الجنة والنار عياذا بالله الواحد

حمل المصحف
9 مصاحف روابط 9 مصاحف
/ /////

الاثنين، 23 مايو 2016

ما ورد في كلام الرب سبحانه مع العلماء يوم فصل القضاء و أول كلامه عز وجل ، للمؤمنين

ما ورد في كلام الرب سبحانه مع العلماء يوم فصل القضاء

قال الطبراني : حدثنا أحمد بن زهير ، حدثنا العلاء بن مسلمة ، حدثنا [ ص: 492 ] إبراهيم الطالقاني ، حدثنا ابن المبارك ، عن سفيان ، عن سماك بن حرب ، عن ثعلبة بن الحكم ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يقول الله تعالى للعلماء إذا جلس على كرسيه لفصل القضاء : إني لم أجعل علمي وحكمتي فيكم ، إلا وأنا أريد أن أغفر لكم على ما كان منكم ، ولا أبالي " .

قلت : ولا يصح ، ولو صح كان المراد به العلماء العاملون . والله أعلم 

  أول كلامه عز وجل ، للمؤمنين

قال أبو داود الطيالسي : حدثنا عبد الله بن المبارك ، حدثني يحيى بن أيوب ، عن عبيد الله بن زحر ، عن خالد بن أبي عمران ، عن أبي عياش ، عن معاذ بن جبل ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن شئتم أنبأتكم بأول ما يقول الله عز وجل للمؤمنين يوم القيامة ، وبأول ما يقولون له " . قالوا : نعم يا رسول الله ، قال : " فإن الله تعالى يقول للمؤمنين : هل أحببتم لقائي؟ فيقولون : نعم يا ربنا . فيقول : وما حملكم على ذلك؟ فيقولون : عفوك ورحمتك [ ص: 493 ] ورضوانك . فيقول؟ فإني قد أوجبت لكم رحمتي .






تشريف إبراهيم الخليل يوم القيامة على رءوس الأشهاد

تشريف إبراهيم الخليل ، عليه السلام ، يوم القيامة على رءوس الأشهاد

قال الله تعالى : وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين [ العنكبوت : 27 ] . وقال البخاري : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا غندر ، حدثنا شعبة ، عن المغيرة بن النعمان ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : قام فينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب ، فقال : " إنكم محشورون حفاة عراة غرلا كما بدأنا أول خلق نعيده الآية [ الأنبياء : 104 ] . وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم الخليل ، وإنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال ، فأقول : يا رب ، أصحابي . فيقول : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك . فأقول كما قال العبد الصالح : وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم إلى قوله الحكيم [ المائدة : 117 ، 118 ] . قال : " فيقال : إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم "

كلام الرب تعالى مع نوح ، عليه السلام ، وسؤاله إياه عن البلاغ

كلام الرب تعالى مع نوح ، عليه السلام ، وسؤاله إياه عن البلاغ

كما قال الله تعالى : فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين [ الأعراف : 6 ] .

وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يدعى نوح ، عليه السلام ، يوم القيامة ، فيقال له : هل بلغت؟ فيقول : نعم . فيدعى قومه ، فيقال : هل بلغكم؟ فيقولون : ما أتانا من نذير " أو : " ما أتانا من أحد " . قال : " فيقال لنوح : من يشهد لك ؟ فيقول : محمد وأمته " . قال : " فذلك قوله : وكذلك جعلنكم أمة وسطا [ البقرة : 143 ] . قال : " والوسط العدل " ، قال : " فيدعون ، فيشهدون له بالبلاغ " . قال : " ثم أشهد عليكم " .

وهكذا رواه البخاري ، والترمذي ، والنسائي ، من طرق عن الأعمش ، به ، وقال الترمذي : حسن صحيح .

