الجنة والنار عياذا بالله الواحد

حمل المصحف
9 مصاحف روابط 9 مصاحف
/ /////

الأربعاء، 12 يناير 2022

النهاية في الفتن والملاحم ج / 2 ص -5- كلامه سبحَانه وتَعالى مَع آدم عَلَيه الصَّلاة والسَّلام يَوم القيامة ثم سائر الانبياء ثم المؤمنين

 
النهاية في الفتن والملاحم
ج / 2 ص -5- كلامه سبحَانه وتَعالى مَع آدم عَلَيه الصَّلاة والسَّلام يَوم القيامة

أمة محمد عليه الصلاة والسلام في الأمم كالشعرة البيضاء في الثور الأسود
قال الإِمام أحمد: حدثنا قتيبة، حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن ثور، عن أبي الغيث، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"أول من يدعى يوم القيامة آدم، فيقال: هذا أبوكم آدم، فيقول: ربِّ لبيك وسعديك، فيقول له ربنا: أخرج نصيب جهنم من ذريتك، فيقول: يا رب وكم? فيقول: من كل مائة تسعة وتسعين"، فقلنا: يا رسول الله أرأيت إذا أخذ من كل مائة تسعة وتسعين فماذا يبقى منا? قال: "إن أمتي في الأمم كالشعرة البيضاء في الثور الأسود"1.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث رواه البخاري 18- 45 – 6529 – فتح. ورواه أحمد في مسنده 2- 378. ورواه السيوطي في الفتح الكبير 1- 470.
2 راجع ما قبله.
أول من يدعى يوم القيامة آدم عليه الصلاة والسلام
ورواه البخاري، عن إسماعيل بن عبد الله، عن أخيه، عن سليمان بن بلال، عن ثور بن زيد الديلمي، عن سالم أبي الغيث مولى بن معطيع، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أول من يدعى يوم القيامة آدم فتراه ذريته فيقال: هذا أبوكم آدم، فيقول: لبيك وسعديك فيقول، أخرج بعث جهنم من ذريتك"2.
وذكر تمامه مثل ما تقدم.
ج / 2 ص -6- رجاء الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكون أتباعه نصف أهل الجنة:
وقال الإِمام أحمد: حدثنا وكيع عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله يوم القيامة: يا آدم قم فابعث بعث النار، فيقول: لبيك وسعديك والخير في يديك يا رب وما بعت النار فيقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون. قال: فيومئذ يشيب المولود". وقد قال تعالى: {وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْل حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا همْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ}. [ 22- الحج -2].
قال: فيقولون أين ذلك الواحد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تسعمائة وتسعة وتسعون من يأجوج ومآجوج ومنكم واحد قال: فقال الناس الله أكبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والله إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة، والله إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة، والله إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة"، قال: فكبر الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أنتم في الناس إلا كالشعرة البيضاء في الثور الأسود، أو كالشعرة السوداء في الثور الأبيض1".
ورواه البخاري، عن عمر بن حفص بن غياث، عن أبيه، عن الأعمش به، ورواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن وكيع به، وأخرجاه من طرق آخر عن الأعمش به، وفي صحيح البخاري، عن بندار، عن غندر، عن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث رواه أحمد في مسنده 3- 32, 33. ورواه البخاري في صحيحه 18- 45. ورواه مسلم في صحيحه 2- 379، 6-210، 15-19، 20، 21. ورواه أبو داود في سننه 11-26، 34-2، 37-20. ورواه الترمذي في سننه 7-13.
ج / 2 ص -7- شعبة، عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون، عن عبد الله بن مسعود، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في فيد فقال: "أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة? قلنا: نعم، قال: والذي نفسي بيده إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة وذلك أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة، وما أنتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر1".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث رواه البخاري في صحيحه 18-45.
============
النهاية في الفتن والملاحم
كَلام الرب سُبْحَانَه وتَعَالى مَع نوح عَليه الصَّلاة والسَّلام
وَسؤاله إِيَّاه عَن الْبَلاغ
:
 
=كَمَا قالَ تعالى: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسألًنّ الْمُرْسَلِينَ}.
قال الإِمام أحمد: حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يدعى نوح يوم القيامة فيقال له: هل بلغت? فيقول: نعم، فيدعى قومه فيقال: هل بلغكم? فيقولون: ما أتانا من نذير، وما أتانا من أحد، قال: فيقال لنوح من يشهد لك فيقول: محمد وأمته2": وذلك قوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنهمْ أمَّة وَسَطاً لِتَكونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاس}. [ 2- البقرة- 143].
قال: والوسط العدل. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فتدعون، فتشهدون له
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث رواه البخاري في صحيحه 6- 21 -2. ورواه أحمد في مسنده 3- 32. ورواه السيوطي في الفتح الكبير 1-415 وقال: رواه أحمد والبخاري والنسائي وابن ماجه عن أبي سعيد.
ج / 2 ص -8- بالبلاغ وأشهد عليكم، وقال: وهكذا رواه البخاري والترمذي والنسائي من طرق عن الأعمش، وقال الترمذي: حسن. صحيح.
وقد رواه الإِمام أحمد بلفظ أعم من هذا فقال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد رضي اللّه عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يجيء النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة ومعه الرجل، والنبي ومعه الرجلان، وأكثر من ذلك، فيدعى قومه، فيقال لهم: هل بلغكم هذا? فيقولون: لا، فيقال له: هل بلغت قومك فيقول: نعم، فيقال: من يشهد لك فيقول: محمد وأمته، فيدعى محمد فيقال له: هل بلغ هذا قومه. فيقول: نعم، ثم تدعى أمة محمد صلى الله عليه وسلم فيقال لهم: هل بلغ هذا أمته فيقولون: نعم، فيقال لهم: ومن أعلمكم فيقولون جاءنا محمد نبياً، وأخبرنا أن الرسل قد بلغوا. قال: فذلك قوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً}1. [2/البقرة/143].
قال: يقول عدلاً: {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شهيداً}.
وهكذا رواه ابن ماجه، عن أبي كريب، وأحمد بن سنان، كلاهما عن أبي معاوية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث رواه ابن ماجه في سننه 37- 37-1432. ورواه السيوطي في الفتح الكبير 3- 415 وقال: رواه أحمد في مسنده والنسائي وابن ماجه عن أبي سعيد.
ج / 2 ص -9- شهادة أمة محمد عليه الصلاة والسلام على جميع الأمم يوم القيامة دليل عدالة هذه الأمة وشرفها
قلت: شهادة أمة محمد صلى الله عليه وسلم على جميع الأمم يوم القيامة برهان على عدالة هذه الأمة وشرفها، ومضمون هذا، أن هذه الأمة يوم القيامة يكونون عدولاً عند سائر الأمم، ولهذا يستشهد بهم سائر الأنبياء على أممهم، ولولا اعتراف أممهم بشرف هذه الأمة لما حصل إلزامهم بشهادتهم، وفي حديث بهز بن حكيم عن أبيه، عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنكم وفيتم سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها على اللّه سبحانه وتعالى1".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث رواه ابن ماجه في سننه 37-34-4288. ورواه أحمد في مسنده 5/5 وفيه لفظه: "أنتم آخرها" بدلا من ...أنتم خيرها التي هي رواية ابن ماجه.
