الجنة والنار عياذا بالله الواحد

حمل المصحف
9 مصاحف روابط 9 مصاحف
/ /////

الأحد، 13 مارس 2016

ذكر صفة الجنة وما فيها من النعيم المقيم الدائم على الأبد


ذكر صفة الجنة وما فيها من النعيم المقيم الدائم على الأبد ، لا يفنى ولا يضمحل ولا يبيد أبدا بل كل ما له في ازدياد وبهاء وحسن ، نسأل الله سبحانه الجنة ، ونعوذ به من النار 

قال تعالى : أكلها دائم وظلها [ الرعد : 35 ] .
والمنقطع ولو بعد ألوف من السنين ليس بدائم ، وقال تعالى : إن هذا لرزقنا ما له من نفاد
والمنقطع ينفد ، وقال تعالى : ما عندكم ينفد وما عند الله باق
[ النحل : 96 ] . فأخبر أن الدنيا وما فيها ينفد ، وما عند الله باق لا ينفد ، فلو كان له آخر لكان ينفد كما ينفد نعيم الدنيا . وقال تعالى : لهم أجر غير ممنون [ الانشقاق : 25 ]

 أي : غير مقطوع . قاله طائفة من المفسرين ; غير مقطوع ولا منقوص ، ومنه المنون ، وهو قطع عمر الإنسان ، وعن مجاهد : غير محسوب . وهو مثل الأول ; لأن ما ينقطع محسوب مقدر ، بخلاف ما لا نهاية له . 

ذكر صفة الجنة وما فيها من النعيم المقيم الدائم على الأبد


  1. ذكر صفة الجنة وما فيها من النعيم المقيم الدائم على الأبد ، لا يفنى ولا يضمحل ولا يبيد أبدا بل كل ما له في ازدياد وبهاء وحسن ، نسأل الله سبحانه الجنة ، ونعوذ به من النار 

    قال تعالى : أكلها دائم وظلها [ الرعد : 35 ] . والمنقطع ولو بعد ألوف من السنين ليس بدائم ، وقال تعالى : إن هذا لرزقنا ما له من نفاد [ ص : 54 ] . والمنقطع ينفد ، وقال تعالى : ما عندكم ينفد وما عند الله باق [ النحل : 96 ] . فأخبر أن الدنيا وما فيها ينفد ، وما عند الله باق لا ينفد ، فلو كان له آخر لكان ينفد كما ينفد نعيم الدنيا . وقال تعالى : لهم أجر غير ممنون [ الانشقاق : 25 ] أي : غير مقطوع . قاله طائفة من المفسرين ; غير مقطوع ولا منقوص ، ومنه المنون ، وهو قطع عمر الإنسان ، وعن مجاهد : غير محسوب . وهو مثل الأول ; لأن ما ينقطع محسوب مقدر ، بخلاف ما لا نهاية له . 
    -----------
     ذكر ما ورد في عدد أبواب الجنة واتساعها وعظمة جناتها 
    قال الله تعالى : وفتحت أبوابها [ الزمر : 73 ] . وقال تعالى : مفتحة لهم الأبواب  ،وقال تعالى : والملائكة يدخلون عليهم من كل باب [ الرعد : 23 ] . 

     وقد تقدم أن المؤمنين إذا انتهوا إلى باب الجنة وجدوه مغلقا ، فيستشفعون الله ; ليفتح لهم ، بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فيأتي باب الجنة ثم يقعقع حلقة الباب ، فيقول الخازن : من أنت ؟ فيقول : " محمد " . فيقول : بك أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك . 

    وثبت في " الصحيح " أنه أول شافع في الجنة ، وأول من يقعقع باب الجنة ، وسيأتي في الحديث : " مفتاح الجنة لا إله إلا الله " . 

    وروى الإمام أحمد ، ومسلم ، وأهل السنن ، من رواية عقبة بن عامر وغيره ، عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من توضأ فأحسن الوضوء ، ثم رفع بصره إلى السماء فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله . فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء " . 

    وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا بشر بن المفضل ، حدثنا عبد  الرحمن بن إسحاق ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " إن في الجنة بابا يدعى الريان ، يقال يوم القيامة : أين الصائمون ؟ فإذا دخلوه أغلق فلم يدخل منه غيرهم" . قال بشر : فلقيت أبا حازم ، فسألته ، فحدثني به ، غير أني لحديث عبد الرحمن أحفظ . 

    وقال الطبراني : حدثنا يحيى بن عثمان ، حدثنا سعيد بن أبي مريم ، حدثنا أبو غسان ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " في الجنة ثمانية أبواب ؟ باب منها يسمى الريان ، لا يدخله إلا الصائمون " . 

    وقد رواه البخاري ، عن سعيد بن أبي مريم ، به . ورواه أيضا مسلم ، من حديث سليمان بن بلال ، عن أبي حازم سلمة بن دينار ، عن سهل ، به. 

    وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن حميد بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أنفق زوجين من ماله في سبيل الله دعي من أبواب الجنة ، وللجنة ثمانية أبواب ، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان ، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة ، ومن كان من أهلالجهاد دعي من باب الجهاد " . فقال أبو بكر : والله يا رسول الله ، ما على أحد من ضرورة دعي ، من أيها دعي ، فهل يدعى منها كلها أحد يا رسول الله ؟ قال : " نعم ، وأرجو أن تكون منهم  

    وأخرجاه في " الصحيحين " من حديث الزهري به ، ولهما من حديث شيبان ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله . 

    وقال عبد الله بن الإمام أحمد حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير ، حدثنا إسحاق بن سليمان ، حدثنا حريز بن عثمان ، عن شرحبيل بن شفعة قال : لقيني عتبة بن عبد السلمي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من مسلم يتوفى له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا تلقوه من أبواب الجنة الثمانية ، من أيها شاء دخل " . 
    ورواه ابن ماجه ، عن ابن نمير أيضا . 

    وروى البيهقي من حديث الوليد بن مسلم ، عن صفوان بن عمرو ، عن أبي المثنى الأملوكي ، أنه سمع عتبة بن عبد السلمي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، في حديث ذكره في قتال المخلص والمذنب والمنافق ، قال فيه : " وللجنة ثمانية أبواب ، وإن السيف محاء للذنوب ، ولا يمحو النفاق " . الحديث بطوله . 

    وتقدم الحديث المتفق عليه ، من حديث أبي زرعة ، عن أبي هريرة ، في حديث الشفاعة ، قال فيه : " فيقول الله : يا محمد ، أدخل من لا حساب عليه من أمتك من الباب الأيمن ، وهم شركاء الناس في سائر الأبواب . والذي نفس محمد بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة وما بين عضادتي الباب كما بين مكة وهجر ، أو كما بين مكة وبصرى " . 

    وفي " صحيح مسلم " ، عن خالد بن عمير العدوي ، أن عتبة بن غزوان خطبهم ، فقال بعد حمد الله ، والثناء عليه : أما بعد ، فإن الدنيا قد آذنت بصرم ، وولت حذاء ، وإنما بقي منها صبابة كصبابة الإناء يتصابها  صاحبها ، وإنكم منتقلون منها إلى دار لا زوال لها ، فانتقلوا بخير ما بحضرتكم ; فإنه قد ذكر لنا أن الحجر يلقى من شفة جهنم ، فيهوي فيها سبعين عاما لا يدرك لها قعرا ، ووالله لتملأن ، أفعجبتم ؟ ولقد ذكر لنا أن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين سنة ، وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام ، ولقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لنا طعام إلا ورق الشجر ، حتى قرحت أشداقنا ، فالتقطت بردة فشققتها بيني وبين سعد بن مالك ، فاتزرت بنصفها ، واتزر سعد بنصفها ، فما أصبح اليوم منا أحد إلا أصبح أميرا على مصر من الأمصار ، وإني أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيما وعند الله صغيرا ، وإنها لم تكن نبوة قط إلا تناسخت ، حتى يكون آخر عاقبتها ملكا ، فستخبرون وتجربون الأمراء بعدنا . 

    وفي " المسند " من حديث حماد بن سلمة ، عن الجريري ، عن حكيم بن معاوية ، عن أبيه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أنتم توفون سبعين أمة ، أنتم آخرها وأكرمها على الله ، وما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين عاما ، وليأتين عليه يوم وإنه لكظيظ " . 

    ورواه البيهقي ، من طريق علي بن عاصم ، عن سعيد الجريري ، عن حكيم   بن معاوية ، به ، وقال : " مسيرة سبع سنين " . 

    وقال يعقوب بن سفيان : حدثنا الفضل بن الصباح أبو العباس ، حدثنا معن بن عيسى ، حدثنا خالد بن أبي بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر ،عن سالم بن عبد الله ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " باب أمتي التي تدخل منه الجنة عرضه مسيرة الراكب المجود ثلاثا ، ثم إنهم ليضغطون عليه حتى تكاد مناكبهم تزول " . 

    وقد رواه الترمذي من حديث خالد هذا ، ثم قال : وسألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث ، فلم يعرفه ، وقال : لخالد بن أبي بكر مناكير عن سالم . 

    قال البيهقي : وحديث عتبة بن غزوان : " أربعين سنة " . أصح . 

