُعِدْني مَرَّةً أخْرَى ألاَ هُو كَذَّابً فَيَأمُرُ بهِ إلى هذِهِ النَّارِ وهي الجنةُ ثم يخرج قِبَلَ الشَّام" موسَى بن عبيدة اليزيدي ضعيف في هذا السياق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هلا أداة عرض وحضن.
حديث محجن بن الأدرع
قال أحمد: حدثنا يونس، حدثنا حماد يعني ابن سلمة، عن سعيد الجريري، عن عبد الله بن شفيق، عن محجن بن الأدرع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يوماً الناس فقال:
"يَوْمُ الخلاص ومَا يَوم الخلاص؟" ثَلاَثاً فَقِيلَ: وَمَا يَوْمُ الخلاص؟ قال: "يَجيءُ الدجالُ فيصعَدُ أحُداً فينظرُ إلى المدينةِ فيقول لأصحابِه: هل تدرون هَذَا القصرَ الأبيَضَ؟ هذا مسجدُ أحمد، ثم يأتي المدينة فيجد على كل نَقْب من أنقابِهَا مَلكاً مُصْلِتاً سَيْفَهُ فيأتي سِبْخَةَ الجرْفِ فيضرب رِواقَهُ ثم ترجف المدينة ثلاث رَجَفاتٍ فلاَ يبقى منافقٌ ولا منافقةٌ ولا فاسقٌ ولا فاسقةٌ إلاَّ خرج إليه فذلك يَوْمُ الخلاص".

تفرًد به أحمد.


ج / 1 ص -159- خير دينكم أيسره.
ثم رواه أحمد، عن غندر، عن شعبة، عن أبي بشر، عن عبد الله بن شقيق، عن ابن أبي رجا، عن محجن بن الأدرع قال: أخذ رسول الله بيدي فصعد على أحد وأشرف على المدينة فقال:
"وَيْل: إنها قُرَّةُ عَيْني أدَعُهَا خيرَ ما تكونُ أو كأخير ما تكونُ، فيأتيها الدَّجالُ فيجد على كل باب من أبوابها مَلَكاً مُصْلِتاً سَيفهُ فلا يَدْخُلُها". قال: ثم نزل وهو آخذ بيدي فدخل المسجد فإذا رجل يصلي فقال لي: "من هذا؟" فأثنيت عليه خيراً، فقال: "اسْكُتْ لا تُسْمِعْهُ فَتُهْلِكَة"، قال: ثم أتى حجرة امرأةٍ من نِسائِهِ فَنَفَضَ يَدَه مِنْ يَدِي وقال:
"إنَّ خَيرَ دِينكم أيْسَرَهُ إنَّ خَيرَ دِينَكُمُ أيْسَرُهُ".
حديث أبي هريرة رضي اللّه تعالى عنه
قال أحمد: حدثنا قتيبة، حدثنا يعقوب، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبىءُ اليهودي من وراءِ الحَجَرِ والشَجَرِ، فيقول الحَجَرُ أو الشَجَرُ: يا مسلم يا عبد َاللهِ هَذا اليَهُودِيُّ مِنْ خَلْفِي فَتَعَالَ فاقْتُلْه إلا الْغَرْقَدُ1 فإنه شَجَر الْيَهُودِ".
وقد روى مسلم عن قتيبة بهذا الإسناد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الغرقد: شجيرة تنمو من متر إلى ثلاثة أمتار ساقها وفروعها أبيض.


ج / 1 ص -160- "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا الترك" الحديث.
وقد تقدم هذا الحديث بطرقه وألفاظه.
والظاهر والله أعلم، أن المراد أن الترك هم اليهود أيضاً والدجال من اليهود كما تقدم في حديث أبي بكر الصديق الذي رواه أحمد والترمذي وابن ماجه.
طريق أخرى عن أبي هريرة
قال أحمد: حدثنا حسين بن محمد، حدثنا جرير، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"ليَنْزلًنّ الدجالُ بحُورَانَ وكِرْمَانَ في سبعين ألفاً كأن وجوههم الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ".
إسناده جيد قوي حسن.
طريق أخرى عن أبي هريرة
قال حنبل بن إسحاق: حدثنا شريح بن النعمان، حدثنا فليح، عن الحارث بن النفيل، عن زياد ابن سعيد، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس فذكر الدجال فقال:
"إنه لم يكن نبي إلا حذَّرَهُ أمتَه وسأصِفُهُ لكم بما لم يصفه نبِي قَبْلي إِنه أعورُ مكتوب بين عينيه كافر بقرؤه كُل مؤمن يكتبُ أو لا يكتب".
وهذا إسناد جيد لم يخرجوه من طريق أخرى.


ج / 1 ص -161- المدينة المنورة ومكة المكرمة في حراسة من الملاكة بأمر اللّه
قال أحمد: حدثنا شريح، حدثنا فليح عن عمرو بن العلاء الثقفي عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"المدينةُ ومكةً محفوفَتَان بالملائكةِ على كل نقْب منهما ملائكةٌ لا يَدْخُلها الدجال ولا الطاعونُ".
هذا غريب جداً؟ وذكرمكة في هذا ليس محفوظاً وكذلك ذكر الطاعون والله تعالى أعلم، والعلاء الثقفي هذا إن كان مزيداً فهو أقرب.
حديث عبادة بن الصامت رضى اللّه تعالى عنه
قال أبو داود: حدثنا حيوة بن شريح، حدثنا بقية، حدثنا بجيرعن خالد عن جنادة بن أمية عن عبادة ابن الصامت أنه حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"إني قد حَدَّثتكم عن الدجال حتى خَشِيتُ أنْ لاَ تَفعلوا؟ إن المسِيحَ الدجالَ رجل قصيرٌ أبَح1 جَعْذ2 أعَورُ مطموسُ العين فإن لَبَّسَ3 عليكم فاعلموا أن ربكم عزَّ وجل ليس بأعورَ".
ورواه أحمد، عن حيوة بن شريح أو يزيد بن عبد ربه، والنسائي عن إسحاق بن إبراهيم كلهم عن بقية بن الوليد به.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1في صوته خشونة وغلظ.
2 شعره خشن ملتو.
3 لبس خلط.


ج / 1 ص -162- شهادات نبوية كريمة بفضل بني تميم
وقال البخاري ومسلم: حدثنا زهر، حدثنا جرير عن أببما زرعة عن أبي هريرة قال: ما زلت أحب بني تميم من أجل ثلاث؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"هم أشد امَّتي على الدجال"!.
وجاءَت صدقاتهم فقال: "هذِه صدقات قومِي".
وكانت سَبِيَّةٌ منهم عند عائشة.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أعْتِقِيها فإنها من ولد إسماعيل".


ج / 1 ص -163- "من سمع من الدجال فلسنا منه من سمع من الدجال فلسنا منه؟ فإن الرجل يأتيه يَحْسسِبُ إنه مؤمن فما يزال به لما معه من الشبه حَتى يَتْبَعَه".
وكذلك رواه عن يزيد بن هارون، عن هشام بن حسان وهذا إسناد جيد وأبو الدهماء واسمه فرقة ابن بهير الدوي ثقة.
وقال سفيان بن عيينة، عن علي بن زيد، عن الحسن، عن عمران بن حصين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لقد أكلَ الطعامَ ومَشَى في الأسواق".
يعني الدجال.
حديث المغيرة بن شعبة رضي اللّه تعالى عنه الدجال أهون على اللّه
قال مسلم: حدثنا شهاب بن عباد العبدي، حدثنا إبراهيم بن حميد الوارسي، عن إسماعيل، عن أبي خالد عن قيس بن حازم عن المغيرة عن شعبة قال: ما سأل أحد النبي عن الدجال أكثر مما سألت قال:
وما يَضركَ مِنْهُ؟ إنه لا يضرك: قلت: يا رسول الله إنهم يقولون: إنَّ معه الطعامَ والأنهارَ قال: "هُو أهْونُ على الله من ذلك".
حدثنا شريح بن يونس، حدثنا هشام بن إسماعيل، عن قيس، عن المغيرة بن شعبة قال: ما سأل أحد النبي صلى الله عليه وسلم عن الدجال أكثر مما سألته: قال: "وما سؤالك؟" قال: إنهم يقولون: إن معه جبالاً من خبز ولحم ونهراً من ماء، قال:
"هو أهون على الله من ذلك".


ج / 1 ص -164- ورواه مسلم أيصاً في الاستئذان من طرق كثيرة، عن إسماعيل عن قيس عن المغيرة بن شعبة قال: ما سأل أحد النبي صلى الله عليه وسلم عن الدجال أكثر مما سألته، قال: وما سؤالك؟ قال: إنهم يقولون إن معه جبالاً من خبز ولحم ونهراً من ماء؟ قال:
"هو أهون على الله من ذلك".
ورواه مسلم أيضاً في الاستئذان من طرق كثيرة، عن إسماعيل بن أبي خالد، وأخرجه البخاري، عن مسدد، عن يحيى القطان، عن إسماعيل، وقد تقدم حديث حذيفة وغيره أن ماءه نار وناره ماء بارد وإنما ذلك في رأي العين وقد تمسك بهذا الحديث طائفة من العلماء كابن حزم والطحاوي وغيرهما في أن الدجال ممخرق1 مموه لا حقيقة لما يبدي للناس من الأمور التي تشاهد في زمانه بل كلها خيالات عند هؤلاء.
وقال الشيخ أبو علي الجبائي شيخ المعتزلة: "لا يجوز أن يكون كذلك حقيقة لئلا يشتبه خارق الساحر بخارق النبي وقد أجابه القاضي عياض وغيره بأن الدجال إنما يدعي الإلهية وذلك مناف للبشرية فلا يمتنع إجراء الخارق على يديه والحالة هذه. وقد أنكرت طوائف كثيرة من الخوارج والجهمية وبعض المعتزلة خروج الدجال بالكلية وردوا الأحاديث الواردة فيه فلم يصنعوا شيئاً وخرجوا بذلك عن حيز العلماء لردهم ما تواترت به الأخبار الصحيحة من غير وجه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم، وإنما أوردنا بعض ما ورد في هذا الباب، لأن فيه كفاية ومقنعاً وبالله المستعان.
والذي يظهر من الأحاديث المتقدمة أن الدجال يمتحن الله به عباده بما يخلقه معه من الخوارق المشاهدة في زمانه كما تقدم أن من استجاب له يأمر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الممخرق: المشعوذ.


ج / 1 ص -165- السماء لتمطرهم والأرض فتنبت لهم زرعاً تأكل منه أنعامهم وأنفسهم وترجع إليهم سماناً ومن لا يستجيب له ويرد عليه أمره تصيبهم السنة والجدب والقحط والعلة وموت الأنعام ونقص الأموال والأنفس والثمرات، وأنه تتبعه كنوز الأرض كيعاسيب النحل، ويقتل ذلك الشاب ثم يحييه، وهذا كله ليس بمخرفة بل له حقيقة امتحن الله به عباده في ذلك الزمان فيضل به كثيراَّ ويهدي به كثيراً، يكفر المرتابون، ويزداد الذين آمنوا إيماناً، وقد حمل القاضي عياض وغيره على هذا المعنى معنى الحديث.
"هو أهون على الله من ذلك".
أي هو أقل من أن يكون معه من يضل به عباده المؤمنين، وما ذاك إِلا لأنه ظاهر النقص والفجور والظلم، وإن كان معه ما معه من الخوارق، وبين عينيه مكتوب كافر كتابة ظاهرة وقد حقق ذلك الشارع في خبره بقوله ك ف ر، وقد دل ذلك على أنه كتابة حسية لا معنوية كما يقوله بعض الناس، وعينه الواحدة عوراء شنيعة المنظر ناتئة، وهومعنى قوله "كأنها عنبة طافية" أي طافية على وجه الماء ومن روى ذلك طافية فمعناه لا ضوء فيها، وفي الحديث الآخر "كأنها نخامة على حائط مجصص" أي بشعة الشكل، وقد ورد في بعض الأحاديث أن عينه اليمنى عوراء رحا1 اليسرى فإما أن تكون إحدى الروايتين غير محفوظة أو أن العور حاصل في كل من العينين ويكون معنى العور النقص والعيب.
ويقوي هذا الجواب ما رواه الطبراني، حدثنا محمد بن محمد التمار وأبو خليفة قالا: حدثنا أبو الوليد، حدثنا زائدة، حدثنا سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رحا اليسرى أي مثلها كأن عينيه في التماثل حجرا الرحا.


ج / 1 ص -166- "الدجال جعد هجين1 أخن2 كأن رأسه غصن شجرة مطموس عينه اليمنى، والأخرى كأنها عنبة طافية" الحديث.
وكذلك رواه سفيان الثوري عن سماك بنحوه، لكن قد جاء في الحديث المتقدم وعينه الأخرى كأنها كوكب دري، وعلى هذا فتكون الرواية الواحدة غلطاً، ويحتمل أن يكون المراد أن العين الواحدة عوراء في نفسها، والأخرى عوراء باعتبار انبرازها والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1الهجين اللئيم المعيب الذي به هجنة.
2 الأخن من به جنة: وهو خروج الصوت من الأنف.
لماذا لم يذكر الدجال صراحة في القرآن الكريم؟
وقد سأل سائل سؤالاً فقال:
ما الحكمة في أن الدجال مع كثرة شره وفجوره وانتشار أمره ودعواه الربوبية وهو في ذلك ظاهر الكذب والافتراء، وقد حذر منه جميع الأنبياء لم يذكر في القرآن ويحذر منه ويصرح باسمه وينوه بكذبه وعناده؟ والجواب من وجوه:
أحدهما: أنه قد أشير إلى ذكره في قوله تعالى: {يَوْمَ يَأتي بَعْضُ آيَاتِ ربِّكَ لاَ يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أوْ كَسَبَتْ في إيمَانِهَا خَيْراً}. [6- الأنعام: 158]، الآية.
قال أبو عيسى الترمذي عند تفسيرها: حدثنا عبد بن حميد، حدثنا يعلى بن عبيد، عن فضيل بن غزوان عن أبي حازم، عن أبي هريرة، عن النبى صلى الله عليه وسلم قال:
"ثلاثٌ إذا خَرَجْنَ لم يَنْفَعْ نَفْساً إيمَانُهَا لَم تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْل


ج / 1 ص -167- أوكسبتْ في إِيمانِها خَيْراً الدجالُ والدابةُ وطلوعُ الشمس من المغربِ أو من مغربها".
ثم قال: هذا حديث حسن صحيح.
=
الثاني: أن عيسى ابن مريم ينزل من السماء الدنيا فيقتل الدجال كما تقدم وكما سيأتي، وقد ذكر في القرآن نزوله ني قوله تعالى:
{وقَوْلهمْ إنَّا قَتَلْنَا ألْمَسِيحَ عِيسى أبْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ ومَا قَتَلُوهُ وَمَاَ صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شبِّهَ لَهُمْ وإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْم إِلاَّ اتباع الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً وإِنْ مِنْ أهْل الكِتَابِ إِلاَّ ليُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهيداً} .النساء: 157- 159.
 
وقد قررنا في التفسير أن الضمير في قوله: {قَبْلَ مَوْتهِ} عائد على عيسى أي سينزل إلى الأرض ويؤمن به أهل الكتاب الذين اختلفوا فيه اختلافاً متبايناً، فمن مدعي الإِتهية كالنصارى ومن قائل فيه قولاً عظيماً وهوأنه ولد ريبة وهم اليهود، فإِذا نزل قبل يوم القيامة تحقق كل من الفريقين كذب نفسه فيما يدعيه فيه من الافتراء وسنقرر هذا قريباً.
 
وعلى هذا؟ فيكون ذكر نزول المسيح عيسى ابن مريم إشارة إلى ذكر المسيح الدجال شيخ الضلال وهو ضد مسيح الهدى، ومن عادة العرب أنها تكتفي بذكر أحد الضدين عن ذكر الآخر كما هو مقرر في موضعه.
الثالث: أنه لم يذكر بصريح اسمه في القران احتقاراً له حيث يدعي الإِلهية وهو ليسر ينافي حالة جلال الرب وعظمته وكبريائه وتنزيهه عن النقص، فكان أمره عند الرب أحقر من أن يذكر وأصغر وأدخر من أن يحكي عن أمر دعواه


ج / 1 ص -168- ويحذر، ولكن انتصر الرسل بجناب الرب عز وجل فكشفوا لأممهم عن أمره وحذروهم ما معه من الفتن المضلة والخوارق المضمحلة فاكتفى بإخبار الأنبياء، وتواترذلك عن سيد ولد آدم إمام الأتقياء عن أن يذكرأمره الحقير بالنسبة إلى جلال الله في القران العظيم ة ووكل بيان أمره إِلى كل نبي كريم. فإن قلت: فقد ذكر فرعون في القرآن، وقد ادعى ما دعاه من الكذب والبهتان حيث قال:
{أنَا رَبُّكُمُ الأعْلَى}. النازعات: 24،. وقال: {يَأيهَا المَلأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِن إِلهٍ غَيْرِي}.[القصص: 38]
 
والجواب: أن أمر فرعون قد انقضى وتبين كذبه لكل مؤمن وعاقل؟ 
=وهذا أمر سيأتي وكائن فيما يستقبل فتنة واختباراً للعباد فترك ذكره في القرآن احتقاراً له وامتحاناً به إذ الأمر في كذبه أظهر من أن ينبه عليه ويحذر منه، وقد يترك الشيء لوضوحه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في مرض موته وقد عزم على أن يكتب كتاباً بخلافة الصديق من بعده ثم ترك ذلك وقال: "يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر".
فترك نصه عليه لوضوح جلالته وظهور كبر قدره عند الصحابة وعلم عليه الصلاة والسلام منهم أنهم لا يعدلون به أحداً بعده، وكذلك وقع الأمر، ولهذا يذكر هذا الحديث في دلائل النبوة كما تقدم ذكرنا له غير مرة في مواضع من الكتاب، وهذا المقام الذي نحن فيه من هذا القبيل وهو أن النبي قد يكون ظهوره كافياً عن التنصيص عليه، وأن الأمر أظهر وأوضح وأجلى من أن يحتاج معه زيادة على ما هو في القلوب مستقر، فالدجال واضح الذم ظاهر النقص بالنسبة إلى المقام الذي يدعيه وهو الربوبية، فترك الله ذكره والنص عليه لما يعلم تعالى من عباده المؤمين أن مثل هذا لايهدهم ولا يزيدهم إلا إيماناً وتسليماً لله ورسوله وتصديقاً بالحق ورداً للباطل ولهذا يقول ذلك


ج / 1 ص -169- المؤمن الذي يسلط عليه الدجال فيقتله ثم يحييه، والله ما ازددت فيك إلاَّ بصيرة. أنت الأعور الكذاب الذي حدثنا فيهَ رسول الله صلى الله عليه وسلم شفاهاً وقد أخذ بظاهره إبراهيم بن محمد بن سفيان الفقيه الصحيح عن مسلم، فحكى عن بعضهم أنه الخضر وحكاه القاضي عياض عن معمر في جامعه.
وقد قال أحمد في مسنده وأبو داود فيِ سننه، والترمذي في جامعه بإسنادهم إلى أبي عبيدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"لعلَّهُ يدْرِكُهُ مَنْ رآني وسَمع كلامي".
وهذا مما قد يتقوى به بعض من يقول بهذا ولكن في إسناده في غرابة، ولعل هذا كان قبل أن يبين له صلى الله عليه وسلم من أمر الدجال ما بين في ثاني الحال والله تعالى أعلم.
وقد ذكرنا في قصة الخضر كلام الناس في حياته ودللنا على وفاته بأدلة أسلفناها هنالك، فمن أراد الوقوف عليها فليتأملها في قصص الأنبياء من كتابنا هذا والله تعالى أعلم بالصواب. 
===========
النهاية في الفتن والملاحم 
ذكر ما يعصم من الدجال الاستعاذة المخلصة باللّه تعصم من فتنة الدجال
فمن ذلك الاستعاذة من فتنته، فقد ثبت في الأحاديث الصحاح من غير وجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من فتنة الدجال في الصلاة وأنه أمر أمته بذلك أيضاً فقال:
"اللَّهم إنا نعوذُ بك من عَذاب جَهَنَّمَ ومن فتنةِ القبْر ومنْ فتنة الْمَحْيَا والممَاتِ ومِنْ فتنةِ المسِيح الدجال".
وذلك من حديث أنس وأبي هريرة وعائشة وابن عباس وسعد وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وغيرهم:


ج / 1 ص -170- حفظ عشر آيات من آخر سورة الكهف حفظاً عملياً يعصم من فتنة الدجال
قال شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي والاستعاذة من الدجال متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم كما قال أبو داود، حدثنا حفص بن عمر، حدثنا همام، عن قتادة، حدثنا سالم بن أبي الجعد، عن معدان، عن أبي الدرداء يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"من حَفِظَ عَشْر آياتٍ من سُورةِ الكَهْفِ عصِمَ مِن فتنةِ الدجَّالِ".
قال أبو داود: كذا قال هشام عن دستواي عن قتادة إِلا أنه قال من حفظ من خواتيم، وقال شعبة عن قتادة من آخر الكهف، وقد رواه مسلم من حديث همام وهشام وشعبة عن قتادة بألفاظ مختلفة، وقال الترمذي: حسن صحيح وفي بعض روايات الثلاث:
"آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال".
وكذلك رواه عن روح عن سعيد عن قتادة بمثله، ورواه عن حسين عن شعبان عن قتادة كذلك، وقد رواه عن غندر وحجاج عن شعبة عن قتادة بمثله، ورواه عن حسين شعبان عن قتادة كذلك، وقد رواه عن غندر وحجاج عن شعبة عن قتادة وقال:
"من حفظ عشر آيات من آخر سورة الكهف عصم من فتنة الدجال".
وكذلك الابتعاد منه كما تقدم في حديث عمران بن حصين:


ج / 1 ص -171- "منْ سَمِعَ مِنَ الدجالِ فَلَسْنَا مِنْه".
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إِنَّ المؤمنَ ليأتِيهِ وهو يَحْسِبُ أنَّه مُؤمنٌ فَيَتَّبعَهُ مما يبعت بهِ منَ الشُبُهَات".
سكنى المدينة ومكة المشرفتين تعصم من فتنة الدجال
ومما يعصم من فتنة الدجال الذي سكن المدينة ومكة شرفهما الله تعالى، فقد روي في البخاري ومسلم من حديث الإِمام مالك عن نعيم المجمر عن نعيمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"عَلَى انْقَابِ المدينة مَلاَئكةٌ لا يدخلها الطاعونُ ولا الدجال1".
وقال البخاري: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، حدثني إبراهيم بن سعيد عن أبيه، حدثني أبو بكر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"لا يدخل المدينةَ رُعْبُ المسيح الدجالِ لها يومئذ سَبْعَةُ أبْوابٍ على كل بابٍ ملكان".
وقد روي هذا من غير وجه عن جماعة من الصحابة منهم أبو هريرة، وأنس بن مالك وسلمة بن الأكوع ومحجن بن الأدرع كما تقدم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث رواه البخاري 4- 82.
- مسلم "1- 389" من حديث مالك.
- ورواه أحمد في مسنده رقم 7233.
- ورواه ابن كثير في جامع المسانيد 7 – 19.


