الجنة والنار عياذا بالله الواحد

حمل المصحف
9 مصاحف روابط 9 مصاحف
/ /////

الاثنين، 23 مايو 2016

إذا قام الناس من قبورهم وجدوا الأرض غير صفة الأرض التي كانوا فيها

( إذا قام الناس من قبورهم وجدوا الأرض غير صفة الأرض التي كانوا فيها )

فإذا قام الناس من قبورهم وجدوا الأرض غير صفة الأرض التي كانوا فيها وفارقوها ، قد دكت جبالها ، وزالت تلالها ، وتغيرت أحوالها ، وانقطعت أنهارها ، وبادت أشجارها ، ومساكنها ، ومدنها ، وبلادها ، وسجرت بحارها ، وتساوت وهادها ، ورباها ، وخربت مدائنها ، وقراها ، وزالت قصورها ، وبيوتها ، وأسواقها ، وزلزلت زلزالها ، وأخرجت أثقالها ، وقال الإنسان : مالها ؟! يومئذ تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها ، وكذلك يجدون السماوات قد بدلت ، ونجومها قد انكدرت وانتثرت ، ونواحيها قد تشققت ، وأرجاؤها قد تفطرت ، والملائكة على أرجائها قد أحدقت ، وشمسها وقمرها مكسوفان ، بل مخسوفان ، وفي مكان واحد مجموعان ، ثم يكوران بعد ذلك ، ثم يلقيان في النار ، كما في الحديث الذي سنورده في " النيران " كأنهما ثوران عقيران .

قال أبو بكر بن عياش : قال ابن عباس : يخرجون من قبورهم ، فينظرون إلى الأرض غير الأرض التي عهدوها ، وإلى الناس غير الناس الذين كانوا يعرفون ويعهدون . قال : ثم تمثل ابن عباس :
  فما الناس   بالناس الذين عهدتهم 
 ولا  الدار  بالدار التي  كنت تعرف 

وقد قال تعالى : يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار [ إبراهيم : 48 ] . وقال : يوم تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرا الطور : [ 9 ، 10 ] . وقال : فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان [ ص: 397 ] [ الرحمن : 137 ] . وقال : وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة فيومئذ وقعت الواقعة [ الحاقة : 14 ، 15 ] . وقال تعالى : إذا الشمس كورت وإذا النجوم انكدرت وإذا الجبال سيرت الآيات [ التكوير : 1 - 3 ] .

وثبت في " الصحيحين " من حديث أبي حازم ، عن سهل بن سعد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي ، ليس فيها معلم لأحد " .

وقال محمد بن قيس ، وسعيد بن جبير : تبدل الأرض خبزة بيضاء ، يأكل منها المؤمن من تحت قدميه .

وقال الأعمش ، عن خيثمة ، عن ابن مسعود ، قال : الأرض كلها يوم القيامة نار ، والجنة من ورائها ترى كواعبها وأكوابها ، ويلجمهم العرق ، ويبلغ منهم كل مبلغ ، ولم يبلغوا الحساب . وكذا رواه الأعمش عن المنهال ، عن قيس بن السكن ، عن ابن مسعود ، فذكره .

وقال إسرائيل وشعبة ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، عن ابن مسعود ، قال : يوم تبدل الأرض غير الأرض [ إبراهيم : 48 ] . قال : أرض بيضاء كالفضة البيضاء ، نقية لم يسفك فيها دم ، ولم يعمل فيها خطيئة ، ينفذهم [ ص: 398 ] البصر ، ويسمعهم الداعي ، حفاة عراة كما خلقوا . أراه قال : قياما حتى يلجمهم العرق .

وقد قال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا القاسم بن الفضل ، قال : قال الحسن : قالت عائشة : يا رسول الله ، أرأيت قوله تعالى : يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات أين يكون الناس؟ قال : " إن هذا لشيء ما سألني عنه أحد من أمتي قبلك؟ الناس على الصراط " . تفرد به أحمد .

ورواه ابن أبي الدنيا : أخبرنا علي بن الجعد ، أخبرنا القاسم بن الفضل ، سمعت الحسن ، قال : قالت عائشة ، فذكره . ورواه قتادة ، عن حسان بن بلال المزني ، عن عائشة ، بمثل هذا سواء .

وقال ابن أبي الدنيا : أنبأ عبيد الله بن جرير العتكي ، حدثنا محمد بن بكار الصيرفي ، أنبأ الفضل بن معروف القطعي ، أخبرنا بشر بن حرب ، عن أبي سعيد ، عن عائشة ، قالت : بينما النبي صلى الله عليه وسلم واضع رأسه في حجري بكيت فرفع رأسه ، فقال : " ما أبكاك ؟ " قلت : بأبي أنت وأمي ، ذكرت قول الله : يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات . أين الناس يومئذ ؟ قال : " الناس يومئذ على جسر جهنم ، والملائكة وقوف تقول : رب سلم سلم . فمن بين زال وزالة " . هذا حديث غريب من هذا الوجه ، لم يخرجه أحمد ، ولا أحد من [ ص: 399 ] أصحاب الكتب الستة .

وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن أبي عدي ، عن داود ، عن الشعبي ، عن مسروق ، عن عائشة ، أنها قالت : أنا أول الناس سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية : يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات . قالت : قلت : أين الناس يومئذ يا رسول الله؟ قال : " على الصراط " .

وأخرجه مسلم ، والترمذي ، وابن ماجه ، من حديث داود بن أبي هند . وقال الترمذي : حسن صحيح . ورواه أحمد ، عن عفان ، عن وهيب ، عن داود ، عن الشعبي ، عنها ، ولم يذكر مسروقا .

ورواه أحمد أيضا من حديث حبيب بن أبي عمرة ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، عن عائشة ، أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية ، ثم قالت : أين الناس يومئذ يا رسول الله؟ قال : " هم على متن جهنم " .

وروى مسلم من حديث أبي سلام ، عن أبي أسماء الرحبي ، عن ثوبان ، أن حبرا من اليهود سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية ، أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هم في الظلمة دون الجسر " .

[ ص: 400 ] وقال ابن جرير : حدثني ابن عوف ، حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا ابن أبي مريم ، حدثنا سعيد بن ثوبان الكلاعي ، عن أبي أيوب الأنصاري ، قال : أتى النبي صلى الله عليه وسلم حبر من اليهود ، فقال : أرأيت إذ يقول الله في كتابه : يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات فأين الخلق عند ذلك؟ فقال : " أضياف الله ، فلن يعجزهم ما لديه " . وكذا رواه ابن أبي حاتم ، من حديث أبي بكر بن أبي مريم .

وقد يكون هذا التبديل بعد المحشر ، ويكون تبديلا ثانيا إلى صفة أخرى غير الأولى ، وبعدها ، والله سبحانه أعلم ، كما قال ابن أبي الدنيا : أخبرنا يوسف بن موسى ، حدثنا وكيع ، حدثنا شعبة ، عن المغيرة بن مالك ، عن رجل من بني مجاشع ، يقال له : عبد الكريم . أو يكنى بأبي عبد الكريم ، قال : أقامني على رجل بخراسان ، فقال : حدثني هذا أنه سمع علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، يقول : يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات قال : ذكر لنا أن الأرض تبدل فضة ، والسماوات ذهبا . وكذا روي عن ابن عباس ، وأنس بن مالك ، ومجاهد بن جبر وغيرهم ، والله سبحانه أعلم

الأحاديث والأثار الدالة على أهوال يوم القيامة ، وما يكون في ذلك اليوم من الأمور الكبار والشدائد ، وما فيه من المغفرة والرحمة والرضوان ، والجنان والنيران

الأحاديث والأثار الدالة على أهوال يوم القيامة ، وما يكون في ذلك اليوم من الأمور الكبار والشدائد ، وما فيه من المغفرة والرحمة والرضوان ، والجنان والنيران

قال الإمام أحمد : حدثنا أحمد بن عبد الملك ، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الصهباء ، حدثنا نافع أبو غالب الباهلي ، حدثني أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يبعث الناس يوم القيامة والسماء تطش عليهم " . تفرد به أحمد ، وإسناده لا بأس به . وفي معنى قوله صلى الله عليه وسلم : " تطش عليهم " . احتمالان؟ أحدهما : أن يكون ذلك من المطر; أي تمطر عليهم ، كما يقال : أصابهم طش من مطر . وهو الخفيف منه . والثاني : أن يكون ذلك من شدة الحر ، وهو الأقرب ، والله أعلم . وقد قال الله تعالى : ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين [ المطففين : 4 - 6 ] . 
-وقد ثبت في [ ص: 386 ] " الصحيح " : أنهم " يقومون في الرشح - أي في العرق - إلى أنصاف آذانهم " . 
-وفي الحديث الآخر : أنهم يتفاوتون في ذلك بحسب أعمالهم كما تقدم ، 
-وفي حديث الشفاعة ، كما سيأتي ، أن الشمس تدنى من العباد يوم القيامة ، فتكون منهم على مسافة ميل ، فعند ذلك يعرقون بحسب أعمالهم .

وقال الإمام أحمد : حدثنا قتيبة ، حدثنا عبد العزيز بن محمد ، عن ثور ، عن أبي الغيث ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن العرق يوم القيامة ليذهب في الأرض سبعين باعا ، وإنه ليبلغ إلى أفواه الناس ، أو إلى آذانهم " . شك ثور أيهما قال . وكذا رواه مسلم ، عن قتيبة . وأخرجه البخاري ، عن عبد العزيز بن عبد الله ، عن سليمان بن بلال ، عن ثور بن زيد ، عن سالم أبي الغيث ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله .

[ ص: 387 ] وقال الإمام أحمد : حدثنا الضحاك بن مخلد ، عن عبد الحميد بن جعفر ، حدثني أبي ، عن سعيد بن عمير الأنصاري ، قال : جلست إلى عبد الله بن عمر ، وأبي سعيد ، فقال أحدهما لصاحبه : أي شيء سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر أنه يبلغ العرق من الناس يوم القيامة فقال أحدهما : إلى شحمته . وقال الآخر : يلجمه . فخط ابن عمر ، وأشار أبو عاصم بأصبعه ، من شحمة أذنه إلى فيه ، فقال : ما أرى ذلك إلا سواء . تفرد به أحمد ، وإسناده جيد قوي .

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا : حدثنا الحسن بن عيسى ، أخبرنا ابن المبارك ، أخبرنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، حدثني سليم بن عامر ، حدثني المقداد بن الأسود ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا كان يوم القيامة أدنيت الشمس من العباد ، حتى تكون قيد ميل ، أو ميلين " . قال سليم : لا أدري أي الميلين أراد؟ أمسافة الأرض ، أم الميل الذي تكحل به العين ؟ قال : " فتصهرهم الشمس ، فيكونون في العرق بقدر أعمالهم ، فمنهم من يأخذه العرق إلى عقبيه ، ومنهم من يأخذه إلى ركبتيه ، ومنهم من يأخذه إلى حقويه ومنهم من يلجمه إلجاما " . قال : فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير إلى فيه ، قال : " يلجمه إلجاما " . وكذا رواه [ ص: 388 ] الترمذي ، عن سويد بن نصر ، عن ابن المبارك ، وقال : حسن صحيح .

وأخرجه مسلم ، عن الحكم بن موسى ، عن يحيى بن حمزة ، عن ابن جابر ، به نحوه .

وقال ابن المبارك ، عن مالك بن مغول ، عن عبيد الله بن العيزار ، قال : إن الأقدام يوم القيامة مثل النبل في القرن ، والسعيد الذي يجد لقدمه موضعا يضعهما فيه ، وإن الشمس لتدنى من رءوسهم ، حتى يكون بينها وبين رءوسهم - إما قال : ميلا . أو : ميلين - ويزاد في حرها تسعة وستين ضعفا . وقال الوليد بن مسلم ، عن أبي بكر بن سعيد ، عن مغيث بن سمي ، قال : تركد الشمس فوق رءوسهم على أذرع ، وتفتح أبواب جهنم ، فتهب عليهم رياحها وسمومها ويخرج عليهم نفحاتها ، حتى تجري الأنهار من عرقهم أنتن من الجيف ، والصائمون في جناتهم في ظل العرش .

وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا محمد بن منصور الطوسي ، [ ص: 389 ] حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، حدثنا الفضل بن عيسى الرقاشي ، حدثنا محمد بن المنكدر ، عن جابر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن العرق ليلزم المرء في الموقف حتى يقول : يا رب ، إرسالك بي إلى النار أهون علي مما أجد . وهو يعلم ما فيها من شدة العذاب " . إسناده ضعيف .

وقد ثبت في " الصحيح " عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله - وفي رواية : إلا ظل عرشه - إمام عادل ، وشاب نشأ في عبادة الله ، ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه ، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال : إني أخاف الله ، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه ، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا حسن ، ويحيى بن إسحاق ، قالا : حدثنا ابن لهيعة ، قال : حدثنا خالد بن أبي عمران ، عن القاسم ، عن عائشة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أتدرون من السابقون إلى ظل الله عز وجل ، يوم القيامة ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : " الذين إذا أعطوا الحق قبلوه ، وإذا سئلوه بذلوه ، وحكموا للناس كحكمهم لأنفسهم " . تفرد به أحمد ، وإسناده مقارب ، فيه ابن لهيعة وقد تكلموا فيه ، وشيخه ليس بالمشهور .

هذا كله والناس موقوفون في مقام ضنك ضيق حرج شديد صعب ، إلا [ ص: 390 ] على من يسره الله عليه ، فنسأل الله العظيم رب العرش العظيم الحي القيوم أن يهون علينا ذلك المقام ، وأن يجعله علينا يسيرا بردا وسلاما ، ونعوذ بالله من ضيق يوم القيامة ، اللهم اجعل لنا مخرجا من ذلك ، ونسألك أن توسع علينا في الدنيا والآخرة ، اللهم اجعلنا مع الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ، آمين .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد ، أخبرنا الأصبغ ، هو ابن زيد ، عن ثور بن يزيد ، عن خالد بن معدان ، حدثني ربيعة ، هو ابن عمرو الجرشي الشامي ، قال : سألت عائشة فقلت : ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا قام من الليل؟ وبم كان يفتتح الصلاة؟ قالت : كان يكبر عشرا ، ويحمد عشرا ، ويهلل عشرا ، ويستغفر عشرا ، ويقول : " اللهم اغفر لي ، واهدني ، وارزقني " . عشرا ، ويقول : " اللهم إني أعوذ بك من الضيق يوم الحساب " . عشرا .

وكذا رواه النسائي في " اليوم والليلة " عن أبي داود الحراني ، عن يزيد بن هارون ، بإسناده مثله ، وعنده : " من ضيق المقام يوم القيامة " .

[ ص: 391 ] وقال ابن أبي الدنيا : حدثني محمد بن قدامة ، حدثني يعقوب بن سلمة الأحمر ، سمعت ابن السماك يقول : سمعت أبا واعظ الزاهد يقول : يخرجون من قبورهم يتسكعون في الظلمات ألف عام ، والأرض يومئذ نار كلها ، وإن أسعد الناس يومئذ من وجد لقدمه موضعا .

وقال أيضا : حدثني هارون بن سفيان ، أخبرنا ابن نفيل ، عن النضر بن عربي قال : بلغني أن الناس إذا خرجوا من قبورهم كان شعارهم لا إله إلا الله ، وكانت أول كلمة يقولها برهم وفاجرهم : ربنا ارحمنا .

وحدثني حمزة بن العباس ، أخبرنا عبد الله بن عثمان ، أخبرنا ابن المبارك ، أخبرنا سفيان ، عن سليمان ، عن أبي صالح ، قال : بلغني أن الناس يحشرون هكذا . ونكس رأسه ، ووضع يده اليمنى على كوعه اليسرى .

وحدثني عصمة بن الفضل ، حدثني يحيى بن يحيى ، عن المعتمر بن سليمان ، عن أبيه قال : سمعت سيارا الشامي قال : يخرجون من قبورهم وكلهم مذعورون ، فيناديهم مناد : ياعباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون [ الزخرف : 68 ] . فيطمع فيها الخلق فيتبعها : الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين [ ص: 392 ] [ الزخرف : 69 ] . فييأس منها الخلق غير أهل الإسلام .

وروى من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة في قبورهم ، ولا يوم نشورهم ، وكأني بأهل لا إله إلا الله ينفضون التراب عن رءوسهم ، ويقولون : الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن [ فاطر : 34 ] .

قلت : وله شاهد من القرآن العظيم قال الله تعالى : إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون الآيات إلى قوله : وعدا علينا إنا كنا فاعلين [ الأنبياء : 101 - 104 ] .

وقال ابن أبي الدنيا : أخبرنا أبو حفص الصفار ، حدثنا جعفر بن سليمان ، حدثنا إبراهيم بن عيسى اليشكري ، قال : بلغنا أن المؤمن إذا بعث من قبره تلقاه ملكان ، مع أحدهما ديباجة فيها برد ومسك ، ومع الآخر كوب من أكواب الجنة فيه شراب ، فإذا خرج من قبره خلط الملك ذلك البرد بالمسك فرشه عليه ، وصب له الآخر شربة فيناوله إياها ، فيشربها فلا يظمأ بعدها أبدا حتى يدخل الجنة .

فأما الأشقياء - والعياذ بالله - فقال الله تعالى : ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون [ ص: 393 ] [ الزخرف : 36 - 39 ] .

وذكرنا في " التفسير " أن الكافر إذا قام من قبره أخذ بيده شيطانه ، ويلزمه فلا يفارقه ، حتى يرمى بهما في النار ، وهكذا كل فاجر وفاسق غافل عن ذكر الله ، مضيع لأمره . وقال تعالى : وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد [ ق : 21 ] . أي : ملك يسوقه إلى المحشر ، وآخر يشهد عليه بأعماله وهذا عام في الأبرار والفجار ، وكل بحسبه لقد كنت في غفلة من هذا أي : أيها الإنسان الغافل عما خلق له فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد [ ق : 22 ] . أي : نافذ قوي حاد وقال قرينه هذا ما لدي عتيد [ ق : 23 ] . أي : هذا الذي جئت به هو الذي وكلت به ، فيقول الله تعالى عند ذلك للسائق والشهيد : ألقيا في جهنم كل كفار عنيد مناع للخير معتد مريب [ ق : 24 ، 25 ] . أي : ليس فيه خير ، ويمنع غيره من الخير ، ومع ذلك هو مريب أي : هو في شك وريب . ثم انتقل إلى من هو متلبس بأعظم من ذلك ، وقد تجتمع في العبد هذه الأربعة المذمومة المقبوحة ، التي هي أقبح الخصال ، وأعظمها ، وأقبحها الشرك بالله ، فقال تعالى : الذي جعل مع الله إلها آخر فألقياه في العذاب الشديد إلى قوله تعالى : يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد [ ق : 26 - 30 ] . وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى ، هو ابن سعيد القطان ، عن ابن [ ص: 394 ] عجلان ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الناس ، يعلوهم كل شيء ، من الصغار ، حتى يدخلوا سجنا في جهنم ، يقال له : بولس . فتعلوهم نار الأنيار ، فيسقون من طينة الخبال عصارة أهل النار . ورواه الترمذي ، والنسائي جميعا عن سويد بن نصر ، عن عبد الله بن المبارك ، عن محمد بن عجلان ، به ، وقال الترمذي : حسن .

وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا محمد بن عثمان العقيلي ، حدثنا محمد بن راشد ، عن محمد بن عمر ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يحشر المتكبرون في صور الذر يوم القيامة " . ثم قال : تفرد به محمد بن عثمان ، عن شيخه .

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا في " أهوال القيامة " : حدثنا عبد الله بن عمر الجشمي ، حدثنا يحيى بن سعيد ، عن هشام ، أنبا قتادة ، عن الحسن ، عن عمران بن حصين ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في بعض أسفاره ، وقد [ ص: 395 ] تفاوت بين أصحابه السير ، فرفع بهاتين الآيتين صوته : يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد الحج : 1 ، 2 ] . فلما سمع ذلك أصحابه حثوا المطي ، وعلموا أنه عند قول يقوله ، فلما تأشبوا حوله ، قال : " أتدرون أي يوم ذاك ؟ ذاك يوم ينادى آدم يناديه ربه ؟ يقول : يا آدم ، ابعث بعث النار . قال : يا رب ، وما بعث النار؟ قال : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار ، وواحد إلى الجنة " . قال : فأبلس أصحابه حتى ما أوضحوا بضاحكة ، فلما رأى ذلك قال : " اعملوا ، وأبشروا ، فوالذي نفس محمد بيده إنكم لمع خليقتين ما كانتا مع شيء إلا كثرتاه ، يأجوج ومأجوج ، ومن هلك من بني آدم ومن بني إبليس " . قال : فسري عنهم ، ثم قال : " اعملوا ، وأبشروا ، فوالذي نفس محمد بيده ما أنتم في الناس إلا كالشامة في جنب البعير ، أو كالرقمة في ذراع الدابة " . وقد رواه الترمذي والنسائي جميعا عن محمد بن بشار بندار ، عن يحيى بن سعيد القطان ، به ، وقال الترمذي ، : حسن صحيح

من أهوال يوم القيامة

ذكر شيء من أهوال يوم القيامة

قال الله تعالى : فيومئذ وقعت الواقعة وانشقت السماء فهي يومئذ واهية الآيات [ الحاقة : 15 ، 16 ] . وقال تعالى واستمع يوم ينادي المنادي من مكان قريب [ ص: 381 ] الآيات [ ق : 41 ] . وقال تعالى : إن لدينا أنكالا وجحيما وطعاما ذا غصة وعذابا أليما إلى قوله : فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا السماء منفطر به كان وعده مفعولا [ المزمل : 12 - 18 ] .

وقال تعالى : ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم الآية [ يونس : 45 ] . وقال تعالى : ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا الآيات إلى قوله : ولا يظلم ربك أحدا [ الكهف : 47 - 49 ] .

وقال تعالى : وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون إلى آخر السورة [ الزمر : 67 - 75 ] . وقال تعالى : فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون الآيات إلى قوله آخر السورة : إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون [ المؤمنون : 110 - 111 ] . وقال تعالى : يوم تكون السماء كالمهل الآيات إلى قوله : وجمع فأوعى [ المعارج : 8 - 18 ] . وقال تعالى : فإذا جاءت الصاخة إلى آخر السورة [ عبس : 33 - 42 ] . وقال تعالى : فإذا جاءت الطامة الكبرى إلى آخر السورة [ النازعات : 34 - 46 ] .

وقال تعالى : كلا إذا دكت الأرض دكا دكا وجاء ربك والملك صفا صفا الآيات إلى آخر السورة [ الفجر : 21 - 30 ] . وقال تعالى : هل أتاك حديث الغاشية الآيات إلى قوله : وزرابي مبثوثة [ الغاشية : 1 - 16 ] . وقال تعالى : إذا وقعت الواقعة إلى قوله : هذا نزلهم يوم الدين [ الواقعة : 1 - 56 ] . ذكر فيها سبحانه جزاء كل من هذه الأصناف الثلاثة ، كما ، ذكر ما [ ص: 382 ] يبشرون به عند موتهم واحتضارهم في آخرها ، كأن الإنسان يشاهد ذلك مشاهدة .

وقال تعالى : فتول عنهم يوم يدعو الداع إلى شيء نكر الآيات . وقال في آخرها : بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر إلى آخر السورة [ القمر : 6 - 55 ] .

وقال تعالى : يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار إلى قوله : إن الله سريع الحساب [ إبراهيم : 48 - 51 ] .

وقال تعالى : رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار إلى قوله : إن الله سريع الحساب وقال بعدها : وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع إلى قوله : والله يقضي بالحق [ غافر : 15 - 20 ] .

وقال تعالى : وقد آتيناك من لدنا ذكرا من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا خالدين فيه وساء لهم يوم القيامة حملا يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا الآيات إلى قوله : فلا يخاف ظلما ولا هضما [ طه : 99 - 111 ] . وقال تعالى : يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون [ البقرة : 254 ] .

[ ص: 383 ] وقال تعالى : واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون [ البقرة : 281 ] . وقال تعالى : يوم تبيض وجوه وتسود وجوه الآية . [ آل عمران : 106 ] . وقال تعالى : ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة الآية [ آل عمران : 161 ] .

وقال تعالى : ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون [ القصص : 65 ، 66 ] .

وقال تعالى : هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون ويل يومئذ للمكذبين [ المرسلات : 35 - 37 ] .

قال ابن عباس : أي لا ينطقون بحجة تنفعهم . والآيات في أهوال يوم القيامة كثيرة جدا في أكثر سور القرآن ، وقد ذكرنا في كتابنا " التفسير " ما يتعلق بكل آية من الآيات الدالة على صفة يوم القيامة ، ومن الأحاديث والآثار المفسرة ذلك .

فأما قوله : ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين [ الأنعام : 23 ] . وقوله : يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون [ المجادلة : 18 ] . فهذا يكون في حال آخر ، كما قال ابن عباس في جواب من سأله عن ذلك ، كما ذكره البخاري عنه .

[ ص: 384 ] وكذلك قوله : وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين الآيات إلى قوله : ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون [ الصافات : 27 - 75 ] والآيات في ذكر يوم القيامة وأهواله كثيرة جدا ، مثل الآيات التي في آخر سورة " هود " : إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود إلى عطاء غير مجذوذ أي غير مقطوع [ هود : 103 - 108 ] ، وكذلك سورة عم يتساءلون ، وسورة إذا الشمس كورت ، وسورة إذا السماء انفطرت ، وسورة إذا السماء انشقت ، وسورة " المطففين " بكمالها ، وسورة " المرسلات " ، و " النازعات " ، وسورة هل أتى على الإنسان وسورة والسماء ذات البروج ، وإذا زلزلت ، وآخر " العاديات " ، و " القارعة " ، وآخر ألهاكم التكاثر ، و " الهمزة " .

وقد قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا عبد الله بن بحير الصنعاني القاص ، أن عبد الرحمن بن يزيد الصنعاني أخبره أنه سمع ابن عمر يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من سره أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأي عين ، فليقرأ إذا الشمس كورت . وإذا السماء انفطرت . وإذا السماء انشقت . وأحسبه أنه قال : " وسورة هود " . وكذا رواه الترمذي ، عن عباس العنبري ، عن عبد الرزاق ، به . ورواه أحمد ، عن إبراهيم بن خالد ، [ ص: 385 ] عن عبد الله بن بحير ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، من أهل صنعاء ، وكان أعلم بالحلال والحرام من وهب بن منبه ، عن ابن عمر ، فذكر نحوه . وفي الحديث الآخر في : " شيبتني هود وأخواتها "