[ ص: 485 ] وقد رواه الإمام أحمد ، بلفظ أعم من هذا ، فقال : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يجيء النبي يوم القيامة ومعه الرجل ، والنبي ومعه الرجلان ، وأكثر من ذلك ، فيدعى قومه ، فيقال لهم : هل بلغكم هذا؟ فيقولون : لا . فيقال له : هل بلغت قومك؟ فيقول : نعم . فيقال له : من يشهد لك؟ فيقول : محمد وأمته . فيدعى وأمته ، فيقال لهم : هل بلغ هذا قومه؟ فيقولون : نعم . فيقال : وما علمكم؟ فيقولون : جاءنا نبينا ، فأخبرنا أن الرسل قد بلغوا . فذلك قوله : وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس قال : يقول : " عدلا ، لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا [ البقرة : 143 ] . وهكذا رواه ابن ماجه ، عن أبي كريب ، وأحمد بن سنان ، كلاهما عن أبي معاوية .

قلت : ومضمون هذا أن هذه الأمة يوم القيامة يكونون عدولا عند سائر الأمم والأنبياء ، ولهذا يستشهد بهم سائر الأنبياء على أممهم ، ولولا اعتراف أممهم بشرف هذه الأمة لما حصل إلزامهم بشهادتهم .

وفي حديث بهز بن حكيم ، عن أبيه ، عن جده معاوية بن حيدة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أنتم توفون سبعين أمة أنتم خيرها ، وأكرمها على الله عز وجل "

كلام الرب تعالى مع آدم ، عليه السلام

كلام الرب تعالى مع آدم ، عليه السلام

قال الإمام أحمد : حدثنا قتيبة ، حدثنا عبد العزيز بن محمد ، عن ثور ، عن أبي الغيث ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أول من يدعى يوم القيامة آدم ، فيقال : هذا أبوكم آدم . فيقول : يا رب ، لبيك وسعديك . فيقول له ربنا : أخرج نصيب جهنم من ذريتك . فيقول : يا رب ، وكم؟ فيقول : من كل مائة تسعة وتسعين " . فقلنا : يا رسول الله ، أرأيت إذا أخذ منا من كل مائة تسعة وتسعين ، فماذا يبقى منا؟ قال : " إن أمتي في الأمم كالشعرة البيضاء في الثور الأسود " .

ورواه البخاري عن إسماعيل بن عبد الله ، عن أخيه ، عن سليمان بن بلال ، عن ثور بن زيد الديلي ، عن سالم أبي الغيث ، مولى ابن مطيع ، عن أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أول من يدعى يوم القيامة آدم ، فتراءى ذريته ، فيقال : هذا أبوكم آدم . فيقول : لبيك وسعديك . فيقول : أخرج بعث جهنم من ذريتك " . وذكر تمامه كما تقدم .

وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يقول الله عز وجل يوم القيامة : يا آدم ، قم فابعث بعث النار . فيقول : لبيك وسعديك ، والخير في يديك ، يا رب ، وما بعث النار؟ قال : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين . قال : فحينئذ يشيب المولود ، يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد [ ص: 483 ] [ الحج : 2 ] .

قال : فيقولون : فأينا ذلك الواحد؟ قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تسعمائة وتسعة وتسعون من يأجوج ومأجوج ، ومنكم واحد " . قال : فقال الناس : الله أكبر . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والله إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة ، والله إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة ، والله إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة " . قال : فكبر الناس . قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما أنتم يومئذ في الناس إلا كالشعرة البيضاء في الثور الأسود ، أو كالشعرة السوداء في الثور الأبيض
" .

ورواه البخاري ، عن عمر بن حفص بن غياث ، عن أبيه ، عن الأعمش ، به . ورواه مسلم ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن وكيع به ، وأخرجاه من طرق أخر ، عن الأعمش ، به .

وفى " صحيح البخاري " عن بندار ، عن غندر ، عن شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في قبة ، فقال : " أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟ " قلنا : نعم . قال : " أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة ؟ " . قلنا : نعم . قال : " أترضون أن تكونوا شطر أهل الجنة ؟ " . قلنا : نعم . قال : " والذي نفس محمد [ ص: 484 ] بيده ، إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة ، وذلك أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة ، وما أنتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود ، أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر "

مجيء الرب سبحانه وتعالى كما يشاء يوم القيامة لفصل القضاء بين خلقه

مجيء الرب سبحانه وتعالى كما يشاء يوم القيامة لفصل القضاء بين خلقه

ذكر في حديث الصور المتقدم أنه إذا ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم فشفع عند الله عز وجل ليفصل بين العباد ، فيقول الرب تعالى : أنا آتيكم فأقضي بينكم . ثم يرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقف مع الناس في مقامه الأول ، فحينئذ تنشق السماوات بغمام النور ، وتنزل الملائكة تنزيلا ، فينزل أهل السماء الدنيا ، وهم قدر أهل الأرض من الجن والإنس ، فيحيطون بهم دائرة ، ثم تنشق السماء الثانية فتنزل ملائكتها وهم قدر الجن والإنس وقدر ملائكة سماء الدنيا ، فيحيطون بمن هناك من الملائكة والجن والإنس دائرة ، ثم كذلك أهل السماء الثالثة ، والرابعة ، ثم الخامسة ، ثم السادسة ، ثم السابعة ، فكل أهل سماء تحيط بمن قبلهم دائرة ، ثم تنزل الملائكة الكروبيون وحملة العرش ، ومن حوله من المقربين ، ولهم زجل بالتسبيح والتقديس والتعظيم; يقولون : سبحان ذي العزة والجبروت ، سبحان ذي الملك والملكوت ، سبحان الحي الذي لا يموت ، سبحان الذي يميت الخلائق ولا يموت . ثم يأتيهم الله لفصل القضاء .

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا في " الأهوال " : حدثنا حمزة بن العباس ، أخبرنا عبد الله بن عثمان ، أخبرنا ابن المبارك ، أخبرنا عوف ، عن أبي المنهال سيار بن سلامة الرياحي ، حدثنا شهر بن حوشب ، حدثني ابن عباس ، قال : إذا [ ص: 474 ] كان يوم القيامة مدت الأرض مد الأديم ، وزيد في سعتها كذا وكذا ، وجمع الخلائق بصعيد واحد; جنهم وإنسهم ، فإذا كان كذلك قيضت هذه السماء الدنيا عن أهلها ، فنثروا على وجه الأرض ، ولأهل هذه السماء الدنيا وحدهم أكثر من جميع أهل الأرض ، جنهم وإنسهم بالضعف ، فإذا رآهم أهل الأرض فزعوا إليهم ، ويقولون : أفيكم ربنا؟ فيفزعون من قولهم ، ويقولون : سبحان ربنا ليس فينا ، وهو آت . ثم تقاض السماء الثانية ، ولأهل السماء الثانية أكثر من أهل هذه السماء الدنيا ، ومن جميع أهل الأرض بالضعف ، فإذا نثروا على وجه الأرض فزع إليهم أهل الأرض ، ويقولون : أفيكم ربنا؟ فيفزعون من قولهم ، ويقولون : سبحان ربنا! ليس فينا ، وهو آت . ثم تقاض السماوات سماء سماء ، كلما قيضت سماء كانت أكثر من أهل السماوات التي تحتها ، ومن جميع أهل الأرض بالضعف؟ جنهم وإنسهم ، كلما نثروا على وجه الأرض فزع إليهم أهل الأرض ، ويقولون لهم مثل ذلك ، ويرجعون إليهم مثل ذلك حتى تقاض السماء السابعة ، ولأهلها وحدهم أكثر من أهل ست سماوات ، ومن أهل الأرض بالضعف ، ويجيء الله فيهم ، والأمم جثا صفوف ، فينادي مناد : ستعلمون اليوم من أصحاب الكرم ، ليقم [ ص: 475 ] الحمادون لله على كل حال ، فيقومون فيسرحون إلى الجنة ، ثم ينادي ثانية : ستعلمون من أصحاب الكرم اليوم ، ليقم الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون [ السجدة : 16 ] ، فيقومون فيسرحون إلى الجنة ، ثم ينادي ثالثة : ستعلمون من أصحاب الكرم اليوم ، ليقم الذين كانوا لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار [ النور : 37 ] ، فيقومون فيسرحون إلى الجنة ، فإذا لم يبق أحد من هؤلاء الثلاثة خرج عنق من النار ، فأشرف على الخلائق ، له عينان بصيرتان ، ولسان فصيح ، فيقول : إني وكلت بثلاثة ، وكلت بكل جبار عنيد . فيلقطهم من الصفوف لقط الطير حب السمسم ، فيخنس بهم في جهنم ، ثم يخرج الثانية ، فيقول : إني وكلت بمن آذى الله ورسوله . فيلقطهم من الصفوف لقط الطير حب السمسم ، فيخنس بهم في جهنم ، ثم يخرج الثالثة ، فيقول : إني وكلت بأصحاب التصاوير . فيلقطهم من الصفوف لقط الطير حب السمسم ، فيخنس بهم في جهنم ، فإذا أخذ من هؤلاء ثلاثة ، ومن هؤلاء ثلاثة ، نشرت الصحف ، ووضعت الموازين ، ودعيت الخلائق للحساب .

وقد قال الله تعالى : [ ص: 476 ] كلا إذا دكت الأرض دكا دكا وجاء ربك والملك صفا صفا وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى [ الفجر : 21 - 23 ] ، الآيات . وقال تعالى : هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر وإلى الله ترجع الأمور [ البقرة : 210 ] وقال تعالى : وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون [ الزمر : 69 ، 70 ] . وقال تعالى : ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا [ الفرقان : 25 ، 26 ] .

وقال في حديث الصور : " فيضع الله كرسيه حيث شاء من أرضه . يعني بذلك كرسي فصل القضاء ، وليس هذا بالكرسي المذكور في آية الكرسي ، ولا المذكور في " صحيح ابن حبان " : " ما السماوات السبع والأرضون السبع وما فيهن وما بينهن في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة ، وما الكرسي في العرش إلا كتلك الحلقة بتلك الفلاة ، والعرش لا يقدر قدره إلا الله عز وجل " .

وقد يطلق على هذا الكرسي اسم العرش ، فقد ورد ذلك في بعض الأحاديث ، كما في " الصحيحين " من حديث أبي هريرة : سبعة يظلهم الله في ظله " - وفي رواية : " في ظل عرشه " - " يوم لا ظل إلا ظله " الحديث بتمامه .

[ ص: 477 ] وثبت في " صحيح البخاري " من حديث الزهري ، عن أبي سلمة ، وعبد الرحمن الأعرج ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا كان يوم القيامة فإن الناس يصعقون ، فأكون أول من يفيق ، فأجد موسى باطشا بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أصعق فأفاق قبلي ، أم جوزي بصعقة الطور؟ " . فقوله : " أم جوزي بصعقة الطور يدل على أن هذا الصعق الذي يحصل للناس يوم القيامة سببه تجلي الرب سبحانه لعباده لفصل القضاء ، فيصعق الناس من تجلي العظمة والجلال ، كما صعق موسى يوم الطور حين تجلى ربه للجبل فجعله دكا ، وخر موسى صعقا .

فموسى ، عليه السلام ، إذا صعق الناس يوم القيامة ; إما أن يكون جوزي بصعقة الطور فلا يصعق يومئذ ، وإما أن يكون صعق فأفاق ، أي صعق صعقة خفيفة ، فأفاق قبل الناس كلهم . والله أعلم .

وقد ورد في بعض الأحاديث ، أن المؤمنين يرون الله في عرصات القيامة ، كما ثبت في " الصحيحين " ، واللفظ للبخاري من طريق قيس بن أبي حازم ، عن جرير بن عبد الله ، قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة البدر ، فقال : " إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون هذا لا تضامون في رؤيته " . وفي رواية للبخاري : " إنكم سترون ربكم عيانا .

[ ص: 478 ] وجاء أنهم يسجدون له سبحانه يومئذ ، كما قال ابن ماجه : حدثنا جبارة بن المغلس الحماني ، حدثنا عبد الأعلى بن أبي المساور ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا جمع الله الخلائق يوم القيامة أذن لأمة محمد في السجود ، فيسجدون له طويلا ، ثم يقال : ارفعوا رءوسكم ، فقد جعلنا عدتكم فداءكم من النار " . وله شواهد من وجوه أخر ، كما سيأتي .

وقال البزار : حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا يحيى بن حماد ، حدثنا أبو عوانة ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " حتى إن أحدهم ليتلفت فيكشف عن ساق ، فيقعون سجودا ، وترجع أصلاب المنافقين حتى تكون عظما ، كأنها صياصي البقر " . ثم قال : لا نعلم حدث به عن الأعمش إلا أبا عوانة ، قلت : وسيأتي له شاهد من وجه آخر .

وذكر في حديث الصور : " إن الله ينادي العباد يوم القيامة فيقول : إني قد أنصت لكم منذ خلقتكم إلى يومكم هذا ، أرى أعمالكم وأسمع أقوالكم ، فأنصتوا لي ، فإنما هي أعمالكم ، وصحفكم تقرأ عليكم ، فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه " .

وروى الإمام أحمد ، من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن جابر [ ص: 479 ] بن عبد الله ، أنه اشترى راحلة ، وسار إلى عبد الله بن أنيس شهرا ; ليسمع منه حديثا بلغه عنه ، فلما سأله عنه ، قال : سمعت رسول الله يقول : " يحشر الناس يوم القيامة - أو قال : العباد - عراة غرلا بهما " . قلنا : وما بهما ؟ قال : " ليس معهم شيء ، ثم يناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب : أنا الملك ، أنا الديان ، لا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وله عند أحد من أهل الجنة حق حتى أقصه منه ، ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحد من أهل النار عنده حق ، حتى أقصه منه ، حتى اللطمة " . قال : قلنا : وكيف وإنا إنما نأتي الله بهما ؟ قال : " بالحسنات والسيئات " .

وفى " صحيح مسلم " ، عن أبي ذر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الإلهي الطويل : " يا عبادي ، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها ، فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه " .

وقد قال تعالى : إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود وما نؤخره إلا لأجل معدود يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد [ هود : 103 - 105 ] . ثم ذا سبحانه ما أعده للأشقياء ، وما أعده للسعداء ، وقال تعالى : يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا [ النبإ : 38 ] .

وثبت في " الصحيحين " : " ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل " . وقد عقد [ ص: 480 ] البخاري ، رحمه الله بابا في ذلك ، فقال في كتاب التوحيد من " صحيحه " : باب كلام الرب ، سبحانه وتعالى يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم . ثم أورد فيه حديث أنس في الشفاعة بتمامه ، وحديث عدي : " ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه " الحديث ، وحديث ابن عمر في النجوى .

ونحن نورد في هذه الترجمة أحاديث أخر ، مناسبة لهذا الباب . وقد قال الله تعالى : يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا [ المائدة : 109 ] . وقال تعالى : فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين [ الأعراف : 6 ، 7 ] . وقال تعالى : فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون [ الحجر : 92 ، 93 ] .

وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا حمزة بن العباس ، أخبرنا عبد الله بن عثمان ، أنبأنا ابن المبارك ، أنبأنا رشدين بن سعد ، أخبرني ابن أنعم المعافري ، عن حبان بن أبي جبلة ، يسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا جمع الله عباده يوم القيامة كان أول من يدعى إسرافيل ، فيقول له ربه : ما فعلت في عهدي؟ هل بلغت عهدي؟ فيقول : نعم يا رب ، قد بلغته جبريل ، فيدعى جبريل فيقال له : هل بلغك إسرافيل عهدي؟ فيقول : نعم ، قد بلغني . فيخلى عن إسرافيل ، ويقال لجبريل : هل بلغت عهدي؟ فيقول : نعم ، قد بلغت الرسل . فتدعى الرسل [ ص: 481 ] فيقول لهم : هل بلغكم جبريل عهدي؟ فيقولون : نعم . فيخلى عن جبريل ، ويقال للرسل : ما فعلتم بعهدي؟ فيقولون : بلغنا أممنا . فتدعى الأمم ، فيقال لهم : هل بلغكم الرسل عهدي؟ فمنهم المكذب ، ومنهم المصدق ، فيقول الرسل : إن لنا عليهم شهداء يشهدون أن قد بلغنا مع شهادتك . فيقول : من يشهد لكم؟ فيقولون : أمة أحمد . فتدعى أمة أحمد ، فيقول : أتشهدون أن رسلي هؤلاء قد بلغوا عهدي إلى من أرسلوا إليه؟ فيقولون : نعم رب ، شهدنا أن قد بلغوا . فتقول تلك الأمم : كيف يشهد علينا من لم يدركنا؟ فيقول لهم الرب تعالى : كيف تشهدون على من لم تدركوا؟ فيقولون : ربنا ، بعثت إلينا رسولا ، وأنزلت إلينا عهدك وكتابك ، وقصصت علينا أنهم قد بلغوا ، فشهدنا بما عهدت إلينا . فيقول الرب : صدقوا . فذلك قوله تعالى : وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا [ البقرة : 143 ] .

قال ابن أنعم : فبلغني أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم تشهد ، إلا من كان في قلبه حنة على أخيه

ذكر أن لكل نبي حوضا ، وأن حوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين أعظمها ، وأجلها ، وأكثرها واردا جعلنا الله تعالى من وراده ، وسقانا منه شربة لا نظمأ بعدها ، ونعوذ بالله سبحانه أن نذاد عنه

ذكر أن لكل نبي حوضا ، وأن حوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين أعظمها ، وأجلها ، وأكثرها واردا جعلنا الله تعالى من وراده ، وسقانا منه شربة لا نظمأ بعدها ، ونعوذ بالله سبحانه أن نذاد عنه

قال الحافظ أبو بكر بن أبي الدنيا ، رحمه الله ، في كتاب " الأهوال " : حدثنا محمد بن سليمان الأسدي حدثنا عيسى بن يونس ، عن زكريا ، عن عطية ، عن أبي سعيد الخدري ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن لي حوضا طوله ما بين الكعبة إلى بيت المقدس ، أشد بياضا من اللبن ، آنيته عدد النجوم ، وكل نبي يدعو أمته ، ولكل نبي حوض ، فمنهم من يأتيه الفئام ، ومنهم من يأتيه العصبة ، ومنهم من يأتيه النفر ، ومنهم من يأتيه الرجلان والرجل ، ومنهم من لا يأتيه أحد ، فيقال : لقد بلغت . وإني لأكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة " .

ورواه ابن ماجه ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن محمد بن بشر ، عن زكريا بن أبي زائدة ، عن عطية بن سعد العوفي ، عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بنحوه .

حديث آخر : قال ابن أبي الدنيا : حدثنا العباس بن محمد ، حدثنا الحسين بن محمد المروزي ، حدثنا محصن بن عقبة اليمامي ، عن الزبير بن شبيب ، [ ص: 468 ] عن عثمان بن حاضر ، عن ابن عباس ، قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوقوف بين يدي رب العالمين هل فيه ماء؟ فقال : " إي والذي نفسي بيده ، إن فيه لماء ، إن أولياء الله ليردون حياض الأنبياء ، ويبعث الله سبعين ألف ملك في أيديهم عصي من نار ، يذودون الكفار عن حياض الأنبياء " . هذا حديث غريب من هذا الوجه ، وليس هو في شيء من الكتب الستة .

وتقدم ما رواه الترمذي ، والطبراني ، وغيرهما من حديث سعيد بن بشير ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن لكل نبي حوضا ، وإنهم يتباهون أيهم أكثر واردة ، وإني لأرجو أن أكون أكثرهم واردة " . ثم قال الترمذي : هذا حديث غريب ، وقد رواه أشعث بن عبد الملك ، عن الحسن مرسلا ، وهو أصح .

ورواه الطبراني أيضا من حديث خبيب بن سليمان ، عن سمرة بن جندب ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الأنبياء يتباهون أيهم أكثر أصحابا ، وإني أرجو أن أكون يومئذ أكثرهم واردة ، وإن كل رجل منهم يومئذ قائم على حوض ملآن ، معه عصا يدعو من عرف من أمته ، ولكل أمة سيما يعرفهم بها نبيهم .

[ ص: 469 ] وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا خالد بن خداش ، حدثنا حزم بن أبي حزم ، سمعت الحسن البصري يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا فقدتموني فأنا فرطكم على الحوض ، إن لكل نبي حوضا وهو قائم على حوضه ، بيده عصا ، يدعو من عرف من أمته ، ألا وإنهم يتباهون أيهم أكثر تبعا ، والذي نفسي بيده إني لأرجو أن أكون أكثرهم تبعا " . وذكر تمام الحديث ، وهذا مرسل عن الحسن ، وهو حسن ، صححه يحيى بن سعيد القطان وغيره ، وقد أفتى شيخنا الحافظ المزي بصحته بهذه الطرق .

إن قال قائل : فهل يكون الحوض قبل الجواز على الصراط أو بعده؟ فالجواب أن ظاهر ما تقدم من الأحاديث يقتضي كونه قبل الصراط لأنه يذاد عنه أقوام يقال عنهم : إنهم لم يزالوا يرتدون على أدبارهم ، وأعقابهم منذ فارقتهم . فإن كان هؤلاء كفارا فالكافر لا يجاوز الصراط ، بل يكب على وجهه في النار قبل أن يجاوزه ، وقيل : إن الصراط طريق ومعبر إلى الجنة ، فهو إنما ينصب للمؤمنين ، والعصاة ، والفساق ، والظلمة ، تحفظهم عليه الكلاليب ، فمنهم المخدوش المسلم ، ومنهم من يأخذ الكلوب فيهوي في النار على وجهه ، وإن كان المشار إليهم بالردة عصاة من المسلمين فيبعد حجبهم عن الحوض ، لاسيما وعليهم سيما الوضوء ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعرفكم غرا محجلين من آثار الوضوء " .

[ ص: 470 ] ثم من جاوز الصراط لا يكون إلا ناجيا مسلما ، فمثل هذا لا يحجب عن الحوض ، فالأشبه ، والله أعلم أن الحوض قبل الصراط .

فأما الحديث الذي قال الإمام أحمد : حدثنا يونس ، حدثنا حرب بن ميمون ، عن النضر بن أنس ، عن أنس ، قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن يشفع لي يوم القيامة . قال : " أنا فاعل " . قال : فأين أطلبك يوم القيامة يا نبي الله؟ قال : " اطلبني أول ما تطلبني على الصراط " . قال : قلت : فإن لم ألقك على الصراط ؟ قال : " فأنا عند الميزان " . قلت : فإن لم ألقك عند الميزان ؟ قال : " فأنا عند الحوض ، لا أخطئ هذه الثلاث مواطن يوم القيامة " .

ورواه الترمذي من حديث بدل بن المحبر ، وابن ماجه في " تفسيره " من حديث عبد الصمد ، كلاهما عن حرب بن ميمون أبي الخطاب الأنصاري البصري ، من رجال مسلم ، وقد وثقه علي بن المديني ، وعمرو بن علي الفلاس ، وفرقا بينه وبين حرب بن ميمون أبي عبد الرحمن العبدي البصري أيضا ، صاحب الأغمية ، وضعفا هذا .

وأما البخاري فجعلهما واحدا ، وحكى عن سليمان بن حرب أنه قال : كان هذا أكذب الخلق . وأنكر الدارقطني على البخاري ، ومسلم في جعلهما هذين واحدا .

[ ص: 471 ] وقال شيخنا الحافظ المزي : جمعهما غير واحد ، وفرق بينهما غير واحد ، وهو الصحيح ، إن شاء الله . قلت : وقد حررت هذا في " التكميل " بما فيه كفاية .

وقال الترمذي : هذا حديث حسن غريب ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه .

والمقصود : أن ظاهر هذا الحديث يقتضي أن الحوض بعد الصراط ، وكذلك الميزان أيضا ، وهذا لا أعلم به قائلا ، اللهم إلا أن يكون المراد به حوضا آخر ، يكون بعد قطع الصراط ، كما جاء في بعض الأحاديث ، ويكون ذلك حوضا ثانيا لا يذاد عنه أحد ، والله سبحانه أعلم .



وإذا كان الظاهر كونه قبل الصراط ، فهل يكون ذلك قبل وضع الكرسي لفصل القضاء أو بعد ذلك ؟ هذا مما يحتمل كلا من الأمرين ، ولم أر في ذلك شيئا فاصلا ، فالله أعلم أي ذلك يكون .

وقال القرطبي في " التذكرة " : واختلف في الميزان والحوض؟ أيهما يكون قبل الآخر؟ فقيل : الميزان قبل . وقيل : الحوض . قال أبو الحسن القابسي : والصحيح أن الحوض قبل . قال القرطبي : والمعنى يقتضيه فإن الناس يخرجون عطاشا من قبورهم كما تقدم - فيقدم قبل الميزان والصراط .

[ ص: 472 ] قال أبو حامد الغزالي في كتاب " كشف علم الآخرة " : حكى بعض السلف من أهل التصنيف أن الحوض يورد بعد الصراط ، وهو غلط من قائله . قال القرطبي : هو كما قال . ثم أورد حديث منع المرتدين على أعقابهم عن الحوض ، ثم قال : وهذا الحديث مع صحته أدل دليل على أن الحوض يكون في الموقف قبل الصراط ; لأن الصراط من جاز عليه سلم ، كما سيأتي . قلت : وهذا التوجيه قد أسلفناه . ولله الحمد .

قال القرطبي : وقد ظن بعض الناس أن في تحديد الحوض تارة بجرباء وأذرح ، وتارة كما بين الكعبة إلى كذا ، وتارة بغير ذلك ، اضطرابا . قال : وليس الأمر كذلك ؟ فإنه صلى الله عليه وسلم حدث أصحابه به مرات متعددة ، فخاطب في كل مرة لكل قوم بما يعرفون من الأماكن ، وقد جاء في الصحيح تحديده بشهر في شهر . قال : ولا يخطر ببالك أنه في هذه الأرض ، بل في الأرض المبدلة ، وهي أرض بيضاء كالفضة ، لم يسفك فيها دم ، ولم يظلم على ظهرها أحد قط ، تطهر لنزول الجبار جل جلاله ، لفصل القضاء .

قال : وقد روي أن على كل زاوية من زوايا الحوض واحدا من الخلفاء الأربعة ، فعلى الركن الأول أبو بكر ، وعلى الثاني عمر ، وعلى الثالث عثمان ، وعلى الرابع علي ، رضي الله عنهم . قلت : وقد رويناه في " الغيلانيات " ، ولا يصح إسناده لضعف بعض رجاله . والله أعلم