ج / 1 ص -172- وقال الترمذي: حدثنا عبده بن عبد الله الخزاعي، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا شعبة عن قتادة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"يأتِي الدجالُ المدينةَ فيجدُ الملائكةَ يَحْرُسُونَها فلا يدخلها الطاعون ولا الدجال إِن شاءَ الله".
وأخرجه البخاري، عن يحيى بن موسى وإسحاق بن أبي عيسى عن يزيد بن هارون ومحجن وأسامة وسمرة بن جندب رضي الله عنهم أجمعين.
وقد ثبت في الصحيح:
"أنَّهُ لا يدخلُ مكةَ ولا المدينةَ تَمْنَعهُ الملائكةُ"
لشرف هاتين البقعتين فهما حرمان آمنان منه وإنما إذا نزل نزل عند سبخة المدينة فترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات إما حساً أو معنى على القولين فيخرج منها كل منافق ومنافقة ويومئذ تنفي المدينة خبثها ويسطع1 طيبها كما تقدم في الحديث والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 يسطع الطيب: يفوح وتنتشر رائحته الزكية.
===========
النهاية في الفتن والملاحم  
تلخيص سيرة الدجال لعنه اللّه

هو رجل من بني آدم خلقه الله تعالى ليكون محنة للناس في آخر الزمان: {يُضِلُ به كَثِيراً ويَهْدِي به كَثِيراً وَمَا يُضِل بِهِ إِلاَّ الفَاسِقِينَ}.
وقد روى الحافظ أحمد بن علي الآبار في تاريخه من طريق مجالد، عن الشعبي أنه قال: كنية الدجال أبو يوسف، وقد روى عمر بن الخطاب وأبو داود جابر بن عبد الله وغيرهم من الصحابة وغيرهم كما تقدم أنه ابن صياد، وقد


ج / 1 ص -173- قال الإِمام أحمد: حدثنا يزيد، حدثنا حماد بن سلمة، عن أبي يزيد، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"يَمْكُثُ أبَوَا الدجالِ ثلاثين عاماً لا يُولدُ لهما غًلام ثمَّ يولَدُ لَهُمَا بَعْد الثَلاثِينَ غُلام أعوَرُ أضَر شَيْءٍ وأقَلُهُ نَفْعاً تَنَام عَيْناهُ ولاَ يَنَامُ قَلْبَه".
ثم نعت أبويه فقال: "أبوه رجل مضطرب اللحم طويل الأنف كأن أنفه منقار وأمه امرأة عظيمة الثديين" ثم بلغنا أن مولوداً من اليهود ولد بالمدينة قال: فانطلقت والزبير بن العوام حتى دخلنا على أبويه فوجدنا فيهما نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا هو منجدل1 في الشمس في قطيفة يهمهم فسألنا أبويه فقالا: مكثنا ثلاثين عاماً لا يولد لنا، ثم ولد لنا غلام أعور أضر شيء وأقله نفعاً، فلما خرجنا مررنا به فقال:
عرفت ما كنتما فيه. قلنا: وسمعت؟ قال: نعم. إنه تَنَام عَيْنَاي وَلا يَنَامُ قلْبِي فإذا هُو ابْن صَيَّادٍ.
وأخرجه الترمذي من حديث حماد بن سلمة، وقال حسن قلت بل منكم جداً واللهَ أعلم.
وقد كان ابن صياد من يهود المدينة ولقبه عبد الله، ويقال صاف، وقد جاء هذا وهذا وقد يكون أصل اسمه صاف ثم تسمى لما أسلم بابن عبد الله، وقد كان ابنه عمارة بن عبد الله من سادات التابعين، وروى عنه مالك وغيره، وقد قدمنا أن الصحيح أن الدجال غير ابن صياد وأن ابن صياد كان دجالاً من الدجاجلة ثم تاب بعد ذلك فأظهر الإِسلام والله أعلم بضميره وسيرته، وأما الدجال الأكبر فهو المذكور في حديث فاطمة بنت قيس الذي روته عن ==1 منجدل. منطرح على الجدالة والجدالة الأرض. =ج / 1 ص -174-== رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تميم الداري وفيه قصة الجساسة ثم يؤذن له في الخروج في آخر الزمان بعد فتح المسلمين مدينة الروم المسماة بقسطنطينية فيكون بدء ظهوره من أصبهان من حارة منها يقال لها اليهودية وينصره من أهلها سبعون ألف يهودي عليهم الأسلحة والتيجان وهي الطيالسة الخضراء، وكذلك ينصره سبعون ألفاً من التتار وخلق من أهل خراسان فيظهر أولاً في صورة ملك من الملوك الجبابرة ثم يدعي النبوة ثم يدعي الربوبية، فيتبعه على ذلك الجهلة من بني آدم والطغام من الرعاعٍ والعوام، ويخالفه ويرد عليه من هدى الله من عباده الصالحين وحزب الله المتقين، يأخذ البلاد بلداً بلداً وحصناً حصناً وإقليماً إقليماً وكورة1 كورة، ولا يبقى بلد من البلاد إلا وطئه بخيله ورجله غير مكة والمدينة، ومدة مقامه في الأرض أربعون يوماً يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيام الناس هذه ومعدل ذلك سنة وشهران ونصف شهر، وقد خلق الله تعالى على يديه خوارق كثيرة يضل بها من يشاء من خلقه ويثبت معها المؤمنون فيزدادون بها إيماناً مع إيمانهم، وهدى إلى هداهم، ويكون نزول عيسى ابن مريم مسيح الهدىَ فى أيام المسيح الدجال مسيح الضلالة، على المنارة الشرقية بدمشق فيجتمع عليه المؤمنون ويلتف به عباد الله المقتون، فيسير بهم المسيح عيسى ابن مريم قاصداً نحو الدجال، وقد توجه نحو بيت المقدس فيدركهم عند عقبة أفيق فينهزم منه الدجال فيلحقه عند مدينة باب لد، فيقتله بحربته وهو داخل إليها ويقول إن لي فيك ضربة لن تفوتني، وإذا واجهه الدجال ينماع2 كما يذوب الملح في الماء فيتداركه فيقتله بالحربة بباب لدّ، فتكون وفاته هناك لعنه الله كما دلت على ذلك الأحاديث الصحاح من غير وجه كما تقدم وكما سيأتي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1الكورة: المدينة والصقع والمنطقة.
2 ينماع يذوب ويضمحل.

ج / 1 ص -175- وقد قال الترمذي: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا الليث عن عمر بن شهاب أنه سمع عبد الله بن عبد الله ابن ثعلبة الأنصاري يحدث عن عبد الرحمن بن يزيد الأنصاري من بني عمرو بن عوف سمعت عمي مجمع بن جارية يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"يَقْتُل ابنُ مَرْيَمَ الدجالَ بِبَابِ لُدّ".
وقد رواه أحمد، عن أبي النضر، عن الليث به، وعن سفيان بن عيينة عن الزهري به. وعن محمد بن مصعب عن الأوزاعي عن الزهري، وعن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري فهو محفوظ من حديثه وإسناده من بعده ثقات، وكذا قال الترمذي بعد روايته له وهذا حديث صحيح قال: وفي الباب عن عمران بن حصين ونافع بن عتبة وأبي برزة وحذيفة بن أسيد وأبي هريرة وكيسان وعثمان بن أبي العاص وجابر وأبي أمامة وابن مسعود وعبد الله بن عمرو وسمرة بن جندب والنواس بن سمعان وعمرو بن عوف وحذيفة بن اليمان، وروى أبو بكر بن أبي شيبة عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه أن عمر سأل يهودياً عن الدجال فقال:
"وُلدَ يَهودِياً لِيَقْتلَه ابْنُ مَرْيَمَ بِبَابِ لُد".
صفة الدجال قبحه اللّه
قد تقدم في الأحاديث أنه أعور وأنه أزهر هجين وهو كثير الشعر، وفي بعض الأحاديث أنه قصير وفي حديث أنه طويل، وجاء أن ما بين أذني حماره أربعون ذراعاً كما تقدم، وفي حديث جابر ويروى في حديث آخر سبعون باعاً ولا يصح وفي الأول نظر، وقال عبدان في كتاب معرفة الصحابة روى سفيان الثوري عن عبد الله بن ميسرة عن حوط العبدي عن مسعود قال:


ج / 1 ص -176- "إذن حمار الدجال يظل سبعون ألفاً" قال شيخنا الحافظ الذهبي: خوط مجهول والخبر منكر وإنه مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه كل مؤمن وإن رأسه ممن ورائه حبك حبك، وقال حنبل بن إسحاق: حدثنا حجاج، حدثنا حماد عن أيوب عن أبي قلابة قال: دخلت المسجد فإذا الناس قد تكابوا على رجل فسمعته يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"إِن بعدي الكذاب المضل وإن رأسه من ورائه حبك حبك".
وتقدم له شاهد من وجه آخر، ومعنى حبك أي جعد حسن كقوله تعالى: {والسَّمَاءِ ذَاتِ الحُبُكِ}.
وقال الإِمام أحمد: حدثنا يزيد، حدثنا المسعودي وأبو النضر، حدثنا المسعودي المعنّى عن عاصم ابن كليب عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"خَرَجْتُ إِلَيْكُمْ وَقَدْ تَبَيَّنْتُ لَيْلَةَ الْقدْرِ وَمَسِيح الضلالةِ فَكان يُلوحُ بَيْنَ رَجُلَيْن بِسدَّةِ1 المسجد فأنَأيْتُهُمَا لأحْجُزَ بَيْنَهَا فأنْسِيتُهًمَا، وأمَّا لَيْلَةُ الْقَدْرِ فالتمسوها في العَشْر الأواخِر وتْراً، وأمَّا مَسِيحُ الضلالة فإِنه أعورَ العين أجْلَى2 الجَبْهَةِ عَرِيض النَّحرِ فيه دفا كَأنَّه قَطَنُ بن عبدِ العُزَّى" قَالَ: يا رسول الله، هل يضرني شبهه؟ قال: "لا. أنْتَ امرءٌ مسلمٌ وهو رجلٌ كافر".
تفرّد به أحمد وإسناده حسن، وقال الطبراني: حدثنا أبو أشعب الحراني
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1السدة: الساحة أمام الباب.
2 أجلى الجبهة واسعها.


ج / 1 ص -177- حدثنا إسحاق بن موسى رحمه الله، وحدثنا محمد بن شعيب الأصبهاني، حدثنا سعيد بن عنبسة قالا: حدثنا سعيد بن محمد الثقفي، حدثنا خلاد بن صالح، أخبرني سليمان بن شهاب القيسي قال: نزل على عبد الله بن مغنم وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فحدثني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"الدجالُ ليس به خَفَاء إنه يَجِيءُ من قِبَلَ المشْرِق فَيَدْعُو إلى حق فَيُتَّبَعُ، ويَذْهَبُ للناس فيقاتلُهم فَيَظْهَرُ عليهم، فلا يَزَال على ذلك حتى يَقْدُمَ الكوفة، فَيُظْهرُ دينَ اللهِ، ويعملُ بِهِ، فَيُتَّبَعُ ويُحب على ذلكَ، ثم يقول بعد ذَلكَ إني نَبي فَيَفْزَعُ من ذلك كل ذِي لُبّ ويُفَارِقُه، ويَمكث بعد ذلك ثم يَقول: أنا الله فَيَغْمِسُ اللَّهُ عينيه، ويقطعُ أذنيْه، ويُكْتب بين عينيه كافرٌ، فلا يخفَى على كل مسلم، فيفارقهُ كل أحد من الخَلْق في قَلبِهِ مِثْقَالُ حَبَةُ خَرْدَلٍ من إِيمانٍ، ويكون من أصحابِهِ اليهودُ والمجوسُ والنَصَارَى وهذِه الأعاجمُ من المشركين ثم يدعو برجل فيما يَرَوْنَ فَيَأمُرُ بِهِ فَيُقْتَلُ ثُمَ يُقطَّعُ أعضاءَ كلُّ عُضْوٍ على حدَةٍ فيفرَّقُ بينهما حتى يَرَاهَا الناس، ثم يُجْمع بَينها ثم يضربه بِعصاه فإذا هو قائم فيقول الدجال: أنا الله أحيي وأميت".
وذلك سحر يسحر به الناس ليس يصنع من ذلك شيئاً.
قال شيخنا الذهبي ورواه يحيى بن موسى عن سعيد بن محمد الثقفي وهو واه.
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال في الدجال: "هو صافي بن صائد يخرج من يهودية أصبهان على حمار أبتر ما بين أذنيه أربعون ذراعاً وما بين حافره إلى الحافر الأخصر أربع ليال يتناول السماء بيده أمامه جبل من دخان وخلفه جبل آخر مكتوب بين عينيه كافر يقول أنا ربكم الأعلى"
أتباعه أصحاب الرياء وأولاد الزنا، رواه أبو عمرو الداني في كتاب الدجال ولا يصح إسناده.


ج / 1 ص -178- خبر عجيب ونبأ غريب
قال نعيم بن حماد في كتاب الفتن: حدثنا أبو عمرو، عن عبد الله بن لهيعة، عن عبد الوهاب بن حسين، عن محمد بن ثابت، عن أبيه، عن الحارث، عن عبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بين أذني الدجال أربعون ذراعاً، وخطوة حماره مسيرة ثلاثة أيام، يخوض البحر كما يخوض أحدكم الساقية، ويقول: أنا رب العالمين وهذه الشمس تجري بإذني أفتريدون أن أحبسها؟ فيقولون: نعم فيحبسها حتى يجعل اليوم كالشهر واليوم كالجمعة ويقول: أتريدون أن أسيرها؟ فيقولون: نعم، فيجعل اليوم كالساعة؟ وتأتيه المرأة فتقول: يا رب أخي وابني وأخي وزوجي، حتى إنها تعانق شيطاناً وبيوتهم مملوءة شياطين ويأتيه الأعراب فيقولون: يا رب إحي لنا إبلنا وغنمنا؟ فيعطيهم شياطين أمثال إبلهم وغنمهم سواء بالسن فيقولن: لو لم يكن هذا ربنا لم يحي لنا موتانا ومعه جبل من برق وعراق وجبل من لحم حار ولا يبرد ونهر جار، وجبل من جنان وخضرة وجبل من نار ودخان يقول: هذه جنتي وهذه ناري وهذا طعامي وهذا شرابي، واليسع عليه السلام معه، ينذر الناس فيقول: هذا المسيح الكذاب فاحذوره لعنه الله ويعطيه الله من السرعة والخفة ما لا يلحقه الدجال فإذا قال: أنا رب العالمين قال له الناس كذبت، ويقول اليسع: صدق الناس فيمر بمكة فإذا هو بخلق عظيم فيقول من أنت؟ فيقول: أنا جبريل. وبعثني الله لأمنعك من حرم رسوله فيمر الدجال بمكة فإذا رأى ميكائيل ولّى هارباً ويصبح فيخرج إليه من مكة منافقوها ومن المدينة كذلك ويأتي النذير إلى الذين فتحوا قسطنطينية ومن تآلف من المسلمين ببيت المقدس قال: فيتناول


ج / 1 ص -179- الدجال منهم رجلاً ثم يقول: هذا الذي يزعم أني لا أقدر عليه؟ فاقتلوه، فينشر ثم يقول: أنا أحييه، فيقول: قمٍ فيقوم بإذن الله ولا يأذن لنفس غيرها فيقول: أليس قد أمتك ثم أحييتك؟ فيقول: الآن أزيد لك تكذيباً بشرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنك تقتلني ثم أحيا بإذن الله فيوضع على جلده صفائح من نحاس ثم يقول: اطرحوه في ناري، فيحول الله ذلك على النذير فيشك الناس فيه ويبادر إلى بيت المقدس فإذا صعد على عقبة1 أفيق وقع ظلمه على المسلمين ثم يسمعون أن جاءكم الغوث فيقولون: هذا كلام رجل شبعان وتشرق الأرض بنور ربها وينزل عيسى ابن مريم ويقول يا معشر المسلمين احذروا ربكم وسبحوه فيفعلون، ويريدون الفرار فيضيق الله عليهم الأرض فإذا أتوا باب لدّ وافقوا عيسى فإذا نظر إلى عيسى يقول: أقم الصلاة، قال الدجال: يا نبي الله قد أقميت الصلاة، فيقول: يا عدو الله زعمت أنك رب العالمين فلمن تصلي؟ فيضربه بمقرعة فيقتله فلا يبقى أحد من أنصاره خلف شيء إلا نادى يا مؤمن هذا دجال فاقتله، إلى أن قال فيمنعون أربعين سنة لا يموت أحد ولا يمرض أحد، ويقول الرجل لغنمه: اذهبي الى السرح2 ولدي به وأرعي وتمر الماشية بين الزرع ولا تأكل منه سنبلة والحيات والعقارب لا تؤذي أحداً والسبع على أبواب الدور لا يؤذي أحداً ويأخذ الرجل المؤمن القمح فيبذره بلا حرث فيجيء منه سبعمائة فيمكثون كذلك حتى يكسر سد يأجوج ومأجوج فيمرحون ويفسدون ويستغيث الناس فلا يستجاب لهم، وأهل طور سيناء هم الذين فتح الله لهم القسطنطينهة فيدعون فيبعث الله دابة من الأرض ذات قوائم فتدخل في آذانهم، فيصبحون موتى أجمعين وتنتن الأرض منهم، فيؤذون الناس بنتنهم أشد من حياتهم، فيستغيثون بالله فيبعث الله ريحاً يمانية غبراء فتصير على الناس غماً ودخاناً ويقع عليهم الزكمة ويكشف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 عقبة أفيق هي الأردن المعرفة وهي مشرفة على بحيرة طبرية ويقال لها فيق.
2 السرح: بضم السين واالراء السهل.