=================
النهاية في الفتن والملاحم
تشريف إِبْرَاهيم عَليهِ الصَّلاة والسَّلام يَوْم الْقِيَامة عَلَى رؤوس الأَشْهَاد
قال اللهّ تعالى: {وآتَيْناهُ في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّه في الآخِرَةِ لَمِنَ الصَالِحِين}. [ 16-النحل-122].
قال البخاري: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا غندر، حدثنا شعبة، عن المغيرة بن النعمان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: "إِنكم تُحْشَرون حُفاةً عراةً"1
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث رواه البخاري في صحيحه 60-8، 65-5، 14، 15، 21-2، 44-21-4. النسائي 21-119. ورواه أحمد في مسنده 5-3.
ج / 2 ص -10- ثم تلا قوله تعالى: {كَمَا بَدَأْنَا أوَّلَ خَلْق نعِيده}. [21- الأنبياء- 104]
وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وإنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول: يا رب أصحابي، فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: كما قال العبد الصالح1: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمت فِيهِمْ} إِلى قوله: {إِنَّكَ أنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم}. [5- المائدة- 117-118].
قال: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم. ذكر موسى عليه الصلاة والسلام وذكر شرفه وجلالته يوم القيامة وكثرة أتباعه وانتشار أمته2.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه السيوطي في الفتح الكبير 1- 470 وقال رواه البزار في مسنده عن عائشة
2 هنا بياض بالأصل إلى العنوان الذي بعده.
=======================
النهاية في الفتن والملاحم
ذكر عيسَى عَليه الصَّلاة والسَّلام وكَلام الرَّب عَزَّ وَجَلّ مَعه يَوم القيامة
قال اللّه تعالى: {وَإِذْ قَالَ الله يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ أَ أَنْتَ قًلْتَ لِلنَّاس اتَّخِذُوني وأمِّيَ إِلهَيْن مِنْ دونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكونُ لِي أَنْ أَفولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتًهُ فَقَدْ عَلِمْتَة تَعْلَمُ مَا في نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا في نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عًلام الْغيُوبِ مَا قًلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَن اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي
ج / 2 ص -11- وَرَبَّكُّمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهيداً مَا دُمْتَ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوفَّيْتَنِي كنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وأَنْتَ عَلَى كلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لهمْ فإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ، لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ العَظِيمُ}. [5- المائدة- 116-119].
وهذا السؤال من الله تعالى لعيسى ابن مريم، مع علمه تعالى أنه لم يقل شيئاً من ذلك، إنما هو على سبيل التقريع والتوبيخ لمن اعتقد فيه ذلك من ضلال النصارى وجهلة أهل الكتاب، فبرأ إلى الله تعالى من هذه المقالة، كما تتبرأ الملائكة ممن اعتقد فيهم شيئاً من الإِلهية حيث يقول الله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ أهؤلاءِ إِياكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ قالوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَليُّنَا مِنْ دونهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبدونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤمِنُونَ}. [ 34- سبأ- 40-41].
وقال تعالى: {وَيَوْم يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدونَ مَنْ دونِ اللَّهِ فَيَقولُ أَ أَنْتُمْ أضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤلاء أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ قَالوا سبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دونكَ مِنْ أَوْليَآءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءهمْ حَتى نَسُوا الذّكْرَ وَكَانُوا قَوْماً بُوراً فَقَدْ كًذّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلاَ نَصْراً وَمن يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً}. [25- الفرقان- 17-18].
وقال تعالى: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمّ نَقُولُ لِلّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أنْتُمْ وَشُرَكَاءُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنهمْ وَقَالَ شُرَكَاؤهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ فَكَفَى باللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنَا وَبَيْنَكمْ إِنْ كًنّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ هُنَالِكَ تَبْلُوُا كُلَّ نَفْس مَا أَسْلَفَتْ وَردوا إِلى اللّه مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ وضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانوا يَفْتَرُونَ}. [ 10- يونس-28- 30].
ج / 2 ص -12- مقام رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عند الله يوم القيامة لا يدانيه مقام
فلا يساويه بل ولا يدانيه أحد فيه، ويحصل له من التشريفات ما يغبطهذا بها كل الخلائق من العالمين، من الأولين والآخرين، صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وقد تقدم ما ورد في المقام المحمود من الأحاديث والآثار، وأنه أول من يسجد بين يدي الله يوم القيامة، وأول من يشفع فيشفع، وأول من يكسى بعد الخليل، يكسى الخليل ريطتين. بيضاوين، ويكسى محمد صلى الله عليه وسلم حلتين خضراوين، ويجلس الخليل بين يدي العرش، ومحمد صلى الله عليه وسلم عن يمين العرش فيقول: "يا رب إن هذا- ويشير إلى جبريل- أخبرني عنك أنك أرسلته إلي، فيقول الله عز وجل صدق جبريل".
وقد روى ليث بن أبي سليم، وأبو يحيى القتات، وعطاء بن السائب وجابر الجعفي، عن مجاهد أنه قال في تفسير المقام المحمود: إنه يجلسه معه على العرش، وروي نحو هذا عن عبد الله بن سلام، وجمع فيه أبو بكر المروزي جزءاً كبيراً، وحكاه هو وغيره وغير واحد من السلف وأهل الحديث كأحمد وإسحاق بن راهويه وخلق وقال ابن جرير: وهذا شيء لا ينكره مثبت ولا ناف، وقد نظمه الحافظ أبو الحسن الدارقطني في صيدة له.
قلت: ومثل هذا لا ينبغي قبوله إلا عن معصوم، ولم يثبت فيه حديث يعول عليه، ولا يصار بسببه إليه، وقول مجاهد في هذا المقام ليس بحجة بمفرده، ولكن قد تلقاه جماعة من أهل الحديث بالقبول، وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: أخبرنا شريح
ج / 2 ص -13- بن يونس، أخبرنا أبو سفيان المعمري، عن معمر، عن الزهري، عن علي بن الحسين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"إذا كان يوم القيامة مدت الأرض مد الأديم، حتى لا يكون للإِنسان إلا موضع قدميه". قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فأكون أول من يدعى، وجبريل عن يمين الرحمن، والله ما رآه قبلها، فأقول: يا رب: إن هذا أخبرني أنك أرسلته إِليَّ، فيقول الله: صدق، ثم أشفع، فأقول: يا رب عبادك في أطراف الأرض" فهو المقام المحمود.
==================
النهاية في الفتن والملاحم
ذكر عيسَى عَليه الصَّلاة والسَّلام وكَلام الرَّب عَزَّ وَجَلّ مَعه يَوم القيامة
قال اللّه تعالى: {وَإِذْ قَالَ الله يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ أَ أَنْتَ قًلْتَ لِلنَّاس اتَّخِذُوني وأمِّيَ إِلهَيْن مِنْ دونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكونُ لِي أَنْ أَفولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتًهُ فَقَدْ عَلِمْتَة تَعْلَمُ مَا في نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا في نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عًلام الْغيُوبِ مَا قًلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَن اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي
ج / 2 ص -11- وَرَبَّكُّمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهيداً مَا دُمْتَ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوفَّيْتَنِي كنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وأَنْتَ عَلَى كلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لهمْ فإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ، لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ العَظِيمُ}. [5- المائدة- 116-119].
وهذا السؤال من الله تعالى لعيسى ابن مريم، مع علمه تعالى أنه لم يقل شيئاً من ذلك، إنما هو على سبيل التقريع والتوبيخ لمن اعتقد فيه ذلك من ضلال النصارى وجهلة أهل الكتاب، فبرأ إلى الله تعالى من هذه المقالة، كما تتبرأ الملائكة ممن اعتقد فيهم شيئاً من الإِلهية حيث يقول الله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ أهؤلاءِ إِياكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ قالوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَليُّنَا مِنْ دونهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبدونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤمِنُونَ}. [ 34- سبأ- 40-41].
وقال تعالى: {وَيَوْم يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدونَ مَنْ دونِ اللَّهِ فَيَقولُ أَ أَنْتُمْ أضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤلاء أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ قَالوا سبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دونكَ مِنْ أَوْليَآءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءهمْ حَتى نَسُوا الذّكْرَ وَكَانُوا قَوْماً بُوراً فَقَدْ كًذّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلاَ نَصْراً وَمن يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً}. [25- الفرقان- 17-18].
وقال تعالى: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمّ نَقُولُ لِلّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أنْتُمْ وَشُرَكَاءُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنهمْ وَقَالَ شُرَكَاؤهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ فَكَفَى باللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنَا وَبَيْنَكمْ إِنْ كًنّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ هُنَالِكَ تَبْلُوُا كُلَّ نَفْس مَا أَسْلَفَتْ وَردوا إِلى اللّه مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ وضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانوا يَفْتَرُونَ}. [ 10- يونس-28- 30].
ج / 2 ص -12- مقام رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عند الله يوم القيامة لا يدانيه مقام
فلا يساويه بل ولا يدانيه أحد فيه، ويحصل له من التشريفات ما يغبطهذا بها كل الخلائق من العالمين، من الأولين والآخرين، صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وقد تقدم ما ورد في المقام المحمود من الأحاديث والآثار، وأنه أول من يسجد بين يدي الله يوم القيامة، وأول من يشفع فيشفع، وأول من يكسى بعد الخليل، يكسى الخليل ريطتين. بيضاوين، ويكسى محمد صلى الله عليه وسلم حلتين خضراوين، ويجلس الخليل بين يدي العرش، ومحمد صلى الله عليه وسلم عن يمين العرش فيقول: "يا رب إن هذا- ويشير إلى جبريل- أخبرني عنك أنك أرسلته إلي، فيقول الله عز وجل صدق جبريل".
وقد روى ليث بن أبي سليم، وأبو يحيى القتات، وعطاء بن السائب وجابر الجعفي، عن مجاهد أنه قال في تفسير المقام المحمود: إنه يجلسه معه على العرش، وروي نحو هذا عن عبد الله بن سلام، وجمع فيه أبو بكر المروزي جزءاً كبيراً، وحكاه هو وغيره وغير واحد من السلف وأهل الحديث كأحمد وإسحاق بن راهويه وخلق وقال ابن جرير: وهذا شيء لا ينكره مثبت ولا ناف، وقد نظمه الحافظ أبو الحسن الدارقطني في صيدة له.
قلت: ومثل هذا لا ينبغي قبوله إلا عن معصوم، ولم يثبت فيه حديث يعول عليه، ولا يصار بسببه إليه، وقول مجاهد في هذا المقام ليس بحجة بمفرده، ولكن قد تلقاه جماعة من أهل الحديث بالقبول، وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: أخبرنا شريح
ج / 2 ص -13- بن يونس، أخبرنا أبو سفيان المعمري، عن معمر، عن الزهري، عن علي بن الحسين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"إذا كان يوم القيامة مدت الأرض مد الأديم، حتى لا يكون للإِنسان إلا موضع قدميه". قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فأكون أول من يدعى، وجبريل عن يمين الرحمن، والله ما رآه قبلها، فأقول: يا رب: إن هذا أخبرني أنك أرسلته إِليَّ، فيقول الله: صدق، ثم أشفع، فأقول: يا رب عبادك في أطراف الأرض" فهو المقام المحمود.
=====================
النهاية في الفتن والملاحم
ذكر في كلام الرب تَعالى مَعَ العُلماء في فصْل القضَاءِ
إكرام اللّه عز وجل للعلماء يوم القيامة القضاء
قال الطبراني: حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا العلاء بن سالم، حدثنا إبراهيم الطالقاني، حدثنا المبارك، عن سفيان، عن سماك بن حرب، عن ثعلبة بن الحكم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"يقول الله تعالى للعلماء إذا جلس على كرسيه لفصل القضاء إني لم أجعل علمي وحكمي فيكم إلا وأنا أريد أن أغفر لكم ولا أبالي".
ج / 2 ص -14- أَوّلْ كَلامه عًزّ وجَل للمؤمنين
قال أبو داود الطيالسي: حدثنا عبد الله بن المبارك، حدثني يحيى بن أيوب، عن عبيد الله بن رجاء، عن خالد بن أبي عمران، عن ابن عباس، عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن شئتم أنبأتكم بأول ما يقول الله عز وجل للمؤمنين يوم القيامة، وبأول ما تقولون له" قالوا: نعم يا رسول الله قال: "فإِن اللّه تعالى يقول للمؤمنين: هل أحببتم لقائي. فيقولون: نعم يا ربنا فيقول: وما حملكم على ذلك? فيقولون: عفوك ورحمتك1 ورضوانك، فيقول: فإِني قد أوجبت لكم رحمتي"2.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كذا في الأصل والصواب كما في مسند الطيالسي... رجونا عفوك ورحمتك..
2 الحديث رواه الدارقطني في تذكرته 2- 341.
=========================
النهاية في الفتن والملاحم
فصل: لا خلاق في الآخرة لمن يخون أَمانة اللّه وعهده
قال الله تعالى: {إِن الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنَاَ قَلِيلاً أولَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ في الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ الله وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزكِّيهِمْ وَلَهمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. [3- آل عمران-77].
وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنَاَ قَلِيلاً أولئِكَ مَا يَأكُلُونَ في بطُويهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّفهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ ولهمُ عَذَابٌ أَلِيمٌ أولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوا الضَّلاَلَةَ بِالْهدَى وَالْعَذَابَ بالْمَغْفِرَةِ فَمَا أصْبَرهمْ عَلَى النَّارِ ذَلِكَ بأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا في الْكِتَابِ لَفِي شِقَاق بَعِيدٍ}. [2- البقرة- 174-176].
ج / 2 ص -15- والمراد من هذا أَنه لا يكلمهم ولا ينظر إليهم كلاماً ونظراً يرحمهم به، كما أَنهم عن ربهم يومئذ محجوبون بقوله تعالى: {كلاّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَومَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ}. [83- المطففين-15].
وقال تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشرهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإِنْس وَقَالَ أَوْليَاؤهُمْ مِنَ الإِنْس رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضنَا بِبَعْض وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء الله إِنَّ رَبَّكَ حَكِيم عَلِيمٌ}. [- الأنعام- 128].
وقال تعالى: {هَذَا يَوْمُ الْفَصْل جَمَعْناكمْ وَالأَوَّلينَ فَإِن كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمكًذّبينَ} [ 77-المرسلات-38-40]. وقال تعالى: {يَوْمَ يَبْعَثًهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ}. [ 58- المجادلة- 18].
وقال تعالى: {يَوْمَ يُنَادِيهمْ فَيَقُولُ أيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كنْتُمْ تَزْعُمُونَ قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهم الْقَوْلُ رَبَّنَا هؤلاَءِ الَّذِين أغوَيْنَا أغوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأنا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ وَقيلَ ادْعُوا شُرَكَاءكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأوُا الْعَذَابَ لَوْ أنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدونَ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقولُ مَاذَا أَجَبْتُم الْمُرْسَلِينَ فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لاَ يَتَسَاءلونَ}. [ 28- القصص- 62-66].
ج / 2 ص -16- وقال بعد هذا: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقول أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أمَّة شَهِيداً فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ للَّهِ وَضَلَّ عَنهمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ}. [ 28- القصص- 74-75].
والآيات في هذا كثير جداً.
وثبت في الصحيحين كما سيأتي من طريق خيثمة، عن عدي بن حاتم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فيلقى الرجل فيقول له: ألم أكرمك? ألم أزوجك? ألم أسخر لك الخيل والإِبل، أذرك ترأس وتربع? فيقول: بلى، فيقول: أظننت أنك ملاقي? فيقول: لا، فيقول: فاليوم أنساك كما نسيتني"1. فهذا فيه صراحة عظيمة في تكلم اللّه تعالى ومخاطبته لعبده الكافر.
وأما العصاة
ففي حديث ابن عمر الذي في الصحيحين كما سيأتي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يدني اللّه العبد يوم القيامة حتى يضع عليه كنفه ثم يقرره بذنوبه فيقول: عملت في يوم كذا كذا وكذا? وفي يوم كذا كذا وكذا? فيقول: نعم يا رب، حتى إذا ظن أنه قد هلك قال الله تعالى: إني سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم"2.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث رواه السيوطي في الفتح الكبير 3- 124 وقال: رواه أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه عن عدي بن حاتم وقد سبق تخريجه في باب كلام الرب.
2 الحديث رواه البخاري في صحيحه 65-11، 4، 78-60، 97-63 ورواه مسلم في صحيحه 49-52. ورواه ابن ماجه في سننه مقدمة-13.
========================
النهاية في الفتن والملاحم
ج / 2 ص -17- فصل: إِبراز النيران والجنان ونصب الميزان ومحاسبة الديان
قال تعالى: {إذا الجَحِيمُ سُعِّرَتْ وَإِذَا الجنَّةُ أزْلفَتْ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أحْضَرَتْ}. [ 81- التكوير -12-14].
وقال تعالى: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَل امْتَلأتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ وَأزْلفَتَ الجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أوَّابٍ حَفِيظٍ مَنْ خَشيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بقَلْبٍ مُنِيب ادْخُلُوهَا بِسَلاَم ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلدَيْنَا مَزِيد}. [ 50- ق-30- 35].
وقال تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِين الْقِسْطَ لِيَوْم الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَم نَفْسن شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حًبّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبينَ}. [ 21- الأنبياء- 47].
وقال تعالى: {إِنَّ اللّه لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤتِ مِن لَّدُنْهُ أجْراً عَظِيماً فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلى
ج / 2 ص -18- هؤلاَءِ شَهِيداً يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً}. [ 4- النساء- 40 – 42].
وقال تعالى فيما أخبر به عن لقمان أنه قال: {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةِ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ في صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّموات أوْ في الأرْض يَأتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ}. [ 31- لقمان- 12- 14].
والآثار في هذا كثيرة جداً، والله الموفق للصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبي ونعم الوكيل.
=============================
النهاية في الفتن والملاحم
ذكر إِبْداء عَين مِن النَّار عَلَى المحْشَر فتَطّلع عَلَى النَّاس
قال الله تعالى: {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وأنَّى لَهُ الذِّكْرَى}. [ 89- الفجر- 23].
وقال مسلم في صحيحه: حدثنا عمر بن حفص بن غياث، حدثنا أبي، عن العلاء بن خالد الكاهل، عن شقيق، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها"1.
وكذا ر واه الترمذي مرفوعاً، ورواه من وجه آخر هو ابن جرير موقوفاً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث رواه مسلم في صحيحه 51-12-2842 وهذا الحديث مما استدركه الدارقطني على مسلم وقال: رفعه وهم. رواه الثوري ومروان وغيرهما عن العلاء بن خالد موقوفا ورواه الترمذي في سننه 40- 1-2537. وعمر بن حفص بن غياث الكوفي، ثقة، ربما وهم، من العاشرة، مات سنة اثنتين وعشرين ومائتين. خ م د ت س. تقريب التهذيب 2- 53 404.
ج / 2 ص -19- يخرج عنق من النار يتكلم, يقذف في جهنم الجبارين والمشركين والقائلين بغير حق
وقال الإِمام أحمد: حدثنا معاوية، حدثنا شيبة، عن فراس، عن عطية، عن أبي سعيد الخدريرضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"يخرج عنق من النار يتكلم، فيقول: وكلت بثلاثة، بكل جبار، ومن جعل مع الله إلهاً آخر، ومن قتل نفساً بغير نفس، فينطوي عليهم فيقذفهم في غمرات جهنم"1.
تفرّد به من هذا الوجه، وسيأتي في باب الميزان عن خالد، عن القاسم، عن عائشة رضي الله عنها نحوه.
وقال الله تعالى: {إِذَا رَأتْهُم مِن مَكَانِ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفيراً وَإِذَا ألْقُوا مِنْهَا مَكَاناً ضيقاً مُقرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً لاَ تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَادْعُوا ثبوراً كَثِيراً}. [ 25- الفرقان- 12-14].
قال الشعبي: إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظاً وزفيراً، من شدة حنقها وبغضها لمن أشرك بالله، واتخذ معه إلهاً آخر، وفي الحديث:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث رواه أحمد في مسنده 3- 40. ورواه السيوطي في الفتح الكبير 3- 419 وقال: رواه أحمد والترمذي.
ج / 2 ص -20- "من كذب علي، أو ادعى إلى غير أبيه، أو أنتمى إلى غير مواليه، فليتبوأ بين عيني جهنم مقعداً بعيداً" قالوا: يا رسول الله: وهل لها من عينين? قال: "أما سمعتم بقول الله: {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً}. رواه ابن أبي حاتم.
وقال ابن جرير: حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي، حدثنا عبيد الله بن موسى، حدثنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: إن الرجل ليجر إلى النار، فتنزوي وينقبض بعضها إلى بعض، فيقول الرحمن: ما لكِ? فتقول: إنه يستجير مني، فيقول: أرسلوا عبدي، وإن الرجل ليجر إلى النار فيقول: يا رب: ما كان هذا ظني بك، فيقول الله: ما كان ظنك? فيقول: أن تسعني رحمتك، فيقول: ارسلوا عبدي، وإن الرجل ليجر إلى النار، فتشهق إليه النار شهوق البغلة الى البعير، وتزفر زفرة لا تبقي أحداً إلا أخفته، وإسناده صحيح.
وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن المنصور، عن مجاهد، عن عبيد بن عمير قال: إن جهنم تزفر زفرة لا يبقى معها ملك ولا نبي إلا خرّ ترعد فرائصه، حتّى إن إبراهيم ليجثو على ركبتيه ويقول: رب لا أسألك إلا نفسي اليوم.
وقال في حديث الصور: ثم يأمر الله جهنم فيخرج منها عنق ساطع مظلم ثم يقول: {ألمْ أعْهَدْ إِلَيْكًمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لاَّ تَعْبدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّه لَكُمْ عدُوٌّ مُبِينٌ أَنِ اعْبدُوني هذا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمُ وَلَقَدْ أضلَّ مِنْكُمْ جِبِلاً كَثِيراً
ج / 2 ص -21- أفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ}. [ 36- يس-60-64].
فيمر الله بين الخلائق، وتجثو الأمم، وذلك قوله: {وَتَرَى كلَّ أمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنّا نَستَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلونَ}. [45- الجاثية- 28].
======================
النهاية في الفتن والملاحم
ذكر الميزان
قال الله تعالى: {وَنَضَعُ المَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْم القِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْس شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ}. [ 21- الأنبيء- 47].
وقال تعالى: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأولَئِكَ الَّذِينَ خَسروا أَنْفُسَهُمْ في جَهًنّمَ خَالدُونَ}. [ 23- الممؤمنون- 102-103].
وقال تعالى: {والْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينهُ فَأولئِكَ همُ الْمُفْلِحُونَ ومَنْ
ج / 2 ص -22- خفَّتْ مَوَازِينه فَأولئِكَ الَّذِينَ خَسِروا أنْفسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ}. [ 7- الأعراف-8-9].
وقال تعالى: {فَأمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُه فَهُوَ في عِيشَةٍ رَاضِيَةَ وأَمَّا مَنْ خفَّتْ مَوَازِينهُ فَأمُّهُ هَاوِيَةٌ وَمَا أَدرَاكَ مَاهِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ}. [101 – القارعة- 7- 11].
وقال تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيهُمْ في الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً أولئِكَ الَّذِينَ كَفَروا بِآياتِ ربِّهِمْ وَلقَائِهِ فَحَبِطَتْ أعْمَالُهُمْ فَلاَ نُقِيمً لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً}. [18- الكهف- 103-105].
وزن الأعمال بعد القضاء والحساب
قال أبو عبد الله القرطبي: قال العلماء: إِذا انقضى الحساب، كان بعده وزن الأعمال، لأن الوزن للجزاء، فينبغي أن يكون بعد المحاسبة، فإِن المحاسبة لنفس الأعمال، والوزن لإِظهار مقاديرها، فيكون الجزاء بحسبهما، قال: وقوله ونضع الموازين القسط ليوم القيامة يحتمل أن يكون ثم موازين متعددة توزن فيها الأعمال، ويحتمل أن يكون المراد الموزونات، فجمع باعتبار تنوع الأعمال الموزونة، والله سبحانه وتعالى أعلم1.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 القرطبي في التذكرة 2- 373.
ج / 2 ص -23- بَيَان كَون الميزان له كًفّتان حسيتان
وبيان أن "بسم اللّه الرحمن الرحيم" لا يثقل عليها شيء.
قال الإِمام أحمد: حدثنا إبراهيم بن إسحاق الطالقاني، حدثنا ابن المبارك، عن ليث بن سعد، حدثني عامر بن يحيى، حدثني عبد الرحمن الجيلي واسمه عبد الله بن يزيد: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن الله سيخلص رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق، فينشر عليه تسعة وتسعين سجلاً، كل سجل مد البصر، ثم يقول الله له: أتنكرمن هذا شيئاً? ظلمك كتبتي الحافظون? فيقول: لا يا رب: فيقول الملك: ألك عذر أو حسنة? فيبهت الرجل فيقول: لا يا رب، فيقول: بلى إن لك عندنا حسنة واحدة، لا ظلم عليك اليوم، فيخرج بطاقة فيها، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله فيقول: أخبروه، فيقول: يا رب: ما هذه البطاقة مع هذه السجلات? فيقول: إنك لا تظلم، فتوضع السجلات في كفة، والبطاقة في كفة، قال: فتطيش السجلات، وتثقل البطاقة، ولا يثقل شيء بسم الله الرحمن الرحيم".1
وكذا رواه الترمذي، وابن ماجه، وابن أبي الدنيا، من حديث الليث، ورواه الترمذي وابن لهيعة كلاهما عن عامر بن يحيى به، وقال الترمذي: حسن غريب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث رواه الترمذي في سننه 41-17-2639. ورواه الدارقطني في التذكرة 2-374. ورواه السيوطي في الفتح الكبير 1- 377 وقال رواه أحمد والترمذي والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمرو.
ج / 2 ص -24- سياق آخر لهذا الحديث: هل يوزن العامل يوم القيامة مع عمله?
قال أحمد: حدثنا قتيبة، حدثنا ابن لهيعة، عن عمرو بن يحيى، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "توضع الموازين يوم القيامة، فيؤتى بالرجل، فيوضع في كفة، ويوضع ما أحصى عليه فتمايل به الميزان قال: فيبعث به إلى النار قال: فإذا أدبر به إذا صائح من عند الرحمن تبارك وتعالى يقول: لا تعجلوا، فإنه قد بقي له، فيؤتى ببطاقة فيها لا إله الا الله" فتوضع مع الرجل في كفة حتى يميل به الميزان"1.
وهذا السياق فيه غرابة، وفيه فائدة جليلة، وهو أن العامل يوزن مع عمله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث رواه أحمد في مسنده 7066- معارف. وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 10-82 وقال: رواه أحمد وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن، وبقية رجاله رجال الصحيح. ورواه الترمذي وابن ماجه والحاكم في المستدرك.
شهادة ألا إله الا الله وأن محمداً رسول الله ترجح بالذنوب في الميزان يوم القيامة
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا أحمد بن محمد بن البراء المقري، حدثنا يعلى بن عبيد عن عبد الرحمن بن زياد عن أبي عبد الرحمن، عن عبد الله بن عمرو رفعه قال: "يؤتى برجل يوم القيامة إلى الميزان، فيخرج له تسعة وتسعون سجلاً، كل سجل منها مد البصر، فيها ذنوبه وخطاياه، فتوضع في كفة، ثم يخرج
ج / 2 ص -25- له قرطاس مثل الأنملة فيه شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، فتوضع في كفة أخرى، فترجح بخطاياه"1.
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا أبو عبيد القاسم بن سلام، حدّثنا حجاج، عن فطر بن خليفة، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن سابط، قال: لما حضر أبا بكر الموت أرسل إلى عمر فقال: إنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق في الدنيا، وثقله عليهم، وحق لميزان إذا وضع فيه الحق أن يكون ثقيلاً، وإنما خفت موازين من خفت موازينه باتباعهم الباطل في الدنيا، وخفته عليهم، وحق لميزان إذا وضع فيه الباطل غداً أن يكون خفيفاً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه اليقرطبي في التذكرة 2- 375.
الخلق الحسن أثقل ما يوضع في ميزان العبد يوم القيامة
وقال أحمد: عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دنيا، عن أبي مليكة، عن يعلى بن مملك، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أثقل شيء يوضع في الميزان خلق حسن"1.
وقد وردت الأحاديث بوزن الأعمال أنفسها كما فى صحيح مسلم من طريق أبي سلام، عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"الطهور شطر الإِيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملأ ما بين السموات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان والصبر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث رواه القرطبي في التذكرة 2- 382. ورواه الترمذي 280 62-2002 وقال: وفي الباب عن عائشة وأبي هريرة وأنس وأسامة وابن شريك وهذا حديث حسن صحيح. ورواه أحمد في مسنده 6-442، 446، 448، 451، 452. ورواه أبو داود 40-8. ورواه السيوطي في الفتح الكبير 1- 41, ورواه أيضا بزيادة: أن الله يبغض الفاحش التفحش البذيء وقال البيهقي في شعب الإيمان عن أبي الدرداء.
ج / 2 ص -26- ضياء والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو، فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها"1.
فقوله والحمد لله تملأ الميزان، فيه دلالة على أن العمل نفسه وإن كان عرضاً قد قام بالفاعل، يحيله الله يوم القيامة فيجعله ذاتاً يوضع في الميزان، كما ورد في الحديث الذي رواه ابن أبي الدنيا. حدثنا أبوخيثمة ومحمد بن سليمان وغيرهما قالوا: حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن ابن أبي مليكة، عن يعلى بن مملك، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أثقل شيء يوضع في الميزان خلق حسن".
وكذا رواه أحمد، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو به ورواه أحمد عن غندر ويحيى بن سعيد، عن شعبة عن القاسم، عن أبي مرة، عن عطاء الكيخاراني، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من شيء أثقل في الميزان من خلق حسن".
وقد رواه أحمد أيضاً من حديث الحسن بن مسلم، عن عطاء، وأخرجه أبو داود من حديث شعبة به، والترمذي من حديث مطرف، عن عطاء بن نافع الكيخاراني به، وقال أحمد2. حدثنا عفان، حدثنا أبان، عن يحيى بن أبي كثير، عن زيد، عن أبي سلام، عن مولى لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث رواه مسلم في صحيحه 2-1. ورواه الترمذي 45- 85 والنسائي 23-1. وابن ماجه 2-5. والدارمي 1-2. وأحمد في مسنده 4- 260، 5- 342، 343، 370.
2 الحديث رواه أحمد في مسنده 3- 237، 5- 366، غريب الحديث. بخ. بخ: كلمة تقال عند الإعجاب بالشيء، أو الفخرية ومدحه.
ج / 2 ص -27- "بخ بخ لخمس ما أثقلهن في الميزان? لا إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، والولد الصالح، يتوفى فيحتسبه والده".
وقال: "بخ بخ لخمس: من لقي الله مستيقناً بهن دخل الجنة، يؤمن بالله، وباليوم الآخر، وبالجنة، وبالنار، وبالبعث بعد الموت، وبالحساب". انفرد به أحمد.
وكما ثبت في الحديث الآخر: "تأتي البقرة وآل عمران يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو غيابتان، من طير يحاجان عن صاحبهما"1.
والمراد من ذلك أن ثواب تلاوتهما يصير يوم القيامة كذلك.
الأمر الثاني يوضع الصحيفة التي كتب فيها كما تقدم في حديث البطاقة والله أعلم، وقد جاء أن العامل يوزن كما قال البخاري: حدثنا محمد بن عبد الله، حدثنا سعيد بن أبي مريم، أخبرني المغيرة، حدثني أبو الزناد عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة، لا يزن عند الله جناح بعوضة"2.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث رواه مسلم في صحيحه 6- 252، 253. والدارمي 23-15. ورواه أحمد في مسنده 4-183، 5-249، 251، 255، 257، 348، 352، 361.
2 الحديث رواه البخاري في صحيحه 15- 18، 6- 4729- فتح ورواه مسلم في صحيحه 50-18.
ج / 2 ص -28- وقال: "اقرأوا إن شئتم: {فَلاَ نقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزناً}. [ 18- الكهف- 105].
قال البخاري: وعن يحيى بن بكير، عن المغيرة بن عبد الرحمن، عن أبي الزناد مثله، وقد أسند مسلم ما علقه البخاري، عن أبي بكر محمد بن إسحاق، عن يحيى بن بكير، فذكره.
وقد روى وجه آخر عن أبي هريرة فقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو الوليد، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن صالح مولى التومة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يؤتى بالرجل الأكول الشروب العظيم، فيوزن بحبة، فلا يزنها".
قال: ورواه ابن جرير، عن أبي كريب، عن ابن الصلت، عن أبي الزناد، عن صالح، عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ البخاري سواء.
وقد قال البزار: حدثنا العباس بن محمد، حدثنا عون بن عمارة، حدثنا هشام بن حسان، عن واصل، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل رجل من قريش يخطر في حلة ما، فلما قام على النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا أبا بريدة هذا ممن قال الله فيهم: {فَلاَ نقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزناً}.". ثم قال: تفرّد به عن عمارة، وليس بالحافظ ولم يتابع عليه.
قال الإِمام أحمد: حدثنا عبد الصمد وحسن بن موسى، حدثنا حماد، عن عاصم، عن زر بن حبيش، عن ابن مسعود، أنه كان دقيق السباقين فجعلت الريح تلقيه، فضحك القوم منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ج / 2 ص -29- "مم تضحكون? قالوا: يا نبي الله من رقة ساقيه. قال: والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من أحُد1"، تفرّد به أحمد وإسناده جيد قوي.
فقد جاءت الروايات بهذه الصفات، وفي رواية الإِمام أحمد بن حنبل من طريق ابن لهيعة في حديث البطاقة، أنه يوزن مع عمله في الكتاب، وهذه الرواية تجمع الأقوال كلها بتقدير صحتها، والله تعالى أعلم.
وقال الإِمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا القاسم بن الفضل قال: قال الحسن: قالت عائشة يا رسول الله: هل تذكرون أهليكم يوم القيامة. قال: "أما في مواطن ثلاث فلا: الكتاب، والميزان، والصراط".
فقوله: "الكتاب" يحتمل أن يكون حين يوضع كتاب الأعمال ليشهد على الأمم بأعمالها، ويحتمل أن يكون المراد بذلك الصحف حين تطاير، والناس بين من أخذ بيمينه، وأخذ بشماله2.
قال البيهقي: أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن علي المعري، أخبرنا الحسن بن محمد بن إسحاق، حدثنا يوسف بن يعقوب القاضي، حدثنا محمد بن منهال، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا يونس بن عبيد، عن الحسن، أن عائشة بكت، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما يبكيك يا عائشة?" قالت: ذكرت أهل النار فبكيت، هل يذكرون أهليهم يوم القيامة? قال: "أما في ثلاثة فلا يذكر أحد أحداً، حيث يوضع الميزان حتى يعلم أيثقل ميزانه أم يخف، وحيث يقول هاؤم اقرءوا كتابيه، حيث تطاير الصحف حتى يعلم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث رواه أحمد في مسنده 1-114، 421، 5-131.
2 الحديث رواه أحمد في مسنده 6- 101.
ج / 2 ص -30- أين يقع كتابه في يمينه أم في شماله أم من وراء ظهره، وحيث يوضع الصراط على جسر جهنم"1.
قال يونس أشك الحسن قال: خافيته كلاليب وحسك، ويحبس الله به من يشاء من خلقه، حتى يعلم أينجو أم لا ينجو?
ثم قال البيهقي: أنبأنا الروزباري، أنبأنا ابن داسة، حدثنا أبو داود، حدثنا يعقوب، عن إبراهيم وحميد بن مسعدة، أن إسماعيل بن إبراهيم حدثهم قال: أخبرنا يونس، عن الحسن، عن عائشة، أنها ذكرت النار فبكت، وذكر الحديت بنحوه إلا أنه قال: "وعند الكتاب، حين يقال: هاؤم اقروا كتابيه: حتى يعلم أين يقع كتابه أفي يمينه? أم في شماله من وراء ظهره? وعند الصراط، إذا وضع بين ظهراني جهنم"، قال يعقوب عن يونس: وهذا لفظ حديثه.
طريق أخرى عن عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما
قال الإِمام أحمد: حدثنا يحيى بن إسحاق، حدثنا ابن لهيعة، عن خالد بن أبي عمران، عن القاسم بن محمد، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله: هل يذكر الحبيب حبيبه يوم القيامة? قال: "يا عائشة, أما عند ثلاث فلا، أما عند الميزان حتى يثقل أو يخف فلا، وأما عند تطاير الكتب فإِما أن يعطى بيمينه، أو يعطى بشماله فلا، ثم حين يخرج عنق من النار، فينطوي عليهم، ويتغيظ عليهم، ويقول ذلك العنق:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث رواه أحمد في مسنده 6-110. وأبو داود في سننه 39-25.
ج / 2 ص -31- وكلت بثلاثة، وكلت بمن ادعى مع الله إلهاً آخر، وكلت بمن لا يؤمن بيوم الحساب، وكلت برجل جبار عنيد، قال: فينطوي عليهم، ويرمى بهم في غمرات جهنم، ولجهنم جسر أدق من الشعر، وأحدّ من السيف، عليه كلاليب وحسك، تأخذ من شاء الله والناس عليه كالطرف، وكالبرق، وكالريح وكأجاويد الخيل والركاب، والملائكة يقولون: رب سلم، رب سلم فناج مسلم، ومخدوش مسلم، ومكور في النار على وجهه"1.
وتقدم من رواية حرب بن ميمون، عن النضر بن أنس، عن أنس، أنه قال: أتشفع لي يا رسول الله? قال: "أنا فاعل: قال: أين أطلبك? قال: اطلبني أول ما تطلبني عند الصراط قال: فإن لم ألقك? قال: فعند الحوض. قال: فإن لم ألقك? قال: فعند الميزان قال: فإني لا أخطىء هذه المواطن يوم القيامة"2. رواه أحمد والترمذي.
وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: أخبرنا أبو سهل أحمد بن محمد بن إبراهيم المهراني، حدثنا أحمد بن سليمان الفقيه ببغداد، حدثنا الحارث بن محمد، حدثنا داود بن المحمر، حدثنا صالح المزي، عن جعفر بن زيد، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"يؤتى بابن آدم يوم القيامة، فيوقف بين كفتي الميزان، ويوكل به ملك، فإن ثقل ميزانه نادى الملك بصوت يسمع الخلائق: سعد فلان سعادة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحديث رواه أحمد في مسنده 3- 178. غريب اللغة. الكلاليب: الخطاطيف جمع كلاب وهو الحديدة المعوقة.
2 الحديث رواه الترمذي في سننه 38-9-2433 وقال أبو عيسى الترمذي: هذا الحديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. ورواه أحمد في مسنده 3- 183.
ج / 2 ص -32- لا يشقى بعدها أبداً، وإن خفت موازينه، نادى الملك بصوت يسمع الخلائق: شقي فلان شقاوة لا يسعد بعدها أبداً"، ثم قال: إسناده ضعيف.
وقد روى الحافظان البزار وابن أبي الدنيا، عن إسماعيل بن أبي الحارث وداود بن المحمر: حدثنا صالح المزي، عن علي بن ثابت البناني، وجعفر بن زيد، زاد البزار ومنصور بن زاذان، عن أنس بن مالك يرفعه بنحوه، وقال عبد الله بن المبارك: حدثنا مالك بن مغول، عن عبيد الله بن أبي الغرار قال: عند الميزان ملك، إذا وزن العبد نادى: ألا إن فلان ابن فلان ثقلت موازينه وسعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً، ألا إن فلان ابن فلان خفت موازينه وشقي شقاوة لا يسعد بعدها أبداً.
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا الفضل بن دكين، حدثنا يوسف بن صهيب، حدثنا موسى بن أبي المختار، عن بلال العبسي، عن حذيفة، قال: صاحب الميزان يوم القيامة جبريل، يرد بعضهم على بعض، ولا ذهب يومئذ ولا فضة قال: فيؤخذ من حسنات الظالم، فإن لم يكن له حسنات، أخذ من سيئات المظلوم، فردت على الظالم.
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا محمد بن العباس بن محمد، حدثنا عبد الله بن صالح العجلي، حدثنا أبو الأحوص قال: افتخرت قريش عند سلمان، فقال سلمان: لكني خلقت من نطفة قذرة، ثم أعود جيفة منتنة، ثم يؤتى بالميزان، فإن ثقلت موازيني فأنا كريم، لكني وإن خفت فأنا لئيم.
قال أبو الأحوص: أتدري من أي شيء نجا? إذا ثقل ميزان عبد، نودي في مجمع فيه الأولون والآخرون ألا إن فلان ابن فلان سعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً، وإذا خف ميزانه نودي: ألا إن فلان ابن فلان شقي شقاوة لا يسعد بعدها أبداً.
ج / 2 ص -33- وقال البيهقي: أخبرنا أبو الحسن علي بن أبي علي السقا، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا محمد بن عبيد الله المنادي، حدثنا أيوب بن محمد، حدثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن يحيى بن معمر، عن ابن عمر، عن عمر بن الخطاب في حديث الإِيمان، قال يا محمد ما الإِيمان? قال: "الإِيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وتؤمن بالجنة، والنار، والميزان، وتؤمن بالبعث بعد الموت، وتؤمن بالقدر خيره وشره"، قال: فإذا فعلت هذا فأنت مؤمن قال: "نعم". أو قال: قال: "صدقت".
وقال شعبة: عن الأعمش، عن سمرة بن عطية، عن أبي الأخوص، عن عبد الله هو ابن مسعود قال: "للناس عند الميزان تجادل وزحام".
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا أبو نصر التمار، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن أبي عثمان المدني، عن سلمان الفارسي قال: يوضع الميزان وله كفتان، لو وضع في إحداهما السموات والأرض وما فيهما لوسعتهما، فتقول الملائكة: يا ربنا من يوزن بهذا? فيقول: من شئت من خلقي فيقولون: ربنا ما عبدناك حق عبادتك.
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا حماد بن زيد، حدثنا أبو حنيفة، عن حماد بن إبراهيم في قوله تعالى: {وَنَضَغ المَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْم الْقِيَامَةِ}. [21- الأنبياء- 47].
قال: يجاء بعمل رجل فيوضع في كفة ميزانه، ويجاء بشيء مثل الغمامة أو مثل السحاب كثرة فيوضع في كفة أخرى في ميزانه، فترجح فيقال: أتدري ما هذا? هذا العلم الذي تعلمته، وعلمته الناس، فعلموه، وعملوا به بعدك.
ج / 2 ص -34- وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا أحمد بن محمد، حدثنا علي بن إسحاق، حدثنا ابن المبارك? عن أبي بكر الهذلي قال: قال سعيد بن جبير وهو يحدثه ذاك عن ابن مسعود قال: يحاسب الناس يوم القيامة، فمن كانت حسناته أكثر من سيئاته بواحدة دخل الجنة، ومن كانت سيئاته أكثر من حسناته بواحدة دخل النار، ثم تلا: قول الله تعالى: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ}. [23- المؤمنون- 102- 103].
ثم قال: إن الميزان يخف بمثقال حبة خردل أو يرجح.
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا هارون بن سفيان، حدثنا السهمي، حدثنا عمار بن شيبة، عن سعيد بن أنس، عن الحسن، قال: يعتذر الله يوم القيامة إلى آدم ثلاث معاذير يقول: "يا آدم: لولا أني لعنت الكاذبين، وأبغض الكذب والحلف، لرحمت ذريتك اليوم من شدة ما أعددت لهم من العذاب، ولكن حق القول مني لمن كذب رسلي وعصى أمري لأملأن جهنم منهم أجمعين، ويا آدم: اعلم أني لم أعذب بالنار أحداً من ذريتك ولم أدخل النار أحداً إلا من قد سبق في علمي أنه لو رددته إِلى الدنيا لعاد إلى شر مما كان عليه، ولن يرجع، ويا آدم: أنت اليوم عدل بيني وبين ذريتك، فقم عند الميزان، فانظر ما يرفع إليك من أعمالهم، فمن رجح خيره على شره مثقال ذرة فله الجنة، حتى يعلم أني لا أعذب إلا كل ظالم".
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا محمد بن يوسف بن الصباح، حدثنا عبد الله بن وهب، عن معاوية بن صالح، عن أبى عبد الرحمن، عن أبي أمامة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
ج / 2 ص -35- "إذا كان يوم القيامة قامت ثلة من الناس يسدون الأفق، نورهم كنور الشمس، فيقال للنبي الأمي: فيتحسس لها كل نبي فيقال: محمد وأمته، ثم تقوم ثلة أخرى تسد ما بين الأفق، نورهم كنور القمر ليلة البدر، فيقال للنبي الأمي: فيتحسس لها كل نبي فيقال: محمد وأمته، ثم يجيء الرب تبارك وتعالى فيقول: هذا لك مني يا محمد، وهذا لك مني يا محمد، ثم يوضع الميزان ويؤخذ في الحساب".
فصل أقوال العلماء في تفسير الميزان الذي يكون يوم القيامة
نقل القرطبي عن بعضهم أن الميزان له كفتان عظيمتان، لو وضعت السموات والأرض في واحدة لوسعتهما، فأما كفة الحسنات فنور، وأما الأخرى فظلمة، وهو منصوب بين يدي العرش، وعن يمينه الجنة، وكفة النور من ناحيتها، وعن يساره جهنم، وكفة الظلمة من ناحيتها، قال: وقد أنكرت المعتزلة الميزان وقالوا: الأعمال عراض لا جرم لها فكيف توزن? قال: وقد روي عن ابن عباس: أن الله يخلق الأعراض أجساماً فتوزن قال: والصحيح أنه توزن كتب الأعمال. قلت: وقد تقدم ما يدل على الأول وعلى الثاني وعلى أن العامل نفسه يوزن. قال القرطبي: وقد روى مجاهد، والضحاك، والأعمش، أن الميزان هاهنا العدل والقضاء، وذكر الوزن والميزان ضرب مثل كما يقال: هذا الكلام في وزن هذا، قلت: لعل هؤلاء إنما فسروا هذا عند قوله: {وَالسَّمَاءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ألاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ وأقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِروا الْمِيزَانَ}. [ 55- الرحمن- 7- 9].
فالميزان في قوله: ووضع الميزان، أي العدل، أمر الله عباده أن يتعاملوا به فيما بينهم، فأما الميزان المذكور في زنة القيمة، فقد تواترت بذكره الأحاديث كما رأيت، وهو ظاهر القرآن.
فمن ثقلت موازينه، ومن خفت موازينه، وهذا إنما يكون للشيء المحسوس.
ج / 2 ص -36- ليس الميزان لكل فرد من أفراد الناس يوم القيامة
قال القرطبي1: فالميزان حق، وليس هو في حق كل أحد بدليل قوله تعالى: {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي والأقْدَام}. [ 55- الرحمن- 41].
وقوله صلى الله عليه وسلم: "فيقول الله: يا محمد: أدخل من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن، وهم شركاء الناس فيما سواه".
قلت: وقد تواترت الأحاديث في السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب، لكن يلزم من هذا أن لا توزن أعمالهم، وفي هذا نظر والله أعلم، وقد توزن أعمال السعداء ون كانت راجحة، لإِظهار شرفهم على رؤوس الأشهاد، والتنويه بسعادتهم ونجاتهم، وأما الكفار فتوزن أعمالهم وإن لم تكن لهم حسنات تنفعهم، يقابل بها كفرهم، لإِظهار شقائهم وفضيحتهم على رؤوس الخلائق، وقد جاء في الحديث: "أن الله لا يظلم أحداً حسنة" أما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه القرطبي في التذكرة 2- 375.
ج / 2 ص -37- الكافر فيطعمه بحسناته في الدنيا، حتى يوافي الله وليس له حسنة يجزى بها، وقد اختار القرطبي في التذكرة أن الكافر قد يوافي بصدقة وصلة رحم فيخفف بها عنه من العذاب، واستشهد بقضية أبي طالب حين جعل في ضحضاح من نار، يغلي منه دماغه، وفي هذا نظر، وقد يكون هذا خاصاً به خلصه رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب نصرته له، وقد استدل القرطبي على ذلك بقوله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْم الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ}. [ 21- الأنبياء- 47].
قلت: وقصارى هذه الآية العموم فيخص من ذلك الكافرون، وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن عبد الله بن جدعان، وذكر أنه كان يقري الضيف، ويصل الرحم، ويعتق، فهل ينفعه ذلك? قال: لا، إنه لم يقل يوماً من الدهر لا إله إلا الله، وقال تعالى: {وَقدِمْنَا إلى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَل فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً}. [ 25- الفرقان- 23].
وقال: {حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيئَاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّه سَرِيعُ الحِسَابِ}. [24-النور- 39].
وقال: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَزوا بِرَبهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ في يَوْم عَاصِفٍ}. [ 14- إبراهيم- 18]. الآية.
ج / 2 ص -38- وقال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةِ يَحْسَبُة الظمآنُ ماءً حتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنده فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ واللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ}.
فصل
قال القرطبي وغيره: من ثقلت حسناته على سيئاته ولو بزوانة دخل الجنة، ومن كانت سيئاته أثقل ولو بزوانة دخل النار، إلا أن يغفر اللّه، ومن استوت حسناته وسيئاته فهو من أهل الأعراف.
وروي مثل هذا عن ابن مسعود رضي الله عنه.
قلت: يشهد لذلك قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً}. [4- النساء- 40].
لكن ما أعلم: من ثقلت حسناته على سيئاته بحسنة أو بحسنات، هل يدخل الجنة ويرتفع في درجاتها بجميع حسناته. ويكون قد أحبطت السيئات التي قابلتها? أو يدخلها مما يبقي له من الحسنات الراجحة على السيئات وتكون الحسنات قد أسقطت ما وراءها من السيئات?
 
=====
اخر كتاب نهاية البدايةوالنهاية لابن كثير
======

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق