الجنة والنار عياذا بالله الواحد

حمل المصحف
9 مصاحف روابط 9 مصاحف
/ /////

الأربعاء، 28 نوفمبر 2012

النفخ في الصور من مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح

مسألة: الجزء الثامن

كتاب صفة القيامة والجنة والنار
[ 1 ] باب النفخ في الصور
الفصل الأول
5521 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " ما بين النفختين أربعون " قالوا : يا أبا هريرة ! أربعون يوما ؟ قال : أبيت ، قالوا : أربعون شهرا . قال : أبيت ، قالوا : أربعون سنة ؟ قال : أبيت " ثم ينزل من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل " قال : " وليس من الإنسان شيء لا يبلى إلا عظما واحدا ، وهو عجب الذنب ، ومنه يركب الخلق يوم القيامة " . متفق عليه . وفي رواية لمسلم ، قال : " كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب ، منه خلق ، وفيه يركب " .
الحاشية رقم: 1
[ 27 ] كتاب صفة القيامة والجنة والنار
[ 1 ] باب نفخ الصور
بضم أوله ، وهو قرن ينفخ فيه ، والمراد به النفخة الثانية ، ففي النهاية هو القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل - عليه الصلاة والسلام - عند بعث الموتى إلى المحشر .

الفصل الأول

5521 - ( عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم : " ما بين النفختين " ) أي : نفخة الصعق وهي الإماتة ، ونفخة النشور وهي الإحياء ( أربعون ) : أبهم في الحديث وبين في غيره أنه أربعون عاما ، ولعل اختيار الإبهام لما فيه من الإيهام ، ( قالوا : يا أبا هريرة ! أربعون يوما ) ؟ باستفهام مقدر ( قال : أبيت ) أي : امتنعت عن الجواب لأني لا أدري ما هو الصواب ، أو عن السؤال من صاحب المقال ; فلا أدري ما الحال ، ( قالوا : أربعون شهرا ؟ قال : أبيت ، قالوا : أربعون سنة ؟ قال : أبيت ) ، قال : القاضي رحمه الله : أي لا أدري أن الأربعين الفاصل بين النفختين أي شيء أياما أو شهورا أو أعواما ، وأمتنع عن الكذب على الرسول - صلى الله تعالى عليه وسلم - والإخبار عما لا أعلم . ( قال ) : كذا في نسخة ، والظاهر أن ضميره إليه - صلى الله تعالى عليه وسلم - ويحتمل أن يكون إلى أبي هريرة ، فيكون موقوفا ، أو التقدير : راويا عنه وناقلا منه ، وليس في الجامع لفظ قال فيه ولا فيما بعده ، ( ثم ينزل الله من السماء ماء ) أي : مطرا كالطل على ما سبق ( فينبتون ) أي : فينبت أجساد الخلق منه ( كما ينبت البقل ) ، أي : من المطر ، والظاهر أن هذا قبل النفخة الثانية كما فهم من الرواية الماضية ، فتعبيره بـ " ثم " هنا للتراخي الرتبي أي : بعدما علمت ما سبق ، فاعلم هذا فإنه أمر محقق .

( قال : وليس من الإنسان شيء ) أي : جزء من أجزائه
(لا يبلى) أي : لا يخلق ولا يرم ممن يبلى جسده ; فإن الله تعالى حرم على الأرض أن تأكل من أجساد الأنبياء ، وكذا من في معناهم من الشهداء والأولياء ، بل قيل : ومنهم المؤذنون المحتسبون فإنهم من قبورهم أحياء أو كالأحياء ،
(إلا عظما واحدا) ، ولفظ الجامع : إلا عظم واحد بالرفع على البدلية من ( شيء ) وهو واضح ، وقيل : منصوب لأنه استثناء من موجب ; لأن قوله : ليس شيء من الإنسان لا يبلى إلا عظما نفي النفي ، ونفي النفي إثبات ; فيكون تقديره كل شيء منه يبلى إلا عظما فإنه لا يبلى ، ويحتمل أن يكون منصوبا على أنه خبر ليس ; لأن اسمه موصوف ، كقولك : ليس زيد إلا قائما ، فـ " من الإنسان " حال من شيء ( وهو عجب الذنب ) : بفتح العين المهملة وسكون الجيم ، وحكى اللحياني تثليث العين مع الباء والميم ، ففيه ست لغات ، وهو العظم بين الأليتين الذي في أسفل الصلب .

قال بعض علمائنا من الشراح : المراد طول بقائه تحت التراب ، لا أنه لا يفنى أصلا ; فإنه خلاف المحسوس ، وجاء في حديث آخر : إنه أول ما يخلق وآخر ما يبلى ، ومعنى الحديثين واحد ، وقال بعضهم : الحكمة فيه أنه قاعدة بدن الإنسان وأسه الذي يبنى عليه ، فبالحري أن يكون أصلب من الجميع ، كقاعدة الجدار وأسه ، وإذا كان أصلب كان أطول بقاء .

أقول : التحقيق - والله ولي التوفيق - أن عجب الذنب يبلى آخرا ، كما شهد به حديث ، لكن لا بالكلية ، كما يدل عليه هذا الحديث ، وهو الحديث المتفق عليه ، ولا عبرة بالمحسوس ، كما حقق في باب عذاب القبر على أن الجزء القليل منه المخلوط بالتراب غير قابل لأن يتميز بالحس ، كما لا يخفى على أرباب الحس . ( ومنه يركب ) : بتشديد الكاف المفتوحة ( الخلق ) أي : سائر الأعضاء المخلوقات من الحيوانات ( يوم القيامة ) أي : كما خلق أولا في الإيجاد كذلك خلق أولا في الإعادة ، أو أبقي حتى يركب عليه الخلق ثانيا .

قال تعالى : كما بدأنا أول خلق نعيده ، وقال سبحانه : كما بدأكم تعودون . ( متفق عليه ) ، ورواه النسائي .
( وفي رواية لمسلم ) ، وكذا للبخاري ذكره السيد ، وفي الجامع رواه مسلم ، وأبو داود ، والنسائي عن أبي هريرة ، ( قال ) أي : النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - ( كل ابن آدم ) : بالرفع وفي نسخة بالنصب أي : أعضاء بدن الإنسان ، وكذا سائر الحيوان ( يأكله التراب ، إلا عجب الذنب ) أي : فإنه لا يأكله كله أو بعضه ، ( منه ) أي : من عجب الذنب ( خلق ) : بصيغة المجهول أي : ابتدئ منه خلق الإنسان أولا ( وفيه ) : وفي نسخة : منه ، وهو رواية الجامع ، وسبق أن في تأتي مرادفة لمن ( يركب ) أي : ثانيا . قال النووي - رحمه الله : هذا مخصوص فيخص منه الأنبياء ; فإن الله حرم على الأرض أجسادهم ، وهو كما صرح به في الحديث .

الأحد، 28 أكتوبر 2012

يضيف محرك بحث Google المواقع الجديدة إلى فهرس موقع الاضافة المشارك

أضف/حدّث عنوان موقعك


نقوم بإضافة وتحديث المواقع الجديدة إلى Google في كل مرة نقوم بفهرسة الإنترنت, ونحن ندعوك إلى إضافة عنوان موقعك هنا. علماً بأننا لا نقوم بإضافة جميع العناوين التي تصلنا إلى فهرسنا، ولا نستطيع أن نتوقع أو نضمن متى ستظهر أو ما إذا كانت ستظهر أم لا.
أدخل من فضلك عنوان موقعك الكامل، بما فيه //:http. مثلا: /http://www.google.com/intl/ar/. يمكنك أن تضيف أيضا تعليقات أو كلمات مفتاح تصف محتويات الصفحة. هذه المعلومات لا تُستخدم إلا لتسهيل عملنا ولا تؤثر في طريقة فهرسة الصفحة أو استعمال Google لها.
ملاحظة: يكفي فقط أن تُدخل الصفحة الرئيسية في موقعك، فلست بحاجة إلى إضافة كل الصفحات الموجودة هناك. وسيتمكن برنامجنا من إيجاد الباقي. مهم : يقوم Googleبتحديث فهرسه على أساس منتظم، لذا ليس ضروريا بعث معلومات عن ارتباط أُلغي أو لم يعد فعالا. فالارتباطات غير الفعالة سوف تتلاشى من فهرسنا عند أول تحديث له.

عنوان URL:          
تعليقات  
إزالة المحتوى من فهرس Google
يقوم Google بتحديث كامل فهرسه تلقائيا بشكل منتظم. وعندما نعالج صفحات الويب، نجد صفحات جديدة ونتخلص من الارتباطات الملغاة ونحدِّث الارتباطات تلقائيا. ويرجح جدا أن تتلاشى الارتباطات غير الفعالة من فهرسنا خلال معالجتنا التالية لصفحات الويب.
إذا أردت الحصول على معلومات إضافية حول كيفية إزالة محتويات معينة من فهرس Google من فضلك انقر هنا.


**********************

يضيف محرك بحث Google المواقع الجديدة إلى فهرسنا، ويحدث المواقع الحالية، وذلك في كل مرة نزحف فيها إلى الويب. إذا كان لديك عنوان URL جديد، فأخبرنا به هنا. فنحن لا نضيف جميع عناوين URL التي تم إرسالها إلى فهرسنا، كما أننا لا نستطيع تقديم توقعات أو ضمانات في ما يتعلق بموعد أو احتمال ظهور عناوين URL في فهرسنا.
عنوان URL: 
صورة التحدي من reCAPTCHA
الحصول على تحدٍ جديد
الحصول على تحدٍ صوتي
مساعدة

اضف موقعك










الأربعاء، 17 أكتوبر 2012

حمل برامج المكتبة الشاملة والبرامج الاسلامية

البرامج الاسلامية القيمة جدا  من مكتبة مشكاة
شرح كامل للموسوعة الشاملة الإصدار ( 2 )
تحديث الموسوعة الشاملة الأخير - الإصدار 2.11
الموسوعة الشاملة الإصدار الرسمي الثاني
الموسوعة الشاملة الإصدار الرسمي الثاني ( مفرغ ) 3.48
تحديث المؤلفين للشاملة ( 2 ) جديد
برنامج كاتب الأعداد بالحروف العربية
برنامج الشريط الإسلامي
برنامج المنتقى من الفتاوى والدروس الصوتية
برنامج مكتبة ملفات الاكروبات Pdf
ترقية الموسوعة الشاملة من الإصدار الثاني إلى الثالث(3.48) 
برنامج الموسوعة الشاملة ( الإصدار الثالث ) مفرغ
ترقية برنامج الموسوعة الشاملة من الإصدار الثالث إلى ( 3.48 )
برنامج قارئ الملفات pdf
برنامج الضغط الشهير WinZip
برنامج الضغط الشهير Winrar
عملاق التحميل Internet Download Manager
برنامج صيد الفوائد لمساعد كاتبي البحوث والقارئين في تقييد الفوائد
برنامج إحسب زكاة مالك / الإصدار الأول
برنامج فرز كتب المكتبة الشاملة
برنامج تشكيل النصوص الدرع
برنامج تفريغ الأشرطة ( الإصدار الذهبي )
برنامج لتحويل النص من الوورد إلى Pdf
قالب البحوث والرسائل/ الإصدار الثامن(نسخة مزيدة ومنقحة).
برنامج تفريغ الأشرطة ( الإصدار الثالث )
برنامج الكتب التسعة ( شركة حرف )
موسوعة المكنز للحديث الشريف
بحوث ندوة العناية بالسنة والسيرة النبوية ( 4 )
بحوث ندوة العناية بالسنة والسيرة النبوية ( 1 )
بحوث ندوة العناية بالسنة والسيرة النبوية ( 2 )
بحوث ندوة العناية بالسنة والسيرة النبوية ( 3 )
برنامج الباحث في فتاوى الشيخ الألباني
برنامج القارئ الآلي ( الإصدار الثالث )
برنامح صانع الكتب الإلكترونية ( exe ) عربي
برنامج المكتبة الإسلامية المصورة pdf
برنامج مكتبة الألباني المصورة pdf
برنامج الموسوعة الشاملة للكتب المصورة pdf
برنامج أحكام سجود السهو
برنامج البتار الإسلامي للرد على الشبهات
برنامج المستبدل الآلي 1.0 ـ تصحيح وتشكيل
برنامج التأصيل العلمي الصوتي ( الاصدار الأول )



-الامم السابقه و الكفار -موضوعات القرآن مشروع مفتوح المصدر ومفتوح البيانات

 
التصنيفات
احكام الاسلام
الامم السابقه و الكفار
الانسان
الايمان و المؤمنون
الغيب و البرزخ
القرأن
القصص والتاريخ
الله في القرأن
الكون و مخلوقات الله
جهاد و معارك و حروب
عبادات
غير مصنف
مفاسد و موبقات
سور القران
الفاتحة
البقرة
آل عمران
النساء
المائدة
الأنعام
الأعراف
الأنفال
التوبة
يونس
هود
يوسف
الرعد
إبراهيم
الحجر
النحل
الإسراء
الكهف
مريم
طه
الأنبياء
الحج
المؤمنون
النور
الفرقان
الشعراء
النمل
القصص
العنكبوت
الروم
لقمان
السجدة
الأحزاب
سبأ
فاطر
يس
الصافات
ص
الزمر
غافر
فصلت
الشورى
الزخرف
الدخان
الجاثية
الأحقاف
محمد
الفتح
الحجرات
ق
الذاريات
الطور
النجم
القمر
الرحمن
الواقعة
الحديد
المجادلة
الحشر
الممتحنة
الصف
الجمعة
المنافقون
التغابن
الطلاق
التحريم
الملك
القلم
الحاقة
المعارج
نوح
الجن
المزمل
المدثر
القيامة
الإنسان
المرسلات
النبأ
النازعات
عبس
التكوير
الانفطار
المطففين
الانشقاق
البروج
الطارق
الأعلى
الغاشية
الفجر
البلد
الشمس
الليل
الضحى
الشرح
التين
العلق
القدر
البينة
الزلزلة
العاديات
القارعة
التكاثر
العصر
الهمزة
الفيل
قريش
الماعون
الكوثر
الكافرون
النصر
المسد
الإخلاص
الفلق
الناس
.
.






موضوعات القرآن الكريم
آيات القرآن الكريم مفهرسه حسب الموضوع
مجاني - تطبيق ايات القرآن مفهرسه حسب المواضيع علي الأندرويد - انقر هنا




ايات القران التي تتكلم عن: الزكاه
اضغط علي نص الآيه لإظهار التفسير وتصنيفات الآيه، وعلي رقم الآيه للذهاب للسورة في ذات المكان

إخفاء علامات الفيس | تنزيل هذا الموضوع كملف | تنزيل كل الموضوعات كملف

البقرةيَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ
(40) وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) (البقرة)

وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83) (البقرة)

وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110) (البقرة)

لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) (البقرة)

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277) (البقرة)


المائدةوَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (12) (المائدة)


الأنعاموَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (141) (الأنعام)


التوبةفَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11) (التوبة)

إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) (التوبة)


الإسراءوَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) (الإسراء)


المؤمنونقَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11) (المؤمنون)


فصلتالَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (7) (فصلت)


الذارياتوَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) (الذاريات)


المعارجوَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) (المعارج)


المزملإِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20) (المزمل)



تصنيفات مشابه - احكام الاسلام
قصاص و حدود (40)
طاعه الله و الرسول و اولي الامر (39)
العدل و القسط و الوفاء (35)
الحكم بما انزل الله (33)
احكام و اوامر للأمه و المسلمين (31)
الزكاه (29)
الطلاق (24)
الربا (23)
احكام و اصول العلاقه الزوجيه (23)
الزنا (20)
اداب الكلام مع رسول الله محمد عليه الصلاه و السلام (19)
الاموال (18)
الزواج - النكاح (17)
الطعام (17)
وحده المؤمنين و الأعتصام بحبل الله (16)
القتل (15)
الامر بالمعروف و النهي عن المنكر و النصيحه (12)
اليتامي (12)
تغير القبله (12)
الورث و احكامه (11)
حريه الاعتقاد (8)
الارتداد (6)
الخمر (5)
الشورى (3)
كفارات (3)
الميسر (3)
الوصيه (3)
الدَين (3)
الزينه (2)
تحريم (2)
لا اكراه في الدين (2)
حلف اليمين (1)


عودة لجميع تصنيفات القرآن الكريم
موضوعات القرآن مشروع مفتوح المصدر ومفتوح البيانات، يمكنك تحميل الموقع كاملا واستضافته على الخادم الخاص بك اضغط هنا. كما يمكنك الحصول على مزيد من المعلومات حول هذا المشروع والمشاركة فيه عبر صفحتنا على سورس فورج. | website design egypt

الثلاثاء، 16 أكتوبر 2012

2 تابع -

2- واختلف العلماء فيه على أقوال أولها عليه الأكثرون والأشعري والمحققون أنه مجرد تصديق النبي عليه الصلاة والسلام فيما علم مجيئه به بالضرورة تفصيلا في الأمور التفصيلية وإجمالا في الإجمالية تصديقا جازما ولو لغير دليل حتى يدخل إيمان المقلد فهو صحيح على الأصح وما نقل عن الأشعري من عدم صحته رد بأنه كذب عليه والحاصل أن من اعتقد أركان الدين من التوحيد والنبوة ونحو الصلاة فإن جوز ورود شبهة تفسد اعتقاده فهو كافر وإن لم يجوز ذلك فهو فاسق بتركه النظر وهذا مذهب الأئمة الأربعة والأكثرين لأنه عليه الصلاة والسلام قبل الإيمان من غير تفحص عن الأدلة العقلية كذا ذكره ابن جر لكن في كونه فاسقا بتركه النظر نظر ظاهر فتدبر ثم فهم من قيد مجرد التصديق أنه لا يعتبر معه أعمال الجوارح ومن الضرورة أن ما ليس كذلك ككونه تعالى عالما بذاته أو بالعلم الذي هو صفة زائدة على الذات أو مرئيا لا يكفر منكره إجماعا ومن الجزم أن التصديق الظني لا يكفي في حصول مسمى الإيمان وثانيها أنه عمل القلب واللسان معا فقيل الإقرار شرط لإجراء الأحكام لا لصحة الإيمان فيما بين العبد وربه قال حافظ الدين النسفي وهذا 

هو المروي عن أبي حنيفة وإليه ذهب أبو منصور الماتريدي والأشعري في أصح الروايتين عنه وقيل هو ركن لكنه غير أصلي بل زائد ومن ثم يسقط عند الإكراه والعجز ولهذا من صدق ومات فجأة على الفوز فإنه مؤمن إجماعا قال بعضهم والأول مذهب المتكلمين والثاني مذهب الفقهاء والحق أنه ركن عند المطالبة به وشرط لإجراء الأحكام عند عدم المطالبة ويدل عليه قوله تعالى إنك لا تهدي من أحببت الآية القصص حيث أجمع المفسرون على أنها نزلت في أبي طالب والله أعلم بالمطالب وبهذا يلتئم القولان والخلافان لفظيان وأما ما نقل عن الغزالي من أن الامتناع عن النطق كالمعاصي التي تجامع الإيمان فهو بظاهره خلاف الإجماع فيحمل على الامتناع عند عدم المطالبة غاية ما في الباب أنه جعل الإقرار من الواجبات لا شرطا ولا شطرا وثالثها أنه فعل القلب واللسان مع سائر الأركان ونقل عن أصحاب الحديث ومالك والشافعي وأحمد والأوزاعي وعن المعتزلة والخوارج لكن المعتزلة على أن صاحب الكبيرة بين الإيمان والكفر بمعنى أنه لا يقال له مؤمن ولا كافر بل يقال له فاسق مخلد في النار والخوارج على أنه كافر وأهل السنة على أنه مؤمن فاسق داخل تحت المشيئة لقوله تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشار النساء قالوا لا تظهر المغايرة بين قول أصحاب الحديث وبين سائر أهل السنة لأن امتثال الأوامر واجتناب الزواجر من كمال الإيمان اتفاقا لا من ماهيته فالنزاع لفظي لا على حقيقته وكذلك اختلافهم في نقصان الإيمان وزيادته وكذا اقتران الإيمان بالمشيئة وكذا الاختلاف في أن الإيمان مخلوق أو غير مخلوق وكذا التفضيل بين الملك والبشر ومحل بسط هذا المرام كتب الكلام الفصل الأول عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال بينما نحن عند رسول الله ذات يوم إذ طلع علينا رجل أصله بين فأشبعت الفتحة فقيل بينا وزيدت ما فقيل بينما وهما ظرفا زمان بمعنى المفاجأة ويضافان إلى الجملة الاسمية تارة وإلى الفعلية أخرى ويكون العامل معنى المفاجأة في إذ فمعنى الحديث وقت حضورنا في مجلس رسول الله فاجأنا وقت طلوع ذلك الرجل فبينا ظرف لهذا المقدر وإذ مفعول به بمعنى الوقت كما قال صاحب

الكشاف في قوله تعالى وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون الزمر أي وقت ذكر الذين من دونه فوجئوا وقت الاستبشار فنحن مبتدأ وعند ظرف مكان وذات يوم ظرف لقوله عند باعتبار أن فيه معنى الاستقرار أي بين أوقات نحن حاضرون عنده فنحن مخبر عنه بجملة ظرفية والمجموع صفة المضاف إليه المحذوف وزيادة ذات لدفع توهم التجوز بأن يراد باليوم مطلق الزمان لا النهار كما في قولك رأيت ذات زيد وقيل ذات مقحم وقيل بمعنى الساعة وقيل بين يضاف إلى متعدد لفظا كقولك جلست بين القوم أو معنى كقولك جئت بين العشاءين وإذا قصد إضافته إلى جملة يزاد ألف أو ما عوضا عن الأوقات التي تقتضيها بين وقيل فائدة المزيدتين إنما هي التهيؤ لدخول الجملتين ويجوز دخول إذ في جوابه كما في الحديث الصحيح ويجوز تركه كما في الشعر الفصيح وبينا نحن نرقبه أتانا وجاء في طريق بينما نحن عند رسول الله في آخر عمره والحكمة في تأخير مجيئه إلى ما بعد إنزال جميع الأحكام تقرير أمور الدين التي بلغها متفرقة في مجلس واحد لتغبط وتضبط وقيل مجيئه كان في السنة العاشرة قبيل حجة الوداع وسبب الحديث ما في مسلم أنه قال سلوني فهابوا أن يسألوه فجاءه جبريل ووقع في رواية ابن منده بينا رسول الله يخطب أي يعظ إذ جاء رجل وفي رواية للبخاري كان رسول الله يوما بارزا للناس وفي أخرى لأبي داود كان عليه الصلاة والسلام يجلس بين أصحابه فيجيء الغريب فلا يدري أيهم هو حتى يسأل فطلبنا إلى رسول الله أن يجعل لنا مجلسا يعرفه الغريب إذا أتاه قال فبنينا له دكانا أي دكة من طين يجلس عليه وكنا نجلس بجنبه واستنبط منه القرطبي أنه يسن للعالم الجلوس بمحل مرتفع مختص به إذا احتاج إليه للتعظيم ونحوه ثم الطلوع بمعنى الظهور من كمال النور مستعار من طلعت الشمس وفيه إيماء إلى كمال عظمته وعلو مرتبته والتنوين في رجل للتعظيم ويحتمل التنكير لأن الراوي حين روايته وإن كان عارفا بأنه جبريل لكنه حكى الحال الماضية كما يعلم من قوله لا يعرفه منا أحد وفيه دليل على أن الملك له أن يقتدر بقدرة الله تعالى على التشكل بما شاء قال الله تعالى فتمثل لها بشرا سويا مريم والحكمة في اختيار شكل البشر الإستئناس لأن الجنسية علة الضم فالمعنى رجل في الصورة إذ هو جبريل كما عبر به في رواية وما وقع في رواية النسائي من أن جبريل نزل في صورة دحية الكلبي معلول بأنه وهم من راويه لقول

عمر الآتي ولا يعرفه منا أحد نعم كان غالبا يتمثل بصورة دحية لكمال جماله شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر بإضافة شديد إلى ما بعده إضافة لفظية مفيدة للتخفيف فقط صفة رجل واللام في الموضعين عوض عن المضاف إليه العائد إلى الرجل أي شديد بياض ثيابه شديد سواد شعره وفي نسخة بالتنوين في الصفتين المشبهتين ورفع ما بعدهما على الفاعلية وفيه استحباب البياض والنظافة في الثياب وأن زمان طلب العلم أوان الشباب لقوته على تحمل أعبائه وقدرته على تعمل أدائه وقدم البياض على السواد لأنه خير الألوان ومحيط بالأبدان ولئلا يفتتح بغتة بلون متوحش وجمع الثياب دون الشعر إشعارا بأن جميعها كذلك وفي رواية ابن حبان شديد سواد اللحية وبها يتبين محل الشعر المذكور في الحديث المشهور والشعر بفتحتين أفصح من سكون الثاني ويضم معه مراعاة للسجع في قوله لا يرى عليه أثر السفر روي بصيغة المجهول الغائب رفع الأثر وهو رواية الأكثر والأشهر وروي بصيغة المتكلم المعلوم ونصب الأثر والجملة حال من رجل أو صفة له والمراد بالآثار ظهور التعب والتغير والغبار والسفر مأخوذ من السفر وهو الكشف لأنه يكشف أحوال الرجال وأخلاقهم عند مباشرة الأعمال ولا يعرفه عطف على ما قبله منا أي من الحاضرين في المجلس قدم للإهتمام على قوله أحد وقال أبو الفضائل علي بن عبدالله بن أحمد المصري المشتهر بزين العرب في شرحه للمصابيح أي من الصحابة وإلا فالرسول قد عرفه وقال السيد جمال الدين قد جاء صريحا في بعض الروايات أن النبي لم يعرفه حتى غاب جبريل كما أفاده الشيخ ابن حجر العسقلاني في شرحه للبخاري والمعنى تعجبنا من كيفية إتيانه وترددنا في أنه من الملك أو من الجن إذ لو كان بشرا من المدينة لعرفناه أو كان غريبا لكان عليه أثر السفر فإن قيل كيف علم عمر أنه لم يعرفه أحد منهم أجيب بأنه يحتمل أنه استند في ذلك إلى ظنه أو إلى صريح قول الحاضرين والثاني أولى فقد جاء كذلك في رواية عثمان بن غياث فنظر القوم بعضهم إلى بعض فقالوا ما نعرف هذا كذا قاله الشيخ ابن حجر العسقلاني حتى جلس غاية لمحذوف دل عليه طلع أوله لأنه بمعنى أتى أي أقبل واستأذن وفي مسند الإمام الأعظم عن حماد عن علقمة عن ابن مسعود قال جاء جبريل إلى النبي في صورة شاب عليه ثياب بياض فقال السلام عليك يا رسول الله فقال رسول الله وعليك السلام فقال يا رسول الله أدنو فقال أدن فالتقدير دنا حتى جلس متوجها أي مائلا إلى النبي والجلوس والقعود مترادفان وما ذكره التوربشتي وغيره أن القعود استعماله مع القيام والجلوس مع الإضطجاع محمول على أنه الأصل أو الغالب وفي رواية حتى برك بين يدي النبي كما يجلس أحدنا للصلاة وقول زين العرب أي جلس إلى جانبه أو معه لا يلائمه قوله

فأسند ركبتيه إلى ركبتيه أي ركبتي رسول الله لأن الجلوس على الركبة أقرب إلى التواضع والأدب وإيصال الركبة بالركبة أبلغ في الإصغاء وأتم في حصول حضور القلب وأكمل في الإستئناس وألزم لمسارعة الجواب ولأن الجلوس على هذه الهيئة يدل على شدة حاجة السائل وإذا عرف المسؤول حاجته وحرصه اعتنى وبادر إليه ووضع كفيه أي كفي الرجل على فخذيه بفتح فكسر وفي القاموس الفخذ ككتف ما بين الساق والورك مؤنث كالفخذ ويكسر أي فخذي الرجل وهو المناسب لهيئة المتعلم بين يدي المعلم أو على فخذي النبي كما في رواية النسائي وغيره ثم وضع يديه على ركبتي النبي على ما بينه الشيخ ابن حجر العسقلاني وهو الملائم للتقرب لديه والإصغاء إليه وقصر النظر عليه وقال يا محمد قيل ناداه باسمه إذ الحرمة تختص بالأمة في زمانه أو مطلقا وهو ملك معلم ويؤيده قوله تعالى لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا النور إذ الخطاب للآدميين فلا يشمل الملائكة إلا بدليل أو قصد به المعنى الوصفي دون المعنى العلمي ولم أر من ذكره وأما ما ورد في الصحاح من نداء بعض الصحابة باسمه فذاك قبل التحريم وقيل آثره زيادة في التعمية إذ كانوا يعتقدون أنه لا يناديه به إلا العربي الجلف ويحتمل أن يكون هذا قبل تحريم ندائه باسمه قيل ولم يسلم مبالغة في التعمية أو بيانا أنه غير واجب أو سلم ولم ينقله الراوي وهو الصحيح لما سبق من رواية الإمام ومن حفظ حجة على من لم يحفظ ومن ذكره مقدم على من سكت عنه لأن معه زيادة علم نعم في رواية قال السلام عليك يا محمد والجمع بأنه جمع بين اللفظين فقال السلام عليك يا محمد السلام عليك يا رسول الله ووقع عند القرطبي أنه قال السلام عليكم يا محمد وأخذ منه أنه يسن للداخل أن يعم بالسلام ثم يخص من شاء بالكلام قال شيخ الإسلام في فتح الباري والذي وقفت عليه في الرواية إنما فيه الإفراد وهو السلام عليك يا محمد أقول وعلى تقدير ثبوته الظاهر من إيراد الجمع إرادة التعظيم لا قصد التعميم فكأن القرطبي جعله نظيرا لقوله تعالى يا أيها النبي إذا طلقتم النساء الطلاق في كون الخطاب خاصا والحكم عاما أخبرني أي أعلمني وصيغة الأمر للإستدعاء لما تقرر أن الرسول أفضل من الملائكة العلوية عن الإسلام وهو لغة الإنقياد مطلقا وشرعا الإنقياد الظاهر بشرط انقياد الباطن المعبر عنه بالإيمان لقوله تعالى قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم الحجرات واللام فيه للحقيقة الشرعية ولذلك أجاب عنه بالأركان الخمسة الإسلامية ثم أعلم أن السؤال عن الإسلام وجوابه مقدم على الإيمان وجوابه في صحيح مسلم وكتاب الحميدي وجامع الأصول ورياض الصالحين وشرح السنة بخلاف المصابيح فإنه قدم فيه

الإيمان والتصديق وإن كان مقدما لأنه أساس قاعدة الإسلام لكن المقام يقتضي تقديم الإسلام لأنه دليل على التصديق وما جاء جبريل عليه السلام إلا لتعليم الشريعة وهو عليه الصلاة والسلام كان يحكم بالظاهر على مقتضى الحكم التدريجية فيبدأ بما هو الأهم ويترقى من الأدنى إلى الأعلى فيكون الإسلام مقدما على الإيمان والإيمان على الإخلاص المعبر عنه بالإحسان وجاء في رواية للبخاري بتأخير الإسلام عن الإيمان لكن عن أبي هريرة لا عن عمر ففي إيراد الحديث بهذا اللفظ اعتراض فعلي من صاحب المشكاة على البغوي في المصابيح وفي رواية بتوسط الإحسان بينهما فقيل إشارة إلى أن محله القلب فذكر في القلب والأظهر أن وجه التوسط أن له تعلقا بكل من الطرفين وقال جماعة من المحققين إن هذا التقديم والتأخير من الرواة لأن القضية واحدة فكان الواقع أمرا واحدا عبر الرواة عنه بأساليب مختلفة قال الإسلام أعاده ووضعه موضع ضميره إرادة لوضوحه أن تشهد أي أيها المخاطب خطابا عاما ولم يقل تعلم لأن الشهادة أبلغ في الإنكشاف من مطلق العلم ومن ثم لم يكف أعلم عن أشهد في أداء الشهادة وأن مصدرية والتقدير الإسلام شهادة أن وهي مخففة من المثقلة أي أنه والضمير للشأن لا إله لا هي النافية للجنس على سبيل التنصيص على نفي كل فرد من أفراده إلا الله قيل خبر لا والحق أنه محذوف والأحسن فيه لا إله معبود بالحق في الوجود إلا الله ولكون الجلالة اسما للذات المستجمع لكمال الصفات وعلما للمعبود بالحق قيل لو بدل بالرحمن لا يصح به التوحيد المطلق ثم قيل التوحيد هو الحكم بوحدانية الشيء والعلم بها وإصطلاحا إثبات ذات الله بوحدانيته منعوتا بالتنزه عما يشابهه اعتقادا فقولا وعملا فيقينا وعرفانا فمشاهدة وعيانا فثبوتا ودواما قال الغزالي للتوحيد لبان وقشران كاللوز فالقشرة العليا القول باللسان المجرد والثانية الإعتقاد بالقلب جازما واللب أن ينكشف بنورالله سر التوحيد بأن يرى الأشياء الكثيرة صادرة عن فاعل واحد ويعرف سلسلة الأسباب مرتبطة بمسبباتها ولب اللب أن لا يرى في الوجود إلا واحدا ويستغرق في الواحد الحق غير ملتفت إلى غيره وأن محمدا رسول الله إيماء إلى النبوة وهما أصلان متلازمان في إقامة الدين ضرورة توقف الإسلام على الشهادتين وظاهر الحديث يؤيد من قال الإقرار شرط لإجراء الأحكام عليه وفي رواية البخاري أن تعبد الله أي توحده ولا تشرك به شيئا أي من الأشياء أو الإشراك قال المحققون مجرد التوحيد هو الإحتجاب بالجمع عن التفصيل وهو محض الجبر المؤدي إلى الإباحة ومجرد إسناد القول والفعل إلى الرسول وسائر الخلق احتجاب بالتفصيل عن الجمع الذي هو صرف القدرة المؤدي إلى التعطيل أو الثنوية والجمع بينهما هو الحق المحض قال في العوارف الجمع اتصال لا يشاهد

صاحبه إلا الحق فمن شاهد غيره فما ثم جمع والتفرقة شهود لما شاهد بالمباينة فقوله آمنا بالله جمع وما أنزل إلينا البقرة تفرقة ا ه وكذا قوله إياك نعبد تفرقة وإياك نستعين الفاتحة جمع والأول رد على الجبرية والثاني حط على القدرية وقال الجنيد القرب بالوجد جمع وغيبته في البشرية تفرقة وكل جمع بلا تفرقة زندقة وكل تفرقة بلا جمع تعطيل وحسبنا الله ونعم الوكيل وتقيم أي وأن تقيم الصلاة أي المعهودة شرعا وفي رواية لمسلم المكتوبة تنبيها على أن النافلة وإن كانت من الإسلام لكنها ليست من أركانه يعني بأن تؤديها وتحفظ شروطها وتعدل أركانها وتداوم عليها ولذا لم يقل وتصلي وتؤتي الزكاة أي وأن تعطيها وفيه إشارة إلى أنه لا بد فيها من التمليك وهي مأخوذة من زكى بمعنى طهر ونما وهو اسم للقدر المخرج من النصاب لأنه يظهر المخرج أو المخرج عنه ويزيد البركة وفي رواية للبخاري ومسلم تقييدها بالمفروضة والظاهر أنها للتأكيد وتصوم بالنصب رمضان أي في شهره وفيه جواز ذكره بلا كراهة من غير ذكر شهر وهو المعتمد وهو من رمض إذا احترق من الرمضاء فأضيف إليه الشهر وسمى به لإرتماضهم من حر الجوع أو من حرارة الزمان الذي وقع فيه أو لأنه تحترق به الذنوب وتنمحي به العيوب أو لأنه تزول معه حرارة الشهوات والصوم لغة الإمساك وشرعا إمساك مخصوص بوصف مخصوص وتحج البيت أي الحرام فأل فيه للعهد أو هو اسم جنس غلب على الكعبة علما واللام فيه جزء كما في النجم والحج لغة القصد أو تكراره مطلقا أو إلى معظم وشرعا قصد بيت الله في وقت معين بشرائط مخصوصة إن استطعت إليه أي إلى البيت أو إلى الحج أي إن أمكن لك الوصول إليه بأن وجدت زادا وراحلة كما في حديث صححه غير واحد سبيلا تمييز عن نسبة الإستطاعة فأخر عن الجار ليكون أوقع وهي الطريق الذي فيه سهولة وتستعمل في كل ما يتوصل به إلى شيء وتنكيره للعموم إذ النكرة في الإثبات قد تفيد العموم كما ذكره الزمخشري في قوله تعالى علمت نفس لكنه مجاز وتقديم إليه عليه للإختصاص أي سبيلا ما على أي وجه كان قريبا أو بعيدا ونحوهما بشرط اختصاص انتهائه إليه لا إلى غيره وقيل سبيلا مفعول بمعنى موصل أو مبلغ قال الشافعي إنه بالمال وأوجب الإستنابة على الزمن الغني وقال مالك إنه بالبدن فيجب على من قدر على المشي والكسب في الطريق وقال أبو حنيفة إنه بمجموع الأمرين ثم الإستطاعة هي القدرة من طاع لك إذا سهل يطلق على سلامة الأسباب وصحة الآلات وهي قد تتقدم على الفعل وعلى غرض في الحيوان يفعل به الأفعال الإختيارية ولا يكون إلا مع الفعل وهي كما فسرت استطاعة خاصة بالمعنى الأول فلا يرد ما قيل إن الإستطاعة التي بها يتمكن المكلف من فعل العبادة مشروطة في الكل فكيف خص الحج بها قال الطيبي فإن قلت كيف خص الحج بالإستطاعة دون سائر الأركان الإسلامية مع أن

الإستطاعة التي بها يتمكن المكلفون من فعل الطاعة مشروطة في الكل أجيب بأن المعنى بهذه الإستطاعة الزاد والراحلة وكان طائفة لا يعدونها منها ويثقلون على الحاج فنهوا عن ذلك أو علم الله تعالى أن ناسا في آخر الزمان يفعلون ذلك فصرح تسهيلا على العباد ومع ذلك ترى كثيرا من الناس لا يرفعون لهذا النص الجلي رأسا ويلقون أنفسهم بأيديهم إلى التهلكة أقول ولعل في هذا حكمة وهي أن تكون حجة على الأغنياء التاركين للحج رأسا مع أن الله تعالى أعطاهم مالا وأثاثا وإيراد الأفعال المضارعية لإفادة الإستمرار التجددي لكل من الأركان الإسلامية ففي التوحيد المطلوب الإستمرار الدائم مدة الحياة وفي الصلاة دونه ثم في الصوم والزكاة دونها وقدم الصوم لتعلقه بجميع المكلفين وأخر ما وجب في العمرة مرة وفي فتح الباري فإن قيل السؤال عام لأنه سئل عن ماهية الإسلام والجواب خاص بقوله أن تعبد وتشهد وكذا قال في الإيمان أن تؤمن وفي الإحسان أن تعبد فالجواب أن ذلك لنكتة الفرق بين المصدر وأن والفعل لأن أن والفعل يدل على الإستقبال والمصدر لا يدل على الزمان على أن في رواية قال شهادة أن لا إله إلا الله ا ه وقيل الأولى في الجواب أن يقال القصد التعليم وهو إنما يتعلق بالأمور المستقبلة فلذلك عدل عن المصدر المناسب للسؤال إلى ما يدل على الإستقبال ويسنح بالبال والله أعلم بحقيقة الحال أن العدول عن المصدر المفيد للعلم إلى المضارع المقتضي للعمل إيماء إلى أنه لا يكفي مجرد المعرفة من غير أن يخرج من القوة إلى الفعل وبنحو هذا العدول يعلم بلوغ بلاغته إلى أعلى الغايات وأعلى النهايات ووقع في رواية حذف الحج وفي أخرى حذف الصوم وفي أخرى الإقتصار على الشهادتين وفي أخرى على الصلاة والزكاة ولا تخالف لأن بعض الرواة ضبط ما لم يضبطه غيره ذهولا أو نسيانا كذا قيل أو يقال لكل وجهة فحذف الحج لأن وجوبه نادر وفي العمر مرة وحذف الصوم اكتفاء بذكر الصلاة فإن كلا منهما عبادة بدنية والإقتصار على الشهادتين لأنهما أساس الإسلام وعلى الصلاة والزكاة لأنهما عمدة العبادة البدنية والمالية والمقصود ظاهر الطاعة والإنقياد والعبادة لا استيفاء أفرادها وإن كانت الخمسة هي معظم أركانها فالمراد بذكر بعضها مثلا هو التنبيه على بقيتها ولذا ورد في رواية وتعتمر وتغتسل من الجنابة وتتم الوضوء فيحمل الإختلاف اللفظي على التحديث المعنوي ثم أعلم أن لكل من تلك الأركان ظاهرا تبين أحكامه في الكتب الفقهية وباطنا من حقائق وأسرار ذكرها أرباب القلوب الأمناء لأسرار الغيوب فنحن نذكر نبذة منها أما التوحيد فهو ظهور فناء الخلق بتشعشع أنوار الحق وله مراتب كما ذكره ذوو المناقب

الأولى التوحيد النظري إن علم بالإستدلال أو التقليدي إن اعتقد بمجرد تصديق المخبر الصادق وسلم القلب من الشبهة والحيرة والريب وهو أن يعتقد أن الله متفرد بوصف الألوهية متوحد باستحقاق العبودية به يحقن الدماء والأموال ويتخلص من الشرك الجلي في الأحوال الثانية التوحيد العلمي وهو أن يصير العبد بخروجه من غشاوة صفاته وخلاصه من سجن ظلمات ذاته وانسلاخه عن لباس الإختيار حيران في أنوار عظمة الجبار ولهان تحت سبحات سطوات الأنوار فيعرف أن الموجد المحقق والمؤثر المطلق هو الله تعالى وأن كل ذات فرع من نور ذاته وكل صفة من علم وقدرة وإرادة وسمع وبصر عكس من أنوار صفاته وأثر من آثار أفعاله ومنشؤه نور المراقبة وهو دون المرتبة الحالية لكن مزاجه من تسنيم عينا يشرب بها المقربون وعند ذلك ينفى من الظلمة الوجودية ويرتفع بعض من الشرك الخفي الثالثة التوحيد الحالي وهو أن يصير التوحيد وصفا لازما لذات الموحد بتلاشي ظلمات رسوم وجود الغير إلا قليلا في غلبة إشراق أنوار التوحيد واستتار نور حاله في نور علم التوحيد كاستتار نور الكواكب في نور الشمس فلما استنار الصبح أدرج ضوءه نور الكواكب واستغراقه في مشاهدة جمال وجود الواحد بحيث لا يظهر عند شهوده إلا ذات الواحد ويرى التوحيد صفة الواحد لا صفته بل لا يرى ذلك قال الجنيد التوحيد معنى يضمحل فيه الرسوم ويندرج فيه العلوم ويكون الله كما لم يزل الرابعة التوحيد الإلهي وهو أن الله تعالى كان في الأزل موصوفا بالواحدانية في الذات والأحدية في الصفات كان ولم يكن معه شيء والآن كما كان كل شيء هالك إلا وجهه القصص ولم يقل يهلك لأن عزة وحدانيته لم تدع لغيره وجودا وفي هذا المعنى أنشد العارف الأنصاري لنفسه شعرا ما وحد الواحد من واحد إذ كل من وحده جاحد توحيد من ينطق عن نعته عارية أبطلها الواحد توحيده إياه توحيده ونعت من ينعته لاحد وأما الصلاة فقد قيل كان لرسول الله معراجان معراج في عالم الحس من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ثم إلى عالم الملكوت ومحل الملأ الأعلى ومعراج في عالم الأرواح من الشهادة إلى الغيب ومن الغيب إلى غيب الغيب فلما أراد أن يرجع قال الرب تبارك وتعالى المسافر إذا عاد إلى وطنه أتحف أصحابه وإن تحفة أمتك الصلاة الجامعة بين المعراجين الجسماني بالآداب والأفعال والروحاني بالأذكار والأحوال ولهذا ورد الصلاة معراج المؤمن وأما الصوم فصوم الشريعة منافعه أكثر من أن تحصى ولو لم يكن إلا التشبه بالملأ الأعلى لكفى به فضلا وصوم الطريقة فهو الإمساك عن الأكوان والإفطار بمشاهدة الرحمن

صمت عن غيره فلما تجلى كان لي شاغل عن الإفطار وأما الزكاة فهي إشارة إلى تزكية أحوال الظاهر والباطن بترك الأموال وصرفها إلى أسباب الوصول إلى الأحوال وتخلية القلب عن الأغيار وتخلية الروح لظهور تجليات الأنوار وأما الحج فهو إشارة إلى وجوب زيارة بيت الجليل على الخليل إن استطاع إليه السبيل بأن وجد شرائط السلوك وإمكانه وآداب السفر وأركانه وهي الإحرام بالخروج عن الرسوم والعادات والتجرد عن المألوفات والتوجه إلى الله تعالى بصفاء الطويات والوقوف بعرفات المعرفة والعكوف على عتبة جبل الرحمة والطواف بالخروج عن الأطوار السبعية بالأطواف السبعية حول كعبة الربوبية والسعي بين صفا الصفات ومروة المروات والحلق بمحو آثار العبودية بموسى الأنوار الإلهية وقس عليه سائر المناسك ولله در القائل الناسك يا من إلى وجهه حجي ومعتمري إن حج قوم إلى ترب وأحجار لبيك لبيك من قرب ومن بعد سرا بسر وإضمارا بإضمار قال صدقت دفعا لتوهم أن السائل ما عده من الصواب وحملا للسامعين على حفظ الجواب فعجبنا له أي للسائل يسأله ويصدقه التعجب حالة للقلب تعرض عند الجهل بسبب الشيء فوجه التعجب أن السؤال يقتضي الجهل غالبا بالمسؤول عنه والتصديق يقتضي علم السائل به لأن صدقت إنما يقال إذا عرف السائل أن المسؤول طابق ما عنده جملة وتفصيلا وهذا خلاف عادة السائل ومما يزيد التجعب أن ما أجابه لا يعرف إلا من جهته وليس هذا الرجل ممن عرف بلقائه فضلا عن سماعه منه وفي رواية لما سمعنا قول الرجل صدقت أنكرناه وفي رواية أخرى أنظروا هو يسأله ويصدقه كأنه أعلم منه وفي أخرى ما رأينا رجلا مثل هذا كأنه يعلم رسول الله يقول له صدقت صدقت قيل هو من صنيع الشيخ إذا امتحن المعيد عند حضور الطلبة ليزيدوا طمأنينة وثقة في أنه يعيد الدرس ويلقي المسألة من الشيخ بلا زيادة ونقصان وفيه نسخة من قوله تعالى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى النجم قال فأخبرني عن الإيمان وفي رواية ما الإيمان واستشكلت بأن ما للسؤال عن الماهية فالجواب غير مطابق ورد بأنه عليه الصلاة والسلام علم منه أنه إنما سأل عن متعلقات الإيمان لأنها الأحق بالتعليم ولأن التصديق في ضمنها والأظهر أنه لا فرق بين الروايتين والمطابقة حاصلة في الجهتين لأن الإيمان في قال أن تؤمن أريد به المعنى اللغوي وقيل المعنى الشرعي حتى لا يكون تفسير الشيء بنفسه ولا يكون الدور في تعريفه وقول الطيبي أي تعترف ولذا عدي بالباء فيه أن الإعتراف من أجزاء الإسلام فالتحقيق أن الإيمان هنا بمعنى التصديق وهو يتعدى بالباء ففي

القاموس آمن به إيمانا أي صدقه نعم لو ضمن معنى الإعتراف لكان حسنا ويكون التقدير أن تصدق معترفا أو تعترف مصدقا فيفيد كون الإقرار شطرا أو شرطا قيل والحديث يدل على مغايرة العمل للإيمان فإنه أجاب عن الإسلام ثم عن الإيمان وجعله تصديقا بالله أي بتوحيد ذاته وتفريد صفاته وبوجوب وجوده وبثبوت كرمه وجوده وسائر صفات كماله من مقتضيات جلاله وجماله قيل الصفة إما حقيقية لا يتوقف تصورها على شيء كالحياة أو إضافية يتوقف على ذلك كالوجوب والقدم أو وجودية وهي صفات الإكرام أو سلبية وهي صفات الجلال وتنحصر الوجودية في ثمانية نظمها الشاعر في قوله حياة وعلم قدرة وإرادة كلام وإبصار وسمع مع البقا قال ابن الصلاح هذا الحديث بيان أصل الإيمان وهو التصديق والإسلام وهو الإنقياد وحكم الإسلام يثبت بالشهادتين وإنما أضاف إليهما الأعمال المذكورة لأنها أظهر شعائره ثم قيل الإيمان قد يطلق على الإسلام كما في حديث عبد قيس واسم الإسلام يتناول أصل الإيمان وهو التصديق والطاعات فإن كل ذلك استسلام فعلم أنهما يجتمعان ويفترقان وإن كل مؤمن مسلم من غير عكس وهذا التحقيق موافق لمذهب جماهير العلماء ا ه والمشهور أنهما مترادفان في الشرع نقله ابن عبد البر عن الأكثرين لأن انقياد الظاهر لا ينفع بدون انقياد الباطن وكذا العكس والحق أن الخلاف لفظي لأن مبنى الأول على الحكم الدنيوي ومدار الثاني على الأمر الأخروي أو الأول بناؤه على اللغة والثاني مداره على الشريعة وصنف في المسألة إمامان كبيران وأكثرا من الأدلة على أنهما متغايران أو مترادفان وتكافآ في ذلك وقيل التحقيق أنهما مختلفان باعتبار المفهوم متحدان في الما صدق والله أعلم ثم التصديق إذعان النفس وقبولها بما يجب قبوله وهو تقليدي وتحقيقي والتحقيقي إما استدلالي أو ذوقي والذوقي إما كشفي واقف على حد العلم أو الغيب أو غيبي غير واقف عليه والغيبي إما مشاهدة أو شهود والأول هو الإعتقاد الجازم المطابق الممتنع الزوال والثاني الإعتقاد الجازم الثابت بالبرهان والثالث الممتنع الزوال الثابت بالوجدان والثلاثة مراتب الإيمان بالغيب والأخيران علم اليقين والرابع هو المشاهدة الروحانية مع بقاء الأثنينية ويسمى عين اليقين والخامس هو الشهود الحقاني عند تجلي الوحدة الذاتية وزوال الأثنينية ويسمى حق اليقين هذا وإن للإيمان وجودا غيبيا ووجودا لفظيا أما الأول فهو ما أشار إليه الشيخ الكبير أبو عبد الله الشيرازي في معتقده من أنه نور يقذف في القلب من نور الذات ومعناه أن أصله نور يقذفه الحق من ملكوته إلى قلوب عباده فيباشر أسرارهم وهو

متصل بالحضرة ثابت في قلوبهم فإذا انكشف جمال الحق له ازداد ذلك النور فيتقوى إلى أن ينبسط وينشرح الصدر ويطلع العبد على حقائق الأشياء ويتجلى له الغيب وغيب الغيب ويظهر له صدق الأنبياء وينبعث من قلبه داعية الاتباع فينضاف إلى نور معرفته أنوار الأعمال والأخلاق نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء وذلك القذف والكشف يتعلق بمراد الله في أحايين نسيم الصفات لا يقدر على كسبه نعم شرائطه مكتسبة وأما الوجود الذهني فملاحظة ذلك النور ومطالعته بالتصديق وأما الوجود اللفظي فهو الشهادتان وكما أن إيمان العوام هو التصديق بالجنان والإقرار باللسان والعمل بالأركان فإيمان الخواص عزوب النفس من الدنيا وسلوكه طريق العقبى وشهود القلب مع المولى وإيمان خواص الخواص ملازمة الظاهر والباطن في طاعة الله وإنابة الخلق إلى الفناء في الله وإخلاص السر للبقاء بالله ذوقنا الله وملائكته جمع ملأك وأصله مألك بتقديم الهمزة من الألوكة وهي الرسالة قدمت اللام على الهمزة وحذفت الهمزة بعد نقل حركتها إلى ما قبلها فصار ملك ولما جمعت ردت الهمزة وقيل قلبت ألفا وقدمت اللام وجمع على فعائل كشمأل وشمائل ثم تركت همزة المفرد لكثرة الإستعمال وألقيت حركتها إلى اللام والتاء لتأنيث الجمع أو مزيدة لتأكيد معناه أطلقت بالغلبة على الجواهر العلوية النورانية المبرأة عن الكدورات الجسمانية وهي وسائط بين الله وبين أنبيائه وخاصة أصفيائه وقال بعضهم هي أجسام لطيفة نورانية مقتدرة على تشكلات مختلفة يجوز عليهم الصعود والنزول والتسبيح لهم بمنزلة النفس منا فمشقة التكليف منتفية والمعنى نعتقد بوجودهم تفصيلا فيما علم اسمه منهم ضرورة كجبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل وإجمالا في غيرهم وأنهم عباد مكرمون يسبحون الليل والنهار لا يفترون ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون وأن منهم كراما كاتبين وحملة العرش المقربين وأن لهم أجنحة مثنى وثلاث ورباع وأنهم منزهون عن وصف الأنوثة والذكورة وأما كون الرسل أفضل منهم أو هم فلا يجب اعتقاد أحدهما فإن المسألة ظنية فإن قلت ما الموجب لدخول الإيمان بها في مفهوم الإيمان الصحيح مع أن المقصود بالذات معرفة المبدأ والمعاد فأجيب بأن الناس ينقسم إلى فطن يرى المعقول كالمحسوس ويدرك الغائب كالمشاهد وهم الأنبياء وإلى من الغالب عليهم متابعة الحس ومتابعة الوهم فقط وهم أكثر الخلائق فلا بد لهم من معلم يدعوهم إلى الحق ويذودهم عن الزيغ المطلق ويكشف لهم المغيبات ويحل عن عقولهم الشبهات وما هو إلا النبي المبعوث لهذا الأمر وهو وإن كان مشتعل القريحة يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار يحتاج إلى نور يظهر له الغائب وهو الوحي والكتاب ولذلك سمي القرآن نورا ولا بد له من حامل وموصل وهو الملك المتوسط وإليه الإشارة بقوله إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا الجن فالمراد لا يصير مؤمنا إلا إذا تعلم من النبي ما يحققه بإرشاد الكتاب الواصل إليه بتوسط الملك أن له

إلها واجب الوجود فائض الجود إلى غير ذلك مما يثبت بالشرع وكتبه أي ونعتقد بوجود كتبه المنزلة على رسله تفصيلا فيما علم يقينا كالقرآن والتوراة والزبور والإنجيل وإجمالا فيما عداه وأنها منسوخة بالقرآن وأنه لا يجوز عليه نسخ ولا تحريف إلى قيام الساعة لقوله تعالى إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون الحجر وأما كون كلام الله تعالى غير مخلوق ففيه اختلاف بين المعتزلة وأهل السنة قيل الكتب المنزلة مائة وأربعة كتب منها عشر صحائف نزلت على آدم وخمسون على شيث وثلاثون على إدريس وعشرة على إبراهيم والأربعة السابقة وأفضلها القرآن ورسله بأن تعرف أنهم بلغوا ما أنزل الله إليهم وأنهم معصومون وتؤمن بوجودهم فيمن علم بنص أو تواتر تفصيلا وفي غيرهم إجمالا وهذا الحديث يدل على ترادف الرسول والنبي فإنه كما يجب الإيمان بالرسل يجب بالأنبياء وعن الإمام أحمد عن أبي أمامة قال أبو ذر قلت يا رسول الله كم وفاء عدة الأنبياء قال مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا الرسل من ذلك ثلاثمائة وخمسة عشر جما غفيرا ا ه وهو ظاهر في التغاير وعليه الجمهور في الفرق بينهما بأن النبي إنسان بعثه الله ولو لم يؤمر بالتبليغ والرسول من أمر به فكل رسول نبي ولا عكس فلعل وجه التخصيص أن الرسول هو المقصود بالذات في الإيمان من حيث إنه مبلغ وأن الإيمان بالأنبياء إنما يعرف من جهة تبليغ الرسل فإنه لا تبليغ للأنبياء والله أعلم وهذا لا ينافي حديث أحمد قوله تعالى ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك غافر لأن المنفي هو التفصيل والثابت هو الإجمال أو النفي مقيد بالوحي الجلي والثبوت متحقق بالوحي الخفي فإن قلت ما فائدة ذكر ما بعد الرسل وما قبلهم مع أن الإيمان بهم المستلزم للإيمان بجميع ما جاؤا به يستلزم الإيمان بجميع ذلك قلت التنبيه على الترتيب الواقع فإن الله تعالى أرسل الملك بالكتاب إلى الرسول لمعرفة المبدأ والمعاد وإن الخير والشر يجريان على العباد بمقتضى ما قدره وقضاه وأراده ولهذا قدم الملائكة لا لكونهم أفضل من الرسل لأنه مختلف ولا من الكتب إذ لم يقل به أحد وهذا الترتيب مما يقتضيه حكمة عالم التكليف والوسائط وإلا فمقام لي مع الله وقت لا يسعني فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل معلوم لنبينا إذ فيه إشارة إلى تمكينه في وقت كشوف المشاهدة واستغراقه في بحر الوحدة حيث لا يبقى فيه أثر البشرية والكونين وهذا محل استقامته في مشهد التمكين الذي أخبر الله عنه بقوله فكان قاب قوسين أو أدنى النجم وليس هناك مقام جبريل وجميع الكروبيين ولا مقام الصفي والخليل ومن دونهم من الأنبياء وكان أكثر أوقاته كذلك لكن يرده الله إلى تأديب أمته في بعض الأوقات ليجري عليهم أحكام التلوين ولا يذوب في أنوار كبرياء الأزل واليوم الآخر أي يوم القيامة لأنه آخر أيام الدنيا وهو الأحسن ليشمل أحوال البرزخ فإنه

آخر يوم من أيام الدنيا وأول يوم من أيام الآخرة ولأنه مقدمته أو لأنه أخر عنه الحساب والجزاء وقيل هو الأبد الدائم الذي لا ينقطع لتأخره عن الأوقات المحدودة وذلك بأن تؤمن بوجوده وبما فيه من البعث الجسماني والحساب والجنة والنار وغير ذلك مما جاءت به النصوص وفي رواية البخاري والبعث الآخر فهو تأكيد كأمس الذاهب أو لإفادة تعدده فإن الأول هو الإخراج من العدم إلى الوجود أو من بطون الأمهات إلى الدنيا والثاني البعث من بطون القبور إلى محل الحشر والنشور وفي أخرى له وبلقائه وتؤمن بالبعث فاللقاء الإنتقال إلى دار الجزاء والبعث بعث الموتى من قبورهم وما بعده من حساب وميزان وجنة ونار وقد صرح بهذه الأربعة في رواية وقيل اللقاء الحساب وقيل رؤية الله تعالى وقيل المراد بالبعث بعثة الأنبياء وتؤمن أي وأن تؤمن بالقدر بفتح الدال ويسكن ما قدره الله وقضاه وإعادة العامل إما لبعد العهد كقول الشاعر لقد علم الحي اليماني أنني إذا قلت أما بعد إني خطيبها أو لشرف قدره وتعاظم أمره وقع فيه الإهتمام لأنه محار الأفهام ومزال الأقدام وقد علم عليه الصلاة والسلام أن الأمة سيخوضون فيه وبعضهم يتقونه فاهتم بشأنه ثم قرره بالإبدال بقوله خيره وشره أي نفعه وضره وزيد في رواية وحلوه ومره فإن البدل توضيح مع التوكيد المفيد للتعميم لتكرير العامل وعندي أن إعادة العامل هنا أفادت أن هذا المؤمن به دون ما سبق فإن من أنكر شيئا مما تقدم كفر بخلاف من أنكر هذا فإنه لا يخرجه عن دائرة الإسلام فيكون بمنزلة التذييل والتكميل وأما قول ابن الملك خيره وشره بدل بعض فغير ظاهر إلا أن يقال باعتبار كل من المعطوف والمعطوف عليه والأظهر أنه بدل الكل والرابطة بعد العطف والمعنى تعتقد أن الله قدر الخير والشر قبل خلق الخلائق وأن جميع الكائنات متعلق بقضاء الله مرتبط بقدره قال تعالى قل كل من عند الله النساء وهو مريد لها لقوله تعالى فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء الأنعام فالطاعات يحبها ويرضاها بخلاف الكفر والمعاصي قال تعالى ولا يرضى لعباده الكفر الزمر والإرادة لا تستلزم الرضا ثم القضاء هو الحكم بنظام جميع الموجودات على ترتيب خاص في أم الكتاب أولا ثم في اللوح المحفوظ ثانيا على سبيل الإجمال والقدر تعلق الإرادة بالأشياء في أوقاتها وهو تفصيل قضائه السابق بإيجادها في المواد الجزئية المسماة بلوح المحو والإثبات كما يسمى الكتاب بلوح القضاء واللوح المحفوظ بلوح القدر في وجه هذا تحقيق كلام القاضي ولما

كان الإيمان بالقدر مستلزما للإيمان بالقضاء لم يتعرض له وذكر الراغب أن القدر هو التقدير والقضاء هو التفصيل فهو أخص ومثل هذا بأن القدر ما أعد للبس والقضاء بمنزلة اللبس ويؤيده ما ذكره الحكيم الترمذي إنه كان في البدء علم ثم ذكر ثم مشيئة ثم تدبير ثم مقادير ثم إثبات في اللوح ثم إرادة ثم قضاء فإذا قال كن فكان على الهيئة التي علم فذكر ثم شاء فدبر ثم قدر ثم أثبت ثم قضى فعلم منه أنه ما من شيء من حيث استقام في العلم الأزلي إلى أن استقام في اللوح ثم استبان إلا يتعلق به أمور من الله تعالى قال بعض العارفين إن القدر كتقدير النقاش الصورة في ذهنه والقضاء كرسمه تلك الصورة للتلميذ بالأسرب ووضع التلميذ الصبغ عليها متبعا لرسم الأستاذ هو الكسب والإختيار وهو في اختياره لا يخرج عن رسم الأستاذ كذلك العبد في اختياره لا يمكنه الخروج عن القضاء والقدر ولكنه متردد بينهما هذا والقدرية فسروا القضاء بعلمه بنظام الموجودات وأنكروا تأثير قدرة الله تعالى في أفعال المخلوقات ومعتقد أهل السنة والجماعة أن أفعال العباد خيرها وشرها مخلوقة لله تعالى مرادة له ومع ذلك هي مكتسبة للعباد لأن لهم نوع اختيار في كسبها وإن رجع ذلك في الحقيقة إلى إرادته تعالى وخلقه ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون وهذا أوسط المذاهب وأعدلها وأوفقها للنصوص والحق والصواب خلافا للجبرية القائلين بأن العباد مجبورون على أفعالهم إذ يلزمهم أن لا تكليف ومن اعترف منهم بهذا اللازم فهو كافر بخلاف من زعم أن سلب قدرة العبد من أصلها إنما هو تعظيم لقدرة الله تعالى عن أن يشركه فيها أحد بوجه فإنه مبتدع وخلافا للقدرية النافين للقدر وهم المعتزلة القائلون بأن العبد يخلق أفعال نفسه وأن قدرة الله تعالى لا تؤثر فيها وأن إرادته لا تتعلق بها لإستقلال قدرة العبد بالإيجاد والتأثير في أفعاله إذ يلزمهم أن له تعالى شركاء في ملكه سبحانه فمن اعتقد حقيقة الشركة قصدا فقد كفر أو تنزيه الله تعالى عن الفعل القبيح فهو مبتدع روي أنه كتب الحسن البصري إلى الحسن بن علي رضي الله عنهم يسأله عن القضاء والقدر فكتب إليه الحسن بن علي من لم يؤمن بقضاء الله وقدره وخيره وشره فقد كفر ومن حمل ذنبه على ربه فقد فجر وأن الله تعالى لا يطاع استكراها ولا يعصى بغلبة لأنه تعالى مالك لما ملكهم وقادر على ما أقدرهم فإن عملوا بالطاعة لم يحل بينهم وبين ما عملوا وإن عملوا بالمعصية فلو شاء لحال بينهم وبين ما عملوا فإن لم يفعل فليس هو الذي جبرهم على ذلك ولو جبر الله الخلق على الطاعة لأسقط عنهم الثواب ولو جبرهم على المعصية لأسقط عنهم العقاب ولو أهملهم كان ذلك عجزا في القدر ولكن له فيهم المشيئة التي غيبها عنهم فإن عملوا بالطاعة فله المنة عليهم وإن عملوا

بالمعصية فله الحجة عليهم والسلام فهذه رسالة يظهر عليها أنوار مشكاة النبوة والرسالة ثم أعلم أن الإيمان بالقدر يستلزم العلم بتوحيد ذات الحق لأن إتيان المقدورات وأحكامها على ما هو حقها في أزمنة وأمكنة مخصوصة تدل على توحد الحكم بتقديرها المقتضي لتوحد المقدر والعلم بصفاته كسعة علمه ورحمته على العالمين وآثار قدرته وحكمته للمخلوقين ونفوذ قضائه فيهم والعلم بكمال صنعه وأفعاله وأن الحوادث مستندة إلى الأسباب الإلهية فيعلم أن الحذر لا يقطع القدر ولا ينازع أحدا في طلب شيء من اللذات ولا يأنس بها إذا وجدها ولا يغضب بسبب فوت شيء من المطالب ولا بوقوع شيء من المهارب قال الله تعالى لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم آل عمران وورد في الحديث ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك فيكون مستسلما للحق فيما أراده من القضاء المطلق وحسن الخلق مع سائر الخلق قال بعض العارفين إن الله قدر وجود مخلوقاته لمظاهر تجلي أسمائه وصفاته فلكل منها مقدار مقدر لمظاهر تجلي ما علمه الله له من الأسماء والصفات مما يليق به وهو مستعد له وبذلك يسبح له كما قال وإن من شيء إلا يسبح بحمده الإسراء ولكل ذرة لسان ملكوتي ناطق بالتسبيح والتحميد تنزيها لصانعه وحمدا له على ما أولاه من مظهريتها للصفات الجمالية والجلالية فالأشياء كلها مقادير لأسماء الله تعالى وصفاته دون ذاته فإنه لا يسعها إلا قلب المؤمن لا يسعني أرضي ولا سمائي ولكن يسعني قلب عبدي المؤمن ولذا قيل قلب المؤمن عرش الله وقال أبو يزيد قدس سره لو وقع العالم ألف ألف مرة في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحس به قال صدقت قال فأخبرني عن الإحسان قيل أي المعهود ذهنا في الآيات القرآنية من قوله تعالى للذين أحسنوا الحسنى يونس وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان الرحمن وأحسنوا إن الله يحب المحسنين المائدة والأظهر أن المراد به في الآيات ما اشتمل على الإيمان والإسلام وغيرهما من الأعمال والأخلاق والأحوال والمراد في الحديث المعنى الأخص فقيل أراد به الإخلاص فإنه شرط في صحة الإيمان والإسلام معا لأن من تلفظ بالكلمة وجاء بالعمل من غير نية إلا لخلاص لم يكن إيمانه صحيحا قاله في النهاية فكأن المخلص في الطاعة يوصل الفعل الحسن إلى نفسه والمرائي يبطل عمل نفسه والإخلاص تصفية العمل من طلب عوض وغرض عرص ورؤية رياء والأظهر أن المراد به إحسان العمل وهو إحكامه وإتقانه وهو يشمل الإخلاص وما فوقه من مرتبة الحضور مع الله تعالى ونفي الشعور عما سواه ويدل عليه الجواب قال أن تعبد الله أي توحده وتطيعه في أوامره وزواجره وفي رواية أن تخشى الله ومآلهما واحد لأن العبادة أثر الخشية وهي منتجة للعبادة وهي الطاعة مع الخضوع والمذلة قال

الراغب العبادة فعل اختياري مناف للشهوات البدنية تصدر عن نية يراد بها التقرب إلى الله تعالى طاعة للشريعة وقال بعض المحققين وهي الغاية القصوى من إبداع الخلق وإرساله الرسل وكلما ازداد العبد معرفة ازداد عبودية ولذا خص الأنبياء وأولو العزم بخصائص في العبادة ولا ينفك العبد عنها ما دام حيا بل في البرزخ عليه عبودية أخرى لما سأله الملكان عن ربه ودينه ونبيه وفي القيامة يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود وإذا دخل الجنة كانت عبوديته سبحانك اللهم مقرونا بأنفاسه وفي كلام الصوفية إن العبادة حفظ الحدود والوفاء بالعهود وقطع العلائق والشركاء عن شرك والفناء عن مشاهدتك في مشاهدة الحق وله ثلاث مراتب لأنه إما أن يعبده رهبة من العقاب ورغبة في الثواب وهو المسمى بالعبادة وهذه لمن له علم اليقين أو يعبده تشرفا بعبادته وقبول تكاليفه وتسمى بالعبودية وهذه لمن له عين اليقين أو يعبده لكونه إلها وكونه عبدا والإلهية توجب العبودية وتسمى بالعبودة وهذه لمن له حق اليقين والشرك رؤية ضر أو نفع مما سواه وإثبات وجود غير الله ذاتا أو صفة أو فعلا كأنك تراه مفعول مطلق أي عبادة شبيهة بعبادتك حين تراه أو حال من الفاعل أي حال كونك مشبها بمن ينظر إلى الله خوفا منه وحياء وخضوعا وخشوعا وأدبا وصفاء ووفاء وهذا من جوامع الكلم فإن العبد إذا قام بين يدي مولاه لم يترك شيئا مما قدر عليه من إحسان العمل ولا يلتفت إلى ما سواه وهذا المعنى موجود في عبادة العبد مع عدم رؤيته فينبغي أن يعمل بمقتضاه إذ لا يخفى أن من يرى من يعمل له العمل يعمل له أحسن ما يمكن عمله ولا شك أن ذلك التحسين لرؤية المعمول له العامل حتى لو كان العامل يعلم أن المعمول له ينظر إليه من حيث لا يراه يجتهد في إحسانه العمل أيضا ولذا قال فإن لم تكن تراه أي تعامله معاملة من تراه فإنه يراك أي فعامل معاملة من يراك أو فأحسن في عملك فإنه يراك وفي رواية فإن لم تره أي بأن غفلت عن تلك المشاهدة المحصلة لغاية الكمال فلا تغفل عما يجعل لك أصل الكمال فإن ما لا يدرك كله لا يترك كله بل استمر على إحسان العبادة مهما أمكن فإنه يراك أي دائما فاستحضر ذلك لتستحيي منه حتى لا تغفل عن مراقبته ولا تقصر في إحسان طاعته وحاصل الكلام فإن لم تكن تراه مثل الرؤية المعنوية فلا تغفل فإنه يراك فالفاء دليل الجواب وتعليل الجزاء لأن ما بعدها لا يصلح للجواب لأن رؤية الله للعبد حاصلة سواء رآه العبد أم لا بل الجواب محذوف استغناء عنه بالمذكور لإنه لازمه وقيل التقدير فكن بحيث إنه يراك وهو موهم قال السيد جمال الدين وليس معناه فإن لم تكن تعبد الله كأنك تراه فأعبده كأنه يراك كما ظن فإنه خطأ بين ا ه وأراد به الرد على الطيبي وبيانه أن رؤية الله تعالى لنا متحققة دائما حالة العبادة وغيرها فالتعبير بكأنه يراك خطأ والصواب فإنه يراك ووهم بعضهم أيضا فقال بعد قوله كأنك تراه أي كأنك تراه ويراك فحذف الثاني لدلالة الأول عليه وهو غلط قبيح لما تقدم فالصواب أن يقال وهو يراك

وحاصل جميع الأقوال الحث على الإخلاص في الأعمال ومراقبة العبد ربه في جميع الأحوال قال بعض العارفين الأول إشارة إلى مقام المكاشفة ومعناه إخلاص العبودية ورؤية الغير بنعت إدراك القلب عيان جلال ذات الحق وفنائه عن الرسوم فيه والثاني إلى مقام المراقبة في الإجلال وحصول الحياء من العلم بإطلاع ذي الجلال قيل المعنى فإن لم تكن بأن تكون فانيا تراه باقيا فإنه يراك في كل حال من غير نقصان وزوال وما قيل من أنه لا يساعده الرسم بالألف فمدفوع بحمله على لغة أو على إشباع حركة أو على حذف مبتدأ وهو أنت وجاز حذف الفاء من الجملة الإسمية الواقعة موقع الجزاء والمعنى أن تعبد الله في حال شعورك بوجودك لقوله تعالى وأعبد ربك حتى يأتيك اليقين الحجر أي الموت بإجماع المفسرين فإذا فنيت ومت موتا حقيقيا تراه رؤية حقيقية وترتفع العبادات التكليفية و التكلفية وإذا مت موتا مجازيا ودخلت في حال الفناء وبقيت في مقام البقاء تراه رؤية مشاهدة غيبية تسقط عنك ثقل العبادات البدنية أو نفس الأعمال الظاهرية عند غلبات الجذبات الباطنية وقوله فإنه يراك متعلق بالكلام السابق وإن كان له تعلق ما أيضا باللاحق وإنما أطنبت في المقام لتخطئة بعض الشراح في ذلك الكلام ولا ينافيه ما ورد في بعض الروايات فإنك أن لا تراه فإنه يراك وفي بعضها فإن لم تره فإنه يراك فإن القائل بما تقدم ما ادعى المراد من الحديث المؤدي بالعبارة بل ذكر معنى يؤخذ من فحوى الكلام بطريق الإشارة قيل وفي قوله كأنك تراه دليل لما هو الحق من أن رؤية الله تعالى في الدنيا لا تقع لحديث مسلم واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا قال الإمام مالك لأن البصر في الدنيا خلف للفناء فلم يقدر على رؤية الباقي بخلافه في الآخرة فإنه لما خلق للبقاء الأبدي قوي وقدر على نظر الباقي سبحانه فرؤيته ليلة الإسراء بعين رأسه على القول به إما على أنه مستثنى وإما لكونه في الملكوت الأعلى الذي لا يصدق عليه الدنيا ونزاع المعتزلة معروف في هذه المسألة هذا وقد جاء في كثير من الروايات أن جبريل هنا أيضا قال صدقت ولعل بعض الرواة لم يذكره نسيانا أو اختصارا أو اعتمادا على المذكور وفي بعض روايات صحيح مسلم وشرح السنة مسطور وقيل إنما لم يقل ههنا صدقت لأن الإحسان هو الإخلاص وهو سر من أسرار الله تعالى لا يطلع عليه ملك مقرب ولا نبي مرسل كما جاء في الحديث المسلسل الرباني الإخلاص سر من أسراري أودعته قلب من أحببت من عبادي ا ه وما ذكر أولا هو الأولى قال فأخبرني عن الساعة أي عن وقت قيامها لما في رواية متى الساعة لا وجودها لأنه مقطوع به وقيل لأنه علم من قوله السابق واليوم الآخر وهي جزء من أجزاء الزمان عبر بها عنها وإن طال زمنها اعتبارا بأول زمانها فإنها تقع بغتة أو لسرعة حسابها أو على العكس لطولها أو تفاؤلا كالمفازة للمهلكة أ و لأنها عند الله كساعة عند الخلق كذا في الكشاف والساعة لغة مقدار غير معين من الزمان وعرفا جزء من أربعة وعشرين جزأ من

أوقات الليل والنهار قيل والساعة كما تطلق على القيامة وهي الساعة الكبرى تطلق على موت أهل القرن الواحد وهي الساعة الوسطى كما في قوله عليه الصلاة والسلام حين سألوه عن الساعة فأشار إلى أصغرهم إن يعش هذا لا يدركه الهرم حتى تقوم عليكم ساعتكم إذ المراد انقضاء عصرهم ولذا أضاف إليهم وعلى الموت وهي الساعة الصغرى وورد من مات فقد قامت قيامته قال ما المسؤول عنها أي عن وقتها قيل حق الظاهر أن يقول ما المسؤول عنه ليرجع الضمير إلى اللام أجيب بأنه كما يقال سألت عن زيد المسألة يقال سألته عنها وهو الإستعمال الأكثر فالضمير المرفوع راجع إلى اللام والمجرور إلى الساعة وما نافية أي ليس الذي سئل عنها بأعلم من السائل نفي أن يكون صالحا لأن يسأل عنه في أمر الساعة لأنها من مفاتيح الغيب لا يعلمها إلا هو وقد قال تعالى أكاد أخفيها طه قيل أي عن ذاتي مبالغة على سبيل الكناية لما عرف أن المسؤول عنه يجب في الجملة أن يكون أعلم من السائل فلا يقال لا يلزم من نفي الأعلمية نفي أصل العلم عنها مع أنهما متساويان في انتفاء العلم بذلك ومساق الكلام يقتضي أن يقول لست أعلم بعلم الساعة منك لكنه عدل ليفيد العموم لأن المعنى كل سائل ومسؤول سيان في ذلك وفي رواية فنكس فلم يجبه ثم أعاد فلم يجبه شيئا ثم رفع رأسه وقال ما المسؤول عنها بأعلم من السائل والباء مزيدة لتأكيد النفي قيل وما أفهمه من أنهما مستويان في العلم به غير مراد فإنهما مستويان في نفي العلم به أو في العلم بأن الله استأثر به فتعين أن المراد استواؤهما في القدر الذي يعلمانه منه وهو نفس وجودها وهذا وقع بين عيسى وجبريل أيضا إلا أن عيسى كان سائلا وجبريل مسؤولا فانتفض بأجنحته فقال ما المسؤول عنها بأعلم من السائل رواه الحميدي عن سفيان عن مالك بن مغول عن إسماعيل بن رجاء عن الشعبي فإن قلت فلم سأل جبريل عن الساعة مع علمه بأنه لا يعلمها إلا هو وما التوفيق بين الآية وبين ما اشتهر عن العرفاء من الأخبار الغيبية كما قال الشيخ الكبير أبو عبدالله في معتقده ونعتقد أن العبد ينقل في الأحوال حتى يصير إلى نعت الروحانية فيعلم الغيب وتطوى له الأرض ويمشي على الماء ويغيب عن الأبصار فالجواب أما عن الأول فلتنبيههم بذلك على أنه ليس له الجواب عما لا علم له به ولا الإستنكاف من قول لا أدري الذي هو نصف العلم كما نبههم بما له الجواب عنه مما قد سلف بحسن السؤال الذي هو نصف العلم فتم العلم بذلك وأما عن الثاني فلأن للغيب مبادي ولواحق فمباديه لا يطلع عليه ملك مقرب ولا نبي مرسل وأما اللواحق فهو ما أظهره الله على بعض أحبائه لوحة علمه وخرج ذلك عن الغيب المطلق وصار غيبا إضافيا وذلك إذا تنور الروح القدسية وازداد نوريتها وإشراقها بالإعراض عن ظلمة عالم الحس وتحلية مرآة القلب عن صدأ الطبيعة

والمواظبة على العلم والعمل وفيضان الأنوار الإلهية حتى يقوى النور وينبسط في فضاء قلبه فتنعكس فيه النقوش المرتسمة في اللوح المحفوظ ويطلع على المغيبات ويتصرف في أجسام العالم السفلي بل يتجلى حينئذ الفياض الأقدس بمعرفته التي هي أشرف العطايا فكيف بغيرها قال فأخبرني عن أماراتها بفتح الهمزة جمع أمارة أي علامة وفي رواية عن أشراطها وهو جمع شرط بالفتح بمعنى العلامة والمراد شيء من علاماتها الدالة على قربها ولذا قيل أي مقدماتها وقيل صغار أمورها وفي رواية وسأخبرك وفي أخرى وسأحدثك عن أشراطها وجمع بأنه ابتدأه بقوله وسأخبرك فقال السائل فأخبرني ويدل عليه ما في رواية ولكن إن شئت نبأتك عن أشراطها قال أجل وفي رواية فحدثني قال أن تلد الأمة ربتها أي من جملة علاماتها أ و إحدى أماراتها ولادة الأمة مالكها ومولاها وقيل التقدير علاماتها ولادة الأمة ورؤية الجفاة فاحتاج إلى أن يقول أخبر عن الجمع باثنين لأنهما أقله كما يدل عليه جمع وتأنيثها في هذه الرواية وإن ذكر في روايات أخر باعتبار التسمية ليشمل الذكور والإناث أو فرارا من شركة لفظ رب العباد وإن جوز إطلاقه على غيره تعالى بالإضافة دون التعريف لأنه من ألفاظ الجاهلية أو أراد البنت فيعرف الابن بالأولى والإضافة إما لأجل أنه سبب عتقها أو لأنه ولدربها أو مولاها بعد الأب وفسر هذا القول كثير من الناس بأن السبي يكثر بعد اتساع رقعة الإسلام فيستولد الناس إماءهم فيكون الولد كالسيد لأمه لأن ملكها راجع إليه في التقدير وذلك إشارة إلى قوة الدين واستيلاء المسلمين وهي من الأمارات لأن بلوغ الغاية منذر بالتراجع والإنحطاط المؤذن بقيام الساعة أو إلى أن الأعزة تصير أذلة لأن الأم مربية للولد مدبرة أمره فإذا صار الولد ربها سيما إذا كان بنتا ينقلب الأمر كما أن القرينة الثانية على عكس ذلك وهي أن الأذلة ينقلبون أعزة ملوك الأرض فيتلاءم المعطوفان وهذا إخبار بتغير الزمان وانقلاب أحوال الناس بحيث لا يشاهد قبله ويؤيده ما ورد من حديث أنه إذا ضيعت الأمانة ووسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة وقيل سمي ولدها سيدها لأن له ولاءها بإرثه له عن أبيه إذا مات أو أنه كسيدها لصيرورة مال أبيه إليه غالبا فتصير أمه كأنها أمته وقيل معناه أن الإماء تلدن الملوك فتكون أمه من جملة رعيته وأيد بأن الرؤساء في الصدر الأول كانوا يستنكفون غالبا من وطء الإماء ويتنافسون في الحرائر ثم انعكس الأمر سيما من أثناء دولة بني العباس ويقرب منه القول بأن السبي إذا كثر قد يسبي الولد صغيرا ثم يعتق ويصير رئيسا بل ملكا ثم يسبي أمه فيشتريها عالما

أو جاهلا بها ثم يستخدمها وقد يطؤها أو يعتقها ويتزوجها وقيل معناه فساد الأحوال بكثرة بيع أمهات الأولاد فتردد في أيدي المشترين حتى يشتريها ابنها أو يطأها وهو لا يعلم ويؤيده رواية بعلها وإن فسر بسيدها وقيل معناه الإشارة إلى كثرة عقوق الأولاد فيعامل الولد أمه معاملة السيد أمته من الخدمة وغيرها وخص بولد الأمة لأن العقوق فيه أغلب وعبر في رواية البخاري بإذا بدل أن المفتوحة إشارة إلى تحقق الوقوع ولذلك قالوا يقال إذا قامت القيامة ولا يقال إن بالكسر لأنه كفر لإشعاره بالشك قال ابن حجر وفي جزمهم بأن ذلك كفر نظر ويتعين حمله على من عرف هذا المعنى واعتقده وإلا فكثيرا ما يستعمل إن موضع إذا وبالعكس لأغراض بينت في علم المعاني وأن ترى خطاب عام ليدل على بلوغ الخطب في العلم مبلغا لا يختص به رؤية راء الحفاة بضم الحاء جمع الحافي وهو من لا نعل له العراة جمع العاري وهو صادق على من يكون بعض بدنه مكشوفا مما يحسن وينبغي أن يكون ملبوسا العالة جمع عائل وهو الفقير من عال يعيل إذا افتقر أو من عال يعول إذا افتقر وكثر عياله رعاء الشاء بكسر الراء والمد جمع راع كتاجر وتجار والشاء جمع شاة والأظهر أنه اسم جنس وفي رواية الإبل البهم بضم الباء أي السود وهو بجر الميم ورفعها وصفا للرعاة جمع بهيم فيكون كناية عن جهلهم وأنه لا يعرف لهم أصل من أبهم الأمر إذا لم يعرف حقيقته وقال القرطبي الأولى حمله على سواد اللون لأن الأدمة غالب ألوان العرب أو للإبل جمع بهماء إذ السود شرها عندهم وخيرها عندهم الحمر ومن ثم ورد خير من حمر النعم وفي رواية البهم بفتح الباء ولا وجه له مع ذكر الإبل بل مع حذفه الذي هو رواية مسلم إذ هو جمع بهمة وهي صغار الضأن والمعز ورجحت هذه على تلك لأن رعاء الغنم أضعف أهل البادية بخلاف رعاء الإبل فإنهم أهل فخر وخيلاء يتطاولون في البنيان أي يتفاضلون في ارتفاعه وكثرته ويتفاخرون في حسنه وزينته وهو مفعول ثان إن جعلت الرؤية فعل البصيرة أو حال أن جعلتها فعل الباصرة ومعناه إن أهل البادية وأشباههم من أهل الفاقة تبسط لهم الدنيا ملكا أو ملكا فيتوطنون البلاد ويبنون القصور المرتفعة ويتباهون فيها فهو إشارة إلى تغلب الأراذل وتذلل الأشراف وتولي الرياسة من لا يستحقها أو تعاطي السياسة من لا يستحسنها كما أن قوله أن تلد الأمة ربتها إشارة إلى عكس ذلك وقيل كلاهما إشارة إلى اتساع دين الإسلام فيتناسب المتعاطفان في الكلام ولعل تخصيصهما لجلالة خطبهما ونباهة شأنهما وقرب وقوعهما ويحتمل أن تكون الأولى إيماء إلى كثرة الظلم والفسق والجهل وبلوغها مبالغ العليا والثانية إلى غلبة محبة الدنيا ونسيان منازل العقبى ويقال تطاول الرجل إذا تكبر فلا يرد ما ذكره ابن حجر من قوله التفاعل فيه بين أفراد العراة الموصوفين بما ذكر

لا بينهم وبين غيرهم ممن كان عزيزا فذل خلافا لمن وهم فيه وقال المعنى أن أهل البادية العارين عن القيام بالديانة يسكنون البلاد ويتخذون القصور الرفيعة ويتكبرون على العباد والزهاد وحاصل الكلام أن انقلاب الدنيا من النظام يؤذن بأن لا يناسب فيها المقام فلا عيش إلا عيش الآخرة عند العقلاء الكرام كما أنشدت الملكة حرقة بنت النعمان لما سبيت وأحضرت عند سعد بن أبي وقاص فبينا نسوس الناس والأمر أمرنا إذا نحن فيهم سوقة نتنصف فأف لدنيا لا يدوم نعيمها تقلب تارات بنا وتصرف فهنيئا لمن جعل الدنيا كساعة واشتغل فيها بالطاعة قياما بأمر الحبيب فإن كل ما هو آت قريب قال تعالى إقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون الأنبياء قال أي عمر ثم انطلق أي السائل فلبثت أي أنا وفي رواية فلبث أي هو مليا بفتح الميم وتشديد الياء من الملاوة إذا المهموز بمعنى الغنى أي زمانا أو مكثا طويلا وبينته رواية أبي داود والنسائي والترمذي قال عمر فلبثت ثلاثا وفي رواية للترمذي فلقيني النبي بعد ثلاث وفي أخرى فلبثت ليالي فلقيني النبي بعد ثلاث وفي أخرى لابن حبان بعد ثالثة وفي أخرى لابن منده بعد ثلاثة أيام وفي ورود هذه الروايات رد على من وهم أن رواية ثلاثا مصحفة من رواية مليا والمعنى أني لم أستخبر منه عليه الصلاة والسلام مهابة وفي شرح مسلم وهذا مخالف لرواية أبي هريرة من أنه عليه الصلاة والسلام ذكره في المجلس اللهم إلا أن يقال إن عمر لم يحضر في الحال بل قام فأخبر الصحابة ثم أخبر عمر بعد ثلاثة أيام ثم قال لي يا عمر أتدري أي أتعلم وفي العدول نكتة لا تخفى من السائل أي ما يقال في جواب هذا السؤال قلت الله ورسوله أعلم لأن الأمارات السابقة والتعجب أوقعهم في التردد أهو بشر أم ملك وهذا القدر يكفي في الشركة على أن اسم التفضيل كثيرا يراد به أصل الفعل من غير شركة قال فإنه جبريل أي إذا فوضتم العلم إلى الله ورسوله فإنه جبريل على تأويل الإخبار أي تفويضكم ذلك سبب للإخبار به وقرينة المحذوف قوله الله ورسوله أعلم فالفاء فصيحة لأنها تفصح عن شرط محذوف وأكد الكلام لأن السائل طالب متردد وفي رواية ردوه فأخذوا ليردوه فما رأوا شيئا قال القاضي وجبريل ملك متوسط بين الله ورسله ومن خواص الملك أن يتمثل للبشر فيراه جسما ا ه قيل والسر في التوسط أن المكالمة تقتضي مناسبة بين المتخاطبين فاقتضت الحكمة توسط جبريل ليتلقف

الوحي بوجهه الذي في عالم القدرة من الله سبحانه تلقفا روحانيا أو من اللوح ويلقيه بوجهه الذي في عالم الحكمة إلى النبي فربما ينزل الملك إلى صورة البشر وربما يرتقي النبي إلى رتبة الملكية ويتعرى عن الكسوة البشرية فيرد الوحي على القلب في لبسة الجلال وأبهة الكبرياء والكمال ويأخذ بمجامعه فإذا سري عنه وجد المنزل ملقى في الروع كما في المسموع وهذا معنى قوله أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشده علي فيفصم عني وقد وعيت ما قال وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول ثم جبريل بكسر الجيم وفتحها مع كسر الراء بعدها ياء وبفتحها وهمزة مكسورة مع ياء وتركها أربع لغات متواترات والأول أشهر وأكثر أتاكم استئناف بيان أو خبر لجبريل على أنه ضمير الشأن يعلمكم دينكم جملة حالية من الضمير المرفوع في أتاكم أي عازما تعليمكم فهو حال مقدرة لأنه لم يكن وقت الإتيان معلما أو مفعول له بتقدير اللام كما في رواية والمراد تثبيتهم على علمهم وتقريره بطريق السؤال والجواب ليتمكن غاية التمكن في نفوسهم لأن المحصول بعد الطلب أعز من المنساق بلا تعب وإسناد التعليم إليه مجاز لأنه السبب وأضاف الدين إليهم لأنهم المختصون بالدين القيم دون سائر الناس أو الخطاب مخصوص بالصحابة خصوصا أو عموما فإن سائر الناس يأخذون دينهم منهم رضي الله تعالى عنهم أجمعين وفيه إيماء إلى أن الإيمان والإسلام والإحسان يسمى دينا فقوله تعالى إن الدين عند الله الإسلام آل عمران المراد به الكامل وكذا قوله عز وجل ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه آل عمران وفي رواية أراد أن تعلموا إذا لم تسألوا وفي أخرى والذي بعث محمدا بالحق ما كنت بأعلم به من رجل منكم وإنه لجبريل وفي أخرى ثم ولى فلما لم ير طريقه قال النبي سبحان الله هذا جبريل أتاكم ليعلمكم دينكم خذوا عنه فوالذي نفسي بيده ما شبه علي منذ أتاني قبل مرتي هذه وما عرفته حتى ولى رواه مسلم أي عن عمر ورواه البخاري في كتاب الزكاة مع تغيير كذا قاله بعض شراح الأربعين وقال ابن حجر ولم يخرجه البخاري عن عمر لاختلاف فيه على بعض رواته وقال السيد جمال الدين وقد رواه البزاز في مسنده من طريق أنس بن مالك وأبو عوانة الإسفراييني في صحيحه من طريق جرير بن عبد الله البجلي والنسائي في سننه من طريق أبي ذر الغفاري وأحمد بن حنبل في مسنده من طريق ابن عباس وكل واحد من الطرق مشتمل على فوائد غزيرة وفرائد كثيرة لم توجد في طريق عمرو أبي هريرة وهذا حديث جليل سمي حديث جبريل وأم الأحاديث وأم الجوامع لأنه متضمن للشريعة والطريقة والحقيقة بيانا إجماليا على الوجه الأتم الذي علم تفاصيلها من السنن النبوية والشرائع المصطفوية على صاحبها ألوف التحية كما أن فاتحة الكتاب تسمى أم القرآن وأم الكتاب لاشتمالها على المعاني القرآنية والحكم الفرقانية بالدلالات الإجمالية فحديث إنما الأعمال

بالنيات بمنزلة البسملة وهذا الحديث بمنزلة الفاتحة المصدرة بالحمدلة وهذا وجه وجيه وتنبيه نبيه لاختيارهما في صدر الكتاب ومفتتح الأبواب ورواه أبو هريرة أي هذا الحديث أيضا مع اختلاف أي بين بعض ألفاظهما وفيه أي في مروي أبي هريرة ردوا علي الرجل فأخذوا يرادونه فلم يروا شيئا فأخبرهم أنه جبريل ذكره ابن حجر وتقدم الجمع عن النووي مع أن كون هذا الإخبار في المجلس غير صريح فلا ينافي ما تقدم من إعلام عمر بعد ثلاثة أيام في الصحيح وفيه أيضا وإذا رأيت الحفاة العراة الصم أي عن قبول الحق البكم أي عن النطق بالصدق جعلوا لبلادتهم وحماقتهم وعدم تمييزهم كأنه أصيبت مشاعرهم مع كونها سليمة تدرك ما ينتفعون به ملوك الأرض منصوب على أنه مفعول ثان لرأيت أو على أنه حال والمراد بأولئك أهل البادية لما في رواية قال ما الحفاة العراة قال العريب مصغر العرب في خمس هو في موضع النصب على الحال أي تراهم ملوك الأرض متفكرين في خمس كلمات إذ من شأن الملوك الجهال التفكر في أشياء لا تعنيهم ولا تغنيهم أو متعلق بأعلم أي ما المسؤول عنها بأعلم من السائل في علم خمس فإن العلم بها مختص به تعالى وفيه إشارة ظاهرة إلى إبطال الكهانة والتنجيم ونحوهما من كل ما فيه تسور على علم شيء كلي أو جزئي من هذه الخمس وإرشاد للأمة وتحذير لهم عن إتيان من يدعي علم الغيب لقوله تعالى قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله النمل فإن قلت قد أخبر الأنبياء والأولياء بشيء كثير من ذلك فكيف الحصر قلت الحصر باعتبار كلياتها دون جزئياتها قال تعالى فلا يظهر على غيبة أحدا إلا من ارتضى من رسول الجن بناء على اتصال الإستثناء الذي هو الأصل وأخرج أحمد عن ابن مسعود أوتي نبيكم علم كل شيء سوى هذه الخمس وأخرجه عن ابن عمر بنحوه مرفوعا وقال القرطبي من ادعى علم شيء منها غير مستند إليه عليه الصلاة والسلام كان كاذبا في دعواه قال وأما ظن الغيب فقد يجوز من المنجم وغيره إذا كان

عن أمر عادي وليس ذلك بعلم وقد نقل ابن عبد البر الإجماع على تحريم أخذ الأجرة والجعل وإعطائها في ذلك ا ه ويؤيده ما أخرجه حميد بن زنجويه أن بعض الصحابة ذكر العلم بوقت الكسوف قبل ظهور ه فأنكر عليه فقال إنما الغيب خمس وتلا هذه الآية وما عدا ذلك غيب يعلمه قوم ويجهله قوم ا ه وما ذكره بعض الأولياء من باب الكرامة بإخبار بعض الجزئيات من مضمون كليات الآية فلعله بطريق المكاشفة أو الإلهام أو المنام التي هي ظنيات لا تسمى علوما يقينيات وقيل الجار متعلق بمقدر أي ذكر الله ذلك في خمس أو تجد علم ذلك في خمس وقيل في بمعنى مع وقيل بمعنى من أي من جملة خمس وقيل هو مرفوع المحل على الخبرية أي الساعة ثابتة أو معدودة في خمس ويؤيده رواية هي في خمس من الغيب أي علم وقت الساعة مندرج في جملة خمس كلمات لا يعلمهن إلا الله كما أفاده تقديم عنده في الآية الآتية إذ الظرف خبر مقدم لإفادة الحصر لأن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر وعطف ينزل وما بعده بتقدير أن المصدرية على الساعة وجملة وما تدري المقصود منهما إثبات ذلك المنفي عن الغير فيهما لله تعالى وهذا كله إنما يحتاج إليه إن لم يفسر الخمس بمفاتيح الغيب في قوله تعالى وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو الأنعام وأما إذا فسرت بها فالحصر جلي لا يحتاج إلى الإستدلال عليه وأعلم أن الجواب تضمن زيادة على السؤال اهتماما بذلك وإرشادا للأمة لما يترتب على ذلك من المصلحة الكثيرة الفوائد العظيمة العوائد ثم قرأ أي النبي إن الله عنده علم الساعة أي آية تلك الخمس بكمالها كما دل عليه السياق بيانا لها ويحتمل أن يكون فاعل قرأ أبو هريرة فتكون الآية استشهادا ومصداقا للحديث وينزل الغيث قرىء بالتشديد والتخفيف أي وهو ينزل المطر الذي يغيث الناس في أمكنته وأزمنته لا يعلمها إلا هو الآية من قول أحد الرواة بالنصب على تقدير أعني أو يعني أو اقرأ أو قرأ أو على أنه بدل مما قبله وبالرفع أي الآية معلومة مشهورة إذا قرأها وقيل بالجر والتقدير قرأ أو اقرأ إلى الآية أي آخرها وفي رواية لمسلم إلى خبير وأخرى للبخاري إلى الأرحام والأولى أولى لأن فيها زيادة ثقة وإفادة والروايتان تدلان على أن لفظة الآية ليست من قول المصنف كما ظن بعضهم وتمامها ويعلم ما في الأرحام أي وهو يعلم تفصيل ما في أرحام الإناث من ذكر أو أنثى وواحد ومتعدد وكامل وناقص ومؤمن وكافر وطويل وقصير وغير ذلك قال الله تعالى الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام أي تنقص وما تزداد أي من مدة الحمل والجثة والعدد وكل شيء عنده بمقدار الرعد أي بقدر وحد لا يتجاوزه وعدل عن العلم في قوله وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت لقمان لأن الدراية اكتساب علم الشيء بحيلة فإذا انتفى ذلك عن كل نفس مع كونه مختصا بها ولم يقع منه على علم كان عدم إطلاعها على غير ذلك من باب أولى والمراد بالنفس ذات النفس أو ذات الروح

وبهذين المعنيين لا يجوز إطلاق النفس على الله تعالى ولذا قيل بالمشاكلة في قوله تعالى تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك المائدة وأما إذا أريد بها الذات المطلق فيصح إطلاقه على الله تعالى كما ورد سبحانك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك إن الله عليم أي بهذه الأشياء من جزئياتها وكلياتها خصوصا وبغيرها عموما خبير أي بباطنها كما أنه عالم بظاهرها أو معناه يخبر ببعضها من جزئياتها لبعض عباده المخصوصين وقد أخبر في مواضع كتابه أن علم الساعة مما استأثر الله تعالى به وفي رواية ثم أدبر فقال ردوه فلم يروا شيئا متفق عليه أي اتفق الشيخان على مروي أبي هريرة الذي فيه هذه الزيادة لكن استدركه ميرك وقال إلا أن البخاري لم يقل الصم البكم ملوك الأرض بل قال في كتاب الإيمان وإذا تطاول رعاة الإبل البهم في البنيان وفي كتاب التفسير وإذا كان الحفاة العراة رؤوس الناس فذلك من أشراطها وأخرجه أبو داود والنسائي بمعناه وعن أي وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما أسلم مع أبيه بمكة وهو صغير وأول مشاهدة الخندق على الصحيح وكان من أهل الورع والعلم والزهد قال جابر ما من أحد إلا مالت به الدنيا ومال بها ما خلا عمر وابنه عبد الله وقال نافع ما مات ابن عمر حتى أعتق ألف إنسان أو زاد ولد قبل الوحي بسنة ومات سنة ثلاث وسبعين بعد قتل ابن الزبير بثلاثة أشهر وكان أوصى أن يدفن في الحل فلم يقدر على ذلك من أجل الحجاج ودفن بذي طوى في مقبرة المهاجرين وكان الحجاج قد أمر رجلا فسم زج رمحه وزاحمه في الطريق ووضع الزج في ظهر قدمه وذلك أن الحجاج خطب يوما وأخر الصلاة فقال ابن عمر أن الشمس لا تنتظرك فقال له الحجاج لقد هممت أن أضرب الذي في عينك قال لا تفعل فإنك سفيه مسلط وقيل إنه أخفى قوله ذلك عن الحجاج ولم يسمعه وكان يتقدمه في المواقف بعرفة وغيرها إلى المواضع التي كان النبي وقف فيها وكان ذلك يعز على الحجاج والحاصل أنه كان يخاف عليه أن يدعي الخلافة فحصل له الشهادة وله أربع وثمانون

سنة روى عنه خلق كثير قال قال رسول الله بني الإسلام هو اسم للشريعة دون الإيمان وقد يطلق على الإذعان بالقلب والإستسلام بجميع القوى والجوارح في كل الأحوال وهو الذي أمر به إبراهيم عليه الصلاة والسلام حيث قال له ربه أسلم وهذا أخص من الأول والمراد به الإسلام الكامل لأن حقيقته مبنية على الشهادتين فقط وإنما اقتصر على بيان أركانه مع إيماء إلى بقية شعب إيمانه فلا يتوجه ما قيل إنما يصح الحديث على مذهب الشافعي وغيره من أن الإسلام عبارة عن مجموع الثلاث على خمس أي خمس دعائم كما في رواية أو خصال أو قواعد وفي رواية لمسلم بالتاء أي خمسة أشياء أو أركان أو أصول وإنما جاز هنا لحذف المعدود شبهت حالة الإسلام مع أركانه الخمس على وجه الدوام بحال خباء أقيم على خمسة أعمدة وقطبها الذي تدور عليه الأركان هي الشهادة الناشئة عن صميم القلب الشاهد عليه لفظ الشهادة المشبهة بالعمود الوسط للخيمة وبقية شعب الإيمان بمنزلة الأوتاد للخباء قال الحسن رضي الله عنه في مجمع شهود جنازة للفرزدق ما أعددت لهذا المقام فقال شهادة أن لا إله إلا الله منذ كذا سنة فقال الحسن هذا العمود فأين الأطناب وهو تمثيل شبه الإسلام بخيمة عمودها كلمة التوحيد والأطناب الأعمال الصالحة شهادة أن لا إله إلا الله بالجر وهو الأشهر على أنه عطف بيان أو بدل من خمس بدل كل وهو مجموع المجرورات المتعاطفة من كل ويصح أن يكون بدل بعض مع ملاحظة الربط قبل العطف لعدم الرابط وبالنصب على تقدير أعني وبالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف وهو هي أو أحداها أو على أنه مبتدأ خبره محذوف أي منها شهادة أن لا إله إلا الله وأن مخففة ولا نافية للجنس وإله اسمها ركب معها تركيب خمسة عشر ففتحته فتحة بناء لا إعراب خلافا للزجاج حيث زعم أنه نصب بها لفظا وخبرها محذوف اتفاقا تقديره موجود إن أريد بالإله المعبود بحق وإلا فتقديره معبود بحق وإلا حرف استثناء وقيل بمعنى غير وهي مع ما بعدها صفة إله وخبره محذوف وجوز نصب الجلالة نعتا لإله على أن إلا بمعنى غير وقيل على الإستثناء والله مرفوع على البدلية من ضمير الخبر المستتر فيه وقيل بدل من اسم لا باعتبار محله قبلها وقيل على أنه خبر لا وأن محمدا عبده أي الكامل ورسوله أي المكمل ولتلازم الشهادتين شرعا جعلتا خصلة واحدة واقتصر في رواية على إحدى الشهادتين اكتفاء أو نسيانا قيل وأخذ من جمعهما كذلك في أكثر الروايات أنه لا بد في صحة الإسلام من الإتيان بهما على التوالي والترتيب وإقام الصلاة أي المفروضة وحذفت تاء الإقامة المعوضة عن عين الفعل المحذوفة عند الإضافة لطول العبارة هذا هو التحقيق على ما قاله الزجاج وقيل هما مصدران

وإيتاء الزكاة أي إعطائها وتمليكها لمصارفها والمراد بها الصدقة المكتوبة والحج بفتح الحاء وكسرها مصدران وفي رواية وحج البيت أي قصده لأداء النسك فاللام عوض عن المضاف إليه وقيل اللام للعهد الذهني والواو لمطلق الجمع فلا يرد أن الصوم فرض قبل الزكاة وهي قبل الحج ولعل النكتة في التقديم الذكري هي الإشارة إلى أن العبادة إما بدنية فقط أو مالية فقط أو مركبة منهما أو إيماء إلى أن الطاعة المثلثة إما يومية أو سنوية أو عمرية ولم يذكر الإستطاعة لشهرتها أو لاعتبارها في كل طاعة وصوم رمضان أي أيامه بشرائط وأركان معلومة قيل فيه حذف شهر وفيه أن رمضان اسم للشهر وقوله تعالى شهر رمضان البقرة إضافته بيانية وقد ورد في بعض الروايات تقديمه على الحج وكلاهما صحيح لما تقدم ولذا قدم البخاري كتاب الحج على الصوم والجمهور أخروه عن جميع العبادات لكون وجوبه يتعلق بآخر العمر قال النووي ذكر البخاري هذا الحديث في مفتتح كتاب الإيمان ليبين أن الإسلام يطلق على الأفعال وأن الإسلام والإيمان قد يكونان بمعنى واحد وقال ابن حجر وجه ذكر الأربعة الأخيرة مع الشهادتين وإن توقف الدخول في الإسلام عليهما فقط التنبيه على تعظيم شأنها وأنها أظهر شعائر الإسلام إذ بها يتم الإستسلام وبترك بعضها ينحل قيد الإنقياد وإن لم يؤد إلى كفر حيث لا إنكار إجماعا إلا ما جاء عن أحمد وغيره في ترك الصلاة فإنه لدليل خاص كقوله عليه الصلاة والسلام من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر ولم يذكر الجهاد لأنه فرض كفاية إلا في بعض الأحوال والكلام في فروض العين التي هي أعظم شعائر الإسلام ولهذا زيدفي آخره في رواية وأن الجهاد من العمل الحسن قيل وجه الحصر في تلك الخمسة أن العبادة إما فعل أو ترك الثاني الصوم والأول إما لساني وهو الشهادتان أو بدني وهو الصلاة أو مالي وهو الزكاة أو مالي وبدني وهو الحج وقدمت الشهادتان لأنهما الأصل ثم الصلاة لأنها العماد الأعظم ومن ثم جاء في حديث وعمودها الصلاة وفي حديث الصلاة عماد الدين وقال تعالى إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر العنكبوت ولذا سميت أم العبادات كما سميت الخمر أم الخبائث ثم الزكاة لأنها قرينتها في مواضع من القرآن وللمناسبة البدنية والمالية في القرآن ثم الحج لكونه مجمعا للعبادتين ومحلا للمشقتين ولأن تاركه من غير عذر على مدرجة خاتمة السوء كما يدل عليه الحديث الذي اختلف في ضعفه وصحته من استطاع الحج فلم يحج فليمت إن شاء يهوديا وإن شاء نصرانيا ويدل على أصالة الحديث قوله تعالى ومن كفر فإن الله غني عن العالمين آل عمران حيث وضع من كفر موضع من لم يحج مع إفادة مبالغة التهديد في قوله عن العالمين حيث عدل

عن عنه وأما تأخيره عن الصوم كما في رواية صحيحة فرعاية للترتيب فإن الصوم فرض في السنة الثانية والحج فرض سنة خمس أو ست أو ثمان أو تسع متفق عليه ورواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي أيضا والأحاديث الثلاثة المتقدمة من جملة الأحاديث الأربعينية النووية وعن أبي هريرة رضي الله عنه تصغير هرة قال المؤلف قد اختلف الناس في اسم أبي هريرة ونسبه اختلافا كثيرا وأشهر ما قيل فيه أنه كان في الجاهلية عبد شمس أو عبد عمرو وفي الإسلام عبد الله أو عبد الرحمن وهو دوسي قال الحاكم أبو أحمد أصح شيء عندنا في اسم أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر وغلبت عليه كنيته فهو كمن لا اسم له أسلم عام خيبر وشهدها مع النبي ثم لزمه وواظب عليه راغبا في العلم راضيا بشبع بطنه وكان يدور معه حيثما دار وكان من أحفظ الصحابة قال البخاري روى عنه أكثر من ثمانمائة رجل ما بين صحابي وتابعي فمنهم ابن عباس وابن عمر وجابر وأنس قيل سبب تلقيبه بذلك ما رواه ابن عبد البر عنه أنه قال كنت أحمل يوما هرة في كمي فرآني رسول الله فقال ما هذه فقلت هرة فقال يا أبا هريرة وفي رواية ابن إسحاق وجدت هرة وحملتها في كمي فقيل لي ما هذه فقلت هرة فقيل لي أنت أبو هريرة ورجح بعضهم الأول وقيل وكان يلعب بها وهو صغير وقيل كان يحسن إليها وقيل المكني له بذلك والده ثم جر هريرة هو الأصل وصوبه جماعة لأنه جزء علم واختار آخرون منع صرفه كما هو الشائع على ألسنة العلماء من المحدثين وغيرهم لأن الكل صار كالكلمة الواحدة واعترض بأنه يلزم عليه رعاية الأصل والحال معا في كلمة واحدة بل في لفظة لأن أبا هريرة إذا وقعت فاعلا مثلا فإنها تعرب إعراب المضاف إليه نظرا للحال ونظيره خفي وأجيب بأن الممتنع رعايتهما من جهة واحدة لا من جهتين كما هنا وكان الحامل عليه الخفة واشتهار الكنية حتى نسي الاسم الأصلي بحيث اختلف فيه اختلافا كثيرا حتى قال النووي اسمه عبد الرحمن بن

صخر على الأصح من خمسة وثلاثين قولا وبلغ ما رواه خمسة آلاف حديث وثلثمائة وأربعة وستين والصحيح أنه توفي بالمدينة سنة تسع وخمسين وهو ابن ثمان وسبعين ودفن بالبقيع وما قيل إن قبره بقرب عسفان لا أصل له كما ذكره السخاوي وغيره قال قال رسول الله الإيمان أي ثمراته وفروعه فأطلق الإيمان وهو التصديق والإقرار عليها مجازا لأنها من حقوقه ولوازمه بضع وسبعون وفي رواية بضعة والباء مكسورة فيهما وقد تفتح وهي القطعة ثم استعملا في العدد لما بين الثلاثة والعشرة وفي القاموس هو ما بين الثلاث إلى التسع أو إلى الخمس أو ما بين الواحد إلى الأربعة أو من أربع إلى تسع أو هو سبع ا ه ويؤيده أنه جاء في بعض الروايات سبع وسبعون والذي في الأصل هو رواية مسلم جرى عليها أبو داود والترمذي والنسائي ورواية البخاري بضع وستون ورجحت بأنها المتيقن وصوب القاضي عياض الأولى بأنها التي في سائر الأحاديث ورجحها جماعة منهم النووي بأن فيها زيادة ثقات واعترضه الكرماني بأن زيادة الثقة أن يزاد لفظ في الرواية وإنما هذا من اختلاف الروايتين مع عدم تناف بينهما في المعنى إذ ذكر الأقل لا ينفي الأكثر وأنه أخبر أولا بالستين ثم أعلم بزيادة فأخبر بها ويجاب بأن هذا متضمن للزيادة كما اعترف به الكرماني فصح ما قاله النووي والأظهر والله أعلم أن المراد به التكثير لا التحديد ويحمل الاختلاف على تعدد القضية ولو من جهة راو واحد وقوله شعبة هي في الأصل غصن الشجر وفرع كل أصل وأريد بها هنا الخصلة الحميدة أي الإيمان ذو خصال متعددة وفي رواية صحيحة بضع وسبعون بابا وفي أخرى أربع وستون بابا أي نوعا من خصال الكمال وفي أخرى ثلاث وثلاثون شريعة من وافى الله بشريعة منها دخل الجنة وروى ابن شاهين أن لله تعالى مائة خلق من أتى بخلق منها دخل الجنة وفسرت بنحو الحياء والرحمة والسخاء والتسامح وغيرها من أخلاقه تعالى المذكورة في أسمائه الحسنى وصفاته العليا فأفضلها الفاء تفصيلية أو تفريعية وقيل إنها جزائية يقال لها الفصيحة أي إذا كان الإيمان ذا شعب فأفضلها قول لا إله إلا الله أي هذا الذكر فوضع القول موضعه ويؤيده ما ورد بلفظ أفضل الذكر لا إله إلا الله لا موضع الشهادة لأنها من أصله لا من شعبه والتصديق القلبي خارج عنها بالإجماع كذا قيل وهو مبني على جعل الإقرار شطر الإيمان وأما على القول بأنه شرط فلا مانع من أن يكون المراد بالقول الشهادة لإنهائه عن التوحيد المتعين على كل مكلف الذي لا يصح غيره إلا بعد صحته فهو الأصل الذي يبنى

عليه سائر الشعب أو لتضمنه شرعا معنى التوحيد الذي هو التصديق والتزامه عرفا سائر العبادات على التحقيق ويجوز أن يكون المراد أنه أفضلها من وجه وهو أنه يوجب عصمة الدم والمال لا أنه أفضل من كل الوجوه وإلا يلزم أن يكون أفضل من الصوم والصلاة وليس كذلك ويجوز أن يقصد الزيادة المطلقة لا على ما أضيف إليه أي المشهور من بينها بالفضل في الأديان قول لا إله إلا الله وأدناها أي أقربها منزلة وأدونها مقدارا ومرتبة بمعنى أقربها تناولا وأسهلها تواصلا من الدنو بمعنى القرب فهو ضد فلان بعيد المنزلة أي رفيعها ومن ثم رواه ابن ماجة مكان أفضلها بلفظ فأرفعها وفي رواية فأقصاها أو من الدناءة أي أقلها فائدة لأنها دفع أدنى ضرر إماطة الأذى أي إزالته وهو مصدر بمعنى المؤذي أو مبالغة أو اسم لما يؤذى به كشوكة أو حجر أو قذر قال الحسن البصري في تفسير الأبرار هم الذين لا يؤذون الذر ولا يرضون الضر وفي رواية إماطة العظم أي مثلا عن الطريق وفي طريق أهل التحقيق أريد بالأذى النفس التي هي منبع الأذى لصاحبها وغيره فالشعبة الأولى من العبادات القولية والثانية من الطاعات الفعلية أو الأولى فعلية والثانية تركية أو الأولى من المعاملة مع الحق والثانية من المجاملة مع الخلق أو الأولى من التعظيم لأمر الله والثانية من الشفقة على خلق الله أو الأولى من القيام بحق الله والثانية من القيام بحق العباد فمن قام بهما صدقا كان من الصالحين حقا والحياء بالمد شعبة أي عظيمة من الإيمان أي من شعبه والمراد به الحياء الإيماني وهو خلق يمنع الشخص من الفعل القبيح بسبب الإيمان كالحياء عن كشف العورة والجماع بين الناس لا النفساني الذي خلقه الله في النفوس وهو تغير وانكسار يعتري المرء من خوف ما يلام ويعاب عليه وإنما أفرد من سائر الشعب لأنه الداعي إلى الكل فإن الحي يخاف فضيحة الدنيا وفظاعة العقبى فينزجر عن المناهي ويرتدع عن الملاهي ولذا قيل حقيقة الحياء أن مولاك لا يراك حيث نهاك وهذا مقام الإحسان المسمى بالمشاهدة الناشىء عن حال المحاسبة والمراقبة فهذا الحديث الجليل مجمل حديث جبريل فأفضلها مشير إلى الإيمان وأدناها مشعر إلى الإسلام والحياء موم إلى الإحسان ومن ثم قال عليه الصلاة والسلام استحيوا من الله حق الحياء قالوا إنا لنستحي من الله حق الحياء يا رسول الله والحمد لله قال ليس ذلك ولكن الإستحياء من الله حق الحياء أن يحفظ الرأس وما حوى والبطن وما وعى ويذكر الموت والبلى ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا وآثر الآخرة على الأولى فمن يعمل ذلك فقد استحيى من الله حق الحياء رواه الترمذي وصح الحياء خير كله قال ابن حبان تتبعت معنى هذا الحديث مدة وعددت الطاعات فإذا هي تزيد على البضع والسبعين شيئا كثيرا فرجعت إلى السنة فعددت كل طاعة عدها رسول الله من الإيمان فإذا

هي تنقص فضممت ما في الكتاب والسنة فإذا هي سبع وسبعون فعلمت أنه المراد قال السيوطي قد تكلف جماعة عدها بطريق الإجتهاد يعني البيضاوي والكرماني وغيرهما وأقربهم عدا ابن حبان حيث ذكر كل خصلة سميت في الكتاب أو السنة إيمانا وقد تبعه شيخ الإسلام أبو الفضل ابن حجر في شرح البخاري وتبعناهما وذلك الإيمان بالله وصفاته وحدوث ما دونه وبملائكته وكتبه ورسله والقدر وباليوم الآخر ومحبة الله والحب في الله والبغض فيه ومحبة النبي واعتقاد تعظيمه وفيه الصلاة عليه وإتباع سنته والإخلاص وفيه ترك الرياء والنفاق والتوبة والخوف والرجاء والشكر والوفاء والصبر والرضا بالقضاء والحياء والتوكل والرحمة والتواضع وفيه توقير الكبير ورحمة الصغير وترك الكبر والعجب وترك الحسد والحقد وترك الغضب والنطق بالتوحيد وتلاوة القرآن وتعلم العلم وتعليمه والدعاء والذكر وفيه الاستغفار واجتناب اللغو والتطهر حسا وحكما وفيه اجتناب النجاسات وستر العورة والصلاة فرضا ونفلا والزكاة كذلك وفك الرقاب والجود وفيه الإطعام والضيافة والصيام فرضا ونفلا والإعتكاف والتماس ليلة القدر والحج والعمرة والطواف والفرار بالدين وفيه الهجرة والوفاء بالنذر والتحري في الإيمان وأداء الكفارات والتعفف بالنكاح والقيام بحقوق العيال وبر الوالدين وتربية الأولاد وصلة الرحم وطاعة السادة والرفق بالعبيد والقيام بالإمرة مع العدل ومتابعة الجماعة وطاعة أولي الأمر والإصلاح بين الناس وفيه قتال الخوارج والبغاة والمعاونة على البر وفيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الحدود والجهاد وفيه المرابطة وأداء الأمانة ومنها الخمس والقرض مع وفائه وإكرام الجار وحسن المعاملة وفيه جمع المال من حله وإنفاق المال في حقه وفيه ترك التبذير والسرف ورد السلام وتشميت العاطس وكف الضرر عن الناس واجتناب اللهو وإماطة الأذى عن الطريق ا ه ما ذكره السيوطي في كتابه النقاية وأدلتها مذكورة في شرحها إتمام الدراية وتجيء في هذا الكتاب متفرقة ولكن ذكرتها لك مجملة لتتأمل فيها مفصلة فما رأيت نفسك متصفة بها فاشكر الله على ذلك وما رأيت على خلافها فاطلب من الله التوفيق على تحصيل ما هنالك لأن من وجدت فيه هذه الشعب فهو مؤمن كامل ومن نقص منه بعضها فهو مؤمن ناقص وأغرب النووي حيث قال الحديث نص في إطلاق اسم الإيمان الشرعي على الأعمال وتعقبه ابن حجر وقال تمسك به القائلون بأن الإيمان فعل جميع الطاعات والقائلون بأنه مركب من الإقرار والتصديق والعمل وليس كما زعموا لأن الكلام في شعب الإيمان لا في ذاته إذ التقدير شعب الإيمان حتى يصح الإخبار عنه بسبعون شعبة إذ يرجع حاصله في الحقيقة إلى أن شعب الإيمان كذا وشعب الشيء غيره ا ه وفي الحديث تشبيه الإيمان بشجرة ذات أغصان وشعب كما أن في القرآن تشبيه الكلمة الدالة على حقيقة الإيمان بشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء أي أصلها ثابت في القلب وفرعها أي شعبها مرفوعة في السماء متفق عليه قال ميرك وفيه نظر لأن قوله بضع وسبعون شعبة من أفراد مسلم

وفي البخاري بضع وستون شعبة وكذا قوله فأفضلها إلى قوله عن الطريق من أفراد مسلم فلا يكون متفقا عليه ورواه الأربعة أيضا إلا أن الترمذي أسقط قوله والحياء شعبة من الإيمان ا ه وذكر العيني أن قوله بضع وسبعون من طريق أبي ذر الهروي وقال السيوطي بضع وستون أو بضع وسبعون شعبة رواه البخاري هكذا على الشك من حديث أبي هريرة ورواه أصحاب السنن الثلاثة بلفظ بضع وسبعون بلا شك وأبو عوانة في صحيحه بلفظ ست وسبعون أو سبع وسبعون والترمذي بلفظ أربع وستون ا ه فيؤول كلام المصنف بأن أصله من روايتهما دون زيادة فأفضلها الخ وعن عبد الله بن عمرو وكتب بالواو ليتميز عن عمر ومن ثمة لم يكتب حالة النصب لتميزه عنه بالألف وهو ابن العاص القرشي رضي الله عنهما أسلم قبل أبيه وتوفي بمكة أو الطائف أو مصر سنة خمس وستين أو ثلاث وسبعين وبينه وبين أبيه في السن إحدى عشرة سنة كما جزم به بعضهم قيل وهذا من خواصه كذا ذكره ابن حجر وقال المصنف كان أبوه أكبر منه بثلاث عشر سنة وقيل باثنتي عشر سنة وكان غزير العلم كثير الاجتهاد في العبادة عمي آخر عمره وكان أكثر حديثا من أبي هريرة لأنه كان يكتب لكن ما روي عنه وهو سبعمائة حديث قليل بالنسبة لما روي عن أبي هريرة قال المصنف كان ممن قرأ الكتب واستأذن النبي في أن يكتب حديثه فأذن له قال قال رسول الله المسلم أي الكامل لما تقدم من معنى الإسلام أو المسلم الحقيقي المتصف بمعناه اللغوي من سلم المسلمون أي والمسلمات إما تغليبا وإما تبعا ويلحق بهم أهل الذمة حكما وفي رواية ابن حبان من سلم الناس من لسانه أي بالشتم واللعن والغيبة والبهتان والنميمة والسعي إلى السلطان وغير ذلك حتى قيل أول بدعة ظهرت قول الناس الطريق الطريق ويده بالضرب والقتل والهدم والدفع والكتابة بالباطل ونحوها وخصا لأن أكثر الأذى بهما أو أريد بهما مثلا وقدم اللسان لأن الإيذاء به أكثر وأسهل ولأنه أشد نكاية كما قال جراحات السنان لها التئام ولا يلتام ما جرح اللسان ولأنه يعم الأحياء والأموات وابتلي به الخاص والعام خصوصا في هذه الأيام وعبر به دون القول ليشمل إخراجه استهزاء بغيره وقيل كنى باليد عن سائر الجوارح لأن سلطنة الأفعال إنما تظهر بها إذ بها البطش والقطع والوصل والمنع والأخذ فقيل في كل عمل هذا مما عملته أيديهم وإن لم يكن وقوعه بها وفيه أن الأيدي واليدين توضعان موضع الأنفس

والنفس لأن أكثر الأفعال يزاول بهما ولا يعرف استعمال اليد المفردة بهذا المعنى ثم الحد والتعزير وتأديب الأطفال والدفع لنحو الصيال ونحوها فهي استصلاح وطلب للسلامة أو مستثنى شرعا أو لا يطلق عليه الأذى عرفا والمهاجر أي الكامل أو حقيقة لشموله أنواع الهجرة لأن فضله على الدوام من هجر أي ترك ما نهى الله عنه أي في الكتاب أو السنة وفي رواية ما حرم الله عليه وأريد بالمفاعلة المبالغة حيث لم تصح المغالبة هذا لفظ البخاري ورواه أبو داود والنسائي ولمسلم أي في صحيحه بعضه فإنه أخرج شطره الأول عن جابر مرفوعا بلفظه وبمعناه عن عبد الله بن عمرو قال إن رجلا سأل النبي وفي نسخة رسول الله أي المسلمين أي أي أفراد هذا الجنس أو أي قسمي هذا النوع خير أي أفضل وأكمل قال من سلم المسلمون من لسانه ويده ورواه البخاري بلفظ أي الإسلام أفضل قال من سلم الخ أي إسلام من سلم وقيل لكون أي لا تدخل إلا على متعدد كان فيه حذف تقديره أي أصحاب الإسلام وقيل أي خصال الإسلام وقيل الإسلام بمعنى المسلم كعدل بمعنى عادل مبالغة وفرق بين خير وأفضل مع أن كلاهما أفعل تفضيل بأن الأول من الكيفية إذ هو النفع في مقابلة الشر والمضرة والثاني من الكمية إذ هو كثرة الثواب في مقابلة القلة وفي الروايتين جميعا دلالة على أن المسلم في الرواية السابقة المراد بها الكامل ومن ثم قال الخطابي إن هذا على حد قولهم الناس العرب أي هم أفضل الناس فههنا المراد أفضل المسلمين من جمع إلى أداء حقوق الحق أداء حقوق الخلق والإقتصار على الثاني أما لأن الأول مفهوم بالطريق الأولى أو لأن تركه أقرب إلى العفو أو لأن الثاني يتعلق به الحقان فخص للإهتمام والإعتناء به ولحصول السلامة الدنيوية والأخروية بوجوده أو إشارة إلى أن علامة الإسلام هي السلامة من إيذاء الخلائق كما أن الكذب والخيانة وخلف الوعد علامة المنافق وعن أنس رضي الله عنه أي ابن مالك بن النضر الأنصاري الخزرجي النجاري بنون مفتوحة قبل جيم مشددة خادم رسول الله عشر سنين بعد ما قدم رسول الله المدينة

وهو ابن عشر سنين وقالت أمه يا رسول الله خويدمك ادع الله له فقال اللهم بارك في ماله وولده وأطل عمره واغفر ذنبه فقال لقد دفنت من صلبي مائة إلا اثنين وإن ثمرتي لتحمل في السنة مرتين ولقد بقيت حتى سئمت الحياة وأنا أرجو الرابعة أي المغفرة قيل عمر مائة سنة وزيادة وهو آخر من مات من الصحابة بالبصرة سنة ثلاث وتسعين انتقل إلى البصرة في خلافة عمر ليفقه الناس روى عنه خلق كثير وكنيته أبو حمزة وهي اسم بقلة حريفية ومنه حديث أنس كناني رسول الله ببقلة كنت أجتنيها قال قال رسول الله لا يؤمن أحدكم وفي رواية الرجل وفي أخرى أحد وهي أشمل منهما والأولى أخص أي إيمانا كاملا حتى أكون بالنصب بأن مضمرة وحتى جارة أحب إليه أفعل التفضيل بمعنى المفعول وللتوسع في الظرف قدم الجار على معمول أفعل وهو قوله من والده أي أبيه وخص عن الأم لأنه أشرف فمحبته أعظم أو المراد به ما يشملهما وهو ذو ولد وولده أي الذكر والأنثى وقدم الوالد لأنه أشرف وأسبق في الوجود وتقديم الولد في رواية النسائي لأن محبته أكثر وخصا لأنهما أعز من غيرهما غالبا وأبدلا في رواية بالمال والأهل تعميما لكل ما تحبه النفس فذكرهما إنما هو على سبيل التمثيل وكأنه قال حتى أكون أحب إليه من جميع أعزته ومن ثم أكد ذلك تأكيدا واستغراقا بقوله والناس أجمعين عطفا للعام على الخاص ثم النفس داخلة في هذا العموم لغة وإن كانت خارجة عرفا لما سيأتي في الحديث الآتي الموافق لقوله تعالى النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم الأحزاب وقوله تعالى قل إن كان آباؤكم الآية التوبة وليس المراد الحب الطبيعي لأنه لا يدخل تحت الإختيار ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها بل المراد الحب العقلي الذي يوجب إيثار ما يقتضي العقل رجحانه ويستدعي اختياره وإن كان على خلاف الهوى كحب المريض الدواء فإنه يميل إليه باختياره ويتناوله بمقتضى عقله لما علم وظن أن صلاحه فيه وإن نفر عنه طبعه مثلا لو أمره بقتل أبويه وأولاده الكافرين أو بأن يقاتل الكفار حتى يكون شهيدا لأحب أن يختار ذلك لعلمه أن السلامة في امتثال أمره أو المراد الحب الايماني الناشيىء عن الإجلال والتوقير والإحسان والرحمة وهو إيثار جميع أغراض المحبوب على جميع أغراض غيره حتى القريب والنفس ولما كان جامعا لموجبات المحبة من حسن الصورة والسيرة وكمال الفضل والإحسان ما لم يبلغه غيره استحق أن يكون أحب إلى المؤمن من نفسه فضلا عن غيره سيما وهو الرسول من عند المحبوب الحقيقي الهادي إليه والدال عليه والمكرم لديه قال القاضي ومن محبته نصر سنته والذب عن شريعته وتمني إدراكه في حياته ليبذل نفسه وماله دونه ا ه وممن ارتقى إلى غاية هذه المرتبة ونهاية هذه المزية سيدنا عمر رضي الله عنه فإنه لما سمع هذا الحديث أخبر بالصدق حتى وصل ببركة صدقه إلى كمال ذلك فقال بمقتضى الأمر الطبيعي لأنت يا رسول الله أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي فقال لا والذي نفسي

بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك فقال عمر فإنك الآن والله أحب إلي من نفسي فقال الآن يا عمر تم إيمانك رواه البخاري وهو يحتمل احتمالين أحدهما أنه فهم أولا أن المراد به الحب الطبيعي ثم علم أن المراد الحب الإيماني والعقلي فأظهر بما أضمر وثانيهما أنه أوصله الله تعالى إلى مقام الأتم ببركة توجهه عليه الصلاة والسلام فطبع في قلبه حبه حتى صار كأنه حياته ولبه ولهذا قيل فهذه المحبة منه رضي الله عنه ليست اعتقاد الأعظمية فحسب لأنها كانت حاصلة لعمر قبل ذلك قطعا بل أمر يترتب على ذلك به يفنى المتحلي به عن حظ نفسه وتصير خالية عن غير محبوبه قال القرطبي وكل من صح إيمانه به عليه الصلاة والسلام لا يخلو عن وجدان شيء من تلك المحبة الراجحة وإن استغرق بالشهوات وحجب بالغفلات في أكثر الأوقات بدليل أنا نرى أكثرهم إذا ذكر اشتاق إلى رؤيته وآثرها على أهله وماله وولده ووالده وأوقع نفسه في المهالك والمخاوف مع وجدانه من نفسه الطمأنينة بذلك وجدانا لا تردد فيه وشاهد ذلك في الخارج إيثار كثيرين لزيارة قبره الشريف ورؤية مواضع آثاره على جميع ما ذكر لما وقر في قلوبهم من محبته غير أن قلوبهم لما توالت غفلاتها وكثرت شهواتها كانت في أكثر أوقاتها مشتغلة بلهوها ذاهلة عما ينفعها ومع ذلك هم في بركة ذلك النوع من المحبة فيرجى لهم كل خير إن شاء الله تعالى ولا شك أن حظ الصحابة رضي الله عنهم من هذا المعنى أتم لأنه ثمرة المعرفة وهم بقدره ومنزلته أعلم وقال النووي في الحديث تلميح إلى صفة النفس المطمئنة والأمارة فمن رجح جانب نفسه المطمئنة كان حبه عليه الصلاة والسلام راجحا ومن رجح جانب نفسه الأمارة كان بالعكس ا ه واللوامة حالة بينهما مترتبة عليهما ولذا لم يذكرها معهما متفق عليه ورواه أحمد والنسائي وابن ماجة قال النووي مذهب أهل الحق من السلف والخلف أن من مات موحدا دخل الجنة قطعا على كل حال فإن كان سالما عن المعاصي كالصغير والمجنون الذي اتصل جنونه بالبلوغ والتائب توبة صحيحة من الشرك أو غيره من المعاصي إذا لم يحدث بعد توبته والموفق الذي ما لم بمعصية قط فكل هذا الصنف يدخلون الجنة ولا يدخلون النار أصلا لكنهم يردونها على الخلاف في الورود والصحيح أن المراد به المرور على الصراط وهو جسر منصوب على ظهر جهنم نعوذ بالله منها وأما من كانت له معصية كبيرة ومات من غير توبة فهو في مشيئة الله تعالى إن شاء عفا عنه وأدخله الجنة وإن شاء عذبه بالقدر الذي يريده سبحانه ثم يدخل الجنة فلا يخلد في النار أحد مات على التوحيد ولو عمل من المعاصي ما عمل كما لا يدخل الجنة من مات على الكفر ولو عمل ما عمل من أعمال البر وهذا هو المذهب الذي تظاهرت عليه أدلة الكتاب والسنة وإجماع من يعتد به بحيث حصل العلم القطعي فإن خالفه ظاهر حديث وجب تأويله جمعا بين الأدلة

وعنه أي عن أنس قال قال رسول الله ثلاث من كن فيه مبتدأ والشرطية خبر وجاز مع أنه نكرة لأن التقدير خصال ثلاث قال ابن مالك مثال الإبتداء بنكرة هي وصف قول العرب ضعيف عاذ بحرملة أي إنسان ضعيف التجأ إلى ضعيف والحرملة شجرة ضعيفة أو ثلاث خصال والتنوين عوض عن المضاف إليه على ما قاله ابن حجر وفيه أنه لم يعرف هذا في غير كل وبعض أو تنوينه للتعظيم فساغ الإبتداء به ويجوز أن تكون الشرطية صفة لثلاث ويكون الخبر من كان والمعنى ثلاث من وجدن واجتمعن فيه وجد أي أدرك وصادف وذاق بهن أي بسبب وجودهن في نفسه حلاوة الإيمان أي لذته ورغبته زاد النسائي وطعمه وأوثرت الحلاوة لأنها أظهر اللذات الحسية وقد ورد إن حلاوة الإيمان إذا دخلت قلبا لا تخرج منه أبدا ففيه إشارة إلى بشارة حسن الخاتمة له وقيل معنى حلاوة الإيمان استلذاذا الطاعات وإيثارها على جميع الشهوات والمستلذات وتحمل المشاق في مرضاة الله ورسوله وتجرع المرارات في المصيبات والرضا بالقضاء في جميع الحالات وفيه تلميح إلى الصحيح الذي يدرك الطعوم على ما هي عليه والمريض الصفراوي الذي بضده إذ يجد طعم العسل من نقص ذوقه بقدر نقص صحته فالقلب السليم من أمراض الغفلة والهوى يذوق طعمه ويتلذذ منه ويتنعم به كما يذوق الفم طعم العسل وغيره من لذيذ الأطعمة ويتنعم بها بل تلك اللذة الإيمانية أعلى فإن في جنبها يترك لذات الدنيا بل جميع نعيم الأخرى من كان لا بد من تقدير مضاف قبله لأنه على الوجه الأول أما بدل أو بيان أو خبر لمبتدأ محذوف هو هي أو هن أو إحداها وعلى الثاني خبر أي محبة من كان الله ورسوله أحب إليه بالنصب على أنه خبر وإفراده لأنه وصل بمن والمراد الحب الإختياري المذكور مما سواهما يعم ذوي العقول وغيرهم من المال والجاه وسائر الشهوات والمرادات وقد جمع النبي بين الله ونفسه بلفظ الضمير في ما سواهما مع نهيه عنه قائلا ومن عصاهما فقد غوى لأنه قد يجوز له ما لا يجوز لغيره ولذا قال عليه الصلاة والسلام في خطبة النكاح من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فلا يضر إلا نفسه ووجه التخصيص أنه لا يتطرق إليه إيهام التسوية بخلاف غيره لو جمع وإليه مال ابن عبد السلام ولذا قيل العمل بخبر المنع أولى لأن الخبر الآخر يحتمل الخصوص ولأنه قول والثاني فعل وقيل تثنية الضمير هنا للإيماء إلى أن المعتبر هو المجموع المركب من المحبتين لا كل واحدة فإنها وحدها ضائعة لاغية وإليه الإشارة بقوله تعالى قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببك

الله آل عمران والأمر بالإفراد هنالك للإشعار بأن كلا من العصيانين مستقل باستلزام الغواية فإن العطف يفيد تكرير العامل واستقلاله بالحكم فهو في قوة التكرار فكأنه قال من عصى الله فقد غوى ومن عصى رسوله فقد غوى لا يقال عصيان أحدهما عصيان للآخر فلا يتصور الإنفراد لأنا نقول كذلك لكن المراد تفظيع المعصية بأنه لو فرض وجودها من رسوله وحده لكانت مستقلة بالإغواء فكيف وهي لا توجد إلا منهما وهو معنى دقيق في غاية التحقيق وفيه إيماء لطيف وإنهاء شريف إلى أن المحبة مادة الاجتماع على وجه الكمال بحيث إنه لا يحتمل المغايرة ولذا قيل أنا من أهوى ومن أهوى أنا والمخالفة موجبة للإفتراق ولذا قال هذا فراق بيني وبينك الكهف ولتلك المحبة علامات من أظهرها ما أشار إليه يحيى بن معاذ الرازي بقوله حقيقة المحبة أن لا تزيد بالعطاء ولا تنقص بالجفاء ولا يتم هذا إلا لصديق جذبته أزمة العناية حتى أوقفته على عتبة الولاية وأحلته في رياض الشهود المطلق فرأى أن محبوبه هو الحق وما سواه باطل محقق ومن أحب أي وثانيتهما محبة من أحب عبدا أي موسوما بالعبودية لله حرا كان أو مملوكا لا يحبه أي لشيء إلا الله والإستثناء مفرغ أي لا يحبه لغرض وعرض وعوض ولا يشوب محبته حظ دنيوي ولا أمر بشري بل محبته تكون خالصة لله تعالى فيكون متصفا بالحب في الله وداخلا في المتحابين لله والجملة حال من الفاعل أو المفعول أو منهما ومن يكره أي وثالثتهما كراهة من يكره أن يعود أي يرجع أو يتحول في الكفر وقيل أن يصير بدليل تعديته بفي على حد أو لتعودن في ملتنا الأعراف فيشمل من لم يسبق له كفر أيضا ولا ينافيه قوله بعد أن أنقذه الله منه أي أخلصه ونجاه من الكفر لأن أنقذ بمعنى حفظ بالعصمة ابتداء بأن يولد على الإسلام ويستمر بهذا الوصف على الدوام أو بالإخراج من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان أو لا يشمله ولكنه مفهوم من طريق المساواة بل الأولى وفيه إيماء إلى قوله تعالى الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور البقرة أي بهدايته وتوفيقه فهو يعم الإبتداء والإنتهاء كما يكره أن يلقى في النار أي وكراهة من يكره الصيرورة في الكفر مثل كراهة الرمي والطرح في النار وفي رواية البخاري حتى أن يقذف في النار أحب إليه من أن يرجع في الكفر بعد أن أنقذه الله منه وفي أخرى لهما من كان يكره أن يلقى في النار أحب إليه من أن يرجع إليه يهوديا أو نصرانيا وفي رواية النسائي وأن توقد نار عظيمة فيقع فيها أحب إليه من أن يشرك بالله شيئا يعني أن

الوقوع في نار الدنيا أولى بالإيثار من العود في الكفر وفيه إيماء إلى قول السادة الصوفية الحجاب أشد العذاب ثم اعلم أن الخصلتين الأوليين من أبواب التحلي بالفواضل والفضائل والخصلة الأخيرة من أنواع التخلي من الرذائل ففيها تحثيث وتحريض وترغيب وتحريص على تحصيل بقية الشمائل وإيماء إلى أن المذكورات أمهات لغير المسطورات متفق عليه ورواه أحمد والنسائي والترمذي وابن ماجة بلفط ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار كذا في الجامع الصغير للسيوطي وعن العباس بن عبد المطلب أي عم النبي وكان أسن من النبي بسنتين ومن لطافة فهمه ومتانة علمه أنه لما سئل أنت أكبر أم النبي قال هو أكبر وأنا أسن وأمه أول امرأة كست الكعبة الحرير والديباج وأصناف الكسوة وذلك أن العباس ضل وهو صبي فنذرت إن وجدته أن تكسو البيت الحرام فوجدته ففعلت ذلك وكان العباس رئيسا في الجاهلية وإليه كانت عمارة المسجد الحرام والسقاية أما السقاية فهي معروفة بسقاية الحاج وأما العمارة فإنه كان يحمل قريشا على عمارته وبالخير وترك السباب فيه وقول الهجر قال مجاهد عتق العباس عند موته سبعين مملوكا ولد قبل سنة الفيل ومات يوم الجمعة لاثنتي عشرة خلت من رجب سنة اثنتين وثلاثين وهو ابن ثمان وثمانين ودفن بالبقيع وكان أسلم قديما وكتم إسلامه وخرج مع المشركين يوم بدر مكرها فقال النبي من لقي العباس فلا يقتله فإنه خرج مكرها فأسره أبو اليسر كعب بن عمر ففادى نفسه ورجع إلى مكة ثم أقبل إلى المدينة مهاجرا وروى عنه جماعة قال قال رسول الله ذاق طعم الإيمان أي نال وأدرك وأصاب ووجد حلاوته ولذته وأصل الذوق وجود أدنى طعم في الفم والمراد به الذوق المعنوي وأغرب ابن حجر حيث قال ذوقا حسيا أو معنويا من رضي أي قنع نفسه وطاب قلبه وانشرح صدره واكتفى بالله ربا أي مالكا وسيدا ومتصرفا ونصبه على التمييز وكذا أخواته وبالإسلام أي الشامل للإيمان دينا عطف عام على خاص وبمحمد والظاهر أنه ملحق وليس لفظ النبوة رسولا عطف خاص على عام والمقصود من الرضا الإنقياد الباطني والظاهري والكمال أن يكون صابرا على بلائه وشاكرا على نعمائه وراضيا بقدره وقضائه ومنعه

وإعطائه وأن يعمل بجميع شرائع الإسلام بامتثال الأوامر واجتناب الزواجر وأن يتبع الحبيب حق متابعته في سنته وآدابه وأخلاقه ومعاشرته والزهد في الدنيا والتوجه الكلي إلى العقبى رواه مسلم وكذا أحمد والترمذي وأخرج الديلمي في مسند الفردوس عن ابن عمر مرفوعا ألظوا ألسنتكم قول لا إله إلا الله محمد رسول الله وأن الله ربنا والإسلام ديننا ومحمدا نبينا فإنكم تسئلون عنها في قبوركم قال السيوطي في سنده عثمان بن مطر وعن أبي هريرة رضي الله عنه مر ذكره قال قال رسول الله والذي أي والله الذي نفس محمد أي روحه وذاته وصفاته وحالاته وإرادته وحركاته وسكناته بيده أي كائنة بنعمته وحاصلة بقدرته وثابتة بإرادته ووجه استعارة اليد للقدرة أن أكثر ما يظهر سلطانها في أيدينا وهي من المتشابهات ومذهب السلف فيها تفويض علمه إلى الله تعالى مع التنزيه عن ظاهره وهو أسلم حذرا من أن يعين له غير مراد له تعالى ويؤيده وقف الجمهور على الجلالة في قوله تعالى وما يعلم تأويله إلا الله آل عمران وعدوه وقفا لازما وهو ما في وصله إيهام معنى فاسد ومن ثم قال أبو حنيفة رحمه الله تأويل اليد بالقدرة يؤدي إلى تعطيل ما أثبته تعالى لنفسه وإنما الذي ينبغي الإيمان بما ذكره الله تعالى من ذلك ونحوه على ما أراده ولا يشتغل بتأويله فنقول له يد على ما أراده لا كيد المخلوقين ومذهب الخلف فيها تأويله بما يليق بجلال الله تعالى وتنزيهه عن الجسم والجهة ولوازمها بناء على أن الوقف على الراسخون في العلم وكان ابن عباس يقول أنا أعلم تأويله وأنا من الراسخين في العلم قيل وهذا أعلم وأحكم أي يحتاج إلى مزيد علم وحكمة حتى يطابق التأويل سياق ذلك النص وليس المعنى أن مذهب الخلف أكثر علما فالمذهبان متفقان على التنزيه وإنما الخلاف في أن الأولى ماذا أهو التفويض أم التأويل ويمكن حمل الخلاف على اختلاف الزمان فكان التفويض في زمان السلف أولى لسلامة صدورهم وعدم ظهور البدع في زمانهم والتأويل في زمان الخلف أولى لكثرة العوام وأخذهم بما يتبادر إلى الأفهام وغلو المبتدعة بين الأنام والله أعلم بالمرام ثم هو قسم جوابه لا يسمع بي وكان الأصل أن يقول والذي نفسي لكنه جرد من نفسه النفيسة من اسمه محمد وهو هو ليكون أبلغ وأوقع في النفس ثم التفت من الغيبة إلى التكلم تنزيلا من مقام الجمع إلى التفرقة ومن الكون مع الحق إلى الإشتغال بدعوة الخلق والإنتقال من خزانة الكمال إلى منصة التكميل قال العارف السهروردي الجمع  اتصال لا يشاهد صاحبه إلا الحق فمتى شاهد غيره فما ثم جمع فقوله آمنا بالله جمع وما أنزل إلينا المائدة تفرقة وقال الجنيدي قدس الله سره ويسمى سيد الطائفة لأنه لم ينطق قط بما لا يطابق الكتاب والسنة القرب بالوجد جمع وغيبته في البشرية تفرقة وكل جمع بلا تفرقة زندقة وكل تفرقة بلا جمع تعطيل ثم قيل الباء زائدة أو بمعنى من والأظهر أنها لتأكيد التعدية كما في قوله تعالى ما سمعنا بهذا المؤمنون أو ضمن معنى الأخبار أي ما يسمع مخبرا ببعثي وحاصل المعنى لا يعلم رسالتي أحد أي ممن هو موجود أو سيوجد من هذه الأمة أي أمة الدعوة ومن تبعيضية وقيل بيانية يهودي ولا نصراني صفتان لأحد وحكم المعطلة وعبدة الأوثان وثان يعلم بالطريق الأولى أو بدلان عنه بدل البعض من الكل وخصا لأن كفرهما أقبح وعلى كل لا زائدة لتأكيد الحكم ثم يموت فيه إشارة إلى أنه ولو تراخى إيمانه ووقع قبل الغرغرة نفعه ولم يؤمن بالذي أرسلت به أي من الدين المرضي والجملة حال أو عطف إلا كان أي في علم الله أو بمعنى يكون وتعبيره بالمضي لتحقق وقوعه وهو استثناء مفرغ من أعم الأحوال من أصحاب النار أي ملازميها بالخلود فيها وأما الذي سمع وآمن فحكمه على العكس وأما الذي لم يسمع ولم يؤمن فهو خارج عن هذا الوعيد ثم اعلم أن لا في لا يسمع بمعنى ليس وثم يموت عطف على يسمع المثبت ولم يؤمن عطف على يموت أو حال من فاعله وليس لنفي هذا المجموع وتقديره ليس أحد يسمع بي ثم يموت ولم يؤمن أو غير مؤمن كائنا من أصحاب شيء إلا من أصحاب النار رواه مسلم وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أسلم بمكة وهاجر إلى أرض الحبشة ثم قدم مع أهل السفينة ورسول الله بخيبر ولاه عمر بن الخطاب البصرة سنة عشرين فافتتح أبو موسى الأهواز ولم يزل على البصرة إلى صدر من خلافة عثمان ثم عزل عنها فانتقل إلى الكوفة فأقام بها وكان واليا على أهل الكوفة إلى أن قتل عثمان ثم انتقل أبو موسى إلى مكة بعد التحكيم فلم يزل بها إلى أن مات سنة اثنين وخمسين قال قال رسول الله ثلاثة أي أشخاص ثلاثة مبتدأ خبره لهم أجران أي لكل

واحد أجران عظيمان مختصان به لا مشاركة لغيره فيهما رجل بدل من المبتدأ بدل بعض والعطف بعد الربط أو بدل كل والربط بعد العطف أو خبر مبتدأ محذوف أي أحدهم أو مبتدأ موصوف محذوف الخبر أي منهم أو هو خبر المبتدأ ولهم أجران صفته والمرأة في حكم الرجل من أهل الكتاب آمن بنبيه خبر بعد خبر واختلف الشراح أن المراد هو النصراني أو اليهودي أيضا وإلى الأول جنح صاحب الأزهار وأيده بالدلائل العقلية والنقلية ومال غيره إلى الثاني وأيده بمؤيدات نقلية والخلاف مبني على أن النصرانية هل هي ناسخة لليهودية أم لا وعلى كل فمن كذبه منهم واستمر على يهوديته لم يكن مؤمنا بنبيه فإن قلت يؤيد إرادة الإنجيل وحده رواية البخاري فإذا آمن بعيسى ثم آمن بي فله أجران قلت لا يؤيده لأن النص على عيسى إنما هو لحكمة هي بعد بقاء مؤمن بموسى دون عيسى مع صحة إيمانه بأن لم يبلغه دعوة عيسى إلى بعثة نبينا فآمن به وهذا وإن استبعد وجوده لكن في حمل أهل الكتاب على ما يشمله فائدة هي أن اليهود من بني إسرائيل ومن دخل في اليهودية من غيرهم ولم يبلغه دعوة عيسى يصدق عليه أنه يهودي مؤمن بنبيه موسى ولم يكذب نبيا آخر بعده فإذا أدرك بعثة نبينا وآمن به تناوله الخبر المذكور والأجر المسطور ومن هؤلاء عرب نحو اليمن متهودون ولم تبلغهم دعوة عيسى لاختصاص رسالته ببني إسرائيل إجماعا دون غيرهم فاتضح بهذا أن المراد التوراة والإنجيل كما هو المعهود ذهنا في نصوص الكتاب والسنة ومما يصرح بالعموم الآية النازلة في عبد الله بن سلام وأشباهه وهي الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون القصص إلى قوله أولئك يؤتون أجرهم مرتين القصص روى الطبراني من حديث رفاعة القرظي قال نزلت هذه الآية في وفيمن آمن بي وروى الطبراني أنها نزلت في سلمان وابن سلام ولا تنافي لأن الأول كان نصرانيا والثاني كان يهوديا فإن قلت يهود المدينة لم يؤمنوا بعيسى فكيف استحقوا الأجرين قلت لا نسلم عدم إيمانهم به وحاشا مثل ابن سلام وأضرابه مع سعة علومهم وكمال عقولهم أن يكفروا بعيسى كذا حققه ابن حجر والمراد من آمن بنبيه إيمانا صحيحا بأن يؤمن اليهودي بموسى عليه الصلاة والسلام قبل العلم بنسخ شرعه بالإنجيل بناء على أنه ناسخ وإلا فقبل نسخه بشريعتنا واليهودي والنصراني بعيسى عليه الصلاة والسلام بالنسبة لمن علم رسالته إليه قبل نسخ شرعه بشريعتنا وإنما قيدوا بما قبل النسخ لأن المؤمن بنبي بعد أن بلغته دعوة غيره الناسخة له لا أجر له على إيمانه به لأنه لا يصدق عليه حينئذ أنه آمن بنبيه قيل ويحتمل أنه لا يحتاج إلى هذا التقييد إذ لا يبعد أن يكون طرق الإيمان بنبينا عليه الصلاة والسلام سببا لثوابه على الإيمان السابق كما أن الكافر إذا أسلم يثاب على حسناته السابقة في الكفر ا ه ويؤيده عموم قوله تعالى يا أيه

الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته الحديد وكذا كتابه عليه الصلاة والسلام إلى هرقل أسلم يؤتك الله أجرك مرتين وقومه لم يكونوا من بني إسرائيل وإنما دخلوا في النصرانية بعد التبديل كما صرح به شيخ الإسلام البلقيني وغيره وهذا هو الظاهر وقيل يحتمل أن يكون تضعيف الأجر له من جهة إسلامه ومن جهة أن يكون إسلامه سببا لإسلام أتباعه وآمن بمحمد أي إيمانا صحيحا أيضا وإنما لم يقل وبمحمد مع أنه أخصر للإشعار بتخصيص كل من النبيين بالإيمان على سبيل الإستقلال دون التبعية ثم الإيمان به متضمن للإيمان بجميع الأنبياء فالمقصود أن إيمانه السابق مثاب عليه فإنه كان حقا والعبد المملوك وصف به لأنه المراد لا مطلق العبد إذ جميع الناس عباد الله إذا أدى حق الله من صلاة وصوم ونحوهما وحق مواليه أي أسياده وملاكه ومتولي أمره من خدمتهم الجائزة جهده وطاقته وجمع الموالي لأن أل في العبد للجنس فلكل عبد مولى عند التوزيع أو للإشارة إلى أنه لو كان مشتركا بين جماعة فلا بد أن يؤدي حقوق جميعهم فيعلم المنفرد بالأولى أو للإيماء إلى أنه إذا تعدد مواليه بالمناوبة على جري العادة الغالبة فيقوم بحق كل منهم ورجل كانت عنده أمة يطؤها أي يجامعها وفائدة هذا القيد أنه مع هذا أيضا يحصل له الثواب في تربيتها وقيل ليس المراد وقوع الوطء بالفعل بل بالقوة ويؤيده إسقاطه من رواية البخاري وهي إذا أدب الرجل أمته فأحسن تأديبها ثم أعتقها فتزوجها كان له أجران فأدبها أي علمها الخصال الحميدة مما يتعلق بآداب الخدمة إذ الأدب هو حسن الأحوال من القيام والقعود وحسن الأخلاق فأحسن تأديبها بأن يكون بلطف من غير عنف وعلمها ما لا بد من أحكام الشريعة لها فأحسن تعليمها بتقديم الأهم فالأهم ثم أعتقها أي بعد ذلك كله ابتغاء لمرضاة الله فتزوجها تحصينا لها ورحمة عليها فله أي فللرجل الأخير أجران أجر على عتقه وأجر على تزوجه كذا قالوه وقيل أجر على تأديبه وما بعده وأجر على عتقه وما بعده ويكون هذا هو فائدة العطف بثم إشارة إلى بعد ما بين المرتبتين قيل وفي تكرير الحكم اهتمام بشأن الأمة وتزوجها وقيل يجوز أن يعود الضمير في فله إلى كل واحد من الثلاثة فيكون التكرير للتأكيد أو لطول الكلام فيكون كالفذلكة كقوله تعالى ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم البقرة الآية ويمكن أن يكون من باب اختصار الراوي أو نسيانه وقيل إنما ذكر في الأمة فله أجران دون ما سبق تأكيدا لحالها فإن ما يوجب الأجرين فيها مستحب جائز الترك وهو الإعتاق والتزوج فاحتيج إلى التأكيد لئلا يتر

بخلاف ما سبق فإنه واجب لا يجوز تركه أو إشعارا بأن ما يوجب الأجرين مختصا بالأمة من جملة ما ذكر فيها من الأمور الأربعة هو الإعتاق والتزوج فلذا ذكر عقيبهما فله أجران بخلاف التأديب والتعليم فإنهما موجبان للأجر في الأجنبي والأولاد وجميع الناس فلا يكون مختصا بالإماء ومن ثمة اتجه سياق الشعبي لهذا الحديث ردا على من قال إن المتزوج لعتيقته كالراكب لبدنته أي فلا أجر له وكان هذا هو الحامل لهم على ما مر من تفسيرهم الأجرين بواحد على العتق وآخر على التزوج لأنه يصير محسنا إليها إحسانا أعظم بعد إحسان أعظم بالعتق لأن الأول فيه تخليص من قهر الرق وأسره والثاني فيه الترقي إلى إلحاق المقهور بقاهره قال تعالى في الزوجات ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف البقرة قال الكرماني فإن قلت ما العلة في تخصيص هؤلاء الثلاثة والحال أن غيرهم أيضا كذلك مثل من صلى وصام فإن للصلاة أجرا وللصوم أجرا وكذا مثل الولد إذا أدى حق الله وحق والده قلت الفرق بين هذه الثلاثة وغيرهم أن الفاعل من كل منهم جامع بين أمرين بينهما مخالفة عظيمة كان الفاعل لهما فاعل للضدين ا ه وفيه أن هذه الضدية بعينها موجودة في حق الله تعالى وحق الوالد فالأحسن أن يقال المراد هذه الأشياء وأمثالها و ليس المقصود بذكرها نفي ما عداها على ما عليه الجمهور ولذا قال المهلب في الحديث دليل على أن من أحسن في معنيين من أي فعل كان من أفعال البركان له أجره مرتين وقال السيد جمال الدين يمكن أن يقال إن هذه الطوائف الثلاثة لكل منها أجران بسبب عمل واحد بشرط مقارنة عمل آخر فالذي آمن من أهل الكتاب وآمن بمحمد له أجران بسبب الإيمان بنبينا لكن بشرط الإيمان بنبيه والعبد المملوك له أجران بسبب أداء حق الله لكن بشرط أداء حق مولاه تأمل ا ه وأنت إذا تأملت ظهر لك أن المقارنة ليست بشرط أصلا وأن الأجرين إنما هو في مقابلة الإيمانين وأداء الحقين فالوجه ما قدمناه ويمكن أن يقال لما كان يتوهم من نسخ الأديان المتقدمة أن لا ثواب لأصحابها مطلقا دفعه بهذا القول وكذا المشهور عند العامة أن ثواب عبادة المملوك للمالك فلذا خصه بالذكر وربما كان يقال إن إعتاق الجارية وتزوجها لغرض نفسه وهو طبعه فلا يكون فيهما أجر فرفعه وبالغ فيه وقال له أجران أو يقال لما كان كل واحد من هؤلاء المذكورين في زمان الجاهلية ممتنعا من العمل الثاني فخصهم بالذكر وحضهم على الفعل بقوله لهم أجران والله أعلم قيل وإنما لم يضم مع هؤلاء الثلاث أمهات المؤمنين مع أن لهن الأجر مرتين لأن ذلك خاص بهن وما هنا عام متفق عليه قال السيوطي في الجامع الصغير رواه الشيخان وأحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة بلفظ ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وأدرك النبي فآمن به وأتبعه وصدقه فله أجران وعبد مملوك أدى حق الله وحق سيده فله أجران ورجل كانت له أمة فغذاها فأحسن غذاءها ثم أدبها فأحسن تأديبها وعلمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها وتزوجها فله أجران

وعن ابن عمر رضي الله عنهما مر ذكره قال قال رسول الله أمرت لم يذكر الآمر للعلم به أي أمرني ربي بالوحي الجلي أو الخفي أن أقاتل الناس أي بأن أجاهدهم وأحاربهم فأن مصدرية أو مفسرة لما في الأمر من معنى القول حتى يشهدوا وفي رواية حتى يقولوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله أكثر الشراح على أن المراد بالناس عبدة الأوثان دون أهل الكتاب لأنهم يقولون لا إله إلا الله ولا يرفع عنهم السيف إلا بالإقرار بنبوة محمد عليه الصلاة والسلام أو إعطاء الجزية ويؤيده رواية النسائي أمرت أن أقاتل المشركين ولا يتم هذا إلا على رواية لم يوجد فيها وأن محمدا رسول الله وقال الطيبي المراد الأعم لكن خص منه أهل الكتاب بالآية قيل وهو الأولى لأن الأمر بالقتال نزل بالمدينة مع كل من يخالف الإسلام قال ابن الصباغ في الشامل لما بعث النبي فرض عليه التوحيد والتبليغ وقراءة القرآن بقوله اقرأ باسم ربك الذي خلق العلق ثم فرض الصلاة بمكة وفرض الصوم بعد سنتين من الهجرة والحج في السنة السادسة أو الخامسة وأما الزكاة فقيل بعد الصيام وقيل قبله وأما الجهاد فلم يؤذن له بمكة وأذن له بالمدينة لمن ابتدأ به ثم ابتدأهم به دون الحرم والأشهر الحرم ثم نسخ ذلك وأبيح ابتداؤهم في الأشهر الحرم والحرم وقال ابن حجر حتى غاية لأمرت أو أقاتل وهو أولى أي إلى أن يأتوا بأربعة أشياء ما لم يعطوا الجزية إن كانوا من أهلها أو يعقد لهم أمان أو هدنة إن كانوا من غير أهلها كما استفيد من أدلة أخرى ا ه وقوله وهو أولى خلاف الأولى لأن الغاية تتعين للمقاتلة القابلة للإستمرار ولا يصح أن يكون غاية للأمر لعدم الإستقرار ويقيموا الصلاة أي المفروضة بأن يأتوا بشرائطها وأركانها المجمع عليها قيل فيه دليل لمذهب الشافعي أن تارك الصلاة يقتل بشرطه المقرر في الفقه وفيه أن الكلام في المقاتلة لا في القتل ومقاتلة الإمام لتاركي الصلاة إلى أن يأتوا بها محل وفاق مع أنه منقوض بترك الزكاة فإنه لم يقل به أحد ويؤتوا الزكاة وهي لا تكون إلا مفروضة وفيه دليل لقتال مانعيها ولا نزاع فيه ومن ثم قاتلهم الصديق وأجمع عليه الصحابة رضي الله عنهم وقيل معناه حتى

يقبلوا فرضيتهما ثم قيل أراد الخمسة التي بني الإسلام عليها وإنما خصتا بالذكر لأنهما أم العبادات البدنية والمالية وأساسهما والعنوان على غيرهما ولذا سمى الصلاة عماد الدين والزكاة قنطرة الإسلام وقرن بينهما في القرآن كثيرا أو لكبر شأنهما على النفوس لتكررهما أو لم يكن الصوم والحج مفروضين حينئذ والمراد حتى يسلموا ويدل عليه رواية البخاري حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به ولهذا حذفتا في رواية استغناء عنهما بالشهادتين لأنهما الأصل والتحقيق أن يقال الشهادة إشارة إلى تخلية لوح القلب عن الشرك الجلي والخفي وسائر النقوش الفاسدة الردية ثم تحليته بالمعارف اليقينية والحكم الإلهية والإعتقادات الحقية وأحوال المعاد وما يتعلق بالأمور الغيبية والأحوال الأخروية لأن من أثبت ذات الله بجميع أسمائه وصفاته التي دل عليها اسم الله ونفي غيره وصدق رسالة النبي بنعت الصدق والأمانة فقد وفى بعهدة عهده وبذل نهاية جهده في بداية جهده وآمن بجميع ما وجب من الكتب والرسل والمعاد ولذا لم يتعرض لإعداد سائر الأعداد وإقامة الصلاة إرشاد إلى ترك الراحات البدنية وإتعاب الآلات الجسدية وهي أم العبادات التي إذا وجدت لم يتأخر عنها البواقي ولذا استغنى عن عدها وترك السيآت فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر وإيتاء الزكاة هو الإعراض عن الفضول المالية بل عن كل موجود وهمي بالموجود الحقيقي وبذل المال الذي هو شقيق الروح لإستفتاح أبواب الفتوح واللام فيهما للعهد أو للجنس فينصرف إلى الكامل كقولهم هو الرجل كأن ما عدا صلاة المسلمين وزكاتهم ليس صلاة ولا زكاة فإذا فعلوا ذلك أي المذكور من الشهادتين والصلاة والزكاة ويسمى القول فعلا لأنه عمل اللسان أو تغليبا عصموا بفتح الصاد أي حفظوا أو منعوا مني أي من أتباعي أو من قبلي وجهة ديني دماءهم وأموالهم أي استباحتهم بالسفك والنهب المفهوم من المقاتلة إلا بحق الإسلام أي دينه والإضافة لامية والإستثناء مفرغ من أعم عام الجار والمجرور أي إذا فعلوا ذلك لا يجوز إهدار دمائهم واستباحة أموالهم بسبب من الأسباب إلا بحق الإسلام من استيفاء قصاص نفس أو طرف إذا قتل أو قطع ومن أخذ مال إذا غصب إلى غير ذلك من الحقوق الإسلامية كقتل لنحو زنا محصن وقطع لنحو سرقة وتغريم مال لنحو إتلاف مال الغير المحترم وقال ابن مالك الإستثناء من الدماء والأموال بحذف موصوف أي إلا دماء أو أموالا ملتبسة بحق وحسابهم أي فيما يسترون من الكفر والمعاصي بعد ذلك على الله والجملة مستأنفة أو معطوفة على جزاء الشرط والمعنى أنا نحكم بظاهر الحال والإيمان القولي ونرفع عنهم ما على الكفار ونؤاخذهم بحقوق الإسلام بحسب ما يقتضيه ظاهر حالهم لا أنهم مخلصون والله يتولى حسابهم فيثيب المخلص ويعاقب المنافق ويجازي المصر بفسقه أو يعفو عنه وفيه دليل على أن من أظهر الإسلام وأبطن الكفر

يقبل إسلامه في الظاهر وذهب مالك إلى أنه لا تقبل توبة الزنديق وهو من يظهر الإسلام ويخفي الكفر ويعلم ذلك بأن يقر أو يطلع منه على كفر كان يخفيه فقيل لا تقبل ويتحتم قتله لكنه إن صدق في توبته نفعه في الآخرة وقيل يقبل منه مرة فقط وقيل ما لم يكن تحت السيف وقيل ما لم يكن داعية للضلال وقيل معنى الحديث أن القتال والعصمة إنما هما في الأحكام الدنيوية وأما الأمور الأخروية من الثواب والعقاب وكميتها وكيفيتها فهو مفوض إلى الله تعالى لا دخل لنا فيه ا ه وقد يرجع إلى المعنى الأول فتأمل وقيل معناه أن الحساب كالواجب في تحقق الوقوع وقيل هو واجب شرعا بحسب وعده تعالى به فيجب أن يقع لا أنه تعالى يجب عليه شيء فلا حجة فيه للمعتزلة في زعمهم وجوبه على الله تعالى عقلا ثم الحساب مصدر كالمحاسبة وهو العد قيل ومعنى حسابهم على الله أن يعلمهم مالهم وما عليهم بأن يخلق العلم الضروري في قلوبهم بمقادير أعمالهم وبمالهم من الثواب والعقاب عن ابن عباس أنه قال لا حساب على الخلق بل يقفون بين يدي الله ويعطون كتبهم بأيمانهم فيقال قد تجاوزت عنها ثم يعطون حسناتهم فيقال قد ضعفتها لكم فيكون مجازا من باب إطلاق السبب على المسبب لأن الحساب سبب لحصول علم الإنسان بماله أو عليه أو أنه يجازيهم إذ الحساب سبب للأخذ والإعطاء قال تعالى والله سريع الحساب النور ومعنى سرعته أن قدرته تعالى متعلقة بجميع الممكنات من غير أن يفتقر في إحداث شيء إلى فكر وروية ومدة وعدة ولذا ورد أنه يحاسب الخلق في مقدار حلبة شاة أو في لمحة متفق عليه أي اتفق البخاري ومسلم على رواية جميع الحديث المذكور إلا أن مسلما لم يذكر إلا بحق الإسلام لكنه مراد ورواه النسائي وابن ماجة من حديث جابر وهذا الحديث موافق لقوله تعالى فإن تابوا أي عن الكفر بإتيان الشهادتين وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم التوبة وفي الجامع الصغير رواه الجماعة عن أبي هريرة وهو متواتر أي معنوي بلفظ أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله وفي الجامع الكبير روى ابن جرير والطبراني في الأوسط عن أنس وحسنه بلفظ أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها قيل وما حقها قال زنا بعد إحصان أو كفر بعد إسلام أو قتل نفس فيقتل بها ا ه ففي هذا الحديث دلالة ظاهرة على أن الإقرار شرط لصحة الإسلام وترتب الأحكام ورد بليغ على المرجئة في قولهم أن الإيمان غير مفتقر إلى الأعمال ودليل على عدم تكفير أهل البدع من أهل القبلة المقرين بالتوحيد الملتزمين للشرائع

وعن أنس مر ذكره أنه هو ثابت في النسخ المصححة قال قال رسول الله من صلى صلاتنا أي كما نصلي ولا توجد إلا من موحد معترف بنبوته ومن اعترف به فقد اعترف بجميع ما جاء به فلذا جعل الصلاة علما لإسلامه ولم يذكر الشهادتين لدخولهما في الصلاة حقيقة أو حكما واستقبل قبلتنا إنما ذكره مع اندراجه في الصلاة لأن القبلة أعرف إذ كل أحد يعرف قبلته وإن لم يعرف صلاته ولأن في صلاتنا ما يوجد في صلاة غيرنا واستقبال قبلتنا مخصوص بنا ولم يتعرض للزكاة وغيرها من الأركان اكتفاء بالصلاة التي هي عماد الدين أو لتأخر وجوب تلك الفرائض عن زمن صدور هذا القول ثم لما ميز المسلم عن غيره عبادة ذكر ما يميزه عبادة وعادة بقوله وأكل ذبيحتنا فإن التوقف عن أكل الذبائح كما هو من العبادات فكذلك من العادات الثابتة في الملل المتقدمات والذبيحة فعيلة بمعنى مفعولة والتاء للجنس كما في الشاة فذلك أي من جمع هذه الأوصاف الثلاثة مبتدأ خبره المسلم أو هو صفته وخبره الذي له ذمة الله وذمة رسوله أي أمانهما وعهدهما من وبال الكفار وما شرع لهم من القتل والقتال وغيرهما أي يرتفع عنه هذا وكرر لفظة ذمة إشعارا بأن كلا منهما مقصود وأن الأصل هو الأول وأنهما متلازمان ولذا اقتصر عليه في قوله فلا تخفروا الله في ذمته من الإخفار أي لا تخونوا الله في عهده ولا تتعرضوا في حقه من ماله ودمه وعرضه أو الضمير للمسلم أي فلا تنقضوا عهد الله بحذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه في ذمته أي ما دام هو في أمانة رواه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي بمعناه وعن أبي هريرة رضي الله عنه مر ذكره قال أتى أعرابي أي بدوي منسوب إلى الأعراب وهم سكان البادية كما أن العرب سكان البلد النبي أي جاءه وفي نسخة إلى النبي فقال دلني بضم الدال وفتح اللام المشدة أي أرشدني بالدلالة على عمل صفته أنه إذا عملته دخلت الجنة أي دخولا أوليا غير مسبوق بنوع من العذاب قال تعبد الله خبر بمعنى الأمر أو في تأويل المصدر بتقدير أن ولما حذفت رفع الفعل وقيل مع بقاء أثره من

النصب أو تنزيلا منزلة المصدر بذكر الفعل وإرادة الحدث كما في تسمع بالمعيدي خير من أن تراه وكقوله تعالى ومن آياته يريكم البرق الروم وهو في الحديث مرفوع المحل بالخبرية لمبتدأ محذوف أي هو يعني العمل الذي إذا عملته دخلت الجنة هو عبادة الله الخ ثم قيل المراد بالعبادة التوحيد للعطف والأصل المغايرة وهو شامل للنبوة لأنه لا يعتبر بدونها فذكره مغن عن ذكرها وقيل السائل كان مؤمنا فذكره لشرفه وكونه أصلا وقيل إنه من باب عطف الخاص على العام ولا تشرك به شيئا أي من الأشياء أو من الشرك جليا أو خفيا والجملة حالية أي غير مشرك وهو يؤيد أن المراد بالعبادة التوحيد وهذه الجملة تفيد التأكيد وعلى الثاني قيل إنما ذكره ردا على الكفار حيث قالوا ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى الزمر وبيانا لأن العبادة لا تكمل إلا إذا سلمت من طرق الرياء قال تعالى فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا الكهف قال العارفون التعبد إما لنيل الثواب أو التخلص من العقاب وهي أنزل الدرجات وتسمى عبادة لأن معبوده في الحقيقة ذلك المطلوب بل نقل الفخر الرازي إجماع المتكلمين على عدم صحة عبادته أو للتشرف بخدمته تعالى والإنتساب إليه وتسمى عبودية وهي أرفع من الأولى ولكنها ليست خالصة له أو لوجهه تعالى وحده من غير ملاحظة شيء آخر وتسمى عبودة وهي أعلى المقامات وأرفع الحالات وتقيم الصلاة المكتوبة أي المفروضة على الأعيان بشرائطها وأركانها المعلومة وتؤدي أي تعطي الزكاة المفروضة والتغاير بينهما للتفنن وهي هنا للتأكيد لئلا يتوهم المعنى اللغوي وهو مطلق الصدقة بخلاف الأولى فإنها احترازية والمعنى أداء مقدارها المعينة لمصارفها المقررة وتصوم رمضان ولا يكون إلا مفروضا ولذا لم يقيده ومن ثم صح صومه بنية مطلقة قال أي الأعرابي والذي نفسي بيده فيه جواز اليمين لغير ضرورة لا أزيد على هذا أي ما ذكر شيئا أي من عندي ولا أنقص منه وقيل لا أزيد على هذا السؤال ولا أنقص في العمل مما سمعته أو كان الرجل وفدا فالمعنى لا أزيد على ما سمعت في تبليغه ولا أنقص منه ولما كانت العبادة شاملة لفعل الواجبات وترك المنكرات أو أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر صح إثبات النجاة له بمجرد ذلك ويؤيده رواية البخاري فأخبره رسول الله بشرائع الإسلام فأدبر الرجل وهو يقول والله لا أزيد ولا أنقص مما فرض الله تعالى علي شيئا وقيل قصد به المبالغة في التصديق والقبول أي قبلت قولك فيما سألتك عنه قبولا لا مزيد عليه من جهة السؤال ولا نقص فيه من طريق القبول قيل وهذا قبل مشروعية النوافل ولا حاجة إلى هذا فإنها متممات ومكملات للفرائض لا زيادة عليها مع أنه قد يقال مراده أنه لا يزيد على الأجناس المذكورة ولم يذكر هنا الحج ولا الصوم في رواية ولا الزكاة في أخرى ولا الإيمان في أخرى وذكر في بعضها صلة الرحم وفي بعضها أداء الخمس وأجاب ابن الصلاح كالقاضي عياض بأن سبب ذلك تفاوت الرواة حفظا وإتقانا

فلما ولى أي أدبر الأعرابي وذهب قال النبي من سره أي أوقعه في السرور وأعجبه والفاعل هو أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر جواب الشرط أو خبر متضمنة إلى هذا أي هذا الرجل لعزمه على فعل المأمورات وترك المحظورات فعلى من أراد اللحوق به في ذلك أن يصمم على ما صمم عليه ليكون من الناجين وليحشر مع السابقين فيحتمل أن تكون الإشارة إلى الفرد الجنسي وهو ظاهر أو إلى الفرد الشخصي وهو الأظهر ويكون العلم أما بالوحي أو بغلبة الظن متفق عليه وعن سفيان بتثليث السين والضم هو المشهور بن عبد الله أي ابن ربيعة الثقفي بفتحتين نسبة إلى قبيلة ثقيف يكنى أبا عمرو وقيل أبا عمرة يعد في أهل الطائف له صحبة وكان عاملا لعمر بن الخطاب على الطائف مروياته خمسة أحاديث قال قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام أي فيما يكمل به الإسلام ويراعى به حقوقه ويستدل به على توابعه وقيل التقدير في مباديء الإسلام وغاياته قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك أي قولا جامعا لا أحتاج فيه إلى سؤال أحد بعد سؤالك هذا كقوله تعالى وما يمسك فلا مرسل له من بعده فاطر أي من بعد إمساكه وفي رواية غيرك أي لا أسأل عنه أحدا غيرك والأول مستلزم لهذا لأنه إذا لم يسأل أحدا بعد سؤاله لم يسأل غيره وبهذا يظهر وجه أولوية الأول بجعله أصلا والثاني رواية خلافا لما فعل النووي في أربعينه قال قل آمنت بالله أي بجميع ما يجب الإيمان به ثم استقم هذا مقتبس من قوله تعالى إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموه يعني على امتثال الأوامر واجتناب الزواجر فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون الأحقاف وفي اية أخرى تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون الآيات فصلت روي عن علي رضي الله عنه أنه قال قلت يا رسول الله أوصني فقال قل ربي الله ثم استقم قال قلت ربي الله وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب فقال ليهنك العلم أبا الحسن وهذا الحديث من جوامع الكلم الشامل لأصول الإسلام التي هي التوحيد والطاعة فالتوحيد حاصل بقوله آمنت بالله والطاعة بأنواعها مندرجة تحت قوله ثم استقم لأن

الإستقامة امتثال كل مأمور واجتناب كل محذور فيدخل فيه أعمال القلوب والأبدان من الإيمان والإسلام والإحسان إذ لا تحصل الإستقامة مع شيء من الإعوجاج ولذا قالت الصوفية الإستقامة خير من ألف كرامة أو تقول آمنت بالله شامل للإتيان بكل الطاعات والإجتناب عن كل المنهيات وقوله ثم استقم محمول على الثبات فيهما ولعظمة أمر الإستقامة قال عليه السلام شيبتني سورة هود لأنه نزل فيها فاستقم كما أمرت وهي جامعة لجميع أنواع التكاليف وقالت الصوفية لأن الدعوة إلى الله مع كون المدعو على الصراط المستقيم أمر صعب لا يمكن إلا إذا كان الداعي على بصيرة يرى أنه يدعوه من اسم إلى اسم قال ابن عباس في قوله تعالى فاستقم كما أمرت هود ما نزل على رسول الله في جميع القرآن آية كانت أشد ولا أشق عليه من هذه الآية ولذا قال عليه الصلاة والسلام لما قالوا له قد أسرع إليك الشيب شيبتني هود وأخواتها وقال الفخرالرازي الإستقامة أمر صعب شديد لشمولها العقائد بأن يجتنب التشبيه والتعطيل والأعمال بأن يحترز عن التغيير والتبديل والأخلاق بأن يبعد عن طرفي الإفراط والتفريط وقال الغزالي الإستقامة على الصراط فيس الدنيا صعب كالمرور على صراط جهنم وكل واحد منهما أدق من الشعر وأحد من السيف ا ه ومما يؤيد صعوبة هذا المرقى خبر استقيموا ولن تحصوا أي ولن تطيقوا أن تستقيموا حق الإستقامة ولكن اجتهدوا في الطاعة حق الإطاعة فإن ما لا يدرك كله لا يترك كله وفيه تنبيه نبيه على أن أحدا لا يظن بنفسه الإستقامة ولا يتوهم أنه خرج بالكلية من صفة النفس اللوامة فيقع في العجب والغرور اللذين هما أقبح من كل ما يترتب عليه الملامة نسأل الله السلامة وقد يقال السين لطلب القيام والثبات على الحالات والمقامات في جميع الساعات إلى الممات ثم قد يقال الحكمة في عدم الإطاقة على دوام الإطاعة أن تراب الإنسان عجن بماء النسيان الناشىء عنه العصيان ولذا قال عليه الصلاة والسلام كلكم خطاؤن وخير الخطائين التوابون فجنس الإنسان كنوع النسوان التي خلقن من الضلع الأعوج فلا يتصور منهن الإستقامة على صفة الإدامة وكل ميسر لما خلق له ولا يزول طبع عما جبل عليه كما ورد في حديث الإشارة إليه هذا ولفظة ثم مستعارة للتراخي الرتبي لأن الإستقامة أفضل من قوله آمنت بالله لشمولها العقائد والأعمال والأخلاق ذكره الزمخشري والإمام وهي لغة ضد الإعوجاج أي الإستواء في

جهة الإنتصاب وتنقسم إلى استقامة العمل وهو الإقتصاد فيه غير متعد من منهج السنة ولا متجاوز عن حد الإخلاص إلى الرياء والسمعة أو رجاء العوض أو طلب الغرض واستقامة القلب وهي الثبات على الصواب وعند المحققين هي استواء القصد في السير إلى الله وثبات القوى على حدودها بالأمر والنهي وهي دون الإستقامة في السير في الله لأن هذه في الطريق والسلوك إليه بأحدية الطريق المستقيم وأما السير في الله فهو الإتصاف بصفاته والإستقامة في الله دون الإستقامة في السير في الله المأمور بها نبينا محمد عليه الصلاة والسلام في قوله فاستقم كما أمرت لأن تلك في مقام جمع الجمع والبقاء بعد الفناء والأولى للمريدين والثانية للمتوسطين واستقامة الروح وهي الثبات على الحق والسر وهي الثبات على الحقيقة قال القشيري الإستقامة درجة بها كمال الأمور وتمامها وبوجودها حصول الخيرات ونظامها ومن لم يكن مستقيما ضاع سعيه وخاب جهده وأنشد إذا أفشيت سرك ضيق صدر أصابتك الملامة والندامة وإن أخلصت يوما في فعال تنال جزاءه بالاستقامة وقال بعض العارفين معنى الحديث أنه إذا وفقت بالتوحيد ورؤية جلال قدمه فدر مع الحق حيث دار أما قضاء وأما رضاء ولا تنزل عن مقام الرضا إلى فترة النفس والهوى وقال الغزالي لعزة الإستقامة والإحتياج إليها في كل حالة أمر الله تعالى عباده بقراءة الفاتحة المتضمنة للدعاء بالإستقامة أمر وجوب في الأوقات الخمسة نسأل الله تعالى الإستقامة الشاملة بحسن الخاتمة رواه مسلم ورواه النسائي والترمذي وابن ماجة وزاد قلت يا رسول الله ما أخوف ما أخاف علي فأخذ بلسانه ثم قال هذا وقال الترمذي حسن صحيح وزاد في الإحياء قلت ما أتقي فأومأ بيده إلى لسانه وعن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه يكنى أبا محمد القرشي أحد العشرة المبشرة بالجنة أسلم قديما وشهد المشاهد كلها غير بدر وضرب له سهمه لأن النبي كان بعثه مع سعيد بن زيد يتعرفان خبر العير التي كانت لقريش مع أبي سفيان بن حرب فعادا يوم اللقاء ببدر ووقى النبي يوم أحد بيده فشلت أصبعه وجرح يومئذ أربعة وعشرين جراحة وقيل كانت فيه خمس وسبعون بين طعنة وضربة ورمية وسماه النبي طلحة الخير وطلحة الجود قتل في وقعة الجمل سنة ست وثلاثين ودفن بالبصرة وله أربع وستون

سنة روى عنه جماعة قال جاء رجل قيل هو ضمام بن ثعلبة وافد بني سعد بن بكر إلى رسول الله متعلق بجاء من أهل نجد صفة رجل والنجد في الأصل ما ارتفع من الأرض ضد التهامة وهو الغور سميت به الأرض الواقعة بين تهامة أي مكة وبين العراق ثائر الرأس بالثاء المثلثة من ثار الغبار إذا ارتفع وانتشر أي منتشر شعر الرأس غير مرجله بحذف المضاف أو سمى الشعر رأسا مجازا تسمية للحال باسم المحل أو مبالغة بجعل الرأس كأنه المنتشر وهو مرفوع على أنه صفة عند الأكثر وقيل إنه منصوب على الحالية من رجل لوصفه وقيل إنه الرواية نسمع دوي صوته أي شدته وبعده في الهواء فلا يفهم منه شيء كدوي النحل والذباب وهو بفتح الدال وضمه رواية ضعيفة وبكسر الواو وتشديد الياء وهو منصوب على المفعولية ونسمع بصيغة المتكلم المعلوم على الصحيح وفي بعض النسخ بالياء مجهولا ورفع دوي على النيابة وكذا الوجهان في قوله ولا نفقة أي لا نفهم من جهة البعد ما يقول لضعف صوته حتى دنا أي من رسول الله كما في نسخة صحيحة أي إلى أن قرب ففهمنا فإذا للمفاجأة هو أي الرجل يسأل عن الإسلام أي عن فرائضه التي فرضت على من وحد الله وصدق رسوله لا عن حقيقته ولذا لم يذكر الشهادتين ولكون السائل متصفا به فلا حاجة إلى ذكره ويؤيده رواية البخاري أيضا أخبرني ماذا فرض الله علي ويمكن أنه سأل عن ماهية الإسلام وقد ذكر الشهادة ولم يسمعها الراوي أو نسيها أو اختصرها لكونها معلومة عند كل أحد وقيل لم يذكر الحج لأن الحديث حكاية حال الرجل خاصة لقوله علي فأجابه عليه الصلاة والسلام بما عرف من حاله ولعله لم يكن ممن يجب الحج عليه أو لأنه لم يفرض حينئذ أو أسقط من بعض الرواة ويؤيده رواية البخاري فأخبره النبي بشرائع الإسلام فقال رسول الله خمس صلوات في اليوم والليلة بالرفع على الصحيح وهو خبر مبتدأ محذوف أي الإسلام والمراد فرضه إقامة خمس صلوات أو مبتدأ محذوف الخبر أي من شرائعه أداء خمس صلوات ويجوز نصبه بتقدير خذ أو اعمل أو صل وهو أحسن وأغرب ابن حجر فأعرب بقوله بالجر بدلا من الإسلام أو بقسيميه أي هو أو خذ ا ه والذي اختاره من الجر لا يصح رواية ودراية أما الأول فيظهر لك من تتبع النسخ المصححة وأما الثاني فلأن البدل والمبدل لا يكونان إلا في كلام شخص واحد وأن المقول لا يكون إلا جملة فأحد جزأيه الموجود يتعين أن يكون مرفوعا وأنه إذا جعل بدلا لا يبقى للسؤال جوابا فلا يتفرع عليه قوله فقال أي الرجل هل علي أي يجب من الصلاة غيرهن أي في اليوم والليلة أو الجار خبر مقدم وغيرهن مبتدأ مؤخر فقال لا أي لا لشيء عليك غيرها وهذا قبل وجوب الوتر أو أنه تابع للعشاء وصلاة العيد

ليست من الفرائض اليومية بل هي من الواجبات السنوية إلا أن بفتح الهمزة تطوع بتشديد الطاء والواو وأصله تتطوع بتاءين فأبدلت وأدغمت وروي بحذف إحداهما وتخفيف الطاء والمعنى إلا أن تشرع في التطوع فإنه يجب عليك إتمامه لقوله تعالى ولا تبطلوا أعمالكم محمد ولإجماع الصحابة على وجوب الإتمام وقول ابن حجر هذا مجرد دعوى بلا سند مردود لأن ذكر السند ليس بشرط لصحة الإجماع مع أن الآية المذكورة سند معتمد لصحة الإجماع المسطور وقول ابن حجر إن النهي فيه للتنزيه مخالف للأصل الذي عليه الجمهور وقوله على أنه يلزم الحنفية حيث استدلوا به أن يقولوا إن الإتمام فرض وهم إنما يقولون بوجوبه مدفوع بأن الآية قطعية والدلالة ظنية وقوله واستثناء الواجب من الفرض منقطع ممنوع فإن الواجب عندنا فرض عملي لا اعتقادي وبهذا الإعتبار يطلق عليه أنه فرض فالمراد بالفرض في الحديث المعنى الأعم والله أعلم مع أنه لا محذور في جعل الإستثناء منقطعا لصحة الكلام كما اختاره في هذا المقام وقوله على أنه من النفي لا يفيد الإثبات بل الحكم مسكوت عنه عندهم مدخول فإن هذا إنما يرد عليهم لو استدلوا بهذا الحديث وتقدم أن دليلهم الآية والإجماع وإنما حملوا لفظ الحديث على المعنى المستفاد منهما ثم هذا مطرد في جميع العبادات عندنا حيث يلزم النفل بالشروع ووافقنا الشافعي في الحج والعمرة فعليه الفرق وإلا فيكفينا قياس سائر العبادات عليهما أيضا والمعنى إلا أن توجب على نفسك بالنذر والأصل في الإستثناء أن يكون متصلا وعدل عنه ابن حجر فقال لكن التطوع مستحب فهو استثناء من مدخول لا منقطع وحينئذ فلا يدل على إيجاب إتمام التطوع بالشروع فيه أقول يحتمل أن يكون الإستثناء منقطعا والمعنى لكن التطوع باختيارك أي ابتداء كما هو مذهبنا أو انتهاء أيضا كما هو مذهب الشافعي وفيه حث على الخيرات وترك الوقوف على مجرد الواجبات قال رسول الله وصيام شهر رمضان عطف على خمس وجملة السؤال والجواب معترضة قال هل علي غيره أي هل علي صوم فرض سوى صوم رمضان قال بحذف الفاء في الأصول الحاضرة لا فلا يجب صوم عاشوراء سواء كان واجبا قبل رمضان أم لا إلا أن تطوع قال أي طلحة وذكر له رسول الله الزكاة هذا قول الراوي فإنه نسي ما نص عليه رسول الله أو التبس عليه فقال ذكر الزكاة وهذا يؤذن بأن مراعاة الألفاظ معتبرة في الرواية فإذا التبس عليه بعضها يشير في ألفاظه إلى ما ينبىء عنه كما فعل راوي هذا الحديث فقال هل علي غيرها قال لا قيل يعلم منه أنه ليس في المال حق سوى الزكاة بشروطها وهو ظاهر إن أريد به الحقوق الأصلية المتكررة تكررها وإلا فحقوق المال كثيرة كصدقة الفطر ونفقة ذوي الأرحام والأضحية إلا أن تطوع قال أي طلحة فأدبر الرجل وهو أي والحال أن ذلك الرجل يقول والله لا أزيد على هذا أي في الإبلاغ أو في نفس الفرضية ولا أنقص منه أي شيئا وفي رواية

البخاري لا أتطوع شيئا ولا أنقص مما فرض الله علي شيئا فقال رسول الله أفلح الرجل أي دخل في الفلاح والمعنى فاز وظفر وأدرك بغيته وهي ضربان دنيوي وهو الظفر بما يطيب معه الحياة والأسباب وأخروي وهو ما يحصل به النجاة من العذاب والفوز بالثواب قالوا ولا كلمة أجمع للخيرات منه ومن ثم فسر بأنه بقاء بلا فناء وغني بلا فقر وعز بلا ذل وعلم بلا جهل وفي رواية أفلح والله وفي أخرى صحيحة بلا شك وفي رواية أفلح وأبيه وفيه إشكال لأنه ورد من حلف بغير الله فقد أشرك فقيل إنه قبل النهي وقيل فيه حذف مضاف أي ورب أبيه وقيل إنه والله وإن الكاتب قصر اللامين وقيل إن الكراهة في غير الشارع كما نقله البيهقي عن بعض مشايخه وأغرب ابن حجر فضعف الأقوال المذكورة جميعها وحمل على أن هذا وقع من غير قصد وهو في غاية من البعد إن صدق بكسر الهمزة على الصحيح وفي نسخة بفتحها أي لصدقه ولا إشكال فيه وعلى الأول قيل إنما حكم عليه الصلاة والسلام بكونه من أهل الجنة مطلقا في رواية أبي هريرة وهنا علق الفلاح بصدقه والحال أنه روي أن الحديثين واحد لأنه يحتمل أنه قال بحضور الأعرابي لئلا يغتر فيشكل عليه فلما ذهب قال من سره الخ وقيل يحتمل أن يكون قبل أن يطلعه الله على صدقه ثم أطلعه الله عليه ويمكن أن يقال لا يلزم من كون الرجل من أهل الجنة أن يكون مفلحا لأن المفلح هو الناجي من السخط والعذاب فكل مؤمن من أهل الجنة وليس كل مؤمن مفلحا ولذا قال تعالى قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون الآيات المؤمنون وقال هدى للمتقين الآيات البقرة ثم قال وأولئك هم المفلحون البقرة متفق عليه ورواه أبو داود والنسائي وعن ابن عباس رضي الله عنهما هو عبد الله بن عباس ابن عم النبي وأمه لبابة بنت الحرث أخت ميمونة زوج النبي ولد قبل الهجرة بثلاث سنين وتوفي النبي وهو ابن ثلاث عشرة سنة وقيل خمس عشرة سنة وقيل عشر كان حبر هذه الأمة وعالمها ودعا له النبي بالحكمة والفقه والتأويل ورأى جبريل عليه السلام مرتين وكان عمر بن الخطاب يقربه ويشاوره بين أجلة الصحابة وكف بصره في آخر عمره ومات بالطائف سنة ثمان وستين في أيام ابن الزبير وهو ابن إحدى وسبعين سنة وروى عنه خلق كثير من الصحابة والتابعين قال إن وفد عبد القيس الوفد جمع وافد وهو الذي أتى إلى الأمير برسالة

من قوم وقيل رهط كرام وعبد القيس أبو قبيلة عظيمة تنتهي إلى ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان وربيعة قبيلة عظيمة في مقابلة مضر وكان قبيلة عبد القيس ينزلون البحرين وحوالي القطيف وما بين هجر إلى الديار المضرية وكانت وفادتهم سنة ثمان وسببها أن منقذ بن حبان منهم كان يتجر إلى المدينة فمر به النبي فقام إليه فسأله عن أشراف قومه مسميا له بأسمائهم فأسلم وتعلم الفاتحة واقرأ باسم ربك ثم رحل إلى هجر ومعه كتابه عليه الصلاة والسلام فكتمه أياما لكن أنكرت زوجته صلاته ومقدماتها فذكرت ذلك لأبيها المنذر رئيسهم فتجاذبا فوقع الإسلام في قلبه ثم ذهب بالكتاب إلى قومه وقرأه عليهم فأسلموا وأجمعوا على المسير إليه عليه الصلاة والسلام فتوجه منهم أربعة عشر راكبا فحين قربوا من المدينة قال عليه الصلاة والسلام لجلسائه أتاكم وفد عبد القيس خير أهل المشرق وفيهم الأشج أي المنذر سماه عليه الصلاة والسلام بذلك لأثر بوجهه وروي أنهم أربعون وجمع بأن لهم وفادتين أو بأن أشرافهم أربعة عشر لما أتوا النبي أي حضروه قال أي رسول الله كما في نسخة من القوم بفتح الميم أو من الوفد شك من الراوي والظاهر أنه ابن عباس والسؤال إنما هو للإستئناس قالوا ربيعة أي قال بعض الوفد نحن ربيعة أو وفد ربيعة أو قال بعض الصحابة هم ربيعة أو وفد ربيعة على حذف مضاف وفي نسخة بالنصب أي تسمى ربيعة أو يسمون ربيعة قال مرحبا بالقوم أو بالوفد أي أصاب الوفد رحبا وسعة أو أتى القوم موضعا واسعا فالباء زائدة في الفاعل ومرحبا مفعول به لمقدر أو أتى الله بالقوم مرحبا فالباء للتعدية ومرحبا مفعول مطلق وقيل هو من المفاعيل المنصوبة بمضمر وجوبا لكثرة دورانه على الألسنة ويقال هذا للتأنيس وإزالة الحزن والإستحياء عن نفس من أتاهم من وافد أو باغي خير أو قاصد حاجة وتقدير ابن حجر صادفتم أو أصبتم غير ظاهر مع وجود القوم غير خزايا بفتح الخاء جمع خزيان من الخزي وهو الذل والإهانة ونصبه على الحال من الوفد والعامل فيه الفعل المقدر في مرحبا وفي رواية للبخاري بالوفد الذين جاؤا غير خزايا وجوز جره على أنه بدل من القوم وأغرب ابن حجر فقال وروي بالكسر صفة ووجه غرابته أن المحققين على أن غير متوغلة في النكرة بحيث إنها لا تصير معرفة بالإضافة ولو إلى المعرفة ولا ندامى جمع ندمان بمعنى نادم أو جمع نادم على غير قياس إذ قياسه نادمين ازدواجا للخزايا والمعنى ما كانوا بالإتيان إلينا خاسرين خائبين لأنهم ما تأخروا عن الإسلام ولا أصابهم قتال ولا سبي فيوجب استحياء أو افتضاحا أو ذلا أو ندما قالوا يا رسول الله إنا لا نستطيع أن نأتيك أي في جميع الأزمنة إلا في الشهر من الشهرة والظهور الحرام والمراد به الجنس لأن الأشهر الحرام أربعة ذو القعدة وذو

الحجة ومحرم متوالية ورجب فرد قال تعالى إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم التوبة وإنما قالوا ذلك اعتذارا عن عدم الإتيان إليه عليه الصلاة والسلام في غير هذا الوقت لأن الجاهلية كانوا يحاربون بعضهم بعضا ويكفون في الأشهر الحرم تعظيما لها وتسهيلا على زوار البيت الحرام من الحروب والغارات الواقعة منهم في غيرها فلا يأمن بعضهم بعضا في المسالك والمراحل إلا فيها ومن ثم كان يمكن مجيء هؤلاء إليه عليه الصلاة والسلام فيها دون ما عداها لأمنهم فيها من كفار مضر الحاجزين بين منازلهم وبين المدينة وكان هذا التعظيم في أول الإسلام ثم نسخ بقوله تعالى فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وبيننا وبينك هذا الحي الجملة حال من فاعل نأتيك أو بيان لوجه عدم الإستطاعة وأصل الحي منزل القبيلة سميت به اتساعا لأن بعضهم يحيا ببعض أو يحيى بعضهم بعضا من كفار مضر تبعيضية أو بيانية وهو الأظهر ومضر غير منصرف على الأصح وهو ابن نزار بن معد بن عدنان فهو أخو ربيعة أبي عبد القيس فمرنا بأمر الأظهر أن الأمر بمعنى الشأن واحد الأمور والباء صلة والتنكير للتعظيم والمراد به معنى اللفظ ومورده وقيل الأمر واحد الأوامر أي القول الطالب للفعل والتنكير للتقليل والباء للإستعانة والمراد به اللفظ والمأمور به محذوف أي مرنا نعمل بقولك آمنوا أو قولوا آمنا وأغرب ابن حجر في قوله ومن ثم قال الراوي أمرهم بالإيمان ا ه فإنه يدل على أن الأمر بمعنى الشأن لأنه لو كان كما قال لقال الراوي قال عليه الصلاة والسلام لهم آمنوا أو قولوا آمنا فصل بمعنى فاصل بين الحق والباطل وهو صفة لأمر أي أمر قاطع أو بمعنى مفصل لتفصيله الإيمان بأركانه الخمسة أو مفصول أي مبين واضح يفصل به المراد من غيره وحكى الإضافة نخبر بالرفع على أنه صفة ثانية لأمر أو استئناف وبالجزم على جواب الأمر به أي بسببه كذا قيل والظاهر أنها للتعدية من وراءنا بفتح الميم والهمزة أي من خلفنا من قومنا أو من بعدنا ممن يدركنا قال ابن حجر وفي رواية أخرى بكسرهما ا ه وهو غير موجود في النسخ المصححة ويحتاج إلى تقدير المفعول وندخل عطف على نخبر بصيغة الفاعل وفي نسخة بصيغة المفعول به أي بسبب قبول أمرك والعمل به أو بالإخبار به المفهوم من نخبر الجنة أي مع الفائزين وقال ابن حجر مع الناجين ا ه وفيه مناقشة لا تخفى ودخول الجنة إنما هو بفضل الله لكن العمل الصالح سببه كما أن الأكل سبب الشبع والمشبع هو الله تعالى بفضله إذ لا يجب على الله سبحانه أو المضاف مقدر أي درجاتها فإنها في مقابلة الأعمال ودخول الجنة بالإفضال قال ابن حجر وهذا على حد وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون الزخرف أي بعملكم ولا ينافيه خبر لن يدخل الجنة أحد منكم بعمله لأن المراد نفي كون العمل سببا مستقلا في

الدخول بدليل قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته وهذا أولى من الجواب بأن الباء في الآية للملابسة أي أورثتموها ملابسة لأعمالكم أي لثوابها أو للمقابلة كبعته بدرهم أو المراد الجنة العالية أو بأن درجاتها بالعمل ودخولها بالفضل وقال النووي الدخول بسبب العمل والعمل من رحمته تعالى أي فلم يقع الدخول إلا برحمة الله واعترض بأن المقدمة الأولى خلاف صريح الحديث ويدفع بأن المراد به ما تقرر من انتفاء كونه سببا مستقلا مع قطع النظر عن كونه من الرحمة إذ القصد به الرد على من يرى عمله متكفلا بدخولها من غير ملاحظة لكونه من جملة رحمة الله ا ه والتحقيق أن المراد بالحديث انتفاء دخولها بالعمل على وجه العدل وإثباته على طريق الفضل فما بينهما تناف يقبل الفصل وسألوه أي الوفد عن الأشربة جمع شراب وهو ما يشرب أي عن حكم ظروفها بحذف المضاف أو عن الأشربة التي تكون في الأواني المختلفة بحذف الصفة والمراد عن حكمها فأمرهم بأربع أي بأربع خصال تنبيها على أنها الأهم بالسؤال والأتم في تحصيل الكمال ونهاهم عن أربع أي أربع خصال وهي أنواع الشرب باعتبار أصناف الظروف الآتية أمرهم بالإيمان بالله وحده نصب على الحال أي واحدا في الذات منفردا في الصفات لا شريك له في الأفعال وهذا الأمر توطئة فإن الأمر والنهي من فروع التكاليف وهي موقوفة على الإيمان فإنه شرط صحتها ومبدأ ثبوتها قال أتدرون ما الإيمان بالله وحده ذكره تنبيها لهم على تفريغ أذهانهم لضبط ما يلقى إليهم فيكون أوقع في نفوسهم قالوا الله ورسوله أعلم تأدبا وطلبا للسماع منه لأن القوم كانوا مؤمنين فلا وجه لقول ابن حجر هو بمعنى عالم على حد الله أعلم حيث يجعل رسالته الأنعام ثم أغرب في قوله ويؤخذ منه الرد على من نازع في قول الفقهاء عقب نحو فتاويهم وأبحاثهم والله أعلم وعلى من فصل فقال يقول المجيب في العقائد وبالله التوفيق وفي الفروع والله أعلم ا ه فإنه تناقض بين تأويله وأخذه قال قيل أي الإيمان بالله وحده الذي هو بمعنى الإسلام إذ كل يطلق بمعنى الآخر ومن ثم فسره عليه الصلاة والسلام في بعض الأحاديث بما فسر به الإيمان هنا كذا قاله ابن حجر وهو تأويل حسن لولا قوله بالله وحده قال شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله برفع شهادة لا غير على أنها خبر مبتدأ محذوف هو هو وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان بجر الثلاثة وهو الأظهر أو برفعها على ما سيأتي بيانها قال القاضي عياض وإنما لم يذكر الحج لأن وفادة عبد القيس كانت عام الفتح ونزلت فريضة الحج سنة تسع بعدها على

الأشهر وأن تعطوا من المغنم بفتح الميم والنون أي الغنيمة الخمس بضم الميم وسكونها قال ابن الصلاح وأن تعطوا عطف على قوله بأربع فلا يكون واحدا منها وإن كان واحدا من مطلق شعب الإيمان ا ه فيكون هذا من باب زيادة الإفادة قال الطيبي في الحديث إشكالان أولهما أن المأمور به واحد والأركان تفسير للإيمان بدلالة قوله أتدرون ما الإيمان وثانيهما أن الأركان أي المذكورة خمسة وقد ذكر أربعة أي أولا وأجيب عن الأول بأنه جعل الإيمان أربعا نظرا إلى أجزائه المفصلة وعن الثاني بأن عادة البلغاء إذا كان الكلام منصبا لغرض من الأغراض جعلوا سياقه له وكأن ما سواه مطروح فههنا ذكر الشهادتين ليس مقصودا لأن القوم كانوا مؤمنين مقرين بكلمتي الشهادة بدليل قولهم الله ورسوله أعلم ا ه ويدل عليه ما جاء في رواية للبخاري أمرهم بأربع ونهاهم عن أربع أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وصوموا رمضان وأعطوا خمس ما غنمتم ولا تشربوا في الدباء والحنتم والنقير والمزفت ا ه وبهذه الرواية تندفع الإشكالات ويرجع إليها التأويلات لكني ما أقول ما قاله الطيبي من أن ذكر الشهادتين ليس مقصودا بل أقول هو المقصود بالذات وإنما المذكورات بيان شعبها المعظمة وأركانها المفخمة ومحمل كلام الطيبي أنه ليس مقصودا من الأربع بل هو جملة معترضة بين الأربع وبين مبينها و قال السيد جمال الدين قيل هذا الحديث لا يخلو عن إشكال لأنه إن قرىء وإقام الصلاة الخ بالرفع على أنها معطوفة على شهادة ليكون المجموع من الإيمان فأين الثلاثة الباقية وإن قرئت بالجر على أنها معطوفة على قوله بالإيمان يكون المذكور خمسة لا أربعة وأجيب على التقدير الأول بأن الثلاثة الباقية حذفها الراوي اختصارا أو نسيانا وعلى التقدير الثاني بأنه عد الأربع التي وعدهم ثم زادهم خامسة وهي أداء الخمس لأنهم كانوا مجاورين لكفار مضر وكانوا أهل جهاد وغنائم ا ه والأظهر اختيار الجر والمجرورات الأربعة بالعطف هي المأمورات ويكون ذكر الإيمان لشرفه وفضله وبيان أساسه وأصله سواء كانوا مؤمنين أو مرتدين ويكون قوله أمرهم بالإيمان إلى آخر الشهادتين كجملة معترضة ويكون التقدير أمرهم بالإيمان أيضا بدليل اتفاق أهل السنة على أن الأركان ليست من أجزاء الإيمان وللرواية السابقة عن البخاري ونهاهم عن أربع أي خصال وهي الإنتباذ في الظروف الأربعة والشرب منها عن الحنتم بدل بإعادة الجار وهو بفتح الحاء الجرة مطلقا أو خضراء أو حمراء أعناقها في جنوبها يجلب فيها الخمر من مضر أو أفواهها في جنوبها يجلب فيها الخمر من الطائف أو جرار تعمل من طين وأدم وشعر أقوال للصحابة وغيرهم ولعلهم كانوا ينتبذون في ذلك كله والدباء بضم الدال وتشديد الباء ويمد ويقصر وعاء القرع وهو اليقطين اليابس والنقير بفتح فكسر جذع ينقر وسطه وينبذ

فيه والمزفت بتشديد الفاء المفتوحة المطلي بالزفت ويقال له القار والقير وربما قال ابن عباس المقير بدل المزفت والمراد بالنهي ليس استعمالها مطلقا بل النقيع فيها والشرب منها ما يسكر وإضافة الحكم إليها خصوصا إما لإعتيادهم استعمالها في المسكرات أو لأنها أوعية تسرع بالإشتداد فيما يستنقع لأنها غليظة لا يترشح منها الماء ولا ينفذ فيه الهواء فلعلها تغير النقيع في زمان قليل ويتناوله صاحبه على غفلة بخلاف السقاء فإن التغير فيه يحدث على مهل والدليل على ذلك ما روي أنه قال نهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء فاشربوا في الأسقية كلها ولا تشربوا مسكرا وقيل هذه الظروف كانت مختصة بالخمر فلما حرمت الخمر حرم النبي استعمال هذه الظروف إما لأن في استعمالها تشبيها بشرب الخمر وإما لأن هذه الظروف كانت فيها أثر الخمر فلما مضت مدة أباح النبي استعمال هذه الظروف فإن أثر الخمر زال عنها وأيضا في ابتداء تحريم شيء يبالغ ويشدد ليتركه الناس مرة فإذا تركه الناس واستقر الأمر يزول التشديد بعد حصول المقصود هذا وذهب مالك وأحمد إلى أن تحريم الإنتباذ في هذه الظروف باق لم ينسخ لأن ابن عباس استفتي عن الإنتباذ فذكره فلو نسخ لم يذكره ويرد بأنه لم يبلغه النسخ فلا يكون إيراده له حجة على من بلغه وقال أي النبي احفظوهن أي الكلمات المذكورات من المأمورات والمنهيات واعملوا بهن وأخبروا بهن أي أعلموهن من وراءكم أي الذين خلفكم من القوم لتكونوا عالمين معلمين وكاملين مكملين وفي بعض النسخ بكسر الميم وجر ما بعده وهو غير ظاهر لإحتياجه إلى تقدير المفعول متفق عليه ورواه أبو داود والترمذي والنسائي ولفظه أي لفظ الحديث للبخاري يعني ولمسلم معناه فبهذا المعنى صار الحديث متفقا عليه وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه بضم العين وتخفيف الموحدة يكنى أبا الوليد الأنصاري كان نقيبا وشهد العقبة الأولى والثانية والثالثة وشهد بدرا والمشاهد كلها ثم وجهه عمر إلى الشام قاضيا ومعلما فأقام بحمص ثم انتقل إلى فلسطين ومات بها في الرملة وقيل ببيت المقدس سنة أربع وثلاثين وهو ابن ثنتين وسبعين روى عنه جماعة من الصحابة والتابعين رضي الله عنه قال قال رسول الله وحوله نصبه على الظرف وهو خبر لقوله عصابة بالكسر اسم جمع كالعصبة لما بين العشرة إلى الأربعين من العصب وهو الشد كأن بعضهم يشد بعضا أو من العصب لأنه يشد الأعضاء والجملة حالية من

أصحابه صفة لعصابة بايعوني أي عاقدوني وعاهدوني تشبيها لنيل الثواب في مقابلة الطاعة بعقد البيع الذي هو مقابلة مال بمال ووجه المفاعلة أن كلا من المتبايعين يصير كأنه باع ما عنده من صاحبه وأعطاه خالصة نفسه وطاعته قال الله تعالى إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم الآية التوبة على أن لا تشركوا بالله شيئا مفعول به أو مفعول مطلق قيل الصحيح أن المراد به الرياء ولا تسرقوا وهو أخذ مال الغير محرزا بخفية ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم بدفنهم أحياء فصبيانكم خشية إملاق وافتقار وبناتكم خوف لحوق عار وعيب ولا تأتوا ببهتان الباء للتعدية وهو الكذب الذي يبهت سامعه قيل المراد به القذف تفترونه أي تختلقونه وتخترعونه صفة بهتان بين أيديكم وأرجلكم أي من عند أنفسكم وعبر بهما عن الذات والنفس لأن معظم الأفعال تزاول وتعالج باليد والرجل وقيل معناه لا تبهتوا الناس بالعيوب كفاحا وشفاها كيلا يشاجر بعضكم بعضا كما يقال فعلت هذا بين يديك أي بحضرتك وهذا النوع أشد البهت أو لا تنسبوه مبنيا على ظن فاسد وغش مبطن من ضمائركم وقلوبكم التي هي بين أيديكم وأرجلكم وقيل معناه ولا تلحقوا بالرجال الأولاد من غير أصلابهم فإن إحداهن في الجاهلية كانت تلتقط المولود وتقول لزوجها هو ولدي منك فعبر بالبهتان المفتري بين يديها ورجلها عن الولد الذي تلحقه بزوجها كذبا لأن بطنها الذي يحمله بين يديها وفرجها الذي تلد منه بين رجليها ولا تعصوا بضم الصاد تعميم بعد تخصيص في معروف ما عرف في الشرع حسنه أو قبحه فمن وفى منكم بالتخفيف ويشدد فأجره على الله قال الطيبي لفظ وفى دل على أن الأجر إنما ينال بالوفاء بالجميع لأن الوفاء هو الإتيان بجميع ما التزمه من العهود والحقوق وأما العقاب فإنه ينال بترك أي واحد كان ا ه وفيه أنه إن كان المراد بالأجر كما له فالأمر كذلك وإلا فلا يتوقف أجر امتثال طاعة أو اجتناب معصية على الآخر ويدل عليه المذهب الصحيح أن التوبة عن بعض الذنوب صحيحة خلافا للخوارج ومن أصاب من ذلك أي المذكور شيئا فعوقب أي به كما في نسخة صحيحة يعني أقيم عليه الحد في الدنيا فهو أي الحد أو العقاب كفارة له وزاد في نسخة وطهور بفتح الطاء أي يكفر إثم ذلك ولم يعاقب به في الآخرة وهذا خاص بغير الشرك وأخذ أكثر العلماء من هذا أن الحدود كفارات وخبر لا أدري الحدود كفارات أم لا أجابوا عنه بأنه قبل هذا الحديث لأنه فيه نفي العلم وفي هذا إثباته والمعنى لا يعاقب عليه في الآخرة بل على عدم التوبة منه إن مات قبلها لأن تركها ذنب آخر غير ما وقع العقاب عليه لقوله تعالى ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون الحجرات ويمكن أن يجعل الخلاف لفظيا والله أعلم ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله أي ذلك الشيء المصاب أي عليه كما في نسخة وعلى غيرها أي ستر الله ذلك المصيب أي ذنبه بأن لم يقم الحد عليه

فهو أي المستور إلى الله أي أمره وحكمه من العفو والعقاب مفوض إليه فلا يجب عليه سبحانه عقاب عاص كما لا يجب عليه ثواب مطيع على المذهب الحق إن شاء عفا عنه قدم لسبق رحمته وإن شاء عاقبة رد على المعتزلة فبايعناه على ذلك وتسمى بيعة النساء كما في سورة الممتحنة ولذا قيل عليكم بدين العجائز متفق عليه ورواه الترمذي والنسائي وعن أبي سعيد الخدري منسوب إلى خدرة بضم الخاء وسكون الدال المهملة حي من الأنصار هو سعد بن مالك الأنصاري اشتهر بكنيته كان من الحفاظ المكثرين روى عنه جماعة من الصحابة والتابعين مات سنة أربع وستين ودفن بالبقيع وله أربع وثمانون سنة رضي الله عنه قال خرج رسول الله في أضحى بفتح الهمزة والتنوين واحده أضحاة لغة في الأضحية أي في عيد أضحى على حذف المضاف بل غلب على عيد النحر فحينئذ مغن عن التقدير كالفطر وفي بعض النسخ بترك التنوين سمي بذلك لأنه يفعل وقت الضحى وهو ارتفاع النهار أو فطر شك من الراوي إلى المصلى أي المسجد الذي يصلي فيه صلاة العيد وهو الموجود إلى اليوم خارج السور في المدينة المشرفة فمر على النساء مر يتعدى بعلي كالباء ويحتمل أنه قصدهن للوعظ أو لما مر بهن وعظهن فقال يا معشر النساء أي جماعتهن والخطاب عام غلبت الحاضرات على الغيب تصدقن أمر لهن أي اعطين الصدقة فإني أريتكن على طريق الكشف أو على سبيل الوحي أكثر أهل النار على صيغة المجهول من أرى إذا أعلم وله ثلاثة مفاعيل أحدها التاء القائمة مقام الفاعل والثاني كن والثالث أكثر أي أعلمت بأنكن أكثر دخولا في النار من الرجال والصدقة تقي منها كل امرىء في ظل صدقته حتى يقضي بين الناس اتقوا النار ولو بشق تمرة ولأن علة كونهن أكثر أهل النار محبتهن للدنيا وبالتصدق يزول أو ينقص رذيلة البخل الناشىء عن محبتها المذمومة ولهذه النكتة ورد اليد العليا خير من اليد السفلى فقلن وبم يا رسول الله أصله بما حذفت ألف ما الإستفهامية بدخول حرف الجر عليها تخفيفا والباء للسببية متعلقة بمقدر بعدها والواو إما للعطف على مقدر قبله والتقدير فقلن كيف يكون ذلك وبأي شيء نكن أكثر أهل النار أو زائدة ليدل على أنه متصل بما قبله لا سؤال مستقل بنفسه منقطع عما قبله قال تكثرن اللعن أصله إبعاد الله تعالى العبد من رحمته بسخطه ومن الإنسان الدعاء بالسخط

والإبعاد على نفسه أو غيره وفيه مصادرة لسعة رحمته التي سبقت غضبه ومن ثم اتفق العلماء على تحريمه لمعين ولو كافرا لم يعلم موته على الكفر يقينا إذ كيف يبعد من رحمة الله من لا يعرف خاتمة أمره وإن كان كافرا في الحالة الراهنة لإحتمال أن يموت مسلما بخلاف من علم من الشارع موته كافرا كأبي جهل أو أنه سيموت كذلك كإبليس فإنه لا حرج في لعنه وبخلاف اللعن لا لمعين بل يوصف كلعن الله الواصلة وآكل الربا والكاذب لأنه ينصرف إلى الجنس ولعل وجه التقييد بالإكثار أن اللعن يجري على ألسنتهن لإعتيادهن من غير قصد لمعناه السابق فخفف الشارع عنهن ولم يتوعدهن بذلك إلا عند إكثاره ونظيره ما قاله بعض الأئمة إن الغيبة صغيرة ووجهوه بأن الناس ابتلوا بها فلو كانت كبيرة على الإطلاق كما جرى عليه كثيرون بل حكي عليه الإجماع للزم تفسيق الناس كلهم أو غالبهم وفي ذلك حرج أي حرج وقد يستعمل في الشتم والكلام القبيح يعني عادتكن إكثار اللعن والشتم والإيذاء باللسان وتكفرن بضم الفاء العشير أي المعاشر الملازم وهو الزوج ههنا وكفرانه جحد نعمته وإنكارها أو سترها بترك شكرها و في الحديث ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله يعني شكرا كاملا فإنه شكر المسبب ولم يشكر السبب واستعمال الكفران في النعمة والكفر في الدين أكثر ما رأيت من ناقصات عقل ودين من مزيدة للإستغراق صفة لمفعوله المحذوف أي ما رأيت أحدا من ناقصات وقيل يحتمل أن يكون بيانا لإحداكن على المبالغة أو بالعكس وقوله أذهب صفة لمحذوف أي أحد وعلى الأول صفة أخرى له إن كان بمعنى أبصرت ومفعول ثان لرأيت إن كان بمعنى علمت والمفضل عليه مفروض مقدر وهو أفعل التفضيل من الإذهاب لمكان اللام في قوله للب الرجل فمعناه أكثر إذهابا للب وهذا جائز على رأي سيبويه كهو أعطاهم للدرهم ثم العقل غريزة يدرك بها المعنى ويمنع عن القبائح وهو نور الله في قلب المؤمن واللب العقل الخالص من شوب الهوى الحازم صفة الرجل أي الضابط أمره وفي ذكره مع ذكر اللب إشعار بأن فتنتهن عظيمة تذهب بعقول الحازمين فما ظنك بغيرهم من إحداكن متعلق بأذهب وإنما لم يقل منكن لأن الواحدة إذا كانت على هذه الصفة الذميمة فكونهن عليها أولى من غير عكس وما أحسن قول جرير في وصف عيوبهن يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به وهن أضعف خلق الله أركانا قلن وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله مع أن ديننا ودين الرجل واحد وكلنا معدودون من ذوي العقول ولعلهن خالفن الترتيب السابق الموافق للاحق إشارة إلى الإهتمام بأمر الدين ليتداركن إن كان مما يمكنه التدارك أو إيماء إلى نقصان عقلهن حيث ما راعين

كلام النبوة وما فهمن وجه الترتيب من أن نقصان العقل أمر جبلي مقدم في الوجود ونقصان الدين أمر حادث أو لأن الغالب إنما ينشأ نقصان الدين من نقصان العقل ثم هذا السؤال من حذاقة أولئك الحاضرات ومن ثمة مدحهن بقوله نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين وفي هذا وما قبله حث للمتعلم على مراجعة العالم فيما لم يظهر له معناه قال أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل لقوله تعالى فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان البقرة قلن بلى قال فذلك إشارة إلى الحكم السابق والكاف لخطاب العام ويحتمل الكسر ولذا لم يقل ذلكن مع كون الخطاب للنساء وقال العسقلاني بكسر الكاف خطاب للواحدة التي تولت الخطاب ويجوز فتحها على أنه خطاب للعام من نقصان عقلها ولذا قال تعالى أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى البقرة قال لعل إعادة قال ليدل على أنه قول مستقل راجع إلى نظيره السابق وليس من تتمة هذا القول القريب وهو موجود في أكثر النسخ وأما في أصل السيد جمال الدين ومتن صحيح البخاري فغير موجود والله أعلم أليس اسمها ضمير الشأن وخبرها قوله إذا حاضت لم تصل ولم تصم قلن بلى قال فذلك أي كونها غير مصلية ولا صائمة من نقصان دينها يعني في الجملة لأنها حرمت من ثواب الصلاة فإنها لا تقضي ومن كمال ثواب الصوم حيث لم يقع في وقت الفضيلة مع مشاركة المؤمنين في الطاعة ولعل هذا وجه إيراده في هذا الباب والله أعلم بالصواب متفق عليه ورواه النسائي وابن ماجة وعن أبي هريرة مر ذكره رضي الله عنه قال قال رسول الله قال الله تعالى هذا حديث قدسي والفرق بينه وبين القرآن أن الأول يكون بإلهام أو منام أو بواسطة ملك بالمعنى فيعبره بلفظه وينسبه إلى ربه والثاني لا يكون إلا بإنزال جبريل باللفظ المعين وهو أيضا متواتر بخلاف الأول فلا يكون حكمه حكمه في الفروع كذبني بسكون الياء ويجوز فتحها أي نسبني إلى الكذب ابن آدم أي هذا الجنس والتكذيب هو الإخبار عن كون خبر متكلم غير مطابق للواقع ولم يكن له ذلك أي ما صح وما استقام وما كان ينبغي التكذيب له

وشتمني الشتم توصيف الشيء بما هو إزراء ونقص فيه وإثبات الولد له كذلك لأنه قول بمماثلة الولد في تمام حقيقته وهي مستلزمة للإمكان المتداعي إلى الحدوث ولم يكن لائقا وحقا له ذلك الشتم فأما تكذيبه إياي تفصيل لما أجمله فقوله لن يعيدني الإعادة هي الإيجاد بعد العدم المسبوق بالوجود فالمعنى لن يحييني بعد موتي كما بدأني أي أوجدني عن عدم وخلقني ابتداء أي كالحالة التي كنت عليها حين بدأني أو إعادة مثل بدئه إياي أو لن يعيدني مماثلا لما بدأني عليه أو لبدئه لي من تراب أي لا يقدر على ذلك أو لا يريد الإعادة من أصلها أو إعادة الأجسام وكل ذلك كفر وتكذيب بالآيات القرآنية الدالة على الإعادة الجسمانية خلافا لما ذهب إليه حمقى كالأنعام بل هم أضل ولذا رد عليهم بقوله وليس أول الخلق يجوز أن يكون من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف أي ليس الخلق الأول للمخلوقات أو من قبيل حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه أي ليس أول خلق الخلق والخلق بمعنى المخلوق أو اللام عوض عن المضاف إليه أي أول خلق الشيء بأهون الباء زائدة للتأكيد من هان الأمر يهون إذا سهل أي ليس أسهل علي من إعادته أي المخلوق أو الشيء بل هما يستويان في قدرتي بل الإعادة أسهل عادة لوجود أصل البنية وأثرها أو أهون على زعمكم وبالنسبة إليكم أو أسهل على المخلوق فإن العود يكون آنيا بخلاف الإيجاد فإنه يكون تدريجيا وفيه اقتباس من الآية وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه الروم وقيل فيه تنبيه على مثال يرشد النبيه إلى فهم الحق وتقريره عنده وهو ما يشاهده إن من اخترع صنعة لم ير مثلها ولم يجد لها أصلا ولا عددا صعبت عليه وتعب فيها غاية التعب وافتقر إلى مكابدة أعمال ومعاونة أعوان ومرور أزمان ومع ذلك فكثيرا لا يتم له مقصوده ولا يظفر منه بطائل وشاهد ذلك ما وقع واستقرىء لأكثر طالبي صنعة الكيمياء حتى أن بعضهم لما توهم بعد فناء عمره وماله في معرفتها أنها صحت معه أزعجه الفرح بها إلى أن وقع من علو كان فيه فاندقت عنقه وأما من أراد إصلاح منكسر وإعادة منهدم وعنده عدد ذلك وأصوله فيهون عليه ذلك ويتم له مقصوده في أسرع وقت فمن تدبر ذلك علم أن الإعادة أسهل من البداءة بالنسبة إلينا والحاصل أن إنكارهم الإعادة بعد أن أقروا بالبداية تكذيب منهم له تعالى والجملة حالية وعاملها قوله في فقوله وصاحبها الضمير المضاف إليه في قوله وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولدا أي اختاره سبحانه قالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله وقالت العرب الملائكة بنات الله وأنا الأحد الصمد الذي غير محتاج إلى أحد والجملة حالية كما مر واتخاذ الولد نقص لإستدعائه محالين أحدهما مماثلته للولد وتمام حقيقته فيلزم إمكانه وحدوثه وثانيهما استخلافه لخلف يقوم بأمره من بعده إذ الغرض من التوالد بقاء النوع فيلزم زواله وفناؤه سبحانه ولذا قال تعالى تكاد السموات يتفطرن منه

الآية مريم والأحد المنفرد المطلق ذاتا وصفاتا وفرق بين الأحد والواحد بأن الواحد لنفي مفتتح العدد والأحد لنفي كل عدد فالواحد ينبىء عن تفرد الذات عن المثل والنظير والأحد ينبىء عن تفردها عن كل نقص وإتصافها بكل كمال فكيف مع ذلك يحتاج إلى الولد والصمد هو الذي يحتاج إليه كل أحد وهو غني عنهم الذي لم ألد من قبيل أنا الذي سمتني أمي حيدرة أي لم أكن والدا لأحد لأن القديم لا يكون محل الحادث ولم أولد أي ولم أكن ولدا لأحد لأنه أول قديم بلا ابتداء كما أنه آخر بلا انتهاء ولم يكن لي كفوا بضم الكاف والفاء وسكونها مع الهمزة وبضمهما مع الواو ثلاث لغات متواترات يعني مثلا وهو خبر كان وقوله أحد اسمها ونفي الكفء يعم الوالدية والولدية والزوجية وغيرها وفي رواية ابن عباس أي في هذا الحديث بعد قوله اتخذ الله ولدا وأما شتمه إياي فقوله لي ولد وهو اسم جنس يشمل الذكر والأنثى وسبحاني وفي نسخة صحيحة بالفاء أي نزهت ذاتي أن أتخذ أي من أن أتخذ صاحبة أي زوجة لعدم الإحتياج ونفي الجنسية أو ولدا قال ابن الملك شك من الراوي والظاهر أن أو للنوع ويدل عليه ما في جامع الحميدي ولا ولدا قال الطيبي زيد لا لما في سبحاني من معنى التنزيه أي المرادف للنفي المقتضي للعطف في خبره بلا وفي الحديث من سعة حلمه تعالى ما يبهر العقل إذ لو وقع مثل ذلك لأدنى خلقه من غيره لحمله غضبه فيه على استئصاله من أصله مع ضعفه وعجزه ولم يفعل تعالى شأنه بمن قال ذلك شيئا بل أرشده للحق ودل عليه بأبلغ دليل وأوضحه رواه البخاري أعلم أن رواية البخاري عن أبي هريرة بلفظ قال الله تعالى شتمني ابن آدم وما ينبغي له أن يشتمني وكذبني وما ينبغي له أن يكذبني أما شتمه إياي فقوله إن لي ولدا وأنا الله الأحد الصمد الذي لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفوا أحد وأما تكذيبه إياي فقوله ليس يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته وكذا رواه أحمد والنسائي وأما رواية البخاري عن ابن عباس فلفظه قال الله تعالى كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك فأما تكذيبه إياي فزعم أني لا أقدر أن أعيده كما كان وأما شتمه إياي فقوله لي ولد وسبحاني أن أتخذ صاحبة أو ولدا كذا في الجامع الصغير فتأمل يظهر لك حقيقة الروايتين

وعن أبي هريرة وإنما لم يقل وعنه لئلا يتوهم مرجعه إلى ابن عباس فإنه أقرب مذكور وإن كان أبو هريرة هو المعنون في العنوان قال قال رسول الله قال الله تعالى يؤذيني بالهمز ويبدل أي يقول في حقي ابن آدم ما أكره وينسب إلي ما لا يليق بي أو ما يتأذى به من يصح في حقه التأذي ولذا قيل هذا الحديث من المتشابه لأن تأذي الله تعالى محال فإما أن يفوض وإما أن يؤول كما تقدم وقد يطلق الإيذاء على إيصال المكروه للغير بقول أو فعل وإن لم يتأثر به فإيذاء الله تعالى فعل ما يكرهه وكذا إيذاء رسول الله ومنه قوله تعالى إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة الأحزاب يسب الدهر بصيغة المضارع استئناف بيان وروي بحرف الجر وفتح السين وجر الدهر يعني ظنا منه أن الدهر يعطي ويمنع ويضر وينفع وأنا الدهر يروي برفع الراء قيل هو الصواب وهو مضاف إليه أقيم مقام المضاف أي أنا خالق الدهر أو مصرف الدهر أو مقلبه أو مدبر الأمور التي نسبوها إليه فمن سبه بكونه فاعلها عاد سبه إلي لأني الفاعل لها وإنما الدهر زمان جعل ظرفا لمواقع الأمور وأتى بأداة الدهر مبالغة في الرد على من يسبه وهم صنفان دهرية لا يعرفون للدهر خالقا ويقولون ما يهلكنا إلا الدهر أو معترفون بالله تعالى لكنهم ينزهونه عن نسبة المكاره إليه فيقولون تبا له وبؤسا وخيبة ونحو ذلك وقد يقع من بعض عوام المؤمنين جهالة وغفلة ويروى بنصب الدهر على الظرفية أي أنا الفاعل أو المتصرف في الدهر وقيل الدهر الثاني غير الأول فإنه بمعنى زمان مدة العالم من مبدأ التكوين إلى أن ينقرض أو الزمن الطويل المشتمل على تعاقب الليالي والأيام بل هو مصدر بمعنى الفاعل ومعناه أنا الداهر المتصرف المدبر المفيض لما يحدث وقال الراغب الأظهر أن معناه أنا فاعل ما يضاف إلى الدهر من الخير والشر والمسرة والمساءة فإذا سببتم الذي تعتقدون أنه فاعل ذلك فقد سببتموني بيدي الأمر بالإفراد وفتح الياء وقد تسكن وجوز التثنية وفتح الياء المشددة للتأكيد والمبالغة أي الأمور كلها خيرها وشرها حلوها ومرها تحت تصرفي أقلب الليل والنهار كما أشاء بأن أنقص فيهما أو أزيد وأقلب قلوب أهلهما كما أريد متفق عليه ورواه أحمد وأبو داود ورواه مسلم عنه أيضا بلفظ قال الله تعالى يؤذيني ابن آدم يقول يا خيبة الدهر فلا يقولن أحدكم يا خيبة الدهر فإني أنا الدهر أقلب ليله ونهاره فإذا شئت قبضتهما وعن أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله ما أحد أصبر أي ليس أحد

أشد صبرا والصبر حبس النفس عما تشتهيه أو على ما تكره وهو في صفة الباري تأخير العذاب عن مستحقة على أذى قيل إنه اسم مصدر آذى يؤذي بمعنى المؤذي صفة محذوف أي كلام مؤذ قبيح صادر من الكفار وقوله يسمعه صفة أذى وهو تتميم لأن المؤذي إذا كان بمسمع من المؤذى كان تأثير الأذى أشد وهذا بالنسبة إلينا وإلا فالمسموع وغيره معلوم عنده تعالى من الله متعلق بقوله أصبر لا بيسمعه يدعون بسكون الدال وقيل بتشديدها له الولد والجملة استئناف بيان للأذى ثم يعافيهم بدفع المضرة عنهم ويرزقهم بإيصال المنفعة إليهم انظر فضله وإنعامه في معاملته مع من يؤذيه فما ظنك بمن يحتمل الأذى عمن يعصيه ويمتثل ارتكاب طاعاته واجتناب مناهيه وفيه إرشاد لنا إلى تحمل الأذى وعدم المكافأة والتخلق بأخلاق الله تعالى متفق عليه ورواه النسائي وعن معاذ أي ابن جبل يكنى أبا عبد الله الأنصاري الخزرجي وهو أحد السبعين الذين شهدوا العقبة من الأنصار وشهد بدرا وما بعدها من المشاهد وبعثه إلى اليمن قاضيا ومعلما روى عنه عمر وابن عمر وابن عباس وخلق سواهم مات وله ثمان وثلاثون سنة قال كنت ردف النبي وهو بكسر الراء وسكون الدال الذي يركب خلف الراكب من الردف وهو العجز أي كنت رديفه على حمار إشارة إلى كمال التذكر بالقصة وإشعار بتواضعه عليه الصلاة والسلام ليس بيني وبينه أراد شدة القرب فيكون الضبط أكثر إلا مؤخرة الرحل استثناء مفرغ وهو العود الذي يكون خلف الراكب بضم الميم بعدها همزة ساكنة وقد تبدل ثم خاء مكسورة هذا هو الصحيح وفيه لغة أخرى بفتح الهمزة والخاء المشددة المكسورة وقد تفتح فقال يا معاذ هل تدري أي أتعرف ما حق الله على عباده قال الزمخشري الدراية معرفة تحصل بضرب من الخداع ولذا لا يوصف الباري بها أي ولا بالمعرفة لإستدعائها سبق جهل بخلاف العلم أو لتعلق المعرفة بالجزئيات والله تعالى يعلم الجزئيات والكليات وما حق العباد على الله حق الله بمعنى الواجب واللازم وحق العباد بمعنى الجدير واللائق لأن الإحسان إلى من لا يتخذ ربا سواه جدير في الحكمة أن يفعله ولا يجب على الله شيء خلافا للمعتزلة وقيل حق العباد ما وعدهم به ومن صفة وعده أن يكون واجب الإنجاز فهو حق

بوعده الحق وقال النووي حق العباد على جهة المشاكلة والمقابلة لحقه عليهم ويجوز أن يكون من قول الرجل حقك وأجب علي أي قيامي به متأكد ومنه قول النبي حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام قلت الله ورسوله أعلم قال فإن أي إذا فوضت فأعلم أن حق الله على العباد أن يعبدوه أي يوحدوه أو يقوموا بعبادته وعبوديته بمقتضى إلهيته وربوبيته ولا يشركوا به شيئا الواو لمطلق الجمع وهو تأكيد أو تخصيص وحق العباد بالنصب ويجوز رفعه على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا من الأشياء أو الإشراك أي عذابا مخلدا فلا ينافي دخول جماعة النار من عصاة هذه الأمة كما ثبت به الأحاديث الصحيحة بل المتواترة ومن ثمة أوجبوا الإيمان به فإن قلت كيف هذا مع قول البيضاوي وليس بحتم عندنا أن يدخل النار أحد من الأمة بل العفو عن الجميع بموجب وعده ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء النساء يغفر الذنوب جميعا الزمر مرجو قلت البيضاوي لم ينف الدخول وإنما نفى تحتمه وجوز العفو عن الجميع من حيث عموم الوعد وأما من حيث إخباره عليه الصلاة والسلام بأنه لا بد من دخول جمع من العصاة النار فلم يتعرض له البيضاوي على أنه قال اللازم على الوعد المذكور عموم العفو وهو لا يستلزم عدم الدخول لجواز العفو عن البعض بعد الدخول وقبل استيفاء العقاب ا ه وفيه مع ذلك نظر لأن النصوص دلت على دخول جمع النار وتعذيبهم بها وقد أسودت أبدانهم حتى صارت كالفحم فيجب الإيمان بذلك فقلت يا رسول الله أفلا أبشر به الناس أي عمومهم والفاء في جواب الشرط المقدر أي إذا كان كذلك أفلا أبشرهم بما ذكرت من حق العباد والبشارة إيصال خبر إلى أحد يظهر أثر السرور منه على بشرته وأما قوله تعالى فبشرهم بعذاب أليم آل عمران فتهكم أو تجريد قال لا تبشرهم قال بعض النهي مخصوص ببعض الناس وبه احتج البخاري على أن للعالم أن يخص بالعلم قوما دون قوم كراهة أن لا يفهموا وقد يتخذ أمثال هذه الأحاديث البطلة والمباحية ذريعة إلى ترك التكاليف ورفع الأحكام وذلك يفضي إلى خراب الدنيا بعد خراب العقبى فيتكلوا منصوب في جواب النهي بتقدير أن بعد الفاء أي يعتمدوا ويتركوا الإجتهاد في حق الله تعالى فالنهي منصب على السبب والمسبب معا أي لا يكن منك تبشير فاتكال منهم وإنما رواه معاذ مع كونه منهيا عنه لأنه علم منه أن هذا الإخبار يتغير بتغير الزمان والأحوال والقوم يومئذ كانوا حديثي العهد بالإسلام لم يعتادوا بتكاليفه فلما تثبتوا واستقاموا أخبرهم أو رواه بعد ورود الأمر بالتبليغ والوعيد على الكتمان ثم أن معاذا مع جلالة قدره لا يخفي عليه ثواب نشر العلم ووبال كتمه فرأى التحدث واجبا في الجملة ويؤيده ما روي في الحديث الذي يتلوه فأخبر معاذ عند موته تأثما وقيل إنما نهى النبي معاذا عن التبشير وأخبر به معاذ بعد تبشير النبي المؤمنين فلا يلزم ارتكاب المنهي لأن النهي عن التبشير لا عن الإخبار متفق عليه ورواه أبو داود والترمذي والنسائي وعن أنس مر ذكره أن النبي ومعاذ رديفه على الرحل الجملة حالية معترضة بين اسم إن وخبرها قال يا معاذ قال أي معاذ لبيك مثنى مضاف بني للتكرير من غير حصر من لب أجاب أو أقام أي أجبت لك إجابة بعد إجابة أو أقمت على طاعتك إقامة بعد إقامة رسول الله بحذف حرف النداء لكمال القرب وسعديك عطف على لبيك أي ساعدت طاعتك مساعدة بعد مساعدة قال يا معاذ قال لبيك رسول الله وسعديك تكرير النداء لتأكيد الإهتمام بما يخبر وليكمل تنبيه معاذ فيما يسمعه فيكون أوقع في النفس وأشد في الضبط والحفظ قال يا معاذ قال لبيك رسول الله وسعديك ثلاثا أي وقع هذا النداء والجواب ثلاث مرات وفي النسخ المصححة كلها بحذف حرف النداء في رسول الله ووقع في نسخة ابن حجر وجودها في الثالثة فأطنب في توجيهه قال وفي نسخة قال مكررا أي قال أنس قال النبي ما من أحد من زائدة لإستغراق النفي واحد مبتدأ وصفته يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صدقا مصدر فعل محذوف أي يصدق صدقا وقوله من قلبه صفة صدقا لأن الصدق قد لا يكون من قلب أي اعتقاد كقول المنافق إنك لرسول الله أو يكون بمعنى صادقا حال من فاعل يشهد وخبر المبتدأ قوله إلا حرمه الله على النار وهو استثناء مفرغ أي ما من أحد يشهد محرم على شيء إلا محرما على النار والتحريم بمعنى المنع حكي عن جماعة من السلف منهم ابن المسيب أن هذا كان قبل نزول الفرائض والأمر والنهي وقال بعضهم معناه من قال الكلمة وأدى حقها وفريضتها فيكون الامتثال والإنتهاء مندرجين تحت الشهادتين وهذا قول الحسن البصري