ج / 1 ص -180- ما بهم بعد ثلاث، وقد قذفت جيفهم في البحر، ولا يلبثون إلاّ قليلاً حتى تطلع الشمس من مغربها وقد جفت الأقلام وطويت الصحف، ولا يقبل من أحد توبة، ويخر إبليس ساجداً ينادي إلهي مرني أن أسجد لمن شئت، ويجتمع إليه الشياطين فيقولون: يا سيدنا إلى من تفزع؟ فيقول: إنما سألت ربي أن ينظرني إلى يوم البعث وقد طلعت الشمس من مغربها، وهذا هو الوقت المعلوم، وتصير الشياطين ظاهرة في الأرض حتى يقول الرجل هذا قريني الذي كان يغريني فالحمد لله الذي أخزاه، ولا يزال إبليس ساجداً باكياً حتى تخرج الدابة فتقتله وهو ساجد، ويتمتع المؤمنون بعد ذلك أربعين سنة لا يتمنون شيئاً إلا أعطوه، ويترك المؤمنون حتى يتم أربعون سنة بعد الدابة ثم يعود فيهم الموت ويسرع فلا يبقى مؤمن، ويقول الكافر: ليس تقبل منا توبة، يا ليتنا كنا من المؤمنين، فيتهارجون في الطرق تهارج الحمر، حتى ينكح الرجل أمه في وسط الطريق، يقوم واحد وينزل آخر، وأفضلهم من يقول لو تنحيتم عن الطريق كان أحسن، فيكونون على ذلك، ولا يولد أحد من نكاح ثم يعقم الله النساء ثلاثين سنة فيكونون كلهم أولاد زنا شرار الناس عليهم تقوم الساعة".
كذا رواه الطبراني، عن عبد الرحمن بن حاتم المرادي، عن نعيم بن حماد فذكره.
حديث مرفوض
قال شيخنا الحافظ الذهبي إجازة إن لم يكن سماعاً: أخبرنا أبو الحسن اليونيني، أخبرنا عبد الرحمن حضوراً، أخبرنا عتيق بن مصيلاء، أخبرنا عبد الواحد بن علوان، أخبرنا عمرو بن دوسة، حدثنا أحمد بن سلمان النجاد، حدثنا محمد بن غالب، حدثنا أبو سلمة النوذكي، حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا علي بن زيد عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:


ج / 1 ص -181- "الدجال يتناول السحاب ويخوض البحر إلى ركبته ويسبق الشمس إلى مغربها وتسير معه الآكام1 وفي جبهته قرن مكسور الطرف، وقد صور في جسده السلاح كله حتى الرمح والسيف والدرق".
قلت للحسن: يا أبا سعيد ما الدرق؟ قال: الترس. قال شيخنا: هذا من مراسيل الحسن وهي ضعيفة.
حديث خرافة
قال ابن مندة في كتاب الإيمان: حدثنا محمد بن الحسين المدني، حدثنا أحمد بن مهدي، حدثنا سعيد بن سليمان بن سعدون، حدثنا خلف بن خليفة عن أبي مالك الأشجعي عن ربعي عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أنا أعلم بما مع الدجال منه، معه نهران أحدهما نار تأجج في عين من يراه، والآخر ماء أبيض، فمن أدركه منكم فليغمض عينيه وليشرب من نهر النار الذي معه فإِنه ماء بارد، وإياكم والآخر فإنه فتنة، واعلموا أنه مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه من كتب ومن لم يكتب، وأن إحدى عينيه ممسوحة عليها ظفرة، وأنه مطلع من آخر عمره على بطن الأردن على ثنية فيق2، وكل أحد يؤمن بالله واليوم الآخر ببطن الأردن، وأنه يقتل من المسلمين ثلثاً ويهزم ثلثاً يبقى ثلث فيحجز بينهم الليل، فيقول بعض المؤمنين لبعض: ما تنظرون؟ ألا تريدون أن تلحقوا بإخوانكم في مرضاة ربكم؟ من كان عنده فضل طعام فليعد به على أخيه، وصلوا حين ينفجر الفجر وعجلوا الصلاة، ثم أقبلوا على عدوكم، قال: فلما قاموا يصلون نزل عيسى وإمامهم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1الأكام جمع أكمة؟ وهذا أيضا حديث خرافة.
2 فيق: مدينة بالشام بين دمشق وطبرية ويقال لها أفيق أيضطا.
في معجم البلدان: عقبة فيق ينحدر منها إلى الغور غور الأردن ومنها يشرف على طبرية وجيرتها.


ج / 1 ص -182- يصلي بهم، فلما انصرف قال هكذا: فرحوا بيني وبين عدو الله. قال: فيذوب كما يذوب الملح في الماء فيسلط عليهم المسلمين فيقتلونهم حتى إن الحجر والشجر ينادي يا عبد الله يا مسلم، هذا يهودي فاقتله، ويظهر المسلمون فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير وتوضع الجزية، فبينما هم كذلك إذ أخرج الله يأجوج ومأجوج، فيشرب أولهم، ويجيء آخرهم وقد انتشفوا فما يدعون منه قطرة، فيقولون: هاهنا أثر ماء، ونبي الله وأصحابه وراءهم حتى يدخلوا مدينة من مدائن فلسطين يقال لها باب لدّ فيقولون ظهرنا على من في الأرض، فتعالوا نقتل من في السماء، فيدعو الله نبيه بعد ذلك فيبعث الله عليهم قرحة فى حلوقهم فلا يبقى منهم بشر، ويؤذي ريحهم المسلمين، فيدعو عيسى عليهم، فيرسل الله عليهم ريحاً تقذفهم في البحر أجمعين".
قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي: هذا إسناد صالح. قلت: وفيه سياق غريب وأشياء منكرة والله تعالى أعلم.
=============
النهاية في الفتن والملاحم 
==========
ذكر نزول عيسى ابن مريم رسول اللّه من سماء الدنيا إِلى الأرض في آخر الزمان
قال الله تعالى: {وقَولهِمْ إنَّا قَتَلَنَا الْمَسِيحَ عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ رسول الله وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ ولكِنْ شبهَ لَهُمْ وَإنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِن عِلْم إلاَّ اتبَاعَ الظَّن وَمَا قَتَلوهُ يَقِيناً بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً}.
قال ابن جرير في تفسيره: حدثنا بن يسار، حدثنا عبد الرحمن، حدثنا سفيان عن أبي حصين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس:


ج / 1 ص -183- {وإنْ مِنْ أهل الكِتَابِ إِلاَّ ليُؤمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْته}.
قال: قبل موت عيسى ابن مريم. وهذا اسناد صحيح وكذا ذكر العوفي عن ابن عباس.
هل مات عيسى عليه السلام أو رفع حياً إلى السماء؟
وقال أبو مالك: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} ذلك عند نزول عيسى ابن مريم، وإنه الآن حي عند الله، ولكن إذا نزل آمنوا به أجمعين رواه بن جرير، وروى ابن أبي حاتم عنه أن رجلاً سأل الحسن عن قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} فقال: قبل موت عيسى إن الله رفع إليه عيسى وهو باعثه قبل يوم القيامة مقاماً يؤمن به البر والفاجر، وهكذا قال قتادة بن دعامة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغير واحد وهو ثابت في الصحيحين عن أبي هريرة كما سيأتي موقوفاً وفي رواية مرفوعاً والله تعالى أعلم.
والمقصود من السياق الإخبار بحياته الآن في السماء وليس كما يزعمه أهل الكتاب الجهلة أنهم صلبوه بل رفعه الله إليه، ثم ينزل من السماء قبل يوم القيامة كما دخلت عليه الأحاديث المتواترة مما سبق في أحاديث الدجال ومما سيأتي أيضاً وبالله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إِلا بالله العزيز الحكيم العلي العظيم الذي لا إله إِلا هو رب العرش الكريم.
وقد روي عن ابن عباس وغيره أنه أعاد الضمير في قوله قبل موته على أهل الكتاب، وذلك لو صح لكان منافياً لهذا، ولكن الصحيح من المعنى والإسناد ما ذكرناه وقد قررناه في كتاب التفسير بما فيه كفاية ولله الحمد والمنة.
============
النهاية في الفتن والملاحم 
===========
ج / 1 ص -184- ذكر الأحاديث الواردة في غير ما تقدم
قال مسلم: حدثنا عبد الله بن معاذ العنبري، حدثنا أبي، حدثنا شعبة عن النعمان بن سالم سمعت يعقوب بن عاصم بن عروة يقول: سمعت عبد الله بن عمرو وقد جاءه رجل فقال: ما هذا الحديث الذي تحدث به؟ تقول: إن الساعة تقوم إلى كذا وكذا فقال: سبحان الله أو لا إله إلا الله أو كلمة نحوها، لقد هممت أن لا أحدث أحداً شيئاً أبداً إنما قلت إنكم سترون بعد قليل أمراً أعظماً يحزن ويكون، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"يخرج الدَّجَّالُ في أمَتي فَيَمْكُثُ أرْبَعِينَ يَوْماً أوْ أرْبَعِينَ شَهْراً أوْ أرْبَعِينَ عَاماً، فَيَبْعَثُ اللَّهُ عيسى ابنَ مريم كأنَّهُ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُود فَيَطْلُبُهُ فيُهْلِكُهُ، ثم يَمْكُثُ الناسُ سَبْع سِنِينَ لَيْسَ بَيْن اثْنَيْن عَدَاوَةُ، ثمَّ يُرْسِلُ الله رِيحاً بارِدَةً من قِبَل الشام فلا يَبْقَى عَلَى وَجهِ الأرض أحَد في قَتْبِهِ مِثْقَالُ ذَرّة مِنْ خَيْرِ أوْ إيمان إلأَ قَبَضَتْهُ، حَتى لَوْ أنَّ أحَدَكُمْ دَخَلَ في كَبَدِ جَبَل لَدَخَلَتْه عَلَيْهِ حَتَّى تَقْبِضَهُ قال: سَمَعتُ من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قال: فَيَبْقَى شِرَارُ الناس في خِفَّةِ الطَّيْرِ وأحْلاَم السبَاع لا يُعْرِفونَ مَعْرُوفاً ولا يُنْكِرُونَ مُنْكِراً فَيَتَمَثَّلُهُمْ1 الشيطانُ فَيَقُولُ: ألاَ تَسْتجِيبُونَ؟ فَيَقُولُونَ: فَمَا تأمُرُنَا؟ فَيَأمُرُهُم بِعِبَادَةِ الأوْثَانِ، وَهُمَ في ذَلِكَ دَار رِزْقُهُمْ، حَسَن عَيشُهُمْ، ثُم يُنْفَخُ في الصورِ فَلاَ يَبْقَى أحدٌ إلاَّ أصْغَى ليتاً2 وَرَفَعَ ليتاً قَالَ: وأوَل مَنْ يَسْمَعُهُ رَجُلَ يَلُوطُ3 حَوْضَ إبلهِ، قال: فَيُصْعَقُ ويُصْعَقُ الناسُ، ثمّ يُرْسِلُ اللَّهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1يتمثلهم يستولي عليهم فيصبحون طوع أمره.
2 الليت: بكسر اللام وسكون الياء صفحة العتق
3 يلوط الحوض: يجصصه.


ج / 1 ص -185- أو قَالَ: يُنزِل اللهُ مَطَراً كَأنَهُ الطَل أو الظل- نُعْمان الشاكُ فَيَنْبتَ مِنْه أجْسَادُ الناس ثم يُنْفَخُ فيه مرة اخرى فإذا هم قيَام يَنْظُرُون ثم يقال: يا أيها الناس هَلُموا إلى ربكم "وقفُوهُمْ إنَّهُمُ مَسْئُولُونَ".
"ثم يقال أخرجوا مِنَ النار، فيقال: مِنْ كَمْ؟ فيقال: مِنْ كُل ألْف تِسْعُمَائةٍ وتسعٌ وتسعون، قال: وذلك يوم يَجْعَلُ الوالدان شِيباً، ويَوْمَ يُكْشَفُ عن سَاق1".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الكشف عن الساق كناية عن الشدة.
بعض العجائب قبل قيام الساعة
وقال الإمام أحمد: حدثنا شريح، حدثنا فليح، عن الحارث، عن فضيل، عن زياد بن سعد، عن
أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ينزل ابْنُ مَرْيَمَ إمَاماً عَادِلاً وحَكَماً مُقْسِطاً فيكسر الصليبَ وَيَقْتُل الخنزير ويرجع السلم ويتخذ السيوف مناجل ويذهِب جمة كل ذاتِ جمة. وينزِل مِن السماءِ رِزقها، وَتَخْرُجُ مِنَ الأرض بَرَكَتُها، حَتَى يَلعَبَ الصَّبي بِالثعْبَانِ وَلاَ يَضُرُّه، وَتَرْعَى الْغَنَمُ والذِّئْبُ وَلاَ يَضُرها، وَيَرْعَى الأسَدُ وَالبَقَرُ وَلاَ يَضُرُّها".
تفرّد به أحمد وإسناده جيد قوي صالح.
قبل قيام الساعة تقل العبادة وتكثر الأموال
وقال البخاري: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثني يعقوب بن إبراهيم، حدثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:


ج / 1 ص -186- "والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً عدلاً فيكسر الصليب، ويَقْتُل الخنزير ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يَقْبَلَه أحد، وحتى تكون السجدة خيراً من الدنيا وما فيها" ثم يقول أبو هريرة واقرءوا إن شئتم: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً}1.
وكذلك رواه مسلم عن حسن الحلواني وعبد بن حميد كلاهما عن يعقوب بن إبراهيم به وأخرجاه أيضاً من حديث ابن عيينة والليث بن سعد عن الزهري به.
وروى أبو بكر بن مردويه من طريق محمد بن أبي حفص عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"يوشك أن يكون فيكم ابن مريم حكماً عدلاً يقتل الدجال ويقتل الخنزير ويكسر الصليب ويضع الجزية، ويفيض المال، وتكون السجدة الواحدة لرب العالمين خيراً من الدنيا وما فيها" قال أبو هريرة واقرءوا إن شئتم: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} موت عيسى ابن مريم ثم يعيدها أبو هريرة ثلاث مرات.
قال الإمام أحمد حدثنا يزيد حدثنا سفيان وهو بن حصين عن الزهري عن حنظلة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ينزل عيسى ابن مريم فيقتل الخنزير ويمحو الصَلِيبَ وتجمع له
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث رواه البخاري "5- 86".
- مسلم "1-54".
- وأحمد في مسنده رقم 7267.
- والكتاني في نظم المتناثر في الحديث المتواتر صفحة 147.


ج / 1 ص -187- الصلاة ويُعطِي المال حَتى لا يقْبَل ويَضَعُ الخَرَاجَ فينزل بالروحاءَ فيحج منهما أو يعتمر أو يجمعهما" قال: وتلا أبوهريرة: {وإن مِنْ أهْل الكِتَابِ إلأَ ليُؤمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتهِ ويَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شهيداً}1.
فيزعم حنظلة أن أبا هريرة قال: يؤمن به قبل موت عيسى فلا أدري أهذا كان حديث النبي صلى الله عليه وسلم أو شيئاً قاله أبو هريرة؟
وروى أحمد ومسلمِ من حديث الزهري عن حنظلة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"لَيَمْكُثَنَّ عِيسى ابنُ مَرْيَمَ بالروْحَاءِ فيَقُومَنَّ مِنْهَا بالْحَج أوْ بِالْعُمْرَةِ أو اثنتَيْهمَا جَمِيعاً".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أحمد في مسنده رقم 7665.
الأنبياء أخوة أبناء علات
وقال البخاري: حدثنا ابن بكير، حدثنا الليث، عن يونس، عن ابن شهاب، عن نافع مولى أبي قتادة الأنصاري أن أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"كيف أنتم إذا نزل فيكم عيسى ابن مريم وإمامكم منكم"
ثم قال البخاري تابعه عقيل الأوزاعي.
وقد رواه الإمام أحمد، عن عبد الرازق، عن معمر، عن عثمان بن عمر، عن أبي ذؤيب كلاهما عن الزهري به، وأخرجه مسلم من حديث يونس الأوزاعي وابن أبي ذؤيب عن الزهري به.
قال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا همام


ج / 1 ص -188- أخبرنا قتادة عن عبد الرحمن وهو ابن آدم مولى أم برين صاحب السقاية عن أبي هريرة أن رسول الله قال:
"الأنْبِيَاءُ إخوَةٌ عَلاتٍ1، أمَّهاتُهُمْ شَتى ودِينُهُمْ وَاحدُ، وإني أولى الناس بِعِيسى ابن مَرْيَمَ، لأنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْني وَبَيْنَهُ نَبِي، وإنَّهُ نَازِلٌ، فإذا رَأيْتُمُوه فَاعْرِفُوهُ، إِنَّه رَجُلٌ مَرْبُوع، إلى الحُمْرَة والبياض، عليه ثَوبَانِ مُمَصَّرانِ كان رأسه يَقْطُرُ ماءً، وإن لم يصِبْه بَلَل، فَيدُقُّ الصليب ويقتلَ الخنزيرَ، ويَضَع الجِزَى ويدعُو النَّاسَ إِلى الإِسلام، ويُهْلِكَ اللَّهُ في زَمَانِه الأمَمَ كلَّهَا إِلا الإِسلامَ، ويهلكُ اللَّهُ في زمانه المسيحَ الدجال، ثم تقع الأمَنَة عَلَى الأرض حتى تَرتع الأسُودُ مع الإِبل، والنمورُ مع البقر، والذئاب مع الغنم، ويلعب الصبيان بالحيات فيمكث أربعين سنة، ثم يُتَوَفَّىِ ويُصَلي عليه المسلمون".
وهكذا رواه أبو داود عن هدبة بن خالد عن همام بن يحيى عن قتادة، ورواه ابن جرير ولم يورد عند تفسيرها غيره عن بسر بن معاذ عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة بنحوه وهذا إسناد جيد قوي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 العلة: بفتح العين واللام المشددة المفتوحة الضرة وأبناء العلات الإخوة لأب أمهاتهم شتى وأبوهم واحد، أي إن أنبياء الله – عز وجل – صلوات الله عليهم أجمعين يستمدون ضوء شرائعهم من مشكاة واحدة وإن اختلفت شرائعهم في الفروع رعاية لمقتضيات ظروف الناس وحاجتهم.
النبي عليه السلام أولى الناس بعيسى ابن مريم
وروى البخاري، عن أبي اليمان، عن شعيب، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:


ج / 1 ص -189- "أنا أوْلَى النَّاس بِابن مريمَ والأنبياءُ أولادُ عًلاّتٍ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِي".
ثم روي عن محمد بن سفيان، عن فليح بن سليمان، عن هلال بن علي، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة الأنبياءُ إِخوةٌ عُلات أمهاتهم شَتّى ودِينُهُم واحد".
ثم قال: وقال إبراهيم بن طهمان، عن موسى بن عقبة، عن صفوان بن سليم، عن ابن يسار عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"فهذه طرق متعددة كالمتواترة عن أبي هريرة رضي الله عنه.
حديث ابن مسعود رضي اللّه تعالى عنه
قال الإِمام أحمد: حدثنا هشام بن العوام بن حوشب، عن جبلة بن سحيم، عن ابن عمارة، عن ابن مسعود، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"لقيت ليْلة أسْرِيَ بي إبراهيم وموسَى وعيسى عليهم الصلاة والسلام قال فَتَذاكروا أمرَ الساعةِ فَردوا أمرهم إلى إبراهيم قال: لا علم لي بها، فردوا أمرَهم إلى مُوسى، فقال: لا علمَ لي بِها، فردوا أمرَهم إلى عيسى فقال أمّا حِينُهَا فلا يعلم به أحدٌ إلا اللَّهُ، وفيما عَهَدَ إليَّ ربّي عزَّ وجلَّ أن الدجال خارج ومعه قَضِيبانِ، فإذَا رآني ذَابَ كما يذوبُ الرصاص، قال: فَيَهْلِكُهُ الله إذا رآنيِ؟ حتى إن الحجر والشجر يقول يا مسلم إن تحتي كافراً تَعَالَ فَاقْتُلْهُ؟ قال: فيُهْلِكُهُم اللَّهُ عزَّ وجلَّ؟ ثم يرْجعُ الناسُ إلى بِلادِهم وأوطانهم، فعند ذلك يخرج يأجُوج ومأجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلّ ==ج / 1 ص -190==حَدَب ينسِلُونَ فَيَطؤونَ بِلادهم؟ لاَ يَأتُونَ عَلَى شَيْءٍ إلاَّ أكَلُوهُ، وَلاَ يَمُرونَ عَلَى مَاءٍ إلا شرِبُوهُ؟ قال: ثم يرجع الناس يَشْكُونَ فأدْعُو الله عَليهم فَيُهْلِكُهُمْ؟ ويَميتُهُمْ حتى تَمْتَلِىءَ الأرضُ من نَتَن ريحِهِم ويُنزل الله المطرَ فيُغْرِقُ أجْسَادَهُمْ حَتّى يَقْذِفَهُمْ في البحرِ فَفِيمَا عهد إلي ربّي عزَّ وجلَّ: أن ذلك إذا كان كذلك فإن الساعة كالحامل المُتمِّ1 لاَ يدْرِي أهْلُهَا مَتَى تَفْجأهُم".
ورواه ابن ماجه، عن محمد بن يسار، عن يزيد بن هارون، عن العوام بن حوشب به نحوه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1الحامل المتم التي أتمت حملها. 
===========
النهاية في الفتن والملاحم 
============
صفة المسيح عيسى ابن مريم رسول اللّه عليه السلام
صفة أهل آخر الزمان

ثبت في الصحيحين من حديث الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ليلة أسري بي لقيت موسى فَنَعَتهُ فإذا رجل مُضْطَرِبُ أيْ طَوِيل رَجْلُ1 الرأس كأنه من رجالِ شَنُوءَةَ، قال ولقيت عيسى فَنَعَتهُ، قال فرأيته أحْمَرَ كأنَّه خرجَ من ديماس يعني حَمَاماً".
وللبخاري من حديث مجاهد، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رجل الرأس: مستوى الشعر.


ج / 1 ص -191- "رأيت موسى وعيسى وإبراهيم، فأما عيسى فأحمرُ جَعْد1 عريض الصدر، وأما موسى فأدَمُ جَسِيم سَبط2 كأنه من رجال الزط3 ".
ولهما من طريق موسى بن عتيبة، عن نافع، عن ابن عمر قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوماً بين ظهراني الناس المسيح الدجال فقال:
"إنّ الله ليس بأعوَرَ, ألاَ إن المسيحَ الدجال أعورَ العين الْيُمْنى،كأن عينه عَنِبة طافيةُ؟ وأراني الله عند الكعبةِ في المنام رجُلاً آدمَ كأحسن ما يُرَى مِن أدْم الرجَالِ يَضْرِبُ لِمَّتَهُ بَيْنَ مَنْكِبَيْهِ, رَجْلَ الشَّعْرِ يقطرُ رأسَهُ ماءً واضعاً يديهِ عَلَى مِنْكَبَيّ رجلين وهوَ يَطوف بالبيت, فقلت: مَنْ هَذَا؟ قالوا: هو المَسِيح ابنُ مَرْيَم، ورأيت رجلاً وراءَهُ4 قَطَطاً أعوَرَ العين اليمنى كأشْبَه مِن رَأيت بابن قطَن واضِعاً يَدَيهِ على مِنْكبي رجل يطوف بالبيت، فقلت: مَنْ هَذَا؟ قالوا: "المَسِيحُ الدجالُ". تابعه عبيد الله، عن نافع.
ثم روى البخاري، عن أحمد بن محمد المكي، عن إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عن سالم
عن أبيه قال: لا والله ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعيسى أحمر، ولكن قال:
"بَيْنَمَا أنا نائمِ أطوف بالكعبة وإذا رجل آدَمُ سَبْطُ الشّعرِ يُهَوِّدُ5
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1الوجه الجعد المستدير القليل اللحم ومن الشعر القصير الملتوي المقتبض.
2 السبط من الرجال الطويل ومن الشعر المسترسل غير الجعد.
3 الزط جيل من الهند كما ذكر القاموس المحيط.
4 القططا: من الشعر القصير الجعد
5 هود يهود: مشى رويدا.


ج / 1 ص -192- بين رجلين يَنْطِف1 رأسهُ ماءً أو يُهْرِق2 ماء فقلت: من هذا؟ قالوا: هذا المسيح ابْنُ مَريمْ، فَذَهبت ألتفت فإذا رجل أحمرُجسيمٌ جَعْدُ الرأس؟ أعوَرُ الْعَيْن اليمنى كأن عينه عنبة طافِيةٌ؟ قلت: مَن هَذا؟ قالوا: الدجالُ: وأقرب الناس به شبهاً ابْنُ قطن قال الزهري: ابن قطن رجل من خزاعة هلك في الجاهلية وتقدم في حديث النواس بن سمعان "فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمَشقَ في مهْرُودَتَيْن3 واضعاً كفيه على أجنحة ملكين؟ إذا طأطأ رأسه قَطَر وإذا رفعهُ تحدَّر منه مثل جُمَانِ اللؤلؤ، ولا يحِل4 لكافر يجد ريح نَفَسِه إلا مَاتَ؟ ونَفَسُهُ يَنْتَهي حَيْثُ يَنْتَهي طَرْفه ".
هذا هو الأشهر في موضع نزوله أنه على المنارة البيضاء الشرقية بدمشق؟ وقد رأيت في بعض الكتب أنه ينزل على المنارة البيضاء شرقي جامع دمشق فلعل هذا هو المحفوظ، وتكون الرواية فينزل على المنارة البيضاء الشرقية بدمشق فتصرف الراوي في التعبير بحسب ما فهم، وليس بدمشق منارة تعرف بالشرقية سوى التي إلى شرق الجامع الأموي، وهذا هو الأنسب والأليق، لأنه ينزل وقد أقيمت الصلاة فيقول له: يا إمام المسلمين، يا روح الله، تقدم، فيقول: تقدم أنت فإنها أقيمت لك، وفي رواية بعضكم على بعض أمراء، يكرم الله هذه الأمة، وقد جدد بناء المنارة في زماننا في سنة إحدى وأربعين وسبعمائة من حجارة بيض، وكان بناؤها من أموال النصارى الذين حرقوا المنارة التي كانت مكانها، ولعل هذا يكون من دلائل النبوة الظاهرة حيث قيض الله بناء هذه المنارة البيضاء من أموال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ينطف: يقطر.
2يهرق: يسيل.
3 الثوب المهرود المصبغ بالورس.
4 لا يحل: لا يتأتى ولا يمكن.


ج / 1 ص -193- النصارى حتى ينزل عيسى ابن مريم عليها فيقتل الخنزير، ويكسر الصليب، ولا يقبل منهم جزية، ولكن من أسلم قبل من إسلامه وإلاّ قتل، وكذلك حكم سائر كفار الأرض يومئذ، وهذا من باب الإِخبار عن المسيح بذلك، والتشريع له بذلك فإنه إنما يحكم بمقتضى هذه الشريعة المطهرة، وقد ورد في بعض الأحاديث كما تقدم أنه ينزل ببيت المقدس، وفي رواية بالأردن، وفي رواية بعسكر المسلمين وهذا في بعض روايات مسلم كما تقدم والله أعلم.
وتقدم في حديث عبد الرحمن بن آدم عن أبي هريرة:
"وإنه نازل؟ فإذا رأيتموه فاعرفوه؟ رجل مَرْبُوعٌ إلى الحُمْرَةِ والبياض؟ عليه ثَوْبَانُ ممَصَّرانِ؟ كأنّ رأسه يَقْطُرُ؟ وإِن لم يصبه بَلَلٌ فيدق الصليب؟ ويقتل الخنزيرة ويضع الجزيةَ، ويدعو الناس إلى الإِسلام، ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام؟ ويهلك الله في زمانه المسيحَ الدجالَ؟ ثم تقع الأمَنَة على الأرض حتى يرتع الأسد مع الإِبل؟ والنَّمورُ مع البقر؟ والذئاب مع الغنم ويلعب الصبي بالحيات لا تضره، فيمكث أربعين سنة ثم يتوفى ويصلّي عليه المسلمون".
رواه أحمد وأبو داود هكذا وقع في الحديث أنه يمكث في الأرض أربعين سنة، وثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر أنه يمكث في الأرض سبع سنين فهذا مع هذا مشكل، اللهم إلا إذا حملت هذه السبع على مدة إقامته بعد نزوله وتكون مضافة إلى مدة مكثه فيها قبل رفعه إلى السماء، وكان عمره إذ ذاك ثلاثاً وثلاثين سنة على المشهور والله أعلم.
وقد ثبت في الصحيح أن يأجوج ومأجوج يخرجون في زمانه ويهلكهم الله ببركة دعائه في ليلة واحدة كما تقدم. وكما سيأتي وثبت أنه يحج في مدة إقامته في الأرض بعد نزوله.


ج / 1 ص -194- وقال محمد بن كعب القرظي في الكتب المنزلة "أن أصحاب الكهف يكونون حوارييه1 وأنهم يحجون معه ".
ذكر القرطبي في الملاحم في آخر كتابه التذكرة في أحوال الآخرة: "وتكون وفاته بالمدينة النبوية فيصلى عليه هنالك ويدفن بالحجرة النبوية أيضاً" وقد ذكر ذلك الحافظ أبو القاسم بن عساكر.
ورواه أبو عيسى الترمذي في جامعه، عن عبد الله بن سلام فقال في كتاب المناقب:
حدثنا زيد بن أحزم الطائي النضري، حدثنا أبو قتيبة مسلم بن قتيبة، حدثنا مودود المديني، حدثنا عثمان بن الضحاك، عن محمد بن يوسف، عن عبد الله بن سلام، عن أبيه عن جده قال: مكتوب في التوراة صفة محمد وأن عيسى ابن مريم يدفن معه قال، فقال أبو مودود: "وقد بقي في البيت موضع قبر" هذا حديث حسن غريب. هكذا قال عثمان بن الضحاك والمعروف الضحاك بن عثمان المديني التجيبي ما ذكره الترمذي رحمه الله تعالى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحواريون: الخلصاء الأصفياء جمع حواري.
============
النهاية في الفتن والملاحم 
=============
ذكر خروج يأجوج ومأجوج
ذلك في أيام عيسى ابن مريم بعد قتله الدجال فيهلكهم الله أجمعين في ليلة واحدة ببركة دعائه عليهم قال الله تعالى:
{حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأجُوجُ وَمَأجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ، وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَة أبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ} [الأنبياء:96- 97]


ج / 1 ص -195- وقال تعالى في قصة ذي القرنين: {ثُمَّ أتْبَعَ سَبَباً، حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدّيْن وَجَدَ مِن دونهِما قَوْماً لاَ يَكَادونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً، قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْن إِنَّ يَأجُوجَ وَمَأجُوجَ مُفْسِدون في الأرْض فَهَلْ نَجعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً، قالَ مَا مًكّنِّي فيهِ رَ بِّي خَيْرٌ فَأعِينُوني بِقوَّة أجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً، آتُوني زُبَرَ الحَدِيدِ حَتَّى إذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْن قَالَ انْفُخُوا حَتّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُوني أفْرِغْ عَليهِ قِطْراً، فَما اسْطَاعُوا أنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً، قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبّي جَعَلَهُ دَكّاءَ وكَانَ وَعْدُ رَبَي حَقّاً، وتَرَكْنَا بَعْضُهُمْ يَوْمَئِذ يَمُوجُ فِي بَعْض وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً} [الكهف: 92-99].
وقد ذكرنا في التفسير في قصة ذي القرنين وخبر بنائه للسد من حديد ونحاس بين جبلين فصار ردماً واحداً، وقال: هذا رحمة من ربي أن يحجز به بين هؤلاء القوم المفسدين في الأرض وبين الناس، فإذا جاء وعد ربي أي الوقت الذي قدر انهدامه فيه جعله دكاً أي مساوياً للأرض وكان وعد ربي حقاً أي وهذا شيء لا بد من كونه، وتركنا بعضهم يموج في بعض، يعني بذلك يوم انهدامه، يخرجون على الناس فيمرحون فيهم وينسلون، أي يسرعون المشي من كل حدب ثمٍ يكون النفخ في الصور للفزع قريباً من ذلك الوقت كما قال في الآية الأخرى:
{حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأجُوج ومَأجُوجُ وَهُمْ مِنْ كل حَدَب يَنْسِلونَ، وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَق فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ} [الأنبياء: الآية 96] الآية وقد ذكرنا في الأحاديث الواردة في خروج الدجال ونزول المسيح طرفاً صالحاً في ذكرهم من رواية النواس بن سمعان وغيره:


ج / 1 ص -196- إشارة نبوية إلى شر قد اقترب من العرب
وثبت في الصحيحين من حديث زينب بنت جحش: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نام عندها ثم استيقظ مُحْمَرّاً وَجْهُه وَهُوَ يَقُولُ: "لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَر قَد اقْتَرَبَ، فُتِحَ اليومَ مِن رَدْم يَأجُوجَ ومَأجُوجَ مثل هذِهِ" وحَلَق بين أصبعيه، وفي رواية وعقد سَبْعِين أوْ تِسْعِيْنَ قالت: قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَهْلِكُ وفينا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: "نَعَمْ إذَا كَثُرَ الخَبَثُ".
خروج يأجوج ومأجوج
وفي الصحيحين أيضاً من حديث وهيب عن ابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"فُتِحَ اليوْمَ مِنْ رَدْم يأجوجَ ومَأجوجَ مثلُ هذا" وعقد تِسْعِين.
وقال الإِمام أحمد: حدثنا روح، حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، حدثنا أبو رافع، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"إن يأجوجَ ومأجوج ليَحْفرون السَّدّ كلّ يَوْم، حتى إذا كانوا يَرَوْن شعاع الشمس قال الذي عَلَيْهِمْ ارْجعُوا فسَتَحفُرُونَه غداً، فيعودون إليه كأشَد ما كان، حتى إذا بَلَغتْ مدتهُم وأراد الله أنْ يَبْعَثَهُمٍ على الناس حَفَروا، حتى إذا كانوا يَرَوْنَ شُعاعَ الشمس قال الذي عليهم: اغدوا


ج / 1 ص -197- فَستَحْفُرون غَداً إنْ شاءَ الله، ويَسْتثْني:1 فيعودون إليه وهو كهَيئته حين تركوه فيحفرونه ويخرجون على الناس فَيُنْشفون2 الماء ويتحصَّنُ الناسُ منهم في حصونهم فيرمون بِسهامِهِم إلى السماء فيبعث الله عليهم نَغَفاً3 في أقْفَائِهِمْ فيقتلُهم بها".
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نَفْسُ محمّدٍ بيدهِ إن دوابَّ الأرض لتَسْمَنُ4 وتشكرُ شكراً مِنْ لًحُومِهم ودِمائهم ".
ثم رواه أحمد والترمذي وابن ماجه من غير وجه عن قتادة به.
وقد روى ابن جرير وابن أبي حاتم، عن كعب الأحبار قريباً من هذا والله أعلم.
قال الإمام أحمد حدثنا يعقوب، حدثنا أبي عن أبي إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"تُفْتَحُ يأجوجُ ومأجُوجُ فيخْرجون كما قال الله تعالى: {مِنْ كُل حَدَب يَنْسِلُونَ} فَيُفِشُّ5 النَاسُ ويَنْحازُون عنهم إلى مَدَائِنهم وحصونهم،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 يستثني: يقول إن شا الله.
2 ينشفون الماء يجففونه.
3 النغف: بقتح النون والغين نوع من الدود واحد نغفة والغين والفاء.
4 نسمن وتمتلئ.
5 أفيش الناس انطلقوا جافلين خائفين.


ج / 1 ص -198- ويضمون إليهم مواشِيهُم، فيَضْربون ويَشْرَبُونَ مياهَ الأرض حتى أن بعضهم ليمُرَّ بذلك النهرِ فيقول: قد كان هاهُنَا ماء مَرَّةً، حتى إذا لم يَبْقَ من النّاس أحدَ إلا أخَذَ في حِصْن أو مدينةٍ قال قائلهم هؤلاء أهلُ الأرض، قدْ فَرَغنَا منهم، بَقي أهلُ السماء. قال: ثم يَهُز أحدهم حَرْبَتَهُ ثمّ يَرْمِي بِهَا إلى السماءِ فَتَرجعُ إلَيْهمْ مُخَضَّبَةَ دِمَاءَ لِلْبلاءِ والفتنَةِ، فبينما هم عَلَى ذلك إذ بَعَثَ الله عليهم داء في أعْناقِهِم كَنَغَفِ الجرادِ الذي يخرج في أعْناقِه، فيُصْبِحُونَ مَوْتَى لا يُسْمَعُ لَهُمْ حِس، فيقول المسلمون: ألا رَجُل يَشْري1 لنا نَفْسَه فينظر ما فعل هَذَا العَدُو؟ قال: فَيَنْجَرِد2 رجلٌ منهم مُحْتَسِباً3 نَفْسَهُ، قد أوْطَنَها4 على أنَّهُ مَقْتُولٌ ، فَيَنْزِلُ فَيَجدهُم مَوْتَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْض، فَيُنادِي: يَا مَعْشَرَ المسلمينَ ألا أبْشِرُوا، إنَّ اللَّهَ قد كفَاكُمْ عَدُوّكُمْ، فَيَخْرجُوْنَ مِنْ مَدَائِنِهِمْ وحُصُونهِمْ ويُسرحُونَ مَوَاشِيَهُمْ فَمَا يَكُونُ لَهَا مَرْعَى إلاَّ لُحُومُهُمْ فَتَشْكَر5 ُعَنْهُمْ كأحْسَن مَا شَكِرَتْ عن شيْء من النَّباتِ أصابَتْه؟".
وهكذا أخرجه ابن ماجه من حديث يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق به وهو إسناد جيد.
وفي حديث النواس بن سمعان بعد ذكر قتل عيسى الدجال عند باب لدّ الشرقي قال:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1يشري لنا نفسه: يبيعها.
2 يبرز.
3 مقدما لها في سبيل الله.
4 حملها على اعتقاد أنه سيقتل وهيأها لذلك.
5 تشكر منه: تسمن من شكر على وزن فرح.


ج / 1 ص -199- "فبينما كذلك إذ أوْحَى اللّهُ الى عيسى ابن مريم عليه السلام إنًي قد أخْرَجتُ عباداً من عبادي لا يَدَان لكَ بقتالهم فحَرزْ1 عبادي الى الطور، فيبعثُ الله يأجوجَ ومأجوجَ وهم كما قال الله تعالى:
{وهم مِنْ كُل حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} فَيَرغَبُ عِيسَى وأصحابُهُ إلى اللَّهِ عًزّ وجلّ، فيرسِلُ اللَهُ عليهم نغفاً في رقابهم فيُصْبِحونَ فَرْسى2 كمَوْتِ نَفْس وَاحِدة فيرغبُ عيسَى وأصحابُه إلى الله عزَّ وجَلَّ فيرسِلُ الله عليهم طَيْراً كأعْنَاق البُخْتِ فَيَحْمِلُهمْ فَيَطْرَحُهُم حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ تَعالى". قال كعب الأحبار- بمكان يقال له المهيلُ عِنْدَ مَطْلَع الشمس- ويرسل الله مَطَراً لا يكُن مِنْهُ بَيْتُ مدَر ولا وَبَر أربعينَ يوماً عَلَى الأرض حَتّى يَدَعَها كالرلَفَةِ3 ويقال للأرض أنْبِتِي ثَمريك ورُدّي بَرَكَتَكِ؟ فيومئِذ يَأكُلُ النَّفَرُ من الرمَّانَةِ ويَسْتظِلونَ بقِحفِها4" الحديث إلى أن قال: "فبينما هم على ذلك إذ بعث الله ريحاً طيبة تحت آباطِهم فيقبضُ روحَ كل مسلم أوْ قال مؤمن ويَبْقى شرارُ الناس يتهارجُون تَهَارُجَ الحُمُرِ وعَلَيْهِمْ تَقُومُ الساعَةُ".
وفي حديث مدبر بن عبادة، عن ابن مسعود في اجتماع الأنبياء يعني محمد وإبراهِيم وموسى وعيسى عليهم من الله أفضل الصلاة والسلام، وتذاكرهم أمر الساعة ورَدهِمْ أمْرَهُم إلى عيسى وقَوْلهِ:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1حرزهم: ضمهم وحصنهم.
2 فرسى: قتلى ج فريس.
3 الزلفة: المرءاة والصخرة الملساء وهي بفتح الزاي واللام.
4 القحف: بكسر القاف وسكون الحاء قشر الرمانة.


ج / 1 ص -200- "أمّا حينُهَا فَلاَ يَعْلم به إلاَّ اللَّه، وفيما عَهَدَ إلىّ رَبي أنَّ الدَّجَّالَ خارجُ ومَعَهُ قَضِيبَانِ فإذا رَآني ذَابَ كما يذوب الرصاصُ قال: فيهلكه اللَّهُ إذا رآني حَتّى إن الحجر والشجرَ ليَقول: يا مسلمُ إنَّ تَحتي كافِراً فتعالَ فاقْتُلْه؟ قال: فيهلكهُم اللَّهُ، ويَرْجع الناسُ إلى أوْطَانِهم؟ قال: فعند ذلك يخرج يأجوج ومأجوجُ وهمْ مِنْ كُل حَدَب يَنْسِلُونَ فَيطؤُونَ بِلاَدَهُمْ، لا يَمُرُّونَ عَلَى شيءٍ إلاَّ أهْلَكُوه؟ وَلا يمُرون عَلَى ماء إِلاَّ شرِبُوهُ؟ قال: ثم يرجع الناسُ يشكونَهم فأدْعُو اللَّهَ عَلَيْهِم فَيًهْلِكُهُم اللَّهُ ويُمِيتُهُمْ حَتّى تَمْتَلِىء الأرض مِن نَتَنَ ريحهم؟ ويُنزِلُ اللَّهُ المطَرَ فَيَجْرِف أجْسَادَهُمْ حَتّى يَقْذِفْهُمْ في البحرِ، فَفيمَا عَدِ إليّ ربي أنَّ ذَاكَ إذَا كَانَ كذلِك فإن الساعَةَ كالْحَامِل الْمُتِمَّ لاَ يَدْرِي أهْلُها مَتى تَفْجأهُمْ بولادَتِها لَيْلاً أو نَهَاراً".
وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن بشر، حدثنا محمد بن عمرو، عن ابن حرملة، عن خالته، قالت: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عاصب أصبعه من لدغة عقرب فقال:
"إنكُم تَقُولُونَ لا عدوَّ لَكُمْ إنّكم لا تزالون تُقاتِلون عدوّاً حَتّى يخرج يأجوجُ ومَأجُوجُ عِراض الوجوهِ صِغَارُ العيونِ صُهْبٌ1 مِنْ كُلِّ حَدَبْ ينسِلُونَ كَأنَّ وجُوهَهُمْ المجان المُطرقةُ".
قلت: يأجوج ومأجوج طائفتان من الترك من ذرية آدم عليه السلام كما ثبت في الصحيح. يقول الله تعالى يوم القيامة:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الصهبة: حمرة أو شقرة في الشعر.




ج / 1 ص -201- "يَا آدمُ فيقولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ فَيُنَادِي بصوت: ابْعَثْ بَعْثَ النارِ وسَعْدَيْكَ فَيُنادِي بصوت أبْعَثُ بَعْثَ النارِ فيقول كم؟ فيقول من كًل ألفٍ تِسْعمائةٍ وتسعٌ وتسْعُون إلى النار وواحدٌ إلى الجنّةِ، فيومئذ يشيب الصغير وتَضَعُ كُلّ ذَاتِ حَمْل حَمْلَهَا، فَيُقال: أبْشِروا، فإن في يأجوجَ ومأجُوجَ لكم فداء" وفي رواية: "فيقال: إن فيكُمْ أمَّتَيْن ما كَانتا في شيءٍ إلاَّ كًثّرتاه، يأجوجُ ومأجوجُ " وسيأتي هذا الحديث بطرقه وألفاظه.
ثم هم من حواء عليها السلام، وقد قال بعضهم: إنهم من آدم لا من حَوَّاء.
وذلك أن آدم احتلم فاختلط منيه بالتراب فخلق الله من ذلك الماء يأجوج ومأجوج، وهذا مما لا دليل عليه لم يرد عن من يجب قبول قوله في هذا والله تعالى أعلم وهو من ذرية نوح عليه السلام، من سلالة يافث أبي الترك وقد كانوا يعيشون في الأرض ويؤذون، فحصرهم ذو القرنين في مكانهم داخل السد، حتى يأذن الله بخروجهم على الناس فيكون من أمرهم ما ذكرنا في الأحاديث.
يأجوج ومأجوج ناس من الناس{نسل نينندرتالي خلق قبل خلق ادم ب حوال 15 ألف سنة كما اثبتت المعلومات الحفرية والجيولوجية }
وهم يشبهون الناس كأبناء جنسهم من الأتراك المخرومة عيونهم الزلف أنوفهم الصهب شعورهم على أشكالهم وألوانهم، ومن زعم أن منهم الطويل الذي كالنخلة السحوق أو أطول، ومنهم القصير الذي هو كالشيء الحقير، ومنهم من له أذنان يتغطى بإحداهما ويتوطى بالأخرى، فقد تكلف ما لا علم له به، وقال ما لا دليل عليه، وقد ورد في حديث: "أن أحدهم لا يموت حتى يرى من نسله ألف إنسان " فاللّه أعلم بصحته، قال الطبراني: حدثنا عبد الله


ج / 1 ص -202- ابن محمد بن العباس الأصبهاني، حدثنا أبو مسعود أحمد بن الفرات، حدثنا أبو داود الطيالسي، حدثنا المغيرة بن مسلم، عن أبي إسحاق، عن وهب بن جابر، عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"إِن يأجوجِ ومأجوج من وَلَدِ آدَمَ، ولو أرْسِلُوا لأَفْسَدُوا على الناس معايِشَهُم ولن يموتَ مِنهم رجلٌ إلا ترك ألفاً فصاعِداً، وإن من ورائهم ثلاث أمم، تأويل ومارس ومنسك".{قلت المدون هذا حديث موضوع لم يثبت له طرف} لذا قال الحافظ بن حجر : وهذا حديث غريب وقد يكون من كلام عبد الله بن عمرو والله أعلم.
وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن مسمع، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن عبد الله بن أبي يزيد قال: رأى ابن عباس صبياناً ينزو بعضهم على بعض يلعبون فقال ابن عباس: هكذا يخرج يأجوج ومأجوج.
-----------------
النهاية في الفتن والملاحم 
==============
ذكر تخريب الكعبة شرفها اللّه على يدي ذي السويقتين الأفحج قبحه اللّه
وروينا عن كعب الأحبار في التفسير عند قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ} أن أول ظهور ذي السويقتين في أيام عيسى ابن مريم عليه السلام، وذلك بعد هلك يأجوج ومأجوج، فيبعث إليهم عيسى عليه السلام طليعة ما بين السبعمائة إلى الثمانمائة، فبينما هم يسيرون إليه إذ بعث الله ريحاً يمانية طيبة فيقبض بها روحِ كل مؤمن، ثم يبقى عجاج1 من الناس يتسافدون كما تتسافد البهائم ثم قال كعب: وتكون الساعة قريباَ حينئذ.
قلت: وقد تقدم في الحديث الصحيح: أن عيسى عليه السلام يحج بعد نزوله إلى الأرض.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 عجاج الناس: رعاعهم.


ج / 1 ص -203- سيبقى حجاج ومعتمرون بعد ظهور يأجوج ومأجوج
وقال الإِمام أحمد: حدثنا سليمان بن داود، حدثنا عمران، عن قتادة، عن عبد الله بن أبي عقبة، عن أبي سعد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليُحَجَّنَّ هَذَا الْبَيْتُ وليُعْتَمَرَنَّ بَعْدَ خُروج يأجوجَ ومأجوج". انفرد بإخراجه البخاري رواه عن أحمد بن حفص، عن عبد الله، عن أبيه، عن إبراهيم بن طهمان، عن حجاج بن منهال، عن قتادة.
يهجر الحج قبيل قيام الساعة
وقال عبد الرحمن عن شعبة عن قتادة:
"لا تقوم الساعة حتى لا يُحَجّ البيت".
قال أبو عبد الله: والأول أكثر، انتهى ما ذكره البخاري، وقد رواه البزار، عن محمد بن المثنى، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن أبان، عن يزيد العطار، عن قتادة، كما ذكره البخاري، ورواية سليمان بن داود القطان عن عمران قد أوردها الإِمام أحمد كما رأيت.
وقال أبو بكر البزار: حدثنا أبو بكر بن المثنى، حدثنا عبد العزيز، حدثنا شعبة عن قتادة سمعت عبد الله بن أبي عتبة يحدث عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"لا تقوم الساعة حتى لا يُحَجَّ البيت".
قال: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم، إلاَّ بهذا الإِسناد.
قلت: ولا منافاة في المعنى بين الروايتين لأن الكعبة يحجها الناس،- يعتمرون بها بعد خروج يأجوج ومأجوج وهلاكهم وطمأنينة الناس وكثرة أرزاقهم في زمان المسيح عليه السلام، ثم يبعث إليه ريحاً طيبة فيقبض بها روح كل مؤمن، ويتوفى نبي الله عيسى عليه السلام، ويصلي عليه المسلمون، ويدفن بالحجرة النبوية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يكون خراب الكعبة على يدي ذي السويقتين بعد هذا، وإن كان ظهوره في زمن المسيح كما قال كعب الأحبار.


ج / 1 ص -204- ذكر تخريبه إياها قبحه اللّه وشرفها
قال الإِمام أحمد: حدثنا أحمد بن عبد الملك وهو الحراني، حدثنا محمد بن سِلمة، عن محمد بن إسحاق، عن ابن أبي نجيح، عن المجاهد، عن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"يُخَرِّبُ الكعبة ذُو السُّوَيْقَتَيْن من الحبشة، ويَسْلبها حًلِيَّها، ويُجَرِّدُهَا مِن كُسْوَتهَاة ولكأني أنظرُ إليه أصَيلِعاً أفَيْدِعاً1 بضرب عليها بمَسَاحِيه ومِعْوَلهِ".
وهذا إسناد جيد قوي2.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1به فدع: وهو اعوجاج المفاصل.
2 الحديث رواه أحمد في مسنده رقم 7053.
- وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد "3:298" وقال: "رواه أحمد والطبراني في الكبير وفيه بن إسحاق، وهو ثقة ولكنه يدلس- وقد ورد معنا مختصرا من حديث أبي هريرة "3: 368".
- ومحمد بن سلمة هو: محمد بن سلمة بن عبد الله، الباهلي مولاهم، الحراني ثقة من الحادية عشرة، مات سنة إحدى وتسعين على الصحيح – م ع.
تقريب التهذيب 2- 116 رقم 265.
اللغة:
ذو السويقتين: قال ابن الأثير في النهاية لغريب الحديث السويقة: تصغير الساق وهي مؤنثة فلذلك ظهرت التاء في تصغيرها وإنما صغر الساق لأن الغالب على سوق الحبشة الدقة والحموشة".
أصيلع: قال ابن الأثير " هو تصغير الأصلع، الذي انحشرت الشعر على رأسه".
مساحيه: المسحية هي المجرفة من الحديد.
المعول: الفأس العظيم التي ينقر بها الصخر.

ج / 1 ص -205- وقال أبو داود: باب النهي عن تهيج الحبشة، حدثنا القاسم بن أحمد، حدثنا أبو عامر، حدثنا زهير، عن موسى بن جبير، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"اتركوا الحبشة ما تركوكم، فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين من الحبشة".
وقال الإِمام أحمد: حدثنا يحيى، عن عبد الله بن الأخنس، أخبرني ابن أبي مليكة وهو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة أن ابن عباس أخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"كَأنّي أنظرُ إليه أسْوَدَ أفْحَجَ1 يَنْقُضُهَا حجَراً حَجَراً يعني الكعبة".
تفرّد به البخاري، فرواه عن عمرو بن الغلاس عن بجير وهو ابن سعيد القطان.
وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا بأبو عامر، حدثنا عبد العزيز، عن ثور، عن أبي الغيث، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"ذو السويقتين من الحبشة يُخَرب بيت الله"2.
ورواه مسلم عن قتيبة بن سعيد، عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي به.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1الأفحج من به فحج: وهو تداني صدور القدمين وتباعد العقبين.
2 رواه مسلم 52- كتاب الفتن حديث رقم 60 – 61.
..........
ج / 1 ص -206- إشارة إلى ظهور ظالم من قحطان قبل قيام الساعة
وبهذا الإِسناد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"لا تقومُ الساعة حتى يخْرج رجلٌ مِنْ قحطان يسوق الناس بعصاه"1.
ورواه البخاري عن عبد العزيز بن عبد الله بن سليمان بن بلال، ومسلم عن قتيبة عن عبد العزيز المراوردي، كلاهما عن ثور بن يزيد الديلي، عن أبي الغيث سالم مولى ابن مطيع، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر مثله سواء بسواء، وقد يكون هذا الرجل هوذا السويقتين، ويحتمل أن يكون غيره فإن هذا من قحطان، وذاك من الحبشة فالله أعلم.
وقال الإِمام أحمد: حدثنا أبو بكر الحنفي، حدثنا عبد الحميد بن جعفر، عن عمر بن الحكم الآنصاري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لا يَذْهب الليلُ والنهارُ حَتّى يَمْلِكَ رجُلٌ من المَوالي يُقَالُ لَهُ جَهْجَاه".
ورواه مسلم عن محمد بن بشار، عن أبي بكر الحنفي به، فيحتمل أن يكون هذا اسم ذي السويقتين الحبشي والله تعالى أعلم.
وقد قال الإِمام أحمد: حدثنا حسن، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا أبو الزبير، عن جابر أن عمر بن الخطاب أخبر أنه سمِع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"سَيَخرُجُ أهل مكة ثم لا يَمُرُّ بِهَا أوْ لاَ يَعْبُرُ بها إِلاَّ قليل، ثم تَمْتلىء ثم يَخْرجُون مِنْهَا فَلاَ يَعُودُون إليها أبداً".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث رواه مسلم، 52- كتاب الفتن وإشراط الساعة، 18 – باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل ...
- ورواه البخاري، 61- كتاب المناقب، 7 – باب ذكر قحطان.
- ويسوق الناس بعصاة: هي كناية عن الملك شبهة بالراعي وشبه الناس بالغنم.


ج / 1 ص -207- فصل: لا يدخل الدجال مكة ولا المدينة
وأما المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، فقد ثبت في الصحيح كما تقدم أن الدجال لا يمكنه الدخول إلى مكة ولا إلى المدينة، وأنه يكون على أنقاب المدينة ملائكة يحرسونها منه لئلا يدخلها، وفي صحيح البخاري من حديث مالك عن نعيم المجمر، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"المدينة لا يدخلها المسيحُ الدجال ولا الطاعون".
وقد تقدم أنه يخيم بظاهرها، وأنها ترجف بأهلها ثلاث رجفات، فيخرج إليه كل منافق ومنافقة، وفاسق وفاسقة، ويثبت فيها كل مؤمن ومؤمنة، ومسلم ومسلمة، ويسمى يومئذ يوم الخلاص، وهي كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إنها طيبة تَنْفِي خَبَثَها ويَضوعَ طيبُهَا".
وقال الله تعالى:
{الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّأُونَ}
والمقصود أن المدينة تكون عامرة أيام الدجال، ثم تكون عامرة في زمان المسيح عيسى ابن مريم رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى تكون وفاته بها ودفنه فيها ثم يخرج الناس منها بعد ذلك كما سبق.
قال الإِمام أحمد: حدثنا يحيى بن إسحاق، حدثنا ابن لهيعة، عن أبي الزبير، عن جابر قال: أخبرني عمر بن الخطاب قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:


ج / 1 ص -208- "ليَسيرَنَّ الراكبُ بِجَنَبَاتِ المدينةِ ثم يقولنّ لَقَدْ كَانَ في هَذَا حَاضِر مِنَ المسلمين كثير".
قال الإِمام أحمد: ولم يخرجه حسن، إلا بثبت عن جابر، انفرد بهما أحمد1.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث رواه أحمد في مسنده 3- 341.
- ووقع في الأصل لفظه "من المؤمنين" بدلا من المسلمين وهذا تخريف وقد حذفته.
==========
النهاية في الفتن والملاحم 
============
خروج الدابة من الأرض تكلم الناس
قال الله تعالى:
{وإِذَا وَقَعَ القَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّة مِنَ الأرْض تُكَلّمهُمْ أنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يوقنون} [27- النمل: 82].
قد تكلمنا على ما يتعلق بهذه الآية الكريمة في التفسير، وأوردنا هنالك من الأحاديث المتعلقة بذلك ما فيه كفاية، ولو كانت مجموعة ها هنا كان حسناً كافياً ولله الحمد.
قال ابن عباس والحسن وقتادة: تكلمهم أي تخاطبهم مخاطبة، ورجح ابن جرير أنها تخاطبهم فتقول لهم: إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون، وحكاه عن عطاء وعلي، وفي هذا نظر، وعن ابن عباس تكلمهم، تخرجهم، يعني يكتب على جبين الكافر كافر، وعلى جبين المؤمن مؤمن، وعنه تخاطبهم وتخرجهم، وهذا القول ينتظم من مذهبين وهو قوي حسن جامع لهما والله تعالى أعلم.


ج / 1 ص -209- عشر آيات قبل قيام الساعة
وقد تقدم الحديث الذي رواه أحمد ومسلم وأهل السنن عن أبي شريحة حذيفة بن أسيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"لا تَقُومُ الساعة حتّى تَرَوا عَشْرَ آياتٍ طُلًوعَ الشمس من مغربها والدخان والدابة وخروجَ يأجوجِ ومأجوجَ، وخروجَ عيسى ابن مَرْيمَ والدجالَ، وثلاثةَ خسوفٍ خَسفاً بالمغربِ وخسفاً بالمشرِق وخَسفاَ بجزيرةِ العربِ، وناراً تخرجُ من قَعْرِ عَدَنٍ تَسُوقُ النَّاسَ أو تَحْشر الناس تَبيت مَعَهُمْ حَيث بَاتوا وتقيلُ مَعهمْ حَيْثُ قالوا".
ولمسلم من حديث العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"بَادِرُوا بالأعْمالِ الدجال والدخانَ ودابة الأرض وأمْرَ العامَّة وخُوَيصة أحدِكُم"1.
وروى ابن ماجه، عن حرملة، عن ابن وهب، عن عمرو بن الحرص، وابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن سنان، عن سعد، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"بادروا بالأعمال سِتّاً طلوعَ الشمس من مغربها والدخانَ ودابةَ الأرض والدجال وخُوَيِّصةَ أحَدِكُمْ وأمرَ2 العامَّةِ".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1الحديث رواه ابن ماجه 2 – 1347.
- وابن داود في سننه "4- 171 – مختصر".
2 الخويصة: تصغير خاصة: والمراد بها الموت الخاص بكل إنسان لأنه يخص من وقع به أما أمر العامة فالمراد به قيام الساعة لأنه يشمل الأحياء جميعا فلا يترك منهم مخلوقا.


ج / 1 ص -210- تفرد به ابن ماجه من هذا الوجه.
وقال أبو داود الطيالسي عن طلحة بن عمرو وجرير بن حازم، فأما طلحة فقال: أخبرني عبد الله بن عبيد الله بن عمر أن ابن الطفيل حدثه، عن حذيفة بن أسيد الغفاري أبي شريحة وأبي جرير فقال عن عبد الله بن عبيد عن رجل من آل عبد الله بن مسعود وحديث طلحة أتم وأحسن قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدابة فقال:
"لَها ثَلاثُ خَرْجاتٍ مِنَ الدَّهْر فَتَخْرُجُ خَرْجَةً مِنْ أقصى البادِيَةِ وَلاَ يَدْخُلُ ذِكْرُها القَرْيَةَ يَعْني مَكَّةَ، ثُمّ تَكْمُنُ زَمَناً طَوِيلاً ثُمّ تَخْرُجُ خَرْجَةَ أخْرى دون تِلك فَيَعْلُو ذكرُها في أهْل البادية ويَدْخُل ذكرُها القَرْيَةَ يعني مًكّة".
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ثم بينما الناس في أعظم المساجد على الله حُرْمَةً وأكرَمها، المسجدِ الحرام لم يَرُعْهُمْ إلاَّ وهِيَ ترغو1 بين الركْن والمَقَام، تَنْفُضُ عن رأسِها التراب فَارْفضَ الناس عنها شَتّى ومعاً، وبقَيت عِصَابَةُ المؤمنين، وعَرفوا أنهم لَمْ يَعْجزوا الله فبدأت بهم فَجَلَت وجوههم حَتّى جَعَلًتْهَا مِثْلَ الكوكب الدري وولَتْ في الأرض لا يدركها طالبٌ ولا ينجو منها هاربٌ، حتى إن الرجلَ ليَتعَوَّذُ فَتأتِيهِ مِن خَلفِه فتقول: يا فلانُ: الآن تصلي؟ فيقبل عَلَيْها فتسِمُه في وَجْهه، ثم تَنْطَلِقُ ويشترك الناس في الأمْوالِ، ويَصْطَحِبونَ في الأمصار، يُعْرَفَ المؤمنُ من الكافر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ترغو: تصوت وتضج.


ج / 1 ص -211- حتّى إن المؤمن ليقول: يا كافر اقضني حقِّي وحتى إن الكافر ليقول يا مؤمن اقضني حقي"1.
وهكذا رواه مرفوعاً من هذا الوجه بهذا السياق، وفيه غرابة، ورواه ابن جرير عن اليمان، مرفوعاً، وفيه أن ذلك في زمان عيسى ابن مريم، وهو يطوف بالبيت، ولكن في إسناده نظر والله تعالى أعلم.
وقد قال ابن ماجه: حدثنا أبو غسان محمد بن عمر، حدثنا أبو نميلة، حدثنا ابن عبيد، حدثنا عبد الله بن بريدة، عن أبيه، قال: ذهب بي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى موضع بالبادية قريب من مكة، فإذا أرض يابسة حولها رمل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"تَخْرُجُ الدَّابَّةُ من هذا الموضع فإذا فِتر في شبْر".
قال ابن بريدة: فحججت بعد ذلك بسنين فأرانا إياه، فإذا هو يقاس بعصاي هذه كذا وكذا، يعني أنه كلما مضى وقت يتسع حتى يكون وقت خروجها؟ والله تعالى أعلم.
وقال عبد الرزاق المعمر: عن قتادة، أن ابن عباس قال: هي دابة ذات زغب2 لها أربع قوائم تخرج من بعض أودية تهامة، ورواه سعيد بن منصور، عن عثمان بن مطر، عن قتادة عن ابن عباس بنحوه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث رواه أبو داود الطيالسي 2- 221.
2 الزغب: الشعر الصغير اللين.