    وروى عبد بن حميد في " مسنده " ، عن الحسن بن موسى الأشيب ، عن ابن لهيعة ، عن دراج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن ما بين مصراعين في الجنة لمسيرة أربعين سنة " . 

    فأما حديث لقيط بن عامر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن للنار سبعة  أبواب ، ما منهن بابان إلا يسير الراكب بينهما سبعين عاما " . وكذلك قال في بعد ما بين أبواب الجنة ، فهو حديث مشهور ، وحمله بعض العلماء على بعد ما بين الباب إلى الباب الآخر ، لا على ما بين المصراعين اللذين في باب واحد ، بل الباب يدور في طول الجدار كما يدور حول صدور البلد إلى الباب الآخر ; لئلا يعارض ما تقدم . والله أعلم . 

    وقد ذكر القرطبي وادعى أن للجنة ثلاثة عشر بابا ، ولكن لم يقم على ذلك دليلا قويا أكثر من أنه قال : ومما يدل على أنها أكثر من ثمانية حديثعمر : " من توضأ فقال : أشهد أن لا إله إلا الله " . وفي آخره قال : " فتح له من أبواب الجنة ثمانية أبواب يدخل من أيها شاء " . خرجه الترمذيوغيره . قال : وروى الآجري في كتاب " النصيحة " عن أبي هريرة مرفوعا : " إن في الجنة بابا يقال له : باب الضحى . ينادي مناد : أين الذين كانوا يداومون على صلاة الضحى ؟ هذا بابكم فادخلوا " . قال : وقال الترمذي الحكيم أبو عبد الله : أبواب الجنة منها باب محمد صلى الله عليه وسلم وهو باب التوبة ، وباب الصلاة ، وباب  الصوم ، وباب الزكاة ، وباب الصدقة ، وباب الحج ، وباب العمرة ، وباب الجهاد ، وباب الصلة . وزاد غيره باب الكاظمين ، وباب الراضين ، والباب الأيمن الذي يدخل منه الذين لا حساب عليهم . وجعل القرطبي الباب الذي عرضه مسيرة ثلاثة أيام للراكب المجود - كما وقع عند الترمذي - بابا ثالث عشر . فالله أعلم . 

    وقال الحسن بن عرفة : حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين ، عن شهر بن حوشب ، عن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مفتاح الجنة شهادة أن لا إله إلا الله " . 

    وفي " صحيح البخاري " قال : وقيل لوهب بن منبه : أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة ؟ قال : بلى ، ولكن إن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك ، وإلا لم يفتح لك . يعني : لا بد أن يكون مع التوحيد أعمال صالحة من فعل الطاعات وترك المحرمات . والله أعلم . 

    وتقدم في حديث علي ، قال : يساق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا ، حتى إذا انتهوا إلى أول باب من أبوابها ، وجدوا عنده شجرة . وذكر الحديث .
    ------------------
    ذكر تعداد محال الجنة وارتفاعها واتساعها 
    قال الله تعالى : ولمن خاف مقام ربه جنتان فبأي آلاء ربكما تكذبان [ الرحمن : 46 ، 47 ] الآيات إلى آخر السورة . 

    وثبت في " الصحيحين " من حديث عبد العزيز بن عبد الصمد ، عن أبي عمران الجوني ، عن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري ، عن أبيه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما ، وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما ، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم عز وجل إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن  

    وروى البيهقي من حديث مؤمل بن إسماعيل ، عن حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أبي بكر بن أبي موسى ، عن أبيه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " جنتان من ذهب للسابقين ، وجنتان من ورق لأصحاب اليمين " . 

    وقال البخاري : حدثنا قتيبة ، حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن حميد ، عن أنس بن مالك ، أن أم حارثة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد هلكحارثة يوم بدر ، أصابه سهم غرب ، فقالت : يا رسول الله ، قد علمت موقع حارثة من قلبي ،   فإن كان في الجنة لم أبك عليه ، وإلا سوف ترى ما أصنع . فقال لها : " أهبلت ؟ أجنة واحدة هي ؟! إنها جنان كثيرة ، وإنه في الفردوس الأعلى " . وقال : " غدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها ، ولقاب قوس أحدكم - أو موضع قدم - من الجنة خير من الدنيا وما فيها ، ولو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت إلى الأرض لأضاءت ما بينهما ، ولملأت ما بينهما ريحا ولنصيفها - يعني الخمار - خير من الدنيا وما فيها " . 

    وفي رواية ، عن قتادة أنه قال : " الفردوس ربوة الجنة وأوسطها وأفضلها " . وقد رواه الطبراني من حديث سعيد بن بشير ، عن قتادة ، عنالحسن ، عن سمرة مرفوعا . 

    قال الله تعالى : في جنة عالية [ الغاشية : 10 ] وقال تعالى : فأولئك لهم الدرجات العلى [ طه : 75 ] . وقال تعالى : وجنة عرضها السماوات والأرض [ آل عمران : 133 ] ، وقال تعالى : وجنة عرضها كعرض السماء والأرض[ الحديد : 21 ]

     وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو عامر ، حدثنا فليح ، عن هلال بن علي ، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من آمن بالله ورسوله ، وأقام الصلاة ، وصام رمضان ، فإن حقا على الله أن يدخله الجنة ، هاجر في سبيل الله ، أو جلس في أرضه التي ولد فيها " . قالوا : يا رسول الله ، أفلا نخبر الناس ؟ قال : " إن في الجنة مائة درجة أعدها الله ، عز وجل ، للمجاهدين في سبيله ، بين كل درجتين كما بين السماء والأرض ، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس ، فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة ، وفوفه عرش الرحمن ، ومنه تفجر - أو تفجر - أنهار الجنة " . شك أبو عامر . 

    ورواه البخاري ، عن إبراهيم بن المنذر ، عن محمد بن فليح ، عن أبيه بمعناه . 

    وقال الطبراني : حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا أبو همام الدلال ، حدثنا هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن معاذ بن جبل قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من صلى هؤلاء الصلوات الخمس ، وصام رمضان " - لا أدري ذكر زكاة أم لا ؟ - " كان حقا على الله أن يغفر له ، هاجر أو قعد حيث ولدته أمه " . قلت : يا رسول الله ، ألا أخرج فأوذن الناس ؟   فقال : " لا ، ذر الناس يعملون ، فإن الجنة مائة درجة ، بين كل درجتين منها مثل ما بين السماء والأرض ، وأعلى درجة منها الفردوس . وعليها يكون العرش ، وهي أوسط شيء في الجنة ، ومنها تفجر أنهار الجنة ، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس " . 

    وهكذا رواه الترمذي ، عن قتيبة وأحمد بن عبدة ، عن الدراوردي ، عن زيد بن أسلم ، به . وأخرجه ابن ماجه ، عن سويد ، عن حفص بن ميسرة ، عن زيد مختصرا . 

    وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا همام ، حدثنا زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن عبادة بن الصامت ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الجنة مائة درجة ، ما بين كل درجتين مسيرة مائة عام " . وقال عفان : " كما بين السماء والأرض ، والفردوس أعلاها درجة ، ومنها تخرج الأنهار الأربعة ، والعرش من فوقها ، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس " . 

    ورواه الترمذي ، عن أحمد بن منيع ، عن يزيد بن هارون ، عن همام بن يحيى ، به . 
     قلت : ولا تكون هذه الصفة إلا في المقبب ، فإن أعلى القبة هو أوسطها ، فالجنة - والله أعلم - كذلك . 

    وقال أبو بكر بن أبي داود : حدثنا أحمد بن سنان ، حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا شريك ، عن محمد بن جحادة ، عن عطاء ، عن أبي هريرة ،قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الجنة مائة درجة ، ما بين كل درجتين مسيرة خمسمائة عام " . 

    ورواه الترمذي ، عن عباس العنبري ، عن يزيد بن هارون ، فذكره ، وعنده : " ما بين كل درجتين مائة عام " . وقال : هذا حديث حسن صحيح . 

    وقال أبو يعلى : حدثنا زهير ، حدثنا حسن ، عن ابن لهيعة ، حدثنا دراج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الجنة مائة درجة ، لو أن العالمين اجتمعوا في إحداهن لوسعتهم " . ورواه الترمذي ، عن قتيبة ، عن ابن لهيعة ، ورواه أحمد أيضا 
    ----------------------
    ذكر ما يكون لأدنى أهل الجنة منزلة وأعلاهم ، من اتساع الملك العظيم ، والنعيم المقيم 

    قال الله تعالى : وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا [  الإنسان : 20 ] . وقد تقدم في حديث ابن مسعود ، في آخر من يدخل الجنة ، أن الله يقول له : " أما ترضى أن يكون لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها ؟ " وكذلك في غيره من الأحاديث الصحيحة 

    وقال الإمام أحمد : حدثنا حسين بن محمد ، حدثنا إسرائيل ، عن ثوير " هو ابن أبي فاختة ، عن ابن عمر ، رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن أدنى أهل الجنة منزلة الذي ينظر إلى جنانه ونعيمه وخدمه وسرره مسيرة ألف سنة ، وإن أكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية " . ثم تلا هذه الآية : وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة [ القيامة : 22 ، 23 ] . 

     وقال أيضا : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا عبد الملك بن أبجر ، عن ثوير بن أبي فاختة ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أدنى أهل الجنة منزلة لينظر في ملكه ألفي سنة ، يرى أقصاه كما يرى أدناه ، ينظر أزواجه وخدمه ، وإن أفضلهم منزلة لينظر في وجه الله تعالى كل يوم مرتين " . 

    ورواه الترمذي ، عن عبد بن حميد ، عن شبابة ، عن إسرائيل ، عن ثوير ، به . قال : وقد روي من غير وجه ، عن إسرائيل ، عن ثوير ، عنابن عمر مرفوعا . قال : ورواه الثوري ، عن ثوير ، عن مجاهد ، عن ابن عمر قوله . قال : ورواه عبد الملك بن أبجر ، عن ثوير ، عن ابن عمر موقوفا . كذا قال . 

    وقد تقدم رواية أحمد بهذه الطريق مرفوعا . 

    وروى مسلم والطبراني - وهذا لفظه - من حديث سفيان بن عيينة ، حدثنا مطرف بن طريف وعبد الملك بن سعيد بن أبجر ، عن الشعبي ، عنالمغيرة  بن شعبة - رفعه ابن أبجر ، ولم يرفعه مطرف - قال : " قال موسى عليه السلام : يا رب ، أخبرني عن أدنى أهل الجنة منزلة . قال : نعم ، هو رجل يجيء بعد ما نزل الناس منازلهم ، وأخذوا أخذاتهم ، فيقال له : ادخل الجنة . فيقول : يا رب ، وكيف أدخلها ، وقد نزل الناس منازلهم ، وأخذوا أخذاتهم ؟ فيقول : أما ترضى أن يكون لك مثل ما كان لملك من ملوك الدنيا ؟ فيقول : رضيت رب . فيقول : إن لك مثله ومثله - وعقد سفيان أصابعه الخمس - فيقول : رضيت رب . فيقول : إن لك هذا وما اشتهت نفسك ، ولذت عينك . فيقول : رضيت رب . قال موسى : يا رب ، فأخبرني عن أعلى أهل الجنة منزلة . قال : نعم ، أولئك الذين أردت ، وسأخبرك عنهم ، غرست كرامتهم بيدي ، وختمت عليها ، فلم تر عين ، ولم تسمع أذن ، ولم يخطر على قلب بشر " . ومصداق ذلك في كتاب الله : فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون [ السجدة : 17 ] . 

    وثبت في " الصحيحين " - واللفظ لمسلم - من حديث الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " قال الله عز وجل : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر " . مصداق ذلك في  كتاب الله فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون . 

    وقال الإمام أحمد : حدثنا هارون بن معروف ، حدثنا ابن وهب ، حدثني أبو صخر ، أن أبا حازم حدثه قال : سمعت سهل بن سعد يقول : شهدت من رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسا وصف فيه الجنة حتى انتهى ، ثم قال في آخر حديثه : " فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر " . ثم قرأ هذه الآية : تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون فلا تعلم نفس ما أخفي لهم منقرة أعين جزاء بما كانوا يعملون [ السجدة : 16 ، 17 ] . ورواه مسلم ، عن هارون بن معروف . 
    -------------------
    ذكر غرف الجنة وارتفاعها وعظمها ، نسأل الله من فضله المبسوط على خلقه في الدنيا والآخرة 

    قال الله تعالى لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار وعد الله لا يخلف الله الميعاد [ الزمر : 20 ] . وقال تعالى وهم في الغرفات آمنون [ سبأ : 37 ] وقال والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نعم أجر العاملين [ العنكبوت : 58 ] . وقال : أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما[ الفرقان : 75 ] . 

    وثبت في " الصحيحين " - واللفظ لمسلم - من حديث مالك ، عن صفوان بن سليم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوكب الدري الغابر من الأفق من المشرق أو المغرب ; لتفاضل ما بينهم " . قالوا : يا رسول الله ، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم ؟ قال : " بلى ، والذي نفسي بيده ، رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين " . 

    وفي " الصحيحين " أيضا من حديث أبي حازم ، عن سهل بن سعد ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن أهل الجنة ليتراءون الغرفة في الجنة كما تتراءون الكوكب في أفق السماء " . 

    وقال أحمد : حدثنا فزارة ، أخبرني فليح ، عن هلال - يعني ابن علي - عن عطاء ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "إن أهل الجنة ليتراءون في  الجنة كما تراءون - أو ترون - الكوكب الدري الغابر في الأفق ، الطالع ، في تفاضل الدرجات " . قالوا : يا رسول الله ، أولئك النبيون ؟ قال : " بلى ، والذي نفسي بيده ، وأقوام آمنوا بالله وصدقوا المرسلين " . قال الحافظ الضياء : وهذا على شرطالبخاري . 

    وقال أحمد : حدثنا علي بن عياش ، حدثنا محمد بن مطرف ، حدثنا أبو حازم ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن المتحابين لترى غرفهم في الجنة كالكوكب الطالع الشرقي أو الغربي ، فيقال : من هؤلاء ؟ فيقال : هؤلاء المتحابون في الله ، عز وجل " . 

    وفي حديث عطية ، عن أبي سعيد مرفوعا : " إن أهل عليين ليراهم من سواهم كما ترون الكوكب في أفق السماء ، وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما " .
    -------------














































حديث الصور بطوله *

حديث الصور بطوله

قال الحافظ أبو يعلى الموصلي في " مسنده " : حدثنا عمرو بن الضحاك بن مخلد ، حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد ، حدثنا أبو رافع إسماعيل بن رافع ، عن محمد بن يزيد بن أبي زياد ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن رجل من الأنصار ، عن أبي هريرة ، قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو في طائفة من أصحابه ، قال : " إن الله تعالى لما فرغ من خلق السماوات والأرض خلق الصور ، فأعطاه إسرافيل ، فهو واضعه على فيه ، شاخص إلى العرش ببصره ينتظر متى يؤمر فينفخ . قال : قلت : يا رسول الله ، ما الصور؟ قال : " قرن " . قلت : كيف هو؟ قال : " عظيم ، والذي بعثني بالحق إن عظم دائرة فيه كعرض السماوات والأرض ، ينفخ فيه ثلاث نفخات; الأولى نفخة الفزع ، والثانية نفخة الصعق ، والثالثة نفخة القيام لرب العالمين . يأمر الله إسرافيل بالنفخة الأولى ، فيقول : انفخ نفخة الفزع . فينفخ نفخة الفزع ، فيفزع أهل السماوات والأرض إلا من شاء الله ، ويأمره تعالى فيمدها ويطيلها ولا يفتر ، وهي التي يقول الله تعالى : وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق . فتسير الجبال سير السحاب فتكون سرابا ، وترتج الأرض بأهلها رجا فتكون كالسفينة الموبقة في البحر ، تضربها الأمواج تكفأ بأهلها ، كالقنديل المعلق بالعرش ترجحه الأرواح ، ألا وهو الذي يقول تعالى : يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة قلوب يومئذ واجفة أبصارها خاشعة ا لنازعات : 6 - 9.[

فتميد بالناس على وجهها ، وتذهل المراضع ، وتضع الحوامل ، ويشيب الولدان ، وتطير الشياطين هاربة من الفزع حتى تأتي الأقطار ، فتلقاها الملائكة ، فتضرب وجوهها ، فترجع ، ثم يولون مدبرين ما لهم من الله من عاصم ، ينادي بعضهم بعضا ، وهو الذي يقول الله تعالى : يوم التناد /غافر : 32 ] .

فبينما هم على ذلك إذ تصدعت الأرض تصدعين ، من قطر إلى قطر ، فرأوا أمرا عظيما لم يروا مثله ، وأخذهم لذلك من الكرب والهول ما الله به عليم ، ثم تطوى السماء فإذا هي كالمهل ، ثم انشقت السماء فانتثرت نجومها ، وخسفت شمسها وقمرها " .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الأموات لا يعلمون بشيء من ذلك " . قال أبو هريرة : يا رسول الله ، من استثنى الله حين يقول : ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله[87]النمل

: قال : " أولئك الشهداء ، إنما يصل الفزع إلى الأحياء ، وهم أحياء عند ربهم يرزقون ، فوقاهم الله فزع ذلك اليوم وأمنهم منه ، وهو عذاب الله يبعثه على شرار خلقه وهو الذي يقول الله تعالى : يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد الحج : 1 ،2

فيمكثون في ذلك العذاب ما شاء الله سبحانه ، إلا أنه يطول ، ثم يأمر الله إسرافيل ، فينفخ نفخة الصعق ، فيصعق أهل السماوات والأرض ، إلا من شاء الله ، فإذا هم خمدوا ، جاء ملك الموت إلى الجبار تعالى ، فيقول : يا رب ، مات أهل السماوات والأرض إلا من شئت . فيقول الله سبحانه له ، وهو أعلم : من بقي؟ فيقول : يا رب ، بقيت أنت الحي الذي لا يموت ، وبقيت حملة عرشك ، وبقي جبريل وميكائيل وبقيت أنا . فيقول الله ، عز وجل : ليمت جبريل وميكائيل . فينطق سبحانه العرش ، فيقول : يا رب ، يموت جبريل وميكائيل؟ فيقول الله سبحانه للعرش : اسكت ، إني كتبت الموت على كل من كان تحت عرشي . فيموتان ، ثم يأتي ملك الموت إلى الجبار ، عز وجل ، فيقول : يا رب ، قد مات جبريل وميكائيل . فيقول ، وهو أعلم بمن بقي : فمن بقي؟ فيقول : يا رب ، بقيت أنت الحي الذي لا يموت ، وبقي حملة عرشك ، وبقيت أنا . فيقول الله تعالى : فليمت حملة عرشي . فيموتون ، ثم يأمر الله سبحانه العرش فيقبض الصور من إسرافيل ، وإسرافيل من جملة حملة العرش ، ثم يأتي ملك الموت إلى الجبار ، عز وجل ، فيقول : يا رب ، قد مات حملة عرشك . فيقول تبارك وتعالى ، وهو أعلم بمن بقي : فمن بقي؟ فيقول : يا رب ، بقيت أنت الحي الذي لا يموت ، وبقيت أنا . فيقول الله تعالى : أنت خلق من خلقي ، خلقتك لما رأيت ، فمت . فيموت ، فإذا لم يبق إلا الله - قال ابن أبي الدنيا : ثنا محمد بن الحسين ، ثنا يونس بن يحيى الأموي أبو نباتة ، ثنا إسماعيل بن رافع ، عن محمد بن كعب القرظي قال : بلغني أن آخر من يموت من الخلق ملك الموت ، يقال له : يا ملك الموت ، مت موتا لا تحيا بعده أبدا . قال : فيصرخ عند ذلك صرخة لو سمعها أهل السماوات والأرض لماتوا فزعا ، ثم يموت ، ثم يقول تعالى : لمن الملك اليوم لله الواحد القهار غافر : 16 .

وقد رواه ابن أبي الدنيا أيضا عن إسحاق بن إسماعيل ، عن إبراهيم بن عيينة ، عن إسماعيل بن رافع ، عن محمد بن يزيد بن أبي زياد ، عنمحمد بن كعب القرظي ، عن رجل ، عن أبي هريرة ، مرفوعا بهذا .

ورواه الحافظ أبو موسى المديني من طريق محمد بن شعيب بن شابور ، عن إسماعيل بن رافع ، عن محمد بن كعب ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا الحديث ، وفيه : " يا ملك ، أنت خلق من خلقي ، خلقتك لما رأيت ، فمت ، ثم لا تحيا أبدا " . قال أبو موسى : لم يتابع إسماعيل على هذه اللفظة ، ولم يقلها أكثر الرواة - قال : " فإذا مات ملك الموت ، ولم يبق إلا الله الواحد ، الأحد ، الفرد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، كان آخرا كما كان أولا ، طوى السماوات والأرض كطي السجل للكتاب ، ثم دحاهما ، ثم تلقفهما ثلاث مرات ، وقال : أنا الجبار . ثلاثا ، ثم يهتف بصوته : لمن الملك اليوم؟ ثلاث مرات ، فلا يجيبه أحد ، ثم يقول لنفسه تعالى : لله الواحد القهار . ويبدل الله الأرض غير الأرض والسماوات ، فيبسطها ويسطحها ويمدها مد الأديم العكاظي ، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ، ثم يزجر الله الخلق زجرة واحدة ، فإذا هم في هذه المبدلة في مثل ما كانوا فيه من الأولى ، من كان في بطنها كان في بطنها ، ومن كان على ظهرها كان على ظهرها ، ثم ينزل الله سبحانه عليهم ماء من تحت العرش ، ثم يأمر الله السماء أن تمطر ، فتمطر أربعين يوما ، حتى يكون الماء فوقهم اثني عشر ذراعا ، ثم يأمر الله سبحانه الأجساد أن تنبت كنبات الطراثيث ، أو كنبات البقل ، حتى إذا تكاملت أجسادهم ، فكانت كما كانت قبل الموت ، قال الله تعالى : لتحيا حملة عرشي . فيحيون ، ويأمر الله إسرافيل فيأخذ الصور ، فيضعه على فيه ، ثم يقول : ليحيا جبريل وميكائيل . فيحييان ، ثم يدعو الله بالأرواح فيؤتى بها ، تتوهج أرواح المسلمين نورا ، والأخرى ظلمة ، فيقبضها جميعا ، ثم يلقيها في الصور ، ثم يأمر الله إسرافيل أن ينفخ فيه نفخة البعث ، فينفخ نفخة البعث فتخرج الأرواح من الصور كأنها النحل ، قد ملأت ما بين السماء والأرض ، فيقول الله تعالى : وعزتي وجلالي لترجعن كل روح إلى جسدها . فتدخل الأرواح في الأرض إلى الأجساد ، فتدخل في الخياشيم ، ثم تمشي ضد الأجساد مشي السم في اللديغ ، ثم تنشق الأرض عنكم ، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ، فتخرجون منها سراعا إلى ربكم تنسلون مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر [القمر : 8 ] . حفاة عراة غلفا غرلا ، ثم تقفون موقفا واحدا مقدار سبعين عاما ، لا ينظر إليكم ، ولا يقضى بينكم ، فتبكون حتى تنقطع الدموع ، ثم تدمعون دما ، وتعرقون حتى يبلغ ذلك منكم أن يلجمكم ، أو يبلغ الأذقان ، فتضجون وتقولون : من يشفع لنا إلى ربنا ليقضي بيننا . فيقولون : من أحق بذلك من أبيكم آدم؟ خلقه الله بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وكلمه قبلا ، فيأتون آدم ، فيطلبون ذلك إليه ، فيأتي ، فيقول : ما أنا بصاحب ذلك ، ثم يستقرون الأنبياء نبيا نبيا ، كلما جاءوا نبيا أبى عليهم " . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " حتى يأتوني ، فأنطلق ، حتى آتي الفحص ، فأخر ساجدا " . قال أبو هريرة : يا رسول الله ، ما الفحص؟ قال : " قدام العرش ، حتى يبعث الله إلي ملكا ، فيأخذ بعضدي فيرفعني ، فيقول لي : يا محمد . فأقول : نعم ، لبيك يا رب . فيقول : ما شأنك؟ وهو أعلم ، فأقول : يا رب ، وعدتني الشفاعة ، فشفعني في خلقك ، فاقض بينهم . فيقول صلى الله عليه وسلم : شفعتك ، أنا آتيكم فأقضي بينكم " . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فأرجع ، فأقف مع الناس ، فبينما نحن وقوف إذ سمعنا حسا من السماء شديدا ، فنزل أهل السماء الدنيا مثل من في الأرض من الجن والإنس ، حتى إذا دنوا من الأرض أشرقت الأرض بنورهم ، وأخذوا مصافهم قلنا لهم : أفيكم ربنا؟ قالوا : لا ، وهو آت . ثم ينزل أهل السماء الثانية ، بمثل من نزل من الملائكة من أهل السماء الدنيا ، ومثل من فيها من الجن والإنس ، حتى إذا دنوا من الأرض أشرقت الأرض بنورهم ، وأخذوا مصافهم ، وقلنا لهم : أفيكم ربنا؟ قالوا : لا ، وهو آت ، ثم ينزل أهل كل سماء على قدر ذلك من التضعيف حتى ينزل الجبار ، تبارك وتعالى ، في ظلل من الغمام ، والملائكة ، ويحمل عرشه يومئذ ثمانية ، وهم اليوم أربعة ، أقدامهم على تخوم الأرض السفلى ، والسماوات إلى حجزهم ، والعرش على مناكبهم ، لهم زجل من تسبيحهم ، يقولون : سبحان ذي العزة والجبروت ، سبحان ذي الملك والملكوت ، سبحان الحي الذي لا يموت ، سبحان الذي يميت الخلائق ولا يموت ، سبوح قدوس ، سبحان ربنا الأعلى رب الملائكة والروح ، الذي يميت الخلائق ولا يموت فيضع الله تعالى كرسيه حيث شاء من أرضه ، ثم يهتف بصوته ، فيقول تعالى : يا معشر الجن والإنس ، إني قد أنصت لكم من يوم خلقتكم إلى يومكم هذا ، أسمع قولكم ، وأرى أعمالكم ، فأنصتوا لي اليوم ، إنما هي أعمالكم وصحفكم تقرأ عليكم ، فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه . ثم يأمر الله سبحانه جهنم ، فيخرج منها عنق ساطع مظلم ، ثم يقول تعالى : ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون هذه جهنم التي كنتم توعدون[ يس : 60 - 63 ] . أو : بها تكذبون . شك أبو عاصم . وامتازوا اليوم أيها المجرمون ]يس : 59 ] . فيميز الله الناس ، وتجثو الأمم ، يقول الله تعالى : وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون ] الجاثية / 28 ] . فيقضي الله بين خلقه إلا الثقلين; الإنس والجن ، فيقضي بين الوحوش والبهائم; حتى إنه ليقيد الجماء من ذات القرن ، فإذا فرغ الله من ذلك ، فلم تبق تبعة عند واحدة لأخرى ، قال الله لها : كوني ترابا . فعند ذلك يقول الكافر :

يا ليتني كنت ترابا ٍ [النبإ : 40 ] . ثم يقضي الله تعالى بين العباد ، فيكون أول ما يقضي فيه الدماء ، ويأتي كل قتيل قتل في سبيل الله ، فيأمر الله كل من قتل فيحمل رأسه ، تشخب أوداجه دما . فيقول : يا رب ، سل هذا فيم قتلني؟ فيقول تعالى وهو أعلم : فيم قتلته؟ فيقول : يا رب ، قتلته لتكون العزة لك . فيقول الله تعالى : صدقت . فيجعل الله تعالى وجهه مثل نور السماوات ، ثم تسوقه الملائكة إلى الجنة ، ثم يأتي كل من كان قتل على غير ذلك ، فيأمر من قتل ، فيحمل رأسه تشخب أوداجه دما ، فيقول : يا رب ، سل هذا فيم قتلني؟ فيقول وهو أعلم : فيم قتلته؟ فيقول : يا رب ، قتلته لتكون العزة لي . فيقول له : تعست . ثم ما تبقى نفس قتلها إلا قتل بها ، ولا مظلمة إلا أخذ بها ، وكان في مشيئة الله تعالى ، إن شاء عذبه ، وإن شاء رحمه .

ثم يقضي الله بين من بقي من خلقه ، حتى لا تبقى مظلمة لأحد عند أحد إلا أخذها الله للمظلوم من الظالم ، حتى إنه ليكلف شائب اللبن بالماء ثم يبيعه أن يخلص اللبن من الماء . فإذا فرغ الله من ذلك نادى مناد يسمع الخلائق كلهم : ليلحق كل قوم بآلهتهم وما كانوا يعبدون من دون الله .فلا يبقى أحد عبد شيئا من دون الله إلا مثلت له آلهته بين يديه ، ويجعل يومئذ ملك من الملائكة على صورة عزير ، وملك على صورة المسيح عيسى ابن مريم ، فيتبع هذا اليهود ، ويتبع هذا النصارى ، ثم تقودهم آلهتهم إلى النار ، فهذا الذي يقول الله تعالى : لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون ]الأنبياء : 99 ] . فإذا لم يبق إلا المؤمنون فيهم المنافقون; جاءهم الله فيما شاء من هيئة ، فقال : يا أيها الناس ، ذهب الناس ، فالحقوا بآلهتكم وما كنتم تعبدون . فيقولون : والله ما لنا إله إلا الله ، ما كنا نعبد غيره . فينصرف عنهم ، وهو الله الذي يأتيهم ، فيمكث عنهم ما شاء الله أن يمكث ، ثم يأتيهم فيقول : يا أيها الناس ، ذهب الناس ، فالحقوا بآلهتكم وما كنتم تعبدون . فيقولون : والله ما لنا إله إلا الله ، وما كنا نعبد غيره . فينصرف عنهم ، وهو الله الذي يأتيهم ، فيمكث عنهم ما شاء الله أن يمكث ، ثم يأتيهم فيقول : يا أيها الناس ، ذهب الناس ، فالحقوا بآلهتكم وما كنتم تعبدون . فيقولون : والله ما لنا إله إلا الله ، وما كنا نعبد غيره . فيكشف عن ساقه ، ويتجلى لهم من عظمته ما يعرفون أنه ربهم ، فيخرون له سجدا على وجوههم ، ويخر كل منافق على قفاه ، ويجعل الله سبحانه أصلاب المنافقين كصياصي البقر ، ثم يأذن الله لهم فيرفعون رءوسهم .
ويضرب الله بالصراط بين ظهراني جهنم كقد الشعر - أو كعقد الشعر - وكحد السيف ، عليه كلاليب وخطاطيف ، وحسك كحسك السعدان ، دونه جسر دحض مزلة ، فيمرون كطرف البصر ، أو كلمح البرق ، أو كمر الريح ، أو كجياد الخيل ، أو كجياد الركاب ، أو كجياد الرجال ، فناج سالم ، وناج مخدوش ، ومكدوس على وجهه في جهنم .

فإذا أفضى أهل الجنة إلى الجنة حبسوا دونها قالوا : من يشفع لنا إلى ربنا فندخل الجنة؟ فيقولون : من أحق بذلك من أبيكم آدم؟ خلقه الله بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وكلمه قبلا . فيأتون آدم ، فيطلب ذلك إليه ، فيذكر ذنبا ويقول : ما أنا بصاحب ذلك ، ولكن عليكم بنوح; فإنه أول رسل الله. فيؤتى نوح ، فيطلب ذلك إليه ، فيذكر ذنبا ، ويقول : ما أنا بصاحب ذلك ، ولكن عليكم إبراهيم . فيأتون إبراهيم فيطلبون ذلك إليه ، فيذكر ذنبا ، ويقول : ما أنا بصاحبكم ، ولكن عليكم بموسى . فيأتون موسى ، فيذكر ذنبا ، ويقول : ما أنا بصاحب ذلك ، ولكن عليكم بروح الله وكلمته عيسى ابن مريم . فيأتون عيسى فيطلبون ذلك إليه ، فيقول : ما أنا بصاحب ذلك ، ولكن عليكم بمحمد صلى الله عليه وسلم .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فيأتوني ، ولي عند ربي ثلاث شفاعات وعدنيهن ، فأنطلق فآتي الجنة ، فآخذ بحلقة الباب ، ثم أستفتح فيفتح لي ، فأحيا ، ويرحب لي ، فإذا دخلت الجنة فنظرت إلى ربي عز وجل خررت له ساجدا ، فيأذن الله لي من حمده وتمجيده بشيء ما أذن به لأحد من خلقه ، ثم يقول الله لي : ارفع رأسك يا محمد ، واشفع تشفع ، وسل تعطه . فإذا رفعت رأسي قال الله ، وهو أعلم : ما شأنك؟ فأقول : يا رب ، وعدتني الشفاعة ، فشفعني في أهل الجنة يدخلون الجنة . فيقول الله ، عز وجل : قد شفعتك ، وأذنت لهم في دخول الجنة . فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " والذي بعثني بالحق ما أنتم في الدنيا بأعرف بأزواجكم ومساكنكم من أهل الجنة بأزواجهم ومساكنهم . فيدخل كل رجل منهم على ثنتين وسبعين زوجة ، سبعين مما ينشئ الله عز وجل ، وثنتين آدميتين من بنات آدم ، لهما فضل على من أنشأ الله ، بعبادتهما الله في الدنيا ، يدخل على الأولى منهما في غرفة من ياقوتة ، على سرير من ذهب مكلل باللؤلؤ ، عليه سبعون زوجا من سندس وإستبرق ،وإنه ليضع يده بين كتفيها ثم ينظر إلى يده من صدرها ، من وراء ثيابها وجلدها ولحمها ، وإنه لينظر إلى مخ ساقها كما ينظر أحدكم إلى السلك في قصبة الياقوتة ، كبده لها مرآة ، وكبدها له مرآة ، فبينما هو عندها لا يملها ولا تمله ، لا يأتيها مرة إلا وجدها عذراء ، ما يفتر ذكره ، ولا يشتكي قبلها ، إلا أنه لا مني ولا منية . فبينما هو كذلك إذ نودي : إنا قد عرفنا أنك لا تمل ولا تمل ، إلا أن لك أزواجا غيرها . فيخرج فيأتيهن واحدة واحدة ، كلما جاء واحدة قالت : والله ما في الجنة شيء أحسن منك ، وما في الجنة شيء أحب إلي منك " .

قال : " وإذا وقع أهل النار في النار ، وقد وقع فيها خلق كثير من خلق ربك أوبقتهم أعمالهم; فمنهم من تأخذه النار إلى قدميه لا تجاوز ذلك ، ومنهم من تأخذه إلى حقويه ، ومنهم من تأخذ جسده كله إلا وجهه ، وحرم الله صورته على النار " . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فأقول : يا رب ، شفعني فيمن وقع في النار من أمتي . فيقول الله عز وجل : أخرجوا من عرفتم . يخرج أولئك حتى لا يبقى منهم أحد ، ثم يأذن الله لي في الشفاعة ، فلا يبقى نبي ولا شهيد إلا شفع . فيقول الله عز وجل : أخرجوا من وجدتم في قلبه زنة الدينار إيمانا . فيخرج أولئك حتى لا يبقى منهم أحد ثم يشفع من شاء الله فيقول : أخرجوا من وجدتم في قلبه إيمانا ثلثي دينار ، ونصف دينار ، وثلث دينار ، وربع دينار ، ثم يقول : وسدس دينار ، ثم يقول : وقيراطا . ثم يقول : حبة من خردل . فيخرج أولئك حتى لا يبقى منهم أحد ، وحتى لا يبقى في النار من عمل لله خيرا قط ; وحتى لا يبقى أحد له شفاعة إلا شفع ، حتى إن إبليس ليتطاول لما يرى من رحمة الله سبحانه ، رجاء أن يشفع له . ثم يقول الله ، عز وجل : بقيت أنا ، وأنا أرحم الراحمين . فيدخل الله سبحانه يده في جهنم ، فيخرج منها ما لا يحصيه غيره ، كأنهم خشب محترق ، فيبثهم الله على نهر يقال له : نهر الحيوان . فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل ، فما يلي الشمس منها أخيضر ، وما يلي الظل منها أصيفر ، فينبتون نبات الطراثيث ، حتى يكونوا أمثال الدر ، مكتوب في رقابهم : الجهنميون ، عتقاء الرحمن عز وجل . يعرفهم أهل الجنة بذلك الكتاب ، ما عملوا خيرا قط ، فيبقون في الجنة "
فذكره إلى هنا كان في أصل أبي بكر بن المقرئ ، عن أبي يعلى رحمه الله تعالى . هذا حديث مشهور ، رواه جماعة من الأئمة في كتبهم ، كابن جرير في تفسيره ، والطبراني في الطوالات وغيرها ، والبيهقي في كتاب " البعث والنشور " ، والحافظ أبي موسى المديني في الطوالات أيضا - من طرق متعددة ، عن إسماعيل بن رافع قاص أهل المدينة ، وقد تكلم فيه بسببه . وفي بعض سياقاته نكارة واختلاف ، وقد بينت طرقه في جزء مفرد .

قلت : وإسماعيل بن رافع المديني ليس من الوضاعين ، وكأنه جمع هذا الحديث من طرق وأماكن متفرقة ، وساقه سياقة واحدة ، فكان يقص به على أهل المدينة ، وقد حضره جماعة من أعيان الناس في عصره ، ورواه عنه جماعة من الكبار; كأبي عاصم النبيل ، والوليد بن مسلم ، ومكي بن إبراهيم ، ومحمد بن شعيب بن شابور ، وعبدة بن سليمان ، وغيرهم ، واختلف عليه فيه قتادة ، يقول : عن محمد بن يزيد ، عن محمد بن كعب ، عن رجل ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم . وتارة يسقط الرجل .

وقد رواه إسحاق بن راهويه ، عن عبدة بن سليمان ، عن إسماعيل بن رافع ، عن محمد بن يزيد بن أبي زياد ، عن رجل من الأنصار ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم
ومنهم من أسقط الرجل الأول ، قال شيخنا الحافظ المزي : وهذا أقرب ، وقد رواه عن إسماعيل بن رافع الوليد بن مسلم ، وله عليه مصنف بين شواهده من الأحاديث الصحيحة . وقال الحافظ أبو موسى المديني بعد إيراده له بتمامه : وهذا الحديث وإن كان في إسناده من تكلم فيه ، فعامة ما فيه يروى مفرقا بأسانيد ثابتة . ثم تكلم على غريبه .

قلت : ونحن نتكلم عليه فصلا فصلا ، وبالله المستعان .
 
----------------------
حديث الصور وشرحه للحافظ ابن كثير
حديث الصور بطوله (من اسلام ويب)

قال الحافظ أبو يعلى الموصلي في " مسنده " : حدثنا عمرو بن الضحاك بن مخلد ، حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد ، حدثنا أبو رافع إسماعيل بن رافع ، عن محمد بن يزيد بن أبي زياد ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن رجل من الأنصار ، عن أبي هريرة ، قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو في طائفة من أصحابه ، قال :
 
 " إن الله تعالى لما فرغ من خلق السماوات والأرض خلق الصور ، فأعطاه إسرافيل ، فهو واضعه على فيه ، شاخص إلى العرش ببصره ينتظر متى يؤمر فينفخ . قال : قلت : يا رسول الله ، ما الصور؟ قال : " قرن " . قلت : كيف هو؟ قال : " عظيم ، والذي بعثني بالحق إن عظم دائرة فيه كعرض السماوات والأرض ، ينفخ فيه ثلاث نفخات; الأولى نفخة الفزع ، والثانية نفخة الصعق ، والثالثة نفخة القيام لرب العالمين . يأمر الله إسرافيل بالنفخة الأولى ، فيقول : انفخ نفخة الفزع . فينفخ نفخة الفزع ، فيفزع أهل السماوات والأرض إلا من شاء الله ، ويأمره تعالى فيمدها ويطيلها ولا يفتر ، وهي التي يقول الله تعالى : وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق [ ص : 15 ] . فتسير [ ص: 311 ] الجبال سير السحاب فتكون سرابا ، وترتج الأرض بأهلها رجا فتكون كالسفينة الموبقة في البحر ، تضربها الأمواج تكفأ بأهلها ، كالقنديل المعلق بالعرش ترجحه الأرواح ، ألا وهو الذي يقول تعالى : يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة قلوب يومئذ واجفة أبصارها خاشعة [ النازعات : 6 - 9 ] .

فتميد بالناس على وجهها ، وتذهل المراضع ، وتضع الحوامل ، ويشيب الولدان ، وتطير الشياطين هاربة من الفزع حتى تأتي الأقطار ، فتلقاها الملائكة ، فتضرب وجوهها ، فترجع ، ثم يولون مدبرين ما لهم من الله من عاصم ، ينادي بعضهم بعضا ، وهو الذي يقول الله تعالى : يوم التناد [ غافر : 32 ] . فبينما هم على ذلك إذ تصدعت الأرض تصدعين ، من قطر إلى قطر ، فرأوا أمرا عظيما لم يروا مثله ، وأخذهم لذلك من الكرب والهول ما الله به عليم ، ثم تطوى السماء فإذا هي كالمهل ، ثم انشقت السماء فانتثرت نجومها ، وخسفت شمسها وقمرها " .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الأموات لا يعلمون بشيء من ذلك " . قال أبو هريرة : يا رسول الله ، من استثنى الله حين يقول : ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله [ النمل : 87 ] قال : " أولئك الشهداء ، إنما يصل الفزع إلى الأحياء ، وهم أحياء عند ربهم يرزقون ، فوقاهم الله فزع ذلك اليوم وأمنهم منه ، وهو عذاب الله يبعثه على شرار خلقه وهو الذي يقول الله تعالى : [ ص: 312 ] يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد [ الحج : 1 ، 2 ] .

فيمكثون في ذلك العذاب ما شاء الله سبحانه ، إلا أنه يطول ، ثم يأمر الله إسرافيل ، فينفخ نفخة الصعق ، فيصعق أهل السماوات والأرض ، إلا من شاء الله ، فإذا هم خمدوا ، جاء ملك الموت إلى الجبار تعالى ، فيقول : يا رب ، مات أهل السماوات والأرض إلا من شئت . فيقول الله سبحانه له ، وهو أعلم : من بقي؟ فيقول : يا رب ، بقيت أنت الحي الذي لا يموت ، وبقيت حملة عرشك ، وبقي جبريل وميكائيل وبقيت أنا . فيقول الله ، عز وجل : ليمت جبريل وميكائيل . فينطق سبحانه العرش ، فيقول : يا رب ، يموت جبريل وميكائيل؟ فيقول الله سبحانه للعرش : اسكت ، إني كتبت الموت على كل من كان تحت عرشي . فيموتان ، ثم يأتي ملك الموت إلى الجبار ، عز وجل ، فيقول : يا رب ، قد مات جبريل وميكائيل . فيقول ، وهو أعلم بمن بقي : فمن بقي؟ فيقول : يا رب ، بقيت أنت الحي الذي لا يموت ، وبقي حملة عرشك ، وبقيت أنا . فيقول الله تعالى : فليمت حملة عرشي . فيموتون ، ثم يأمر الله سبحانه العرش فيقبض الصور من إسرافيل ، وإسرافيل من جملة حملة العرش ، ثم يأتي ملك الموت إلى الجبار ، عز وجل ، فيقول : يا رب ، قد مات حملة عرشك . فيقول تبارك وتعالى ، وهو أعلم بمن بقي : فمن بقي؟ فيقول : يا رب ، بقيت أنت الحي الذي [ ص: 313 ] لا يموت ، وبقيت أنا . فيقول الله تعالى : أنت خلق من خلقي ، خلقتك لما رأيت ، فمت . فيموت ، فإذا لم يبق إلا الله
- قال ابن أبي الدنيا : ثنا محمد بن الحسين ، ثنا يونس بن يحيى الأموي أبو نباتة ، ثنا إسماعيل بن رافع ، عن محمد بن كعب القرظي قال : بلغني أن آخر من يموت من الخلق ملك الموت ، يقال له : يا ملك الموت ، مت موتا لا تحيا بعده أبدا . قال : فيصرخ عند ذلك صرخة لو سمعها أهل السماوات والأرض لماتوا فزعا ، ثم يموت ، ثم يقول تعالى : لمن الملك اليوم لله الواحد القهار [ غافر : 16 ] .

وقد رواه ابن أبي الدنيا أيضا عن إسحاق بن إسماعيل ، عن إبراهيم بن عيينة ، عن إسماعيل بن رافع ، عن محمد بن يزيد بن أبي زياد ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن رجل ، عن أبي هريرة ، مرفوعا بهذا .

ورواه الحافظ أبو موسى المديني من طريق محمد بن شعيب بن شابور ، عن إسماعيل بن رافع ، عن محمد بن كعب ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا الحديث ، وفيه : " يا ملك ، أنت خلق من خلقي ، خلقتك لما رأيت ، فمت ، ثم لا تحيا أبدا " . قال أبو موسى : لم يتابع إسماعيل على هذه اللفظة ، [ ص: 314 ] ولم يقلها أكثر الرواة - قال : " فإذا مات ملك الموت ، ولم يبق إلا الله الواحد ، الأحد ، الفرد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، كان آخرا كما كان أولا ، طوى السماوات والأرض كطي السجل للكتاب ، ثم دحاهما ، ثم تلقفهما ثلاث مرات ، وقال : أنا الجبار . ثلاثا ، ثم يهتف بصوته : لمن الملك اليوم؟ ثلاث مرات ، فلا يجيبه أحد ، ثم يقول لنفسه تعالى : لله الواحد القهار . ويبدل الله الأرض غير الأرض والسماوات ، فيبسطها ويسطحها ويمدها مد الأديم العكاظي ، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ، ثم يزجر الله الخلق زجرة واحدة ، فإذا هم في هذه المبدلة في مثل ما كانوا فيه من الأولى ، من كان في بطنها كان في بطنها ، ومن كان على ظهرها كان على ظهرها ، ثم ينزل الله سبحانه عليهم ماء من تحت العرش ، ثم يأمر الله السماء أن تمطر ، فتمطر أربعين يوما ، حتى يكون الماء فوقهم اثني عشر ذراعا ، ثم يأمر الله سبحانه الأجساد أن تنبت كنبات الطراثيث ، أو كنبات البقل ، حتى إذا تكاملت أجسادهم ، فكانت كما كانت قبل الموت ، قال الله تعالى : لتحيا حملة عرشي . فيحيون ، ويأمر الله إسرافيل فيأخذ الصور ، فيضعه على فيه ، ثم يقول : ليحيا جبريل وميكائيل . فيحييان ، ثم يدعو الله بالأرواح فيؤتى بها ، تتوهج أرواح المسلمين نورا ، والأخرى ظلمة ، فيقبضها جميعا ، ثم يلقيها في الصور ، ثم يأمر الله إسرافيل أن ينفخ فيه نفخة [ ص: 315 ] البعث ، فينفخ نفخة البعث فتخرج الأرواح من الصور كأنها النحل ، قد ملأت ما بين السماء والأرض ، فيقول الله تعالى : وعزتي وجلالي لترجعن كل روح إلى جسدها . فتدخل الأرواح في الأرض إلى الأجساد ، فتدخل في الخياشيم ، ثم تمشي ضد الأجساد مشي السم في اللديغ ، ثم تنشق الأرض عنكم ، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ، فتخرجون منها سراعا إلى ربكم تنسلون مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر [ القمر : 8 ] . حفاة عراة غلفا غرلا ، ثم تقفون موقفا واحدا مقدار سبعين عاما ، لا ينظر إليكم ، ولا يقضى بينكم ، فتبكون حتى تنقطع الدموع ، ثم تدمعون دما ، وتعرقون حتى يبلغ ذلك منكم أن يلجمكم ، أو يبلغ الأذقان ، فتضجون وتقولون : من يشفع لنا إلى ربنا ليقضي بيننا . فيقولون : من أحق بذلك من أبيكم آدم؟ خلقه الله بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وكلمه قبلا ، فيأتون آدم ، فيطلبون ذلك إليه ، فيأتي ، فيقول : ما أنا بصاحب ذلك ، ثم يستقرون الأنبياء نبيا نبيا ، كلما جاءوا نبيا أبى عليهم " . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " حتى يأتوني ، فأنطلق ، حتى آتي الفحص ، فأخر ساجدا " . قال أبو هريرة : يا رسول الله ، ما الفحص؟ قال : " قدام العرش ، حتى يبعث الله إلي ملكا ، فيأخذ بعضدي فيرفعني ، فيقول لي : يا محمد . فأقول : نعم ، لبيك يا رب . فيقول : ما شأنك؟ وهو أعلم ، فأقول : يا رب ، وعدتني الشفاعة ، فشفعني في خلقك ، فاقض بينهم . فيقول صلى الله عليه وسلم : شفعتك ، أنا [ ص: 316 ] آتيكم فأقضي بينكم " . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فأرجع ، فأقف مع الناس ، فبينما نحن وقوف إذ سمعنا حسا من السماء شديدا ، فنزل أهل السماء الدنيا مثل من في الأرض من الجن والإنس ، حتى إذا دنوا من الأرض أشرقت الأرض بنورهم ، وأخذوا مصافهم قلنا لهم : أفيكم ربنا؟ قالوا : لا ، وهو آت . ثم ينزل أهل السماء الثانية ، بمثل من نزل من الملائكة من أهل السماء الدنيا ، ومثل من فيها من الجن والإنس ، حتى إذا دنوا من الأرض أشرقت الأرض بنورهم ، وأخذوا مصافهم ، وقلنا لهم : أفيكم ربنا؟ قالوا : لا ، وهو آت ، ثم ينزل أهل كل سماء على قدر ذلك من التضعيف حتى ينزل الجبار ، تبارك وتعالى ، في ظلل من الغمام ، والملائكة ، ويحمل عرشه يومئذ ثمانية ، وهم اليوم أربعة ، أقدامهم على تخوم الأرض السفلى ، والسماوات إلى حجزهم ، والعرش على مناكبهم ، لهم زجل من تسبيحهم ، يقولون : سبحان ذي العزة والجبروت ، سبحان ذي الملك والملكوت ، سبحان الحي الذي لا يموت ، سبحان الذي يميت الخلائق ولا يموت ، سبوح قدوس ، سبحان ربنا الأعلى رب الملائكة والروح ، الذي يميت الخلائق ولا يموت فيضع الله تعالى كرسيه حيث شاء من أرضه ، ثم يهتف بصوته ، فيقول تعالى : يا معشر الجن والإنس ، إني قد أنصت [ ص: 317 ] لكم من يوم خلقتكم إلى يومكم هذا ، أسمع قولكم ، وأرى أعمالكم ، فأنصتوا لي اليوم ، إنما هي أعمالكم وصحفكم تقرأ عليكم ، فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه . ثم يأمر الله سبحانه جهنم ، فيخرج منها عنق ساطع مظلم ، ثم يقول تعالى : ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون هذه جهنم التي كنتم توعدون [ يس : 60 - 63 ] . أو : بها تكذبون . شك أبو عاصم . وامتازوا اليوم أيها المجرمون [ يس : 59 ] . فيميز الله الناس ، وتجثو الأمم ، يقول الله تعالى : وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون [ الجاثية : 28 ] . فيقضي الله بين خلقه إلا الثقلين; الإنس والجن ، فيقضي بين الوحوش والبهائم; حتى إنه ليقيد الجماء من ذات القرن ، فإذا فرغ الله من ذلك ، فلم تبق تبعة عند واحدة لأخرى ، قال الله لها : كوني ترابا . فعند ذلك يقول الكافر : يا ليتني كنت ترابا [ النبإ : 40 ] . ثم يقضي الله تعالى بين العباد ، فيكون أول ما يقضي فيه الدماء ، ويأتي كل قتيل قتل في سبيل الله ، فيأمر الله كل من قتل فيحمل رأسه ، تشخب أوداجه دما . فيقول : يا رب ، سل هذا فيم قتلني؟ فيقول تعالى وهو أعلم : فيم قتلته؟ فيقول : يا رب ، قتلته لتكون العزة لك . فيقول الله تعالى : صدقت . فيجعل الله تعالى وجهه مثل نور السماوات ، ثم تسوقه الملائكة إلى الجنة ، ثم يأتي كل من كان قتل على غير [ ص: 318 ] ذلك ، فيأمر من قتل ، فيحمل رأسه تشخب أوداجه دما ، فيقول : يا رب ، سل هذا فيم قتلني؟ فيقول وهو أعلم : فيم قتلته؟ فيقول : يا رب ، قتلته لتكون العزة لي . فيقول له : تعست . ثم ما تبقى نفس قتلها إلا قتل بها ، ولا مظلمة إلا أخذ بها ، وكان في مشيئة الله تعالى ، إن شاء عذبه ، وإن شاء رحمه .

ثم يقضي الله بين من بقي من خلقه ، حتى لا تبقى مظلمة لأحد عند أحد إلا أخذها الله للمظلوم من الظالم ، حتى إنه ليكلف شائب اللبن بالماء ثم يبيعه أن يخلص اللبن من الماء . فإذا فرغ الله من ذلك نادى مناد يسمع الخلائق كلهم : ليلحق كل قوم بآلهتهم وما كانوا يعبدون من دون الله . فلا يبقى أحد عبد شيئا من دون الله إلا مثلت له آلهته بين يديه ، ويجعل يومئذ ملك من الملائكة على صورة عزير ، وملك على صورة المسيح عيسى ابن مريم ، فيتبع هذا اليهود ، ويتبع هذا النصارى ، ثم تقودهم آلهتهم إلى النار ، فهذا الذي يقول الله تعالى : لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون [ الأنبياء : 99 ] . فإذا لم يبق إلا المؤمنون فيهم المنافقون; جاءهم الله فيما شاء من هيئة ، فقال : يا أيها الناس ، ذهب الناس ، فالحقوا بآلهتكم وما كنتم تعبدون . فيقولون : والله ما لنا إله إلا الله ، ما كنا نعبد غيره . فينصرف عنهم ، وهو الله الذي يأتيهم ، فيمكث عنهم ما شاء الله أن يمكث ، ثم يأتيهم فيقول : يا أيها الناس ، ذهب الناس ، فالحقوا بآلهتكم وما كنتم تعبدون . فيقولون : والله ما لنا إله إلا الله ، وما كنا نعبد غيره . فينصرف عنهم ، وهو الله الذي يأتيهم ، فيمكث عنهم ما شاء الله أن [ ص: 319 ] يمكث ، ثم يأتيهم فيقول : يا أيها الناس ، ذهب الناس ، فالحقوا بآلهتكم وما كنتم تعبدون . فيقولون : والله ما لنا إله إلا الله ، وما كنا نعبد غيره . فيكشف عن ساقه ، ويتجلى لهم من عظمته ما يعرفون أنه ربهم ، فيخرون له سجدا على وجوههم ، ويخر كل منافق على قفاه ، ويجعل الله سبحانه أصلاب المنافقين كصياصي البقر ، ثم يأذن الله لهم فيرفعون رءوسهم .

ويضرب الله بالصراط بين ظهراني جهنم كقد الشعر - أو كعقد الشعر - وكحد السيف ، عليه كلاليب وخطاطيف ، وحسك كحسك السعدان ، دونه جسر دحض مزلة ، فيمرون كطرف البصر ، أو كلمح البرق ، أو كمر الريح ، أو كجياد الخيل ، أو كجياد الركاب ، أو كجياد الرجال ، فناج سالم ، وناج مخدوش ، ومكدوس على وجهه في جهنم .

فإذا أفضى أهل الجنة إلى الجنة حبسوا دونها قالوا : من يشفع لنا إلى ربنا فندخل الجنة؟ فيقولون : من أحق بذلك من أبيكم آدم؟ خلقه الله بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وكلمه قبلا . فيأتون آدم ، فيطلب ذلك إليه ، فيذكر ذنبا ويقول : ما أنا بصاحب ذلك ، ولكن عليكم بنوح; فإنه أول رسل الله . فيؤتى [ ص: 320 ] نوح ، فيطلب ذلك إليه ، فيذكر ذنبا ، ويقول : ما أنا بصاحب ذلك ، ولكن عليكم إبراهيم . فيأتون إبراهيم فيطلبون ذلك إليه ، فيذكر ذنبا ، ويقول : ما أنا بصاحبكم ، ولكن عليكم بموسى . فيأتون موسى ، فيذكر ذنبا ، ويقول : ما أنا بصاحب ذلك ، ولكن عليكم بروح الله وكلمته عيسى ابن مريم . فيأتون عيسى فيطلبون ذلك إليه ، فيقول : ما أنا بصاحب ذلك ، ولكن عليكم بمحمد صلى الله عليه وسلم .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فيأتوني ، ولي عند ربي ثلاث شفاعات وعدنيهن ، فأنطلق فآتي الجنة ، فآخذ بحلقة الباب ، ثم أستفتح فيفتح لي ، فأحيا ، ويرحب لي ، فإذا دخلت الجنة فنظرت إلى ربي عز وجل خررت له ساجدا ، فيأذن الله لي من حمده وتمجيده بشيء ما أذن به لأحد من خلقه ، ثم يقول الله لي : ارفع رأسك يا محمد ، واشفع تشفع ، وسل تعطه . فإذا رفعت رأسي قال الله ، وهو أعلم : ما شأنك؟ فأقول : يا رب ، وعدتني الشفاعة ، فشفعني في أهل الجنة يدخلون الجنة . فيقول الله ، عز وجل : قد شفعتك ، وأذنت لهم في دخول الجنة . فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " والذي بعثني بالحق ما أنتم في الدنيا بأعرف بأزواجكم ومساكنكم من أهل الجنة بأزواجهم ومساكنهم . فيدخل كل رجل منهم على ثنتين وسبعين زوجة ، سبعين مما ينشئ الله عز وجل ، وثنتين آدميتين من بنات آدم ، لهما فضل على من أنشأ الله ، بعبادتهما الله في الدنيا ، يدخل على الأولى منهما في غرفة من ياقوتة ، على سرير من ذهب مكلل باللؤلؤ ، عليه سبعون زوجا من سندس وإستبرق ، وإنه ليضع يده بين كتفيها ثم ينظر إلى يده من صدرها ، من وراء ثيابها وجلدها ولحمها ، وإنه لينظر إلى مخ ساقها كما ينظر أحدكم إلى السلك في قصبة الياقوتة ، كبده لها مرآة ، وكبدها [ ص: 321 ] له مرآة ، فبينما هو عندها لا يملها ولا تمله ، لا يأتيها مرة إلا وجدها عذراء ، ما يفتر ذكره ، ولا يشتكي قبلها ، إلا أنه لا مني ولا منية . فبينما هو كذلك إذ نودي : إنا قد عرفنا أنك لا تمل ولا تمل ، إلا أن لك أزواجا غيرها . فيخرج فيأتيهن واحدة واحدة ، كلما جاء واحدة قالت : والله ما في الجنة شيء أحسن منك ، وما في الجنة شيء أحب إلي منك " .

قال : " وإذا وقع أهل النار في النار ، وقد وقع فيها خلق كثير من خلق ربك أوبقتهم أعمالهم; فمنهم من تأخذه النار إلى قدميه لا تجاوز ذلك ، ومنهم من تأخذه إلى حقويه ، ومنهم من تأخذ جسده كله إلا وجهه ، وحرم الله صورته على النار " . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فأقول : يا رب ، شفعني فيمن وقع في النار من أمتي . فيقول الله عز وجل : أخرجوا من عرفتم . يخرج أولئك حتى لا يبقى منهم أحد ، ثم يأذن الله لي في الشفاعة ، فلا يبقى نبي ولا شهيد إلا شفع . فيقول الله عز وجل : أخرجوا من وجدتم في قلبه زنة الدينار إيمانا . فيخرج أولئك حتى لا يبقى منهم أحد ثم يشفع من شاء الله فيقول : أخرجوا من وجدتم في قلبه إيمانا ثلثي دينار ، ونصف دينار ، وثلث دينار ، وربع دينار ، ثم يقول : وسدس دينار ، ثم يقول : وقيراطا . ثم يقول : حبة من خردل . فيخرج أولئك حتى لا يبقى منهم أحد ، وحتى لا يبقى في النار من عمل لله خيرا قط ; وحتى لا يبقى أحد له شفاعة إلا شفع ، حتى إن إبليس ليتطاول لما يرى من رحمة الله سبحانه ، رجاء أن يشفع له . ثم يقول الله ، عز وجل : بقيت أنا ، وأنا أرحم الراحمين . فيدخل الله سبحانه يده في جهنم ، فيخرج منها ما [ ص: 322 ] لا يحصيه غيره ، كأنهم خشب محترق ، فيبثهم الله على نهر يقال له : نهر الحيوان . فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل ، فما يلي الشمس منها أخيضر ، وما يلي الظل منها أصيفر ، فينبتون نبات الطراثيث ، حتى يكونوا أمثال الدر ، مكتوب في رقابهم : الجهنميون ، عتقاء الرحمن عز وجل . يعرفهم أهل الجنة بذلك الكتاب ، ما عملوا خيرا قط ، فيبقون في الجنة " .


فذكره إلى هنا كان في أصل أبي بكر بن المقرئ ، عن أبي يعلى رحمه الله تعالى . هذا حديث مشهور ، رواه جماعة من الأئمة في كتبهم ، كابن جرير في تفسيره ، والطبراني في الطوالات وغيرها ، والبيهقي في كتاب " البعث والنشور " ، والحافظ أبي موسى المديني في الطوالات أيضا - من طرق متعددة ، عن إسماعيل بن رافع قاص أهل المدينة ، وقد تكلم فيه بسببه . وفي [ ص: 323 ] بعض سياقاته نكارة واختلاف ، وقد بينت طرقه في جزء مفرد .

قلت : وإسماعيل بن رافع المديني ليس من الوضاعين ، وكأنه جمع هذا الحديث من طرق وأماكن متفرقة ، وساقه سياقة واحدة ، فكان يقص به على أهل المدينة ، وقد حضره جماعة من أعيان الناس في عصره ، ورواه عنه جماعة من الكبار; كأبي عاصم النبيل ، والوليد بن مسلم ، ومكي بن إبراهيم ، ومحمد بن شعيب بن شابور ، وعبدة بن سليمان ، وغيرهم ، واختلف عليه فيه قتادة ، يقول : عن محمد بن يزيد ، عن محمد بن كعب ، عن رجل ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم . وتارة يسقط الرجل .

وقد رواه إسحاق بن راهويه ، عن عبدة بن سليمان ، عن إسماعيل بن رافع ، عن محمد بن يزيد بن أبي زياد ، عن رجل من الأنصار ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .

ومنهم من أسقط الرجل الأول ، قال شيخنا الحافظ المزي : وهذا أقرب ، وقد رواه عن إسماعيل بن رافع الوليد بن مسلم ، وله عليه مصنف بين شواهده من الأحاديث الصحيحة . وقال الحافظ أبو موسى المديني بعد إيراده له بتمامه : وهذا الحديث وإن كان في إسناده من تكلم فيه ، فعامة ما فيه يروى مفرقا بأسانيد ثابتة . ثم تكلم على غريبه .

[ ص: 324 ] قلت : ونحن نتكلم عليه فصلا فصلا ، وبالله المستعان