ج / 1 ص -212- وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عبد الله بن روحاء حدثنا فضيل بن مرزوق عن عطية قال: قال عبد الله تخرج الدابة من صدع1 من الصفا كجري الفرس ثلاثة أيام لا يخرج ثلثها، وعن عبد الله بن عمرو أنه قال: تخرج الدابة من تحت صخرة فتستقبل المشرق فتصرخ صرخة تنفذه ثم تستقبل الشام فتصرخ صرخة تنفذه، ثم تستقبل اليمن فتصرخ صرخة تنفذه، ثم تروح من مكة فتصبح بعفسان2 قيل له: ثم ماذا؟ قال: ثم لا أعلم. وعنه أنه قال: تخرج الدابة من تحت السدوم يعني مدينة قوم لوط، فهذه أقوال متعارضة والله تعالى أعلم.
وعن أبي الطفيل أنه قال: تخرج الدابة من الصفا أو المروة رواه البيهقي.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو صالح: كاتب الليث، حدثني معاوية بن صالح، عن أبي مريم، أنه سمع أبا هريرة يقول:
"إن الدابة فيها كل لون، ما بين قرنيها فرسخ للراكب".
وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أنه قال: إنها دابة لها رأس وزغب وحافر، ولها ذنب، ولها لحية، وإنها تخرج حضر3 الفرس الجواد ثلاثاً وما خرج ثلثاها، رواه ابن أبي حاتم.
وقال ابن جريج، عن أبي الزبير أنه وصف الدابة فقال: رأسها رأس ثور، وعينها عين خنزير، وأذنها أذن فيل، وقرنها قرن أيل4 وعنقها عنق نعامة،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1الصدع: الشق.
2 عسفان: مكان على بعد مرحلتين من مكة.
3 الحضر كقفل والإحضار: اشتداد الفرس في عدوه.
4 الأيل بفتح الهمزة وتشديد الياء المثناة المكسورة: الوعل.


ج / 1 ص -213- وصدرها صدر أسد، ولونها لون نمر، وخاصرتها خاصرة هر، وذنبها ذنب كبش، وقوائمها قوائم بعير، بين كل مفصلين اثنا عشر ذراعاً، تخرج معها عصا موسى، وخاتم سليمان فلا يبقى مؤمن إلا يكتب في وجهه بعصا موسى نكتة بيضاء، فتفشو تلك النكتة، حتى يبيض لها وجهه، ولا يبقى كافر إلا يكتب في وجهه نكتة سوداء بخاتم سليمان، فتفشو تلك النكتة حتى يسود لها وجهه، حتى إن الناس يتبايعون في الأسواق فيقولون: بكم ذا يا مؤمن. بكم ذا يا كافر؟ وحتى إن أهل البيت ليجلسون على مائدتهم فيعرفون مؤمنهم وكافرهم، ثم يقول لهم الدابة: يا فلان: أبشر أنت من أهل الجنة، ويا فلان: أنت من أهل النار، فذلك قول الله تعالى:
{وَإِذا وَقَعَ القَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْض تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاس كانُوا بآيَاتِنَا لاَ يُوقنُون} [النمل:82]
وقد ذكرنا فيما تقدم عن ابن مسعود، أن الدابة من نسل إبليس الرجيم، وذلك فيما رواه أبو نعيم عن حماد، في كتاب الفتن والملاحم، تصنيفه، والله أعلم بصحته.
وقال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا محمد بن بشر، عن أبي حيان، عن أبي زرعة، عن عبد الله بن عمرو، قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً لم أنسه بعد: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"إِنَّ أولَ الآيات خروجاً طلوعُ الشمس من مغرِبها، وخروجُ الدابةِ على الناس ضُحىً فَأيَّتُهُمَا كَانَتْ قَبْل صَاحِبَتِهَا فالأخْرَى على إِثْرهَا قَرِيباً1".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث رواه مسلم، 52 – كتاب الفتن، باب خروج الدجال ونزول عيسى.


ج / 1 ص -214- أي أول الآيات التي ليست مألوفة، وإن كان الدجال ونزول عيسى عليه السلام من السماء قبل ذلك، وكذلك خروج يأجوج ومأجوج، فكل ذلك أمور مألوفة لأن أمر مشاهدته ومشاهدة أمثاله مألوف، فأما خروج الدابة على شكل غريب غير مألوف ومخاطبتها الناس ووسمها إياهم بالإيمان أو الكفر، فأمر خارج عن مجاري العادات، وذلك أول الآيات الأرضية، كما أن طلوع الشمس من مغربها على خلاف عادتها المألوفة أول الآيات السماوية.
==========
النهاية في الفتن والملاحم 
==========
ذكر طلوع الشمس من المغرب
لا تنفع توبة التائب بعد طلوع الشمس من مغربها
قال الله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أنْ تَأتِيَهُمُ المَلاَئِكَةُ أوْ يَأتِن ربُّكَ أوْ يَأتِي بعْضُ آياتِ رَبك يِوْمَ يأتي بَعْضُ آياتِ رَبك لاَ يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُهَا لَمْ تكن آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُل إنتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُون}.
قال الإِمام أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا ابنِ أبي ليلى، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم:
{يَوْمَ يَأتي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفعُ نَفْساً إِيمَانُهَا}1.
قال: "طلوع الشمس من مغربها"، ورواه الترمذي، عن سفيان بن وكيع، عن أبيه به. وقال: غريب وقد رواه بعضهم فلم يرفعه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث رواه الترمذي ح2- 179 – أبواب التفسير وقال "حديث حسن غريب".


ج / 1 ص -215- وقال البخاري1 عند تفسير هذه الآية: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا عبد الواحد، حدثنا عمارة، حدثنا أبو زرعة، حدثنا أبو هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لاَ تَقومُ السَّاعَةُ حَتى تَطْلًعَ الشّمْسُ مِنْ مَغْرِبِها؟ فَإِذَا رَآهَا النَّاسُ آمَنَ مَنْ عَلَيْهَا؟ فَذَلِكَ حِينَ لاَ يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُهَا لمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ".
وقد أخرجه بقية الجماعة إِلا الترمذي من طرق عن عمارة بن القعقاع بن شبرمة، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير، عن أبي هريرة مرفوعاً مثله.
ثم قال البخاري: حدثنا إسحاق، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لاَ تَقُومُ الساعَةُ حَتى تَطْلُعَ الشمسُ مِنْ مَغْرِبِهَا فَإذَا طَلَعَتْ ورآهَا الناسُ آمَنُوا أجْمَعُونَ وذَلِكَ حِينَ لاَ يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُها"، ثم قرأ هذه الآية.
وكذا رواه مسلم2 عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق بن همام الصنعاني بإخراجه من طريق العلاء ابن عبد الرحمن بن يعقوب، عن أبيه، عن أبي هريرة.
وقال أحمد: حدثنا وكيع، عن فضيل بن غزوان، عن أبي حازم سلمان، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ثَلاَثٌ إِذا خَرَجْنَ لاَ يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1الحديث رواه البخاري 6 – 58.
2 رواه مسلم في صحيحه 1- 55.


ج / 1 ص -216- أوْ كَسَبَتْ في إيمانِها خَيْراً طُلُوع الشَّمْس مِنْ مَغْرِبِها والدُّخَانُ وَدابَّةُ الأرْض".
ورواه مسلم، عن أبي بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب عن وكيع به. ورواه مسلم أيضاً والترمذي وابن جرير من غير وجه عن فضيل بن غزوان نحوه.
من علم فليقل بعلمه ومن لم يعلم فليسكت
وقد ورد هذا الحديث من طرق، عن أبي هريرة وعن جماعة من الصحابة أيضاً، فعن أبي شريحة حذيفة بن أسيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتى تَروا عَشْر آياتٍ طُلوعَ الشمس مِنْ مغربها، والدابَّةَ وخروجَ يَأجوجَ ومأجوجَ وخروج عيسى ابن مَرْيَمَ، والدجالَ وثلاثة خسوف خسفاً بالمشرق وخسفاً بالمغربِ وخسفاً بجزيرةِ العربِ وناراً تَخْرج من قَعْرِ عَدنَ تَسُوق أو تَحْشُرُ الناسَ، تَبِيتُ مَعهمْ حَيثً بَاتَوا، وتَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا".
رواه أحمد ومسلم وأهل السنن كما تقدم غير مرة.
ولمسلم من حديث العلاء عن أبيه، عن أبي هريرة، ومن حديث قتادة عن الحسن، عن زياد بن رباح، عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"بادروا بالأعمال ستاً، فذكر منهن طلوع الشمس من مغربها والدخان والدابة"، كما تقدم.
وثبت في الصحيحين من حديث إبراهيم بن يزيد بن شريك، عن أبيه، عن أبي ذر قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:


ج / 1 ص -217- "أتدْرِي أيْن تَذْهَبُ هذه الشمسُ إِذا غَرَبَتْ؟" قلتُ: لاَ، قال: "إنها تَنْتَهي فَتَسْجُدُ تَحْتَ الْعرْش ثم تَسْتَأذِنُ فَيُوشِكُ أَنْ يُقَالَ لَهَا: ارْجِعِي مِن حَيْثُ جِئْتِ، وذلكَ حين لا يَنْفعُ نَفْساً إيمَانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ في إِيمانِهَا خَيْراً"1.
وقال الإِمام أحمد: حدثنا اسماعيل بن إبراهيم، حدثنا أبو حيان، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير، قال: جلس ست نفر من المسلمين إِلى مروان بالمدينة فسمعوه يقول وهو يحدث في الآيات: إن أولها خروج الدجال. قال: فانصرف النفر إلى عبد الله بن عمرو، فحدثوه بالذي سمعوه من مروان في الآيات فقال عبد الله: لم يقلِ مروان شيئاً. قد حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله:
"إِن أولَ الآياتِ طلوعُ الشمس، وخروجُ الدَّابّةِ ضُحَى فأيتُهُما كَانَتْ قبَلَ صَاحِبَتِهَا فَالآخْرَى عَلَى إِثرِهَا قريباً".
ثم قال عبد الله وكان يقرأ الكتب: وأظن أولاهما خروجاً طلوع الشمس من مغربها، وذلك أنها كلما غربت أتت تحت العرش فسجدت واستأذنت فى الرجوع فأذن لها في الرجوع، حتى إذا أذن الله أن تطلع من مغربها فعلت كما كانت تفعل وأتت تحت العرش فسجدت، واستأذنت في الرجوع فلا يرد عليها شيء ثم تستأذن في الرجوع فلا يرد عليها شيء، حتى إذا ذهب من الليل ما شاء الله أن يذهب، وعرفت أنه وإن أذن لها في الرجوع لم تدرك المشرق، قالت: رب ما أبعد المشرق من لي بالناس حتى إذا صار الأفق كأنه طوق استأذنت في الرجوع، فيقال لها: ارجعي من مكانك فاطلعي، فطلعت على الناس من مغربها، ثم تلا عبد الله هذه الآية:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث رواه مسلم 1- 55 – 56.
- والبخاري 6 – 123.


ج / 1 ص -218- {لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً}1.
وقد رواه مسلم في صحيحه، وأبو داود، وابن ماجه، من حديث أبي حيان يحيى بن سعيد بن حيان، عن أبي زرعة، عن عبد الله بن عمرو قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله:
"إِن أَولَ الآيات خروجاً طلوعُ الشمس مِن مَغْرِبِهَا وخروجُ الدابَّةِ على الناس ضُحى فَأيَّتُهُما كَانَتْ قَبْل صَاحِبَتِهَا فَالأخْرَى عَلَى إِثْرِهَا قَرِيباً".
وقد ذكرنا أن المراد بالآيات هاهنا الآيات التي ليست مألوفة، وهي مخالفة للعادات المستقرة فالدابة التي تكلم الناس، وتعيين الكافر منهم من المؤمن، وطلوع الشمس من مغربها، متقدم على الدابة وذلك محتمل ومناسب والله أعلم.
وقد ورد ذلك في حديث غريب رواه الحافظ أبو القاسم الطبراني في معجمه فقال: حدثني أحمد بن يحيى بن خالد بن حبان الرقي، حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن بريق الحمصي، حدثنا عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار، حدثنا ابن لهيعة، عن حييِّ بن عبد الله، عن أبي عبد الرحمن الحيلي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إِذَا طَلَعَتِ الشمس مِنْ مَغْرِبِهَا خَرّ إِبْلِيسُ سَاجِداً ينَادِي ويَجْهَرُ مُرْني أنْ أَسْجد لِمَنْ شِئْتَ قَالَ: فَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ زَبَانِيَتُه يَقولونَ لَه يَا سَيِّدَهُمْ: مَا هَذَا التَّفَزعُ؟ فَيَقولً: إِنَّما سَألتُ رَبي أنْ يُنْظِرَنِي إِلَى الوَقْتِ المَعْلوم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث رواه أحمد في مسنده " 11- 110 – 11 – أحمد شاكر"


ج / 1 ص -219- قَال: "ثُمّ تَخْرجُ دَابَّةُ الأَرْض مِنْ صَدْع فِي الصَّفَا قال: فَأوَّلُ خُطْوَةٍ تَضَعُها بِإِنطَاكِيَّةَ، فَيأتي إِبْلِيسُ فَتَلطِمُه".
وهذا غريب جداً ورفعه فيه نكارة ولا بد أنه من المزملتين1 اللتين أصابهما عبد الله بن عمرو يوم اليرموك من كتب أهل الكتاب فكان يحدث منهما بأشياء غرائب.
وقد تقدم في خبر ابن مسعود الذي رواه أبو نعيم بن حماد في الفتن أن الدابة تقتل إبليس، وهذا من أغرب الأخبار، والله تعالى أعلم.
وفي حديث طالوت بن عباد، عن فضالة بن جبير، عن أبي أمامة صدى بن عجلان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن أول الآيات طلوع الشمس من مغربها".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المزملتين: تثنية مزملة: بضم الميم وفتح الزاي وتشديد الميم بعدها مفتوحة تليها لام مفتوحة مخففة: والمزملة الجرة الخضراء يبرد فيها الماء.
لا يزال في المسلمين من يقوم الليل عابداً حتى تطلع الشمس من مغربها
قال الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره: حدثنا محمد بن علي بن دحيم، حدثنا أحمد بن حازم ابن أبي غرزة، حدثنا ضرار بن صرد، حدثنا ابن فضيل، عن سليمان بن يزيد، عن عبد الله بن أبي أوفى، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"ليأتين على الناس ليلة تعدل ثلاث ليال من لياليكم هذه، فإذا كان ذلك عرفها المتنفلون، يقوم أحدهم فيقرأ حزبه، ثم ينام، ثم يقوم فيقرأ حزبه ثم ينام، فبينما هم كذلك، صاح الناس بعضهم في بعض، فقالوا: ما هذا؟

ج / 1 ص -220- فيفزعون1 إلى المساجد، فإذا همٍ بالشمس قد طلعت حتى صارت في وسط السماء، رجعت وطلعت من مطلعها، قال فحينئذ لا ينفع نفساً إيمانها".
ثم سأل ابن مردويه من طريق سفيان الثوري، عن منصور، عن ربعي، عن حذيفة، قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم ما آية طلوع الشمس من مغربها؟ قال:
"تطول تلك الليلة حتى تكون قمر ليلتين فيتنبه الذين كانوا يصلون فيها، يعملون كما كانوا يعملون قبلها، والنجوم لا ترى، قد باتت مكانها، يرقدون ثم يقومون فيصلون، ثم يرقدون ثم يقومون فيصلون، ثم يرقدون ثم يقومون، يتطاول الليل فيفزع الناس، ولا يصبحون، فبينما هم ينتظرون طلوع الشمس من مشرقها إذ طلعت من مغربها، فإذا رآها الناس آمنوا ولا ينفعهم إيمانهم".
وقال الحافظ أبو بكر البيهقي في البعث والنشور: أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسين بن داود العلوي، أخبرنا أبو نصر محمد بن حمدويه بن سهل المروزي، حدثنا عبد الله بن حماد الآملي، حدثنا محمد بن عمران، حدثني أبي، حدثني ابن أبي ليلى، عن إسماعيل بن رجاء، عن سعيد بن إياس، عن عبد الله بن مسعود أنه قال ذات يوم لجلسائه: أرأيتم2 قول الله: {تَغْرُبُ في عَيْن حَميَةٍ}3. ماذا يعني بها؟ قالوا: الله أعلم. قال: إنها إذا غربت سجدت له وسبحته وعظمته، ثم كانت تحت العرش، فإِذا حضرها طلوعها سجدت له وسبحته وعظمته، ثم استأذنت، فإذا كان اليوم الذي تحبس فيه سجدت له وسبحته وعظمته ثم استأذنته فيقال لها: تأتي فتحبس
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1يسرعون: خائفين
2 أرأيتم: أخبروني.
3 العين الحمءية: السوداء المنتنة، وغروب الشمس في العين الحمئة أي فيما يظهر للعين وهذا من خداع الحس إذ الشمس أكبر من الأرض بمليون وربع مليون، مثل كما هو معروف علميا.


ج / 1 ص -221- قدر ليلتين، قال: ويفزع المتهجدون، وينادي الرجل تلك الليلة جاره يا فلان ما شأننا الليلة؟ لقد نمت حتى شبعت، وصليت حتى اعييت؟ ثم يقال لها: اطلعي من حيث غربت، فذلك يوم {لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ} الآية.
لا تقبل هجرة المهاجرين والعدو يقاتلهم
وقال الإمام أحمد: حدثنا الحكم بن نافع، حدثنا إسماعيل بن عياش، عن ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد، يرده إِلى مالك بن عامر، عن ابن السعدي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"لا تنفع الهجرة ما دام العدو يقاتل"1.
قال معاوية وعبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"إن الهجرة خصلتان، إحداهما أن تهجر الشر، والأخرى أن تهاجر إلى الله ورسوله، ولا تنقطع ما تقبلت التوبة، ولا تزال التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من الغرب، فإذا طلعت طبع على كل قلب بما فيه، وكفى الناس العمل".
وهذا إسناد جيد قوي ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب.
وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد والترمذي، وصححه والنسائي وابن ماجه، من طريق عاصم ابن أبي منجود، عن زر بن حبيش، عن صفوان بن عسال، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث رواه أبو داود والنسائي والدارمي.
- ورواه أحمد في مسنده 1- 192، 4 – 62 ن 99، 5- 227 ن 363، 375 ولفظه "لا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار".


ج / 1 ص -222- "إن الله فتح باباً قبل المغرب عرضه سبعون أو أربعون ذراعاً للتوبة، لا يغلق حتى تطلع الشمس".
فهذه الأحاديث المتواترة مع الآية الكريمة دليل على أن من أحدث إيماناً أو توبة بعد طلوع الشمس من مغربها لا يقبل منه، وإنما كان كذلك والله أعلم لأن ذلك من أكبر أشراط الساعة وعلاماتها الدالة على اقترابها ودنوها، فعومل ذلك الوقت معاملة يوم القيامة كما قال تعالى: {هَلْ يَنْطرُونَ إلاَّ أن تَأتِيَهُمْ المَلاَئِكَةُ أوْ يَأتِيَ رَبًّكَ أوْ يَأتي بَعْضُ آيَاتِ ربك يَوْمَ يَأتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبك لاَ يَنْفَعُ نَفْساً إيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْل} [الأنعام:158]
وقال تعالى: {فَلًما رَأوْا بأسَنَا قَالُوا آمًنّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إيمَانُهُمْ لًمّا رَأوْا بَأسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتي قَدْ خَلتْ في عِبَاده وخَسِرَ هُنَالكَ الكَافِرُونَ} [غافر: 84-85].
وقال تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إلاَّ السَّاعَةَ أنْ تَأتِيَهُمْ بَغْتَةً وهُمْ لاَ يَشْعُرُون} [الزخرف:66].
وقد حكى البيهقي عن الحاكم أنه قال: أول الآيات ظهوراً خروج الدجال، ثم نزول عيسى ابن مريم، ثم فتح يأجوج ومأجوج، ثم خروج الدابة، ثم طلوع الشمس من مغربها، قال: لأنها إذا طلعت من مغربها آمن من عليها، فلو كان نزول عيسى بعدها لم يكن كافراً، وهذا الذي قاله فيه


ج / 1 ص -223- نظر لأن إيمان أهل الأرض يومئذ لا ينفع جميعهم ولا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل، فمن أحدث إيماناً أو توبة يومئذ لم تقبل حتى يكون مؤمناً أو تائباً قبل ذلك، وكذلك قوله تعالى في قصة نزول عيسى في آخر الزمان: {وإِنْ مِنْ أهْل الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤمِنَنَّ بِه قَبْلَ مَوْتهِ}.
أي قبل موت عيسى وبعد نزوله يؤمن جميع أهل الكتاب به إيماناً ضرورياً بمعنى أنهم يتحققون أنه عبد الله ورسوله، فالنصراني يعلم كذب نفسه في دعواه فيه الربوبية والنبوة، واليهودي يعلم أنه نبي رسول من الله لا ولد ريبة كما كان المجرمون منهم يزعمون ذلك، فعليهم لعائن الله وغضبه المدرك.
=============
النهاية في الفتن والملاحم 
============
ذكر الدخان الذي يكون قبل يوم القيامة
قال تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأتي السَّماءُ بِدُخَانٍ مُبِين يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤمِنُونَ أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مبِين ثَمّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعًلّمٌ مَجْنُونٌ إِنَّا كَاشِفُواْ الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائدُونَ يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُون} [الدخان:10-16].
وقد تكلمنا على تفسير هذه الآيات في سورة الدخان بما فيه مقنع.
وقد نقل البخاري1، عن ابن مسعود أنه فسر ذلك بما كان لقريش من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث رواه البخاري "6- 131-132".


ج / 1 ص -224- شدة الجوع بسبب القحط الذي دعا عليهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أحدهم يرى كأن فيما بينه وبين السماء دخاناً من شدة الجوع، وهذا التفسير غريب جداً ولم ينقل مثله عن أحد من الصحابة غيره.
وقد حاول بعض العلماء المتأخرين رد ذلك ومعارضته بما ثبت في حديث أبي شريحة حذيفة بن أسيد:
"لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات فذكر فيهن الدجال والدخان والدابة"، وكذلك في حديث أبي هريرة: "بادروا بالأعمال ستاً" فذكر فيهن هذه الثلاث، والحديثان في صحيح مسلم مرفوعان، والمرفوع مقدم على كل موقوف.
وفي ظاهر القرآن ما يدل على وجود دخان من السماء يغشى الناس، وهذا أمر محقق عام وليس كما روي عن ابن مسعود أنه خيال في أعين قريش من شدة الجوع قال اللّه تعالى:
{فَارْتَقِبْ يَوْمَ تأتي السَّماءُ بِدُخَانٍ مُبِين}.
أي واضح جلي وليس خيالاً من شدة الجوع.
{رَبَّنا اكْشِفْ عَنَّا العَذابَ إِنَّا مُؤمِنُون}.
أي ينادي أهل ذلك الزمان ربهم بهذا الدعاء، يسألون كشف هذه الشدة عنهم، فإنهم قد آمنوا وارتقبوا ما وعدوا من الأمور الغيبية الكائنة بعد ذلك يوم القيامة، حيث يمكن رفعه، ويمكن استدراك التوبة والإِنابة، والله أعلم.
وقد روى البخاري، عن محمد بن كثير، عن سفيان الثوري، عن الأعمش ومنصور، عن أبي الضحى، عن مسروق قال: بينما رجل يحدث في كندة قال: يجيء دخان يوم القيامة فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم ويأخذ المؤمن


ج / 1 ص -225- كهيئة الزكام، ففزعنا، فأتينا ابن مسعود قال: وكان متكئاً فغضب فجلس وقال: يا أيها الناس: من علم شيئاً فليقل به، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم، فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم: الله أعلم، فإن الله قال لنبيه صلى الله عليه وسلم:
{قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص:86].
إن قريشاً أبطأوا عن الإسلام، فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف، فأخذتهم سنة حتى هلكوا فيها، وأكلوا الميتة والعظام، وحتى كان الرجل يرى بينه وبين الأرض الدخان، فجاءه أبو سفيان فقال: يا محمد جئت تأمر بصلة الرحم، وقومك قد هلكوا، فادع الله فقرأ هذه الآية:
{فَارْتَقِبُ يَوْمَ تَأتي السَّماءُ بِدُخَّانٍ مُبِين يغْشىَ النَّاسَ هذا عَذابٌ ألِيمٌ رَبَّنا اكشِفْ عَنَّا العَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ} [الدخان:10].
أفنكشف عنكم عذاب الآخرة إذا جاء؟ لقد كشف عنهم عذاب الدنيا ثم عادوا إلى كفرهم فذلك قوله:
{يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى}.
فذلك يوم بدر، فسوف يكون لزاماً:
{الم غلِبَتِ الرُّومُ في أدْنَى الأرْض وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} [الروم:1].
قد مضى، فقد مضت الأربع، وقد أخرجه البخاري أيضاً، ومسلم، من حديث الأعمش، ومنصور به نحوه، وفي رواية فقد مضى القمر،


ج / 1 ص -226- والدخان، والروم، واللزام، وقد ساقه البخاري من طرق كثيرة، بألفاظ متعددة، وقول هذا القاص: إن هذا الدخان يكون قبل يوم القيامة ليس بجيد، ومن هنا تسلط عليه ابن مسعود بالرد، بل قبل يوم القيامة وجود هذا الدخان، كما يكون وجود هذه الآيات نم الدابة والدجال، والدخان، ويأجوج ومأجوج، كما دلت عليه الأحاديث عن أبي شريحة، وأبي هريرة، وغيرهما من الصحابة، وكما جاء مصرحاً به في الحديث الذي رواه، وأما النار التي تكون قبل يوم القيامة فقد تقدم في الصحيح أنها تخرج من قصر عدن تسوق الناس إلى المحشر، تبيت معهم حيث باتوا، وتقيل معهم حيث قالوا، وتأكل من تخلف منهم.
ذكر كثرة الصواعق عند اقتراب الساعة
قال الإِمام أحمد: حدثنا محمد بن مصعب، حدثنا عمارة، عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"تكثر الصواعق عند اقتراب الساعة حتى يأتي الرجل القوم فيقول من صعق قبلكم الغداة فيقولون: صعق فلان وفلان وفلان1".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث رواه أحمد في مسنده 3- 64.


ج / 1 ص -227- ذكر وقوع المطر الشديد قبل يوم القيامة
قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده، حدثنا إسحاق، حدثنا خالد، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لا تقوم الساعة حتى تمطر السماء مطراً لا تكن منه بيوت المدر ولا تكن منه بيوت الشعر"1.
وقال الإِمام أحمد: حدثنا مؤمل، حدثنا حماد، حدثنا علي بن زيد، عن خالد بن الحويرث، عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"الآيات خرزات منظومات في سلك، فانقطع السلك، فتبع بعضها بعضاً2". انفرد به أحمد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1الحديث رواه الهيثمي في مجمع الزوائد 7- 331.
وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.
- ورواه أحمد في مسنده" 13- 291 – أحمد شاكر".
2 رواه أحمد في مسنده "12- 6 – 7 أحمد شاكر".
ولفظه" ... في سلك فإن يقطع السلك يتبع بعضها بعضا" وهذا الصواب.
=============
النهاية في الفتن والملاحم 
==============
ذكر أمور لا تقع الساعة حتى يقع منها ما لم يكن قد وقع بعد
وقد تقدم في الأحاديث السابقة من هذا شيء كثير، ولنذكر شيئاً آخر من ذلك، ولنورد شيئاً من أشراط الساعة، وما يدل على اقترابها، وبالله المستعان.
من علامات الساعة تطاول الناس في البنيان
تقدم ما رواه البخاري، عن أبي اليمان، عن شعيب، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم:
"لا تقوم الساعة حتى يتطاول الناس في البنيان، ولا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان تكون بينهما مقتلة عظيمة، دعواهما واحدة، ولا تقوم


ج / 1 ص -228- الساعة حتى يقبض العلم وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان وتكثر الفتن ويكثر الهرج، ولا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله، ولا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول ليتني مكانك ولا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت ورآها الناس، آمنوا أجمعون، وذلك حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً ولا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم المال حتى يهم رب المال من يقبله منه".
ورواه مسلم من وجه آخر عن أبي هريرة.
وتقدم الحديث عن أبي هريرة، وأبي بريدة وأبي بكرة وغيرهم رضي الله عنهم:
"لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا الترك عراض الوجوه ذلف الأنوف1 كأن وجوههم المجان المطرقة ينتعلون الشعر".
الحديث وهم بنو قنطورا وهي جارية الخليل عليه الصلاة والسلام.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 زلف الأنوف فطسها
من علامات الساعة قلة العلم وكثرة الجهل وانتشاره
وفي الصحيحين من حديث شعبة عن قتادة، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويظهر الجهل، ويفشو الزنى، وتشرب الخمر، ويذهب الرجال، وتبقى النساء حتى يكون لخمسين امرأة قيم واحد".


ج / 1 ص -229- من علامات الساعة أن تفيض أرض العرب بالخير والثراء والذهب
وقال سفيان الثوري: عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"لا تذهب الأيام والليالي حتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً، وحتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب1 فيقتتلون عليه، فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون، وبنحو واحد" وأخرجه مسلم من وجه آخر عن سهيل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لقد حسر الفرات عن الذهب البترولي الأسود.
إشارة نبوية الى ردة بعض العرب عن الإسلام قبل قيام الساعة
وروى البخاري عن أبي اليمان، عن شعيب، وأخرج مسلم من حديث معمر كلاهما عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات النساء دوس حول ذي الخلصة طاغية دوس الذي كانوا يعبدون في الجاهلية".
وفي صحيح مسلم من حديث الأسود بن العلاء، عن أبي سلمة، عن عائشة، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى".
فقلت يا رسول الله: إن كنت لأظن حين أنزل الله:


ج / 1 ص -230- {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}.
أن ذلك تام، فقال:
"إنه سيكون من ذلك ما شاء الله ثم يبعث الله ريحاً طيبة يتوفى بها كل من كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان. فيبقى من لا خير فيه فيرجعون إلى دين آبائهم".
روى جزء الأنصاري، عن حميد، عن أنس، أن عبد الله بن سلام سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أول أشراط الساعة؟ فقال:
"نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب". الحديث بتمامه.
ورواه البخاري من حديث حميد، عن أنس، وفي حديث أبي زرعة عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوماً بارزاً للناس إذ أتاه أعرابي فسأله عن الإِيمان، الحديث إلى أن قال: يا رسول الله فمتى الساعة؟ فقال:
"ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ولكن سأحدثك عن أشراطها، إذا ولدت الأمة ربتها. وإذا كان الحفاة العراة العالة رعاء الشاة رؤوس الناس، فذاك من أشراطها في خمس لا يعلمهن إلا الله" ثم قرأ:
{إِنَّ اللَّهَ عنده عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَام وَمَا تدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدَاً وَمَا تَدْرِي نَفْسن بِأَيِّ أرْض تَمُوتُ إِنَّ اللَّه عَلِيم خَبِير}.
ثم انصرف الرجل، فقال: "ردوه عليَّ "، فلم يروا شيئاً، فقال:
"هذا جبريل جاء ليعلم الناس أمور دينهم".
أخرجاه في الصحيحين.


ج / 1 ص -231- وعند مسلم عن عمر بن الخطاب نحو من هذا بأبسط منه.
فقوله عليه الصلاة والسلام: "أن تلد الأمة ربتها"، يعني به أن الإماء تكون في آخر الزمان هن المشار إليهن بالحشمة فتكون الأمة تحت الرجل الكبير دون غيرها من الحرائر، ولهذا قرن ذلك بقوله: "وأن ترى الحفاة العراة العالة يتطاولون في البنيان" يعني بذلك أنهم يكونون رؤوس الناس، قد كثرت أموالهم، وامتدت وجاهتهم، ليس لهم دأب ولا همة إلا التطاول في البناء.
من علامات الساعة تكثف الدنيا عند من لا خلق له ولا دين
وهذا كما في الحديت المتقدم:
"لا تقوم الساعة حتى يكون أحظى الناس بالدنيا لكع بن لكع1".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 اللكع: بضم اللام وفتح الكاف بعدها عين اللئيم.
من علامات الساعة إسناد الأمور لغير أربابها
وفي الحديث الآخر:
"إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة".
وفي الحديث الآخر:
"لا تقوم الساعة حتى يسود كل قبيلة رذالها".
ومن فسر هذا بكثرة السراري لكثرة الفتوحات، فقد كان هذا في صدر هذه الأمة كبير جداً، وليس هذا بهذه الصفة من أشراط الساعة المتاخمة لوقتها، والله تعالى أعلم.


ج / 1 ص -232- وقال الحافظ أبو بكر البيهقي في كتاب البعث والنشور: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو زكريا بن أبي إسحاق قالا: حدثنا عبد الباقي بن قانع الحافظ حدثنا عبد الوارث بن إبراهيم العسكري، حدثنا سيف بن مسكين، حدثنا المبارك بن فضالة، عن الحسن، قال: خرجت في طلب العلم، فقدمت الكوفة فإذا أنا بعبد الله بن مسعود، فقلت: يا أبا عبد الرحمن هل للساعة من1 علم تعرف به فقال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال:
"إن من أشراط الساعة أن يكون الولد غليظاً2 والمطر قيظاً وتفشو الأسرار، ويصدق الكاذب، ويؤتمن الخائن، ويخون الأمين، ويسود كل قبيلة منافقوها وكل سوق فجارها، وتزخرف المحاريب، وتخرب القلوب، ويكتفي الرجال بالرجال والنساء بالنساء ويخرب عمران الدنيا، ويعمر خرابها، وتظهر الفتنة، وأكل الربا، وتظهر المعازف والكنوز، وتشرب الخمر، وتكثر الشرط، والغمازون، والهمازون" ثم قال البيهقي: هذا إسناد فيه ضعف إلا أن أكثر ألفاظه قد روي بأسانيد أخر متفرقة.
قلت: قد تقدم في أول هذا الكتاب فصل، فيه ما يقع من الشرور في آخر الزمان، وفيه شواهد كثيرة لهذا الحديث.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1العلم العلامة: وفي القرآن الكريم "وإنه لعلم الساعة".
2 عسر الخلق جافا لا يرفق بوالديه ولا يبرهما.
من علامات الساعة إضاعة الأمانة
وفي صحيح البخاري من حديث عطاء بن يسار، عن أبي هريرة أن أعرابياً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم متى الساعة؟ فقال:


ج / 1 ص -233- "إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة"، قال: يا رسول الله: وكيف إضاعتها؟ قال: "إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة".
وقال الإِمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن واصل، عن أبي وائل، عن عبد الله، وأحسبه رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"بين يدي الساعة أيام الهرج1 أيام يزول فيها العلم ويظهر فيها الجهل". فقال أبو موسى: الهرج بلسان الجيش القتل.
وروى الإِمام أحمد عن أبي اليمان، عن شعيب، عن عبد الله بن أبي حسين، عن شهر، عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"لا تقوم الساعة حتى يخرج الرجل من عند أهله فيخبره شراك نعله أو سوطه أو عصاه بما أحدث أهله بعده"2.
وروى أيضاً عن يزيد بن هارون، عن القاسم بن الفضل الحداي، عن أبي نضرة عن أبي سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الإِنس، وتكلم الرجل عذبة سوطه، وشراك نعله، ويخبره فخذه بما أحدث أهله بعده".
وقال الإِمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا حماد، هو ابن سلمة، عن ثابت، عن أنس، قال: كنا نتحدث أنه لا تقوم الساعة حتى لا تمطر السماء، ولا تنبت الأرض، وحتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد، وحتى إن المرأة لتمر بالبعل، فينظر إليها فيقول: لقد كان لهذا المرأة رجل3.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1الهرج الفتنة والشر والقتل.
2 كناية ‘ن انكشاف الأسرار ورصد القريب والبعيد لها لإذاعتها.
3 الحديث رواه الهيثمي في مجمع الزوائد 7- 331، وقال رواه البزار ورجاله رجال الصحيح.
- ورواه أحمد في مسنده 3- 286 ط- الحلبي.


ج / 1 ص -234- قال الإِمام أحمد ذكره حماد مرة هكذا وقد ذكره عن ثابت، عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم بلا شك فيه، وقد قال أيضاً عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحسب إسناداً جيداً ولم يخرجوه من هذا الوجه.
وقال الإِمام أحمد: حدثنا هشام، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك يرفع الحديث:
"لا تقوم الساعة حتى يرفع العلم، ويظهر الجهل، ويقل الرجال، وتكثر النساء، وحتى يكون قيم خمسين امرأة رجل واحد".
تقدم له شاهد في الصحيح.
وقال الإِمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، أخبرني أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجِ حين زاغت الشمس فصلّى الظهر، فلما سلم قام على المنبر، فذكر الساعة، وذكر أن بين يديها أموراً عظاماً وذكر تمام الحديث.
إشارة نبوية الى نزع البركة من الوقت قبل قيام الساعة
وقال الإِمام أحمد: حدثنا هاشم، وأبو كامل، قالا: حدثنا زهير، حدثنا سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لا تقوم الساعة حتى يتقارب1 الزمان، فتكون السنة كالشهر، والجمعة كاليوم، ويكون اليوم كالساعة، وتكون الساعة كاحتراق السعفة" والسعفة الخوصة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كناية عن نزع البركة من الوقت حتى يبق الانتفاع به وثمرة العمل فيه أقل مما يحصل في الأيام العادية التي لم تنز بركتها.


ج / 1 ص -235- زعم سهيل أن هذا الإِسناد على شرط مسلم.
وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن عبد الله، حدثنا كامل، عن أبي صالح عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لن تذهب الدنيا حتى تصير لكع1 بن لكع".
إسناده جيد قوي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1اللكع اللئيم، والمراد بصيرورة الدنيا إلى اللؤم صيرورة أهلها الموجودين فيها ومن قبلهم آباؤهم: أي أن يتعاقب جيلان على الأقل من أجيال الأمة على رداءة الطبع وانحراف السلوك.
من علامات الساعة نطق الرويبضة
وقال أحمد: حدثنا يونس، وشريح، قالا: حدثنا فليح، عن سعيد بن عبد الله بن السباق، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"قبل الساعة سنون خداعة، يكذب فيها الصادق، ويصدق فيها الكاذب ويخون فيها الأمين، ويؤتمن فيها الخائن، وينطق فيها الرويبضة"1.
قال شريح: وينظر فيها الرويبضة، وهذا إسناد جيد ولم يخرجوه من هذا الوجه.
وقال أحمد: حدثنا هودة، حدثنا عوف، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"إن من أشراط الساعة أن يرى رعاء الشاة رؤوس الناس، وأن ترى الحفاة العراة الجوع يتبارون في البناء، وأن تلد الأمة ربتها أو ربها". وهذا إسناد جيد لم يخرجوه من هذا الوجه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الرويبضة: التافه الصغير.


ج / 1 ص -236- وقال أحمد: حدثنا عمار بن محمد، عن الصلت بن قوتب، عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"لا تقوم الساعة حتى لا تنطح ذات قرن جماء".
تفرد به أحمد ولا بأس بإسناده.
وقال أحمد: حدثنا يحيى بن عجلان، سمعت أبي يحدث، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم، ويظهر الجهل، ويكثر الهرج، قيل وما الهرج؟ قال: القتل". تفرّد به أحمد وهو على شرط مسلم.
وقال أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن همام، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم المال، فيفيض حتى يهم رب المال من يقبل منه صدقة ماله، وحتى يقبض العلم، ويقترب الزمان، وتظهر الفتن ويكثر الهرج" قالوا: الهرج أيما يا رسول الله؟ قال: القتل القتل".
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان، دعواهما واحدة، وتكون بينهما مقتلة عظيمة".
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين، كلهم يزعم أنه رسول الله".


ج / 1 ص -237- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون، وذلك حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً".
وهذا ثابت في الصحيح.
وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا أحمد بن محمد، حدثنا القاسم بن الحكم، عن سليمان بن داود اليمامي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"والذي بعثني بالحق لا تنقضي هذه الدنيا حتى يقع بهم الخسف، والقذف، والمسخ"، قالوا: ومتى ذلك يا رسول الله؟ قال: "إذا رأيت النساء ركبن الفروج، وكثرت القينات، وكثرت شهادة الزور، واستغنى الرجال بالرجال، والنساء بالنساء".
وروى الطبراني: من حديث كثير بن مرة، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"إن من علامات الساعة أن تعزب1 العقول، وتنقص الأحلام".
وقال الإِمام أحمد: حدثنا أبو أحمد الزبيري، حدثنا بشير بن سليمان، وهو أبو إسماعيل، عنسيار أبي الحكم، عن طارق بن شهاب، قال: كنا عند عبد الله بن مسعود جلوساً فجاء رجل فقال: قد أقيمت الصلاة، فقام وقمنا معه، فلما دخلنا المسجد رأينا الناس ركوعاً في مقدم المسجد، فكبَّر وركع. فكبرنا وركعنا، ثم سجد، وسجدنا، ثم سلم، وسلمنا، وصنعنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تعزب: تغيب فيكون الحكم للهوى.


ج / 1 ص -238- مثل الذي صنع، فمر رجل يسرع فقال: عليك السلام يا أبا عبد الرحمن، فقال: صدق الله، وبلغ رسوله، فلما صلينا ورجعنا، دخل إلى أهله وجلسنا، فقال بعضنا لبعض: أما سمعتم رده على الرجل صدق الله وبلغ رسولهَ. أيكم يسأله. فقال طارق: أنا أسأله، فسأله حين خرج، فذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"إن بين يدي الساعة تسليم1 الخاصة، وفشو التجارة. حتى تعين المرأة زوجها على التجارة، وقطع الأرحام، وشهادة الزور، وكتمان شهادة الحق، وظهور الجهل".
روى أحمد عن عبد الرزاق عن بشير عن يسار: أبو الحكم لم يرو عن طارق شيئاً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1أن يخص بعض الحضور بالسلام.
صفة أهل آخر الزمان
وقال الإِمام أحمد: حدثنا عبد الصمد، حدثنا همام، حدثنا قتادة، عن الحسن، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لا تقوم الساعة حتى يأخذ الله شريعته من أهل الأرض، فيبقى فيها عجاجة1 لا يعرفون معروفاً، ولا ينكرون منكراً".
وحدثنا عفان، حدثنا همام، عن قتادة، عن الحسن، عن عبد الله بن عمرو، يرفعه، وقال:
"حتى يأخذ الله شريعته من الناس".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 العجاجة والعجاج رعاع الناس وطغامهم.


ج / 1 ص -239- إن من البيان لسحراً
وقال الإِمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا قيس، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبيدة السلماني، عن عبد الله بن مسعود، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"إن من البيان سحراً، وشرار الناس الذين تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون قبورهم مساجد".
وهذا إسناد صحيح، ولم يخرجوه من هذا الوجه.
الساعة لا تقوم إلا على شرار الناس
وقال الإِمام أحمد: حدثنا بهز، حدثنا شعبة، حدثنا علي بن الأقمر، سمعت أبا الأحوص حدث عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس"1
ورواه مسلم، عن إبراهيم بن حرب، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث رواه مسلم 52- كتاب الفتن وأشراط الساعة حديث رقم 131.
- رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وأبو داود والطيالسي في مسنده حديث رقم 311، 439.
- وأحمد في مسنده 1- 394 – 405- 435، 2- 166 ، 198 ، 2- 220 ، 499
قبيل قيام الساعة تهدر آدمية الإنسان
وقد تقدم في الأحاديث السابقة:
"أنه تقل الرجال، وتكثر النساء، حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد يلذن به. وأنهم يتسافدون في الطرقات كما تتسافد البهائم".
وقد أوردناها بأسانيدها، وألفاظها، بما أغنى عن إعادتها ها هنا، ولله الحمد.


ج / 1 ص -240- لا تقوم الساعة على موحد
وقال الإِمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا حماد، أخبرنا ثابت عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض لا إله إلا الله"1.
ورواه مسلم، عن زهير بن حرب، عن عفان به، ولفظه:
"لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله".
قال الإِمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن ثابت، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لا تقوم الساعة على أحد يقول الله الله".
وكذا رواه مسلم، عن عبد بن حميد، عن عبد الرزاق به.
وقال أحمد: وحدثنا ابن عدي، عن حميد، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله".
وهذا إسناد ثلاثي على شرط الصحيحين، وإنما رواه الترمذي، عن بندار، عن محمد بن عبد الله بن أبي عدي، عن حميد، عن أنس، مرفوعاً، وقال: حسن، ثم رواه محمد بن المثنى، عن خالد الحارث، عن حميد، عن أنس، موقوفاً قال: وهذا أصح من الأول.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أحمد في مسنده 3- 268 ط- الحلبي.


ج / 1 ص -241- لا تقوم الساعة إلا على من لا ينكر منكراً ولا يأمر بمعروف
وفي معنى قوله صلى الله عليه وسلم:
"حتى لا يقال في الأرض الله الله".
قولان: أحدهما: أن معناه أن أحداً لا ينكر منكراً، يعني لا يزجر أحد أحداً إذا رآه قد تعاطى منكراً، وعبَّر عن ذلك بقوله: "حتى لا يقال الله الله" كما تقدم في حديث عبد الله بن عمرو. "فيبقى فيها عجاجة1 لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً".
والقول الثاني: حتى لا يذكر الله في الأرض، ولا يعرف اسمه فيها، وذلك عند فساد الزمان، ودمار نوع الإنسان، وكثرة الكفر، والفسق والعصيان، وهذا كما في الحديث الآخر:
"لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض لا إله إلا الله".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 العجاجة والعجاج طعام الناس ورعاعهم.
شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء
وكما تقدم في الحديث الآخر:
"إن الشيخ الكبير يقول: أدركت الناس وهم يقولون: لا إله إلا الله، ثم يتفاقم الأمر ويتزايد الحال، حتى يترك ذكر الله في الأرض، وينسى بالكلية، فلا يعرف فيها وأولئك شرار الناس وعليهم تقوم الساعة".
كما تقدم في الحديث:
"ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس".


ج / 1 ص -242- وفي اللفظ الآخر:
"وشرار الناس الذين تدركهم الساعة وهم أحياء".
وفي حديث عبد العزيز بن صهيب، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم:
"لا يزداد الناس إلا شحاً، ولا يزداد الزمان إلا شدة، ولا تقوم الساعة إلى على شرار الناس".
وقال الإمام أحمد: حدثنا هاشم، حدثنا إسحاق بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص، عن أبيه، عن عائشة، قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول:
"يا عائشة: قومك أسرع أمتي لحاقاً بي"، قالت: فلما جلس قلت: يا رسول الله: جعلني الله فداك، لقد دخلت وأنت تقول كلاماَ أذعرني قال: "وما هو؟" قالت: تزعم أن قومي أسرع أمتك لحاقاً بك. قال: "نعم" قالت: وعم ذاك؟ قال: "تستجلبهم المنايا". قالت: فقلت: وكيف الناس بعد ذلك؟ قال:
"دباً يأكل شداده ضعافه، حتى تقوم عليهم الساعة".
والدبا: الجنادب التي لم تنبت أجنحتها.
تفرّد به أحمد.
قرب الساعة
ذكر طرق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بعثت أنا والساعة كهاتين"
رواية عن أنس بن مالك، رضي اللّه تعالى عنه
قال الإِمام أحمد: حدثنا أبو المغيرة، حدثنا الأوزاعي، حدثنا إسماعيل


ج / 1 ص -243- ابن عبيد الله يعني بن أبي المهاجر الدمشقي قال: قدم أنس بن مالك على الوليد بن عبد الملك فسأله: ماذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم من كلام يذكر به الساعة؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"أنتم والساعة كهاتين".
تفرّد به أحمد1 من هذا الوجه.
طريق أخرى عنه
قال أحمد: حدثنا هاشم عن شعبة، عن أبي التياح، وقتادة، وحمزة، وهو ابن عمرو الضبي، أنهم سمعوا أنس بن مالك يقول عن النبي صلى الله عليه وسلم:
"بعثت أنا والساعة هكذا".
وأشار بالسبابة والوسطى، وأخرجه مسلم من حديث شعبة، عن حمزة الضبي، هذا وأبي التياح، كلاهما عن أنس به.
طريق أخرى عنه
روى الإِمام أحمد: عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن محمد بن إسحاق عن زياد بن أبي زياد المدني، عن أنس بن مالك أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"بعثت أنا والساعة كهاتين".
ومد إصبعيه السبابة والوسطى.
تفرّد به أحمد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أحمد في مسنده 3- 223.


ج / 1 ص -244- طريق أخرى
قال أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن أبي التياح، سمعت أنس بن مالك يروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"بعثت أنا والساعة كهاتين".
وبسط إصبعيه السبابة والوسطى.
وأخرجاه في الصحيحين، من حديث شعبة، عن أبي التياح يزيد بن حميد، وزاد مسلم، وحمزة الضبي، عن أنس به.
طريق أخرى
قال أحمد: حدثنا يزيد، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"بعثت أنا والساعة كهاتين".
وأشار بالوسطى والسبابة.
وأخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، من حديث شعبة به.
وفي رواية لمسلم، عن شعبة، عن قتادة، وأبي التياح، كلاهما عن أنس به، وقال الترمذي: حسن صحيح.
قال مسلم في صحيحه، حدثنا أبو غسان مالك بن عبد الواحد، حدثنا معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن معبد بن بلال العزى، عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بعثت أنا والساعة كهاتين".
تفرّد به مسلم.


ج / 1 ص -245- رواية جابر بن عبد الله رضي اللّه تعالى عنه
قال أحمد: حدثنا مصعب بن سلام، حدثنا جعفر، هو ابن محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله، قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله، وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال:
"أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وإن أفضل الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة".
ثم يرفع صوته، وتحمر وجنتاه، ويشتد غضبه، إذ ذكر الساعة، كأنه منذر جيش، ثم يقول: "أتتكم الساعة، بعثت أنا والساعة هكذا".
وأشار بإصبعه السبابة والوسطى.
"صبحتكم الساعة ومستكم".
وقد رواه مسلم، والنسائي، وابن ماجه، من طرق عن جعفر بن محمد به، وعند مسلم قال: "بعثت أنا والساعة كهاتين".
رواية سهل بن سعد رضي اللّه تعالى عنه
قال مسلم: حدثنا سعيد بن منصور، قال: حدثنا قتيبة بن سعيد، واللفظ حدثنا يعقوب، عن ابن عبد الرحمن، عن أبي حازم، أنه سمع سهلاً يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يشير بإصبعيه اللتين تليان الإِبهام، وهما السبابة والوسطى، وهو يقول:
"بعثت أنا والساعة هكذا".
تفرّد به مسلم.


ج / 1 ص -246- رواية أبي هريرة رضي اللّه تعالى عنه
قال الحافظ أبو يعلى: حدثنا أبو هشام، حدثنا أبو بكر حدثنا ابن حصين، عن ابن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"بعثت أنا والساعة كهاتين" وضم أصابعه.
وقد روى البخاري: عن يحيى بن يوسف، عن أبي بكر بن عباس، عن أبي حصين عثمان بن عاصم، عن أبي صالح ذكوان، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"بعثت أنا والساعة كهاتين".
ثم قال البخاري: وتابعه إسرائيل: ورواه ابن ماجة عن هناد بن السري، وأبو هاشم الرفاعي، عن أبي بكر بن عياش. به، وقال: وجمع بين إصبعيه:
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا، حدثنا أبو مسلم عبد الرحمن بن يونس، حدثنا سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن أبي جبيرة بن الضحاك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"بعثت في قسم الساعة".
يقول: حين بدت في أول وقتها، وهذا إسناد جيد، وليس هو في شيء من الكتب، ولا رواه أحمد بن حنبل، وإنما روي لأبي جبيرة حديث آخر في النهي عن التنابز بالألقاب.


ج / 1 ص -247- حديث في قرب يوم القيامة بالنسبة إلى ما سلف من الأزمنة
قال الإِمام أحمد: حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، أخبرني سالم بن عبد الله، أن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم على المنبر يقول:
"إنما بقاؤكم فيما سلف قبلكم من الأمم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس، أعطى أهل التوراة التوراة، فعملوا بها حتى إذا انتصف النهار عجزوا، فأعطوا قيراطاً، ثم أعطى أهل الإِنجيل الإِنجيل، فعملوا به حتى صلاة العصر، فأعطوا قيراطاً قيراطاً، ثم أعطيتم القرآن، فعملتم به حتى غربت الشمس، فأعطيتم قيراطين قيراطين، فقال أهل التوراة والإِنجيل، ربنا هؤلاء أقل عملاً وأكثر أجراً، فقال: هل ظلمتكم من أجركم من شيء قالوا: لا، قال: فذاك فضلي أوليه من أشاء".
وهكذا رواه البخاري عن أبي اليمان.
وللبخاري من حديث سفيان الثوري، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلمِ:
"إنما أجلكم في أجل من خلا من الأمم قبلكم كما بين صلاة العصر ومغرب الشمس ومثلكم ومثل اليهود والنصارى".
فذكر الحديث بتمامه وطوله.
طريق أخرى عن ابن عمر رضي اللّه تعالى عنه
قال الإِمام أحمد: حدثنا الفضل بن دكين: حدثنا شريك، قال:


ج / 1 ص -248- سمعت سلمة بن كهيل يحدث عن مجاهد، قال: كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم والشمس على قعيقعان1 بعد العصر فقال:
"ما أعماركم في أعمار من مضى إلا كما بقي من النهار فيما مضى منه" تفرّد به أحمد، وهذا إسناد حسن لا بأس به.
طريق أخرى عنه
قال أحمد: حدثنا إسماعيل بن عمر، حدثني كثير بن زيد، عن المطلب بن عبد الله، عن عبد الله بن عمر، أنه كان واقفاً بعرفات، فنظر إلى الشمس حتى نزلت مثل الترس للغروب، فبكى، واشتد بكاؤه، فقال له رجل عنده: يا أبا عبد الرحمن قد وقفت معي مراراً فلم تصنع هذا؟ فقال:
"أيها الناس لم يبق من دنياكم فيما مضى منها، إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه". تفرّد به أحمد.
طريق أخرى عن ابن عمر
قال الإِمام أحمد: حدثنا يونس بن حماد، يعني ابن عمر، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ألا إن مثل آجالكم في آجال الأمم قبلكم كما بين صلاة العصر إلى مغربان2 الشمس3".
ورواه البخاري، عن سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد به نحوه بأبسط منه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1قعيقعان: جبل بمكة المكرمة
2 مغربان الشمس حيث تغرب والمراد هنا وقت غروبها
3 رواه أحمد في مسنده "8- 276 – أحمد شاكر".


ج / 1 ص -249- وروى الحافظ أبو القاسم الطبراني، من حديث عطية العوفي، ووهب بن كيسان عن ابن عمر،
عن النبي صلى الله عليه وسلم، بنحو ذلك، وهذا كله يدل على أن ما بقي بالنسبة إلى ما مضى كالشيء اليسير، لكن لا يعلم مقدار ما بقي إلا الله عز وجل. ولم يجىء فيه تحديد يصح سنده عن المعصوم، حتى يصار إليه، ويعلم نسبة ما بقي بالنسبة إليه، ولكنه قليل جداً بالنسبة إلى الماضي، وتعيين وقت الساعة لم يأت به حديث صحيح، بل إن الآيات والأحاديث دالة على أن علم ذلك مما استأثر الله سبحانه وتعالى به، دون أحد من خلقه، كما سيأتي تقريره في أول الجزء الآتي بعد هذا، إن شاء الله تعالى، وبه الثقة وعليه التكلان.
إشارة نبوية إلى أنه لن يبقى بعد مائة سنة أحد من الموجودين على ظهر الأرض وقتذاك
فأما الحديث الذي رواه الإِمام أحمد بن حنبل رحمه الله في مسنده قائلاً، حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، حدثني سالم بن عبد الله، وأبو بكر بن أبي خيثمة أن عبد الله بن عمر قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء في آخر حياته، فلما سلم قام فقال:
"أرأيتم ليلتكم هذه؟ فإن على رأس مائة سنة لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد"، قال عبد الله: فوهل1 الناس في مقالة النبي صلى الله عليه وسلم تلك إلى ما يحدثون من هذه الأحاديث عن مائة سنة، وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحداً"، يريد بذلك أنه ينخرم2 ذلك القرن.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1وهل الناس إلى كذا: ذهب إليه وهمهم.
2 يموت أهل ذلك القرن والفرن مائة سنة.


ج / 1 ص -250- وهكذا رواه البخاري عن أبي اليمان بسنده ولفظه سواء، ورواه مسلم، عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، عن أبي اليمان الحكم، عن نافع، عن شعيب به، فقد فسّر الصحابي المراد من الحديث بما فهمه، وهو أولى بالفهم من كل أحد، من أنه صلى الله عليه وسلم يريد أنه يخرم قرنه ذلك فلا يبقى ممن هو كائن على وجه الأرض من ذلك الزمان أحد إلى مائة سنة، وقد اختلف العلماء هل ذلك خاص بذلك القرن أو عام في كل قرن لا يبقى أحد أكثر من مائة سنة. على قولين، والتخصيص بذلك القرن المبين الأول أولى، فإنه قد شوهد بعض الناس جاوز مائة سنة، وذلك في طائفة من المعمرين، كما أوردنا في التاريخ، ولكنه قليل في الناس فالله أعلم، ولهذا الحديث طرق أخر عن النبي صلى الله عليه وسلم تسليماً.
رواية جابر بن عبد الله رضي اللّه تعالى عنه
قال أحمد: حدثنا أبو النضر، حدثنا المبارك: حدثنا الحسن، عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الساعة قبل أن يموت بشهر فقال:
"تسألوني عن الساعة، وإنما علمها عند الله، والذي نفسي بيده ما أعلم اليوم نفساً يأتي عليها مائة سنة".
تفرّد به أحمد: وهذا إسناد حسن جيد. رجاله ثقات، أبو النضر هاشم بن قاسم من رجال الصحيحين، ومبارك بن فضالة حديثه عند أهل السنن، والحسن بن أبي الحسن البصري من الأئمة الثقات الكبار، وروايته مخرجة في الصحاح كلها وغيرها.
طريق أخرى عن جابر
قال الإِمام أحمد: حدثنا حجاج: قال ابن جريج، أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بشهر يقول:


ج / 1 ص -251- "تسألوني عن الساعة، وإنما علمها عند الله، وأقسم بالله ما على الأرض نفس منفوسة اليوم يأتي عليها مائة سنة".
وكذلك رواه مسلم، عن هارون بن عبد الله، وحجاج بن الشاعر، عن حجاج بن محمد الأعور، عن محمد بن حاتم، عن محمد بن أبي بكرة، كلاهما عن ابن جريج عنه.
باب قرب قيام الساعة
وقال مسلم في الصحيح:
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وأبو كريب، قالا: حدثنا أبو أسامة، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كان الأعراب إذا قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه عن الساعة، فنظر إلى أحدث إنسان منهم فقال:
"إن يعش هذا لم يدركه الهرم حتى تقوم ساعتكم".
تفرّد به مسلم رحمه الله.
قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا يونس بن محمد، عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم متى تقوم الساعة؟ وعنده غلام من الأنصار يقال له محمد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن يعش هذا الغلام فعسى أن لا يدركه الهرم حتى تقوم الساعة".
تفرّد به مسلم من هذا الوجه.
قال مسلم: وحدثني حجاج بن الشاعر، حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد يعني ابن زيد، حدثنا معبد بن بلال العربي، عن أنس بن مالك،


ج / 1 ص -252- أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: متى تقوم الساعة؟ قال: فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، ثم نظر إلى غلام بين يديه من أزد شنوءة فقال:
"إن عمر هذا لم يدركه الهرم حتى تقوم الساعة".
قال أنس: ذاك الغلام من أترابي يومئذ. تفرّد به مسلم أيضاً من هذا الوجه.
قال مسلم: حدثنا هارون بن عبد الله، حدثنا عفان بن مسلم، حدثنا همام، حدثنا قتادة، عن أنس، قال: مر غلام للمغيرة بن شعبة وكان من أقراني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
"إن يؤخر هذا فلن يدركه الهرم حتى تقوم الساعة".
ورواه البخاري، عن عمرو بن عاصم، عن همام به.
وهذه الروايات تدل على تعداد هذا السؤال والجواب، وليس المراد تحديد وقت الساعة العظمى، إلى وقت هرم ذاك المشار إليه، وإنما المراد أن ساعتهم وهو انقراض قرنهم وعصرهم قصاراه أنهى إلى مدة عمر ذلك الغلام، كما تقدم. وفي الحديث:
"تسألوني عن الساعة، فإنما علمها عند الله، وأقسم بالله ما على الأرض نفس منفوسة اليوم يأتي عليها مائة سنة".
ويؤيد ذلك رواية عائشة:
"قامت عليكم ساعتكم".
وذلك أن من مات فقد دخل في حكم القيامة فعالم البروج قريب من عالم يوم القيامة، وفيه من الدنيا أيضاً، ولكن هو أشبه بالآخرة، ثم إذا تناهت المدة المضروبة للدنيا، أمر الله بقيام الساعة، فيجمع الأولون والآخرون لميقات يوم معلوم، كما سيأتي بيان ذلك من الكتاب والسنّة وبالله المستعان.
=======